مذكرات وأوراق للدكتور محمد عثمان أبوبكر - الحلقة الرابعة

بقلم المناضل الأستاذ: محمد عثمان أبوبكر - القيادي في التنظيم الموحد سابقا

تم توجيهي من قبل عثمان صالح سبي للسفر إلى إرتريا في عام 1962. والكل في تلك الفترة لم يصدقوني ويثقوا بي لتنفيذ المهمة

التي أوكلت لي. وحينما وصلت إلى إرتريا الكل كان يتهرب مني خوفاً وخشية على نفسه. وأجبروا أحمد شيخ فرس الذي يعمل في الباخرة المتجهة إلى جدة - مصوع، ولحسن الحظ التقى أحمد شيخ فرس بعثمان سبي وإدريس محمد أدم وسألهم قائلاً هل أنتم قمتم بتكليف محمد عثمان أخبراه بأن ذلك صحيحاً فطلب منهما أحمد شيخ فرس إعطائه مكتوباً يؤكد ذلك باعتباره موثقاً المهمة محمد عثمان أبوبكر وصلاحية تامة ليقوم بتأسيس جبهة في سمهر وبقية أجزاء إرتريا وفعلاً بعد عودة أحمد شيخ فرس وجدت الثقة بعد أن قابلني وأخبرني بان ما قلته له كان صحيحاً واجتمعت بهم في مصوع وطلبت منهم أن يجندوا بعض الأفراد في الجبهة واتفقنا على هذا الأمر.

الوحيد الذي قابلني بحفاوة كان أحمد عبد القادر بشير شقيق صالح بشير وسألني مستفسراً عن أحوال عثمان سبي وإدريس محمد أدم.

وكان أحمد عبد القادر من الشخصيات الوطنية البارزة وكانت السلطات الإثيوبية تعتقله مرة كل ستة أشهر بسبب معارضته الصريحة.

وبعدها اخبرني مستعد للعمل من أجل الوطن وقال لي أنه سيعد رسائلك للسعودية وطلبت منه العمل الجماعي وقال لي أن مجموعة أخي صالح ليسوا جادين في العمل على كل حال اتفقنا على تشكيل لجنة كان من ضمنها محمد نور كيكيا ومصطفى محمد سعيد أدم التحق لاحقاً بالثورة وعبد العزيز إدريس علي وأحمد سليمان، كما التقيت في أسمرا بشباب كرن وأغوردات وكانت هذه الجنة مسئولة عن مصوع وكرن وأغوردات رئيسها كان سيد أحمد محمد هاشم وهو حي يرزق وعين لاحقاً عضو في المجلس الاعلى للجبهة.

وحينما رجعت إلى حرقيقو وجدت محمد إدريس طروم صديق والدي وكنت أقدره وأخبرني بأنه عضو في الحركة والتقيت بحسين محمد باقر ونافع شيواي أخبروني بأنهم أعضاء في الحركة ولا يمكن التنصل منها باعتبار كيان سياسي قائم.

اختلفت منذ تلك اللحظة مع حسين باقر سبب ذلك بالرغم من أنه كان عضوا معي في اتحاد الشباب بسمهر وكان رفيقي في الصراع الدائر وصديق سبي. وأتذكر تماماً أن حسين باقر كان نية للسفر معنا إلى القاهرة لأجل الدراسة، إلا أن والده كان حاداً جداً لأسباب ذهب للدراسة في أديس أبابا وكان في ضيافة بن خالته عبد القادر جابر قولاي عضو البرلمان الإثيوبي كنت اعتقد أنه أول المرشحين في الجبهة وخاصة أنني كنت مكلفاً من قيادة الجبهة، وفي نفس الفترة جاء عم إبراهيم سراج من القاهرة وهو أيضاً كان مكلف بتجنيد الناس من قبل فرع الحركة في القاهرة.

وقد جاء قبل سنة 1960 ولم يكن لديه دراية بإعلان الثورة ولذلك ارتبطوا معه في هذا المجال، واخبرتهم بأن عمر إبراهيم كان عضواً في الحركة والثورة أعلنت بعده. على كل حال افترقنا مع حسين باقر ونافع شواي وكل مؤمن بمبدئه وفي هذا الإطار التقيت بـ محمد إدريس طروم وكان معهم في الحركة، وقال أرحب بالجبهة وأنا من اليوم مساعداً سأكون عضواً في الجبهة وأصدق ما كلفت به وفعلاً أخذني إلى بيت صالح دندن في حرقيقو والبيت كانت مهجورة بسبب سفرهم إلى جدة.

وقال عمر إدريس طروم بفتح النافذة واستخرج منها وثائق الحركة التي كان يخبئها في النافذة بطريقته الخاصة ومن يومها كان محمد إدريس عضو أساسي في الجبهة وربطته بالمجموعة التي جندتها في الفرع، وبين المجموعتين حصلت عبد العزيز إدريس علي حمزة وصل بين مجموعة طروم والأخر في مصوع، وقفت التجربة لوحدي وزملاي بحسب ما كلفت به ولاحقاً التزم معي بقية الشباب الذين كانوا منضوين تحت اتحاد شباب سمهر واسسنا فرع قوي في مصوع وأسمرا بحسب ما ذكرته سابقاًُ.

وبعدها أخبرني حسين باقر بأن لهم قيادة وخاصة تصريحات الزعيم الإرتري ولدآب ولدماريام كانت منتشرة، وكان له ركن إذاعي من القاهرة موجة إلى إرتريا وكان يقول فيه أن الحركة شحنت باخرتين من السلاح في طريقها إلى إرتريا وسوف تسلم لحركة تحرير إرتريا لمقاومة الاحتلال الإثيوبي والحركة بعد أن أكملت نضالها السلمي بدأت تتجه إلى العمل العسكري لانتزاع الحق بقوة السلاح، وهذا كله دعاية إعلامية حتى لا يفقدوا جماهيرهم المنضوية في الحركة.

وبعد إعلان الكفاح المسلح بقيادة حامد إدريس عواتي 1 سبتمبر 1961 أثرت هذه الدعاية على الجماهير التي كانت منضوية تحت إطار الحركة (حركة تحرير إرتريا) الأخ حسين محمد باقر كانت من المجموعات النشطة في هذا المجال وقال لي لا نستطيع أن تتخلى من تنظيمات خاصة أنه أعلن عن إيمانه بالعمل العسكري لمواجهة الظلم والطغيان الإثيوبي وبحكم الترابط اختلافنا في الرأي العام لم يفسد للواقعية ولكن أخبرته بأنني كنت أتوقع والإثيوبيون قرروا بإعدام وحرق هذه الأوراق ويدققوا من جديد على الأسماء والمراقبة تكن لصيقة ويطاردوا الناس، الحركة انتهت في أسمرا خريطة المناطق الإرترية وبذلك وجدت أراضيه خصبة لاستيعاب الناس في الجبهة والأرض كانت ــ وثقافتهم ثقافة عسكرية إذا لم تمارس عليه التفجير كانوا يقولون لك أن الثورة لن تنجح وبالتالي أغوردات جرح حامد فرج رئيس البرلمان منيليك ومجموعات ـ من موظفي الحكومة.

أغلب الحركة كان يراسها في السودان طاهر قداب، ومحمد صالح محمود، وصالح اياي في السودان.

على كل حال ذهبت إلى أسمرا في بيت زرماريام وعثمان زرآي في القاهرة أعطاني رسالة إلى خالته زوجة زرماريام (من المنسع) كان قد أمضيت وقتاً طويلاً معه وكان يصحبني صالح جابر قولاي في مصوع وفي نفس الفترة ولسوء الحظ الحكومة الإثيوبية وجدت معلومات وقائمة بأسماء موظفين في الحكومة هم أعضاء في الحركة استطاع ياسين صالح عقدة من الهرب وكان زعيماً تاريخياً.

وبعضها القبض عليها السلطات الإثيوبية وجدت كل الموظفين (مسلمين ومسيحيين) هم أعضاء الحركة وهذا كان في الستينات وبالتالي الكل كان يبلغ عن هذه الحركات لتبرئة نفسه والحكومة وجدت آلاف الأسماء ولحسن الحظ أن الأسماء كانت مستعارة وليست حقيقية وأعضاء القيادة كانت سرية ولم يتمكن من معرفة المجموعات. على كل حال لحسن الحظ أن الحركة كانت منظمة بطريقة دقيقة لذلك لم يعرفوا من حقيقة الناس لم يستطيعوا أن يقبضوا على الآلاف منهم في الجيش ومنهم الأمن والمخابرات وغيرهم وفي الوظائف الحكومية.

وفي نهاية المطاف قابلت زرماريام وقال لي الرسائل معك، قلت نعم واستغرب لجرأتي وقال لو كان مسكوا معك هذه الرسائل كنا (رحنا في شربة مية) طمأنته وأخبرني أنه منذ وصولي مع الشاب الأمريكي أنني كنت تحت المراقبة.

واخبرته بأنني لا استطيع أن أخذ الخرائط وقال بأنني سوف أجهزها لك وأرسلها إلى كسلا بطريقك. وكان متخوفاً علي وأخبرني بأنه سوف يسافر بنفسه إلى تسني وجاء إلي في مصوع وبات ليلة مع شيخ صالح، وفي مصوع كان هناك ثلاثة قهاوي في برندة المسجد واتفقنا على تقضي بعضاً من الوقت هناك. والبوليس الذي كان يراقبني تأكد من خلال تجوالي مع صالح قولاي وزرماريام بأنني ليست مع المتشكلين فيهم بسبب زهوري مع اشخاص كبار الموظفين في الحكومة ومن المقربين.

وبالتالي قلت عملية المراقبة علي بشكل مؤقت لكنني ما فعلته كان عمداً من لكي يعرفوا النظر عني. ومن ناحية أخرى بعض المجموعات التي كانت تعمل إشاعة ضدي مفادها إنني تابع مرة للأمريكان ومرة لإسرائيل وهذا كان جهراً منهم وأنا لما كان عليه الحال الأوضاع السياسية في منطقتنا، وتأكدوا حينما رأى مع المقربين من كبار موظفي إثيوبيا تأكدوا بأنني لا يمكن أن أقوم بعمل يتنافى مع إثيوبيا هذا كله تمويلها وذلك لكي أسلم من المتابعة للمهمة التي كلفت بها وكان الجنرال قيتؤم رئيس المخابرات في تلك الفترة أخبر الجنرال زرماريام باعتباره نائب لتلا عوقبيت رئيس الشرطة بأن الشاب الذي عاد من القاهرة وضعناه تحت مراقبة. وأخبره بأن هذا الشاب قد زارني البيت وسلم زوجتي رسالة من ابن اختها يدرس معه في القاهرة وجاء في زيارة عادية إلى البلد لأنه مسافر إلى القاهرة العام الماضي. وهذا الشاب من أتباعنا وكان موظف يشرف على الانتخابات في سمهر للبرلمان الإثيوبي.

السفير الإثيوبي في القاهرة ملس عندوم منحة وثيقة سفر إثيوبية لسفيريها إلى إرتريا وهو ما زال طالباً في القاهرة. وفي هذه الفترة كان هناك ضابط برتبة رائد اسمه زرماريام قائد منطقة مصوع، حدثت لي مشكلة وادخلني السجن بسبب حملي لسلسلة مفاتيح فيها صورة لجمال عبد الناصر استوقفني الضابط وحقق معي وقال لي من هذا قلت هذا رئيسنا! وسألني كيف يكون رئيسكم والإمبراطور حاكم البلاد. فأجبته له قائلاً بأن جمال عبد الناصر هو رئيس العرب والمسلمين، والإمبراطور هو حاكم إثيوبيا ونحن كإرتريين عبد الناصر رئيسنا تربطنا الثقافة واللغة والإسلام فتعجب من حديثي وقال أسحب كلامك وإلا كان مصيرك السجن. كنت متأثراً في تلك الفترة بثورة عبد الناصر وتوجهاته العربية، ولذلك قلت لا أسحب كلامي وقلت ما سمعته عن اقتناع وأدخلني السجن لمدة أسبوع. وكان هذا الحادث في فترة شهر أغسطس وحرارة الجو مرتفعة إلى أكثر من 40 درجة مئوية والعرق يسيل منها وجهك وكان السجن تحت الأرض. وعمري حينذاك كان صغيراً وأول مرة في حياتي أدخل السجن. وتدخل الشيخ صالح جابر قولاي لمعرفتي القديمة وللعلاقة الأسرية وأنا كنت صديق حسين باقر والذي أبلغه بسجن وباعتباري صغيراً طالب بضرورة فك أسرى.

بعد عودتي إلى إرتريا رفع هذا الضابط تقريراً عني بناءاً على هذه الحادثة القديمة والتي صرحت فيها بانتمائي لجمال عبد الناصر وتخوفهم لئلا أكون مكلف من المخابرات المصرية وتطوع في متابعتي في مصوع بعد أن أخطر بذلك الجنرال قيتؤوم استدعاني إلى مكتبه وقال لي هل تذكرني قلت له كيف لا أذكرك وأنت الذي أمرت بسجني في شهر أغسطس الذي لا تطاق حرارته وسألني هل تنازلت عن أفكارك القديمة، وقلت له كنا صغار في تلك الفترة ومتحمسين بالدراسة العربية في حرقيقو باعتباره منهج مصري أثر فينا ولذلك نحن مع جانهوي وهو زعيمنا الأوحد.

Top
X

Right Click

No Right Click