محطات من ذكرياتي مع المناضل المرحوم صالح أحمد أياي - الحلقة الخامسة والأخيرة

بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة

قبل أن أتابع سردي أود أن أعلمكم بأنني ابتعدت عن ذكرياتي مع أخي وصديقي

المناضل القائد صالح أحمد أياي ويعود السبب في ذلك إلى أن كل ما كنا نفعله سوية كان سرا من أسرار الجبهة ولا يعلم به إلا العدد القليل من قادة الجبهة مثل عبد الله إدريس ومحمد عمر يحي وأحمد ناصر وغيرهم القليل من القادة... لذلك أستميحكم عذرا لعدم تمكني من سرد تلك الأسرار لأنها ملك الجبهة ولا يمكننا الإفشاء بها هكذا كان الاتفاق مع أخي وصديقي المناضل القائد صالح وقيادة الجبهة وقد ارتحل أخي صالح وعدد كبير من قيادة الجبهة وأطال الله بعمر من تبقى كالمناضل محمد عمر يحي وحامد محمود وكنت قد اتفقت مع المرحوم القائد صالح على ان تبقى هذه الأسرار بيننا إلى أن يأتي اليوم الذي يصبح بإرتريا مكتبة وطنية نضع هذه الأسرار المدونة من قبلي وقبل صالح لكي يطلع عليها الجيل الجديد وليعرف كم كان القائد صالح أحمد أياي أمينا ووفيا وشجاعا ومبادرا وكم كان فضله كبير في استقلال ارتريا وللعلم فقد أودعت هذه الأسرار مدونة مع صديقتي الدكتورة (س)وقلت لها أرجو أن تدفعي بهذه الأسرار عندما يصبح الوضع في إرتريا كما كنا نتخيله ونحلم به عندها تدفعي بهذه الأسرار إلى المكتبة الوطنية للدولة الإرترية لذا وحفاظا على العهد الذي أبرمناه سوية أنا وصديقي المرحوم صالح فقد أرجأت ذلك إلى ماذكرت إلا أنني سأذكر بعض الأشياء العامة التي تم تناولها في الإعلام.

أما ان تتكلمو أو نقتلكم جميعا.

وأذكر كيف أحضروا من القرية واسمها (همبول) فتاة في عمر الورود كان اسمها (فاطمة) واعتدوا عليها جنسيا ثم قاموا بضربها على رأسها بالفأس مما أدى إلى شطر قسم من مؤخرة رأسها وقد استشهدت فاطمة فورا ثم قام جنود الباندا بجلب عدد من أهالي القرية المجاورة وبدأوا عملية التنكيل والتعذيب وخاصة مع النساء وركضت إحدى النسوة وهي تصرخ من الذعر وهي تقول أنا سأدلكم على مكان الثوار غير أن إحدى فتيات القرية الأسيرات واسمها سعدية منعتها من الكلام مما أغاظ الضابط المسؤول عن جنود الباندا فأشهر مسدسه وقتل سعدية فورا والصورة المرفقة مع هذه الحلقة هي صورة الشهيدة فاطمة بعد مقتلها حيث رأسها وقد ضرب بالفأس... رحم الله سعدية لقد كانت مثال المرأة الإرترية المناضلة ثم بدأوا بحرق بيوت القرية وقاموا بشنق عدد من الأهالي وعلقوا جثثهم أغصان الأشجار من أجل خلق حالة من الفزع الرعب ووما يجدر ذكره بأني مع رفاقي الثوار بحثنا عن جنود الباندا وقائدهم الضابط الذي اغتصب فاطمة وألقينا القبض عليه وتم إفراغ رصاص المسدس في رأسه وجسده بعد أن سألته لماذا اغتصبت فاطمة أنت وعسكرك ثم ضربتها بالفأس على رأسها، لم يكن لديه جواب، أعدت السؤال عليه ثلاث مرات ولم يكن لديه جواب سوى أن وجهه الذي يشبه وجه الخنزير كان يتلون عندها أفرغنا رصاص المسدس في رأسه وجسده...

عدت إلى سورية بعدها وإلتقيت بصديقي وأخي صالح وأخبرته بما تم وهنا خطرت لنا فكرة أن نطلب لقاء السيد الرئيس حافظ الأسد وكان حينها رئيسا لمجلس الوزراء وهكذا تم.

أتيت بشحاذ لتشحذ عليه أم بقائد

بعد عودتي من إرتريا قابلت أنا والأخ صالح أياي مسؤول مكتب دمشق لجبهة التحرير الإرترية اتفقنا على أن نطلب لقاء مع السيد الرئيس حافظ الأسد وكان حينها رئيسا لمجلس الوزراء وهكذا تم، وذهبنا إلى رئاسة مجلس الوزراء حسب الموعد الذي حدده لنا مدير المراسم، وفي مجلس الوزراء قابلنا مدير المراسم ونظر إلينا مطولاً، ثم ركز نظره علي وهز رأسه.

كان صالح حينها ينتعل الصندل وقميصا ممزقا من طرف كمه.

نظر إلي مدير المراسم حينها المرحوم (خليل السعدواي) وقال لي بعد أن جرني من يدي وبصوت منخفض:

أنت أتيت بشحاذ تشحذ عليه أم بقائد إرتري؟؟؟

والله لو لم تكن المقابلة مقررة وحان موعدها لما أدخلنا مسؤول المراسم إلى السيد الرئيس حافظ الأسد واليوم وبعد مرور سبعة وأربعون عاما لذلك أقول:

والله لم يكن لدى (صالح أياي) في حينها ثمن قميص وأنا كذلك كما أن (كم القميص الممزق) كان من الصعب خياطته.

أدخلنا مدير المراسم إلى عند السيد الرئيس حافظ الأسد حيث رحب بنا وسألنا عن أحوال الثوار والثورة وأثناء استفساره قدمت له (ألبوم من الصور) التي تمثل مختلف نواحي الثورة الاجتماعية والعسكرية وكان يسألنا بدقة عن كل صورة من محتويات الألبوم وقد لفتت نظره صورة المرأة الشهيدة (فاطمة) وأوقف نظره عليها كثيرا وبدا الألم والحزن على وجهه وقال سوف يحصل خير، وفعلا بعد أيام حصل الخير وقد تدفق الخير على ارتريا من أوسع أبوابه، وفي مطار الخرطوم كان صالح أياي ومحمد عمر يحي ينقلان صناديق الزخيرة والسلاح من طائرات الشحن على أكتافهم ويضعونها في سيارات الشحن، كان الاثنان يتسابقان في نقل هذه الصناديق أكثر من عمال الشحن المخصصين لهذا الغرض ولم تفارق الابتسامة وجه كل من صالح ومحمد عمر يحي رغم التعب الشديد وكان صالح يردد وهو يحمل الصناديق (جاءت الخيرات جاءت الخيرات ويرددها معه محمد عمر يحي) وبعد ذلك اللقاء مع الرئيس حافظ الأسد فتحت مدارس سورية وجامعاتها ومعاهدها لكافة الطلاب الارتريين وكذلك كلياتها العسكرية واستمر دعم سوريا من النواحي الاجتماعية والتعليمية والعسكرية وهنا نستطيع أن نقول أن ارتريا تحررت...؟؟ بسلاح سوري وعربي وبدماء إرترية.

وفي صبيحة أحد الأيام جاءني صديقي الحميم صالح إلى المنزل وبعد أن شربنا الشاي سوية تمشينا وقال لي:

يا أحمد هناك دعوة موجهة لك من اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الأول، وأنا ورفاقك في الجبهة نريدك أن تحضر هذا المؤتمر التاريخي وجرى بيننا نقاش طويل حول رأيي في هذه الدعوة، وافقت بعدها على الذهاب وسألته متى نمضي أيها الرفيق العزيز وطلبت منه أن يهيأ لي بطاقة الطائرة ويساعدني في شراء أفلام سينمائية وفوتوغرافية كي أقوم بتسجيل وقائع المؤتمر ليبقى الفيلم وثائقيا ويكون وثيقة تاريخية أيضا للشعب الارتري، بعد اسبوع تقريبا تم كل شيء وأصبحت جاهزا للسفر وقبل سفري اتصل بي أحد المسؤولين السوريين وأخبرني أن أحضر إلى مكتبه وهكذا تم...

قال لي المسؤول إن (شيكاً) بقيمة (مائة وخمس وسبعون ألف درهم وصلت إلى البنك باسم الارتريين فلمن هذه النقود) وكنت أعرف طمنا أنه يعلم أن هذه النقود لقوات التحرير الشعبية وليست إلى جبهة التحرير الإرترية وطلب مني المسؤول أن أعطيه رأيي مكتوبا إلى أي طرف تعود هذه النقود، فقلت له إن هذه النقود هي لجبهة تحرير إرتريا وممثلها في دمشق المعترف به رسميا هو الأخ صالح أياي، فأعطاني ورقة كانت أمامه ومعدة سلفا وطلب مني أن أوقع بأن هذه النقود تعود إلى جبهة التحرير وإلى ممثلها في سوريا صالح أحمد أياي ودون تحفظ وقعت على الفور ولم أكن أعرف ماذا سيحدث بعد ذلك وماهي ذيول ذلك، وأخبرت الأخ صالح بذلك و أخبرته بما يجب عليه فعله، ففعل ما اتفقنا عليه وأخذ النقود وسافر إلى لبنان وأرسلها إلى القيادة العامة للجبهة وكانت القيادة بحاجة ماسة إلى هذه النقود لأنها لم تكن تملك شيئا ـ وبإرسال هذه النقود التي ساعدت كثيرا في إنقاذ الجبهة واتمام المؤتمر الوطني الأول.

وعلى فكرة فإن هذه النقود كانت مرسلة من الأخ القائد عثمان صالح سبي مسؤول قوات التحرير الشعبية إلى مندوبه في دمشق (سليم الكردي) وهنا جدير بالذكر بأنني حين عدت من المؤتمر الوطني أوقفت من قبل أحد المسؤوليين الأمنيين الكبارحوالي أربعة أيام ثم تم إطلاق سراحي ودارت الأيام وأصبح هذه المسؤول الأمني وزيرا للداخلية واسمه (علي ظاظا) وتدور الأيام تباعا والتقي به في الوزارة وكان في مكتبه وقد كنت موظفا في التليفزيون العربي السوري كمصور سينمائي ومحرر في قسم الأخبار وأثناء تصوير للسيد الوزير مع الوفد الضيف الذي كان يستقبله ذكرني وقال لي ضاحكا:

(ألاتزال تسرق) ؟؟؟

قلت له: نعم يا سيدي نعم... لو جاءت نقود مرة أخرى لأخذتها وقدمتها لجبهة التحرير الارترية.

فبادرني قائلا.

سأحبسك هذه المرة أكثر و(ضحك).

وتشاء المصادفات وبعد ثلاثة وعشرين عاما.. كنت أحضر خطبة ابنته فذكرته هذه المرة أنا وقلت له:

هذه المرة دون سجن يا سيادة الوزير.

ضحك وقال: لقد قمت بعمل جيد في حينها.

وتمر الأيام بعد الأيام وألتقي بالأخ المناضل القائد عثمان صالح سبي وبعد السؤال عن الصحة سألته:

هل أنت زعلان مني يا أخ عثمان من أجل (الفلوس).

ابتسم الأخ عثمان رحمة الله وقال لي:

أنت أعطيت هذه الفلوس إلى الارتريين وليس إلى جيبك، وكانت هذه وجهة نظرك، على كل نحن وإياك في مركب واحد نناضل من أجل استقلال إرتريا.

هذا ما قاله لي عثمان رحمه الله ورحم الله الأخ المناضل القائد صالح أياي.

هذا عمل واحد تم بيني وبين الأخ المرحوم القائد صالح أحمد أياي وكما قلت لكم إن بقية ذكرياتي مع الأخ صالح تركتها مع الصديقة الدكتورة (س) لأن فيها الكثير من التشعبات لا أريد أن أدخل فيها رحم الله صديقي الحميم القائد صالح أحمد أياي.

Top
X

Right Click

No Right Click