محطات من ذكرياتي مع المناضل المرحوم صالح أحمد أياي - الحلقة الرابعة

بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة

يقول السياسي الإرتري:إن التناقض في هذا الكلام القانوني واضح فكيف يمكن تأمين مصالح

السلام عندما يجري إنكار شرط أساسي مثل ممارسة حق تقرير المصير للشعب الذي انتحلت الأمم المتحدة لنفسها حقه؟؟

كيف يمكن لمنبر دولي يأخذ في الاعتبار رغبات ومصلحة سكان إرتريا أن يصل إلى قرار ينكر هذه الرغبات ،هل كان ضروريا إبتداع أو تبني بدع إثيوبيا عن أسباب تاريخية من أجل تقديم المصالح الإقتصادية لإثيوبيا، هل أن حاجة إثيوبيا المشروعة لممر ملائم للبحر كانت وحدها كافية كسبب لإنكار حق الشعب الإرتري في تقرير مصيره فإن إثيوبيا ليست الأمة الوحيدة التي تحتاج لممر إلى البحر، إن السبب الحقيقي بالطبع يكمن في موقع آخر وهو ليس بمنأى عن بلوغه وقد كشفه بوضوح وزير الخارجية الأمريكي يومها (جون فوستر دالاس) عندما تحدث أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1952 فقال:

من وجهة نظر العدالة يجب أخذ آراء الشعب الإرتري بعين الإعتبار إلا أن المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة الإمريكية في حوض البحر الأحمر واعتبار الأمن والسلام العالمي تجعل من الضروري ربط ذلك البلد بحليفنا إثيوبيا!!!.

ويضيف السياسي قائلا والتعبير الذي استخدمه دالاس مهم فكلمة (إلا أن) التي تأتي بعد حملة تعترف بحق الشعب الإرتري في تقرير مصيره تكشف بما لا يدع مجالا للشك إن الولايات المتحدة (وبالتالي منظمة الأمم المتحدة) عرفت إن من حق الشعب الإرتري تقرير مصيره بنفسه.

قطاع الطرق:

لقد خاض الإرتريون نضالا طويلا ومريرا منذ عقود عدة تعاقبت في تحمل عبء ثلاثة أجبال:

الجيل الأول ولد قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها.

الجيل الثاني ولد إبان الحرب العالمية الثانية وبعدها.

والجيل الثالث ولد وترعرع في معمعة حرب التحرير ولذا يعتبر جيل الثورة.

فإن الفصل القاطع بين المحطات التاريخية الثلاث في نضال الشعب الإرتري لا يمكن إلا أن يكون تعسفيا وهذا يعود إلى تداخل وتشابك وتكامل المراحل الثلاثة أسوة بالعلاقة بين البذرة والثمرة.

في عام 1950 وجد الإرتريون أنفسهم بين عشية وضحاها لقمة سائغة أمام حكم إثيوبيا إمبراطورية جائعة وذلك منذ اليوم الأول لدخول القرار الفيدرالي إلى حيز التنفيذ بين البلدين في سنة 1952 وعليه فلا غرو إذا حاولوا بشتى السبل حض أديس أبابا على احترام الميثاق الفيدرالي الذي رغم عيوبه العديدة نص وبصريح العبارة على وجود هوية إرترية ذات معالم مميزة عن الإمبراطورية الإثيوبية ولكن من دون جدوى إذ ذاك رفع الإرتريون الشكاوى تلوى الشكاوى إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاكات الحكومة الإثيوبية لنصوص وروح الإتحاد الفيدرالي وذلك باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة ليس حماية قرارها وإنما أيضا البت في أي خلاف ينشب بين الطرفين الإرتري والإثيوبي حول تفاصيل بنود القرار الفيدرالي حسب ما تنص كل المواثيق الدولية المتعلقة بهذه المسألة ولكن لأنه لاحياة لمن تنادي فقط وجدت إثيوبيا ما شجعها على قضم بنود الميثاق الفيدرالي بندا بندا وطمس رموز الشخصية الإرترية ومطاردة واعتقال واغتيال القيادات الوطنية الإرترية عبر عصابة إرهابية تعرف ب(الشيفتا) وتعني حرفيا قطاع الطرق.

الكتلة الاستقلالية:

لقد تم استشهاد عددا من المناضلين: ومنهم الشهيد نصر الدين وباستشهاد نصر الدين أشعل فتيل الحرب الأهلية في العاصمة أسمرا وذلك ما بين أعضاء الكتلة الاستقلالية المنادون بالاستقلال الكامل ومابين المنادون بالوحدة مع اثيوبيا وتم اغتيال المناضل محمد إبراهيم حيث دس له السم في طعامه وجدير بالذكر أن الشهيد محمد ابراهيم كان شاعرا ينادي بالاستقلال الكامل هكذا غدت التربة الإرترية ترتوي رويدا رويدا بدماء أبنائها نذكر منهم على سبيل المثال في هذا الصدد الشهيد عبد القادر كبيري الذي اغتالته عناصر الاستخبارات الإثيوبية قبيل سويعات من سفره إلى نيويورك لإسماع صوت إرتريا إلى الرأي العام العالمي وقد استشهد في نهاية عام 1949 وفي خضم هذا المناخ السياسي المكفهر قرر الإرتريون اللجوء إلى الكفاح المسلح بأول أيلول/سبتمر 1961 وذلك بهدف تحرير إرتريا شبرا شبرا من إثيوبيا وذلك لأن الجيش الإثيوبي وقتذاك لم يكن يرابط في كل أجزاء إرتريا كما أن الحكومة الاثيوبية لم تعلن رسميا ضم ارتريا إلا في عام 1952 وإنما كان هدف القيادة الوطنية الإرترية ساعتذاك وعلى حد ماقاله لي المرحوم عثمان صالح سبي أحد مؤسس حركة تحرير ارتريا إثارة زوبعة هنا وتفجير عاصفة هناك وخلق ارتباك هناك بغية لفت أنظار الأمم المتحدة إلى القضية الإرترية وذلك لكي تعيد النظر في قرارها الفيدرالي الذي ضربت فيه الحكومة الإرترية عرض الحائط.

وللمرة الألف خاب أمل القيادات الإرترية ومن هذه القيادات الشيخ إدريس ابراهيم محمد آدم الذي كان وقتها رئيس برلمان إرتريا في دور الأمم المتحدة وهذا يرجع لعدم الادراك بأن الاتحاد الفيدرالي لم يكن غاية في ذلك بقدر ماكان وسيلة سياسية دبلوماسية تسمح لاثيوبيا بضم ارتريا لضمان مصالح أمريكا الاستراتيجية في جنوب البحر الأحمر كما كشف عن ذلك غير مسؤول أمريكي أذكر منهم سكرتير الدولة حينذاك (جون فوستر دالاس).

وعندما انجلت الأمور أمام الزعماء الإرتريين كانت شرارة الكفاح المسلح توغلت في أعماق الهشيم الإرتري وتحولت إلى لهب ما جعلهم يلهثون وراء تطورات الأحداث السريعة والمتلاحقة لدرجة أن قطعت أنفاسهم وأفلتت الأمور من بين أيديهم وغدت سفينة الكفاح المسلح تبحر بعفوية بين الأمواج المتلاطمة هذه العفوية كانت ايجابية في آخر الأمر لأنها أبرزت على السطح وبصورة حادة كل تناقضات المجتمع الإرتري الدفينة سواء كانت قبلية أو إقليمية أو قومية أو دينية وأنتجت في الوقت نفسه قيادة سياسية وعسكرية جديدة تناولت مشعل الكفاح المسلح من الزعمات التقليدية وبدأ الإعداد والتخطيط لعملية ثورية تغربل الواقع الإرتري ليس بجناحها العسكري الأحادي فقط وإنما بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية أيضا...

فجأة سمعنا صوت هدير الطائرات وقد اعتدنا أن نسمع دائما صوت الطائرات الحربية غير أن صوت اليوم كان يشبه صوت البوم عندما ينعق منذرا بالخراب.

كان عدد الطائرات أربع تليها أربع أخرى من طائرات الهيلوكبتر وتناول الشيخ حسن فنجان (الجبنة) القهوة وبدأ يشرب - و(الجبنة) تعني في لهجتهم القهوة وعندما يشرب أحد الإترييين الجبنة لا يكتفي بفنجان واحد بل يواصل الشرب وربما يصل عدد الفناجين التي يشربها إلى عشرين فنجانا والقهوة يخلطونها مع الزنجبيل وتبدأ جلسة الشرب من الصباح الباكر مع شروق الشمس وكذلك عند (الغروب).

نزل من الطائرات عدد من المسلحين الإثيوبيين يقال لهم جنود (الباندا) أي اللصوص وقطاع الطرق وبدأوا باستجواب الموجودين وسؤالهم عن الثوار وأماكن تواجدهم قائلين:

أما ان تتكلمو أو نقتلكم جميعا...

الى اللقاء فى الحلقة القادمة...

Top
X

Right Click

No Right Click