محطات من ذكرياتي مع المناضل المرحوم صالح أحمد أياي - الحلقة الثانية
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة
عندما احتلت إيطاليا مصوع بتشجيع من بريطانيا لمعاكسة النفوذ الفرنسي في البحر الأحمر
بموجب اتفاقية مصرية ايطالية شكلية وانتهى بإعلان إرتريا مستعمرة إيطالية في 1890/1/1 أثر التوسع الإيطالي بالغزو والاتفاقيات مع الحكام المحليين، ومع إمبراطور إثيوبيا والإدارة البريطانية التي كانت تحكم السودان وقد استتب الأمر لإيطالية بالخديعة والقمع معا.
يعتبر الاستعمار الايطالي الذي تحكم في إرتريا طويلا والذي تصل إلى أكثر من نصف قرن تجسيدا بغيضا للاستعمار الأوروبي بكل مظاهره الاستعلائية والاستغلالية إذ كانت الحكومة الايطالية الاستعمارية تعتبر مواطنيها الايطاليين في ارتريا مواطنين من الدرجة الأولى بمن فيهم المبعدون من ايطاليا الى ارتريا بسبب جرائمهم، في الوقت الذي كانت تعتبر فيه الارتريين مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة!!!.
وإمعانا في تكريس النظرة الغربية الاستعلائية إلى المواطنين الارتريين الذين تعتبرهم دون مستوى البشر فقد قسم الاحتلال الايطالي مدن إرتريا إلى أحياء أوروبية وأخرى أهلية وبمقتضى ذلك حرم على المواطنين الارتريين سكن الأحياء الإيطالية كما حظر عليهم ركوب الدرجة الأولى من وسائط النقل العامة مثل القطار وخصصت لهم وسائط نقل لا يركبها غيرهم ومنعوا دخول بعض المحلات والنوادي وحتى يقال أن الايطاليين وكلابهم كانت تفضل على الارتريين في شرب الماء كما اصدرت ايطاليا تشريعا في التاسع عشر من حزيران من عام 1937 ينص على معاقبة الايطالي بخمس سنوات عندى الزواج بإحدى الارتريات ثم أصدرت تشريعا آخر في السابع عشر من شهر أيلول (سبتمبر) عام 1938 ينص على عدم الاعتراف بالزواج الذي يتم بين الرعايا الايطاليين وبين الارتريين وجعلت عقوبة المخالفين من الطرفين خمس سنوات وقد عمقت ايطاليا الخلافات الدينية والنعرات القبلية بين الارتريين ونصرت فريقا على آخر واستخدمت القمع وبشكل عنيف ضد كل من تشم لديه رائحة الرفض للهيمنة الاستعمارية وخصوصا أولئك الذين لهم تطلعات وطنية عربية مثل المناضل إبراهيم سلطان رحمه الله وعلى هذا الأساس انصرفت الجهود الايطالية الاستعمارية منذ البداية الى الدعاية والتبشير مع حرص واضح على إشاعة سياسة التجهيل المقصود ويكفي أن نذكر شاهدا واحدا على ذلك.
ففي نهاية الحكم الايطالي لم يكن في ارتريا كلها سوى اربعة وعشرين مدرسة ابتدائية وكان مستوى التعليم في هذه المدارس على قلتها وضآلتها منخفضا للغاية.
وقد جاء في الارشادات السرية التي وجهها (السنيور فيستا) مدير التعليم في ارتريا عام 1938 إلى أنظار ومديري المدارس الايطاليين موضحا لهم الهدف الاساسي من التعليم الابتدائي في ارتريا حتى السنة الرابعة هو ليتعلم الطالب الارتري اللغة الايطالية بمستوى مرض وان يعرف العمليات الحسابية الاربعة في حدود معينة وان يكون مقتنعا بمبادئ علم الصحة وأما عن التاريخ فعليه أن يعرف فقط أسماء اللذين جعلوا ايطاليا عظيمة.
وعتدما احتلت بريطانية إرتريا في عام 1941 لم تجد في طول البلاد وعرضها خريجا واحدا من الجامعات وكان عدد الطلبة الارتريين الذين تلقوا تعليما مدرسيا عاليا هو فقط اثنا عشر طالبا لاغير.
أثر تمكن قوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية من إنزال هزيمة بالقوات الايطالية في شرق إفريقيا (الصومال - إرتريا - اثيوبيا) في عام 1941 قامت إدارة عسكرية في ارتريا من قبل سلطات الاحتلال البريطاني وتعتبر مرحلة الاربعينات من ادق واعقد المنعطفات التي مر بها الشعب الارتري ومايزال يعاني من بعض سلبياتها الى الوقت الراهن.
لقد حمل الاستعمار الجديد كل خبث البريطانيين ودهائهم فقد اعتمدت بريطانية منذ البداية المرونة مع سكان ارتريا واشركت العديد منهم في المناصب الادارية ومع اعطاء الافضلية للموالين الارتريين وسمحت بنشوء الاحزاب السياسية ولم تكن هذه الخطوات إلا كالسم في العسل فخلف واجهتها (الديمقراطية) الزائفة كالعادة كان يخفي مخططا خبيثا لتقسيم البلاد ويتلخص هذا المخطط البريطاني في تقسيم ارتريا على اساس جغرافي ديني بحيث تكون المرتفعات الوسطى المسيحية مع مرفأ مصوع ومناطق قبائل السمهر والساهو المسلمة ولاية (تجرينية) أكثريتها مسيحية على ان توضع تحت الاشراف الشكلي لإمبراطور إثيوبيا أما المناطق الارترية الأخرى التي يقطنها المسلمون فتلحق مع شرق السودان لتكون معه دولة (البجة) ولكن لم يتح لهذه الخطة ان تبصر النور بسبب المقاومة الداخلية للمشروع.
وعقب إعلان الحرب العالمية الثانية في (الثامن من آذار/مارس 1945) عقد الثلاثة الكبار (ترومل - ستالين - تشرشل) اجتماعا في (بوتسدام) بتاريخ (السابع عشر من تموز/يوليو 1945 واتفقوا على تشكيل لجنة للبت في المناطق التي كانت خاضعة لدول المحور ومن بينها ايطاليا ومن ثم تقرر وضع تلك المناطق تحت الادارة الحالية المؤقتة الى حين تقرير مصيرها نهائيا خلال سنة من قبل الدول الاربعة (أمريكا - روسيا - بريطانية - فرنسا) وذلك وفق تقسيم مناطق النفوذ بين هذه الدول وحسب اللعبة الدولية المعروفة.
وكان أحد بنود الاتفاقية بين الدول الاربعة يقول
الى اللقاء فى الحلقة القادمة...