هؤلاء يستحقون التحية 3-6
بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري
القائد حامد محمود أحد أبرز قادة جيش التحرير الارتري وأكثرهم تميزاً: كما ذكرت في مقاليّ السابقين أننا قد تعودنا أن نكتب
عن قادتنا بعد مفارقتهم الحياة، فيخرج ما كتبناه في صورة أذكروا محاسن موتاكم، وفي ذلك كثير من الاجحاف في حقهم و حق الوطن، لهذا أردت أن أكسر هذه القاعدة وأنصف من أعرف منهم وهم أحياء، والأمر الذي شجعني على الكتابة عن هذه الكوكبة أنهم لا يشغلون حالياً أي مناصب رسمية، وهذا يرفع الحرج عني، ومن سأتحدث عنه في مقالي هذا هو القائد حامد محمود حامد (سوري)، رجلٌ أفنى زهرة شبابه وهو يناضل في سبيل الوطن، لهذا أصبح من حقه علينا أن نذكر تاريخه و نضالاته وفاءا له وللوطن الذي ناضل من أجله.
أن المتصفح لتاريخ أرتريا يجده حافلاً بالعديد من الرجال الأفذاذ الذين برزوا في العديد من المجالات النضالية بصفة عامة والقيادية بصفة خاصة، المدنية منها والعسكرية بعضهم ينال شهرة تجاوز الآفاق وبعضهم الآخر يناله القليل منها وفي حيز مكاني وزماني ضيق رغم أنه يملك كل مقومات أن يكون مشهوراً إلا أنه لا ينال تلك الشهرة كالقائد حامد محمود الذي نالها في حدود ضيقة وتحديدا في منطقة المرتفعات الأرترية، ويبرز من بين أولئك من يشار إليه بالبنان لتفرده في العديد من المزايا والصفات ومن بين أولئك هناك من يقر لهم بتلك الأدوار إلا أنهم لا يحظون بحب الجميع بينما فئة من هؤلاء يتفق حولهم كل من عرفهم حبا وعشقا لهم ولأدوارهم التي لعبوها خلال مسيرتهم وبطلنا اليوم هو أحد هؤلاء، لم أسأل منه أحد يعرفه وإلا تغنى بمحاسنه و صفاته، فذلك يذكر بطولاته وآخر حنكته العسكرية وثالث عشرته الجميلة وعزة نفسه وإباءه وشموخه و تواضعه الحقيقي ورابع يذكر نكته الحاضرة دائما ومشاعره القوية التي يقدمها لكل من تعامل معه، وخامس يذكر أنه لم يكن يتوانى عن خوض المعركة جنبا إلى جنب مع جنوده، فلم يكن يكتفي بدور القائد الأعلى للواء أو القطاع، ومن أغرب المعلومات التي ذكرت لي عنه أنه عندما تحتدم المعركة ويشتد أوارها يزغرد بأسلوب لا تجيده الكثير من النساء لبعث الحماس في نفوس جنوده وقد كان لذلك الفعل أثر عظيم في نفوس جنوده الأمر الذي جعله القائد الأقرب لنفوسهم.
القائد حامد أيضاً حافظ لكتاب الله و صاحب ثقافة واسعة وقارئ نهم وكاتب جيد وصاحب خط أنيق تسنى لي الاطلاع على أحدى مفكراته فأذهلتني ملاحظاته فسألته إن كانت لديه مفكرات لكل سنوات نضاله، فقال لي بدأت تدوين ملاحظاتي اليومية منذ أن كنت طالب في الكلية العسكرية إلا أنني فقدت جزء منها على دفعتين، مجموعة فقدتها لسرقة الشنطة التي كانت موجودة فيها ومجموعة أخرى أصابها التلف نتيجة لسوء التخزين حيث تم دفنها تحت الأرض من قبل الأسرة تفاديا لوقوعها في أيدي رجال الأمن الذين كانت لديهم حملة تفتيشية على بيوت المناضلين، ووقتها كنت في الميدان، ومع كل ذلك لا يزال لديّ مجموعة جيدة منها.
عندما حضرت لبيته وجدته مضجعا يقرأ في كتاب الـ(ريدر) (من كتب منهج اللغة الانجليزية في المدارس السودانية) وبعد أن سلم عليّ سجل ملاحظة في الهامش وأقفل الكتاب، فاستغربت على هذه الهمة العالية في هذا العمر ومع هذه الظروف الصحية.
القائد حامد أيضاً يتمتع بعلاقات واسعة ومتنوعة بألوان وأطياف المجتمع الارتري الدينية والأثنية التي يندر وجودها لأي ارتري هذه الأيام، عندما أجريت له عملية جراحية في الأيام الماضية في الخرطوم ورغم عدم خطورة العملية التي كان يجريها تجمع محبيه في المستشفى لحضورها وقد نقل لنا الهميم علي شهابي في الفيس بوك صور تلك التجمعات التي حضرت، أما ابنه محمود الذي كان يرافقه في رحلته العلاجية موبايله لم يتوقف عن الرنين طيلة فترة علاج والده.
علاقة القائد حامد بكل من تعامل معه يمكن تحسسها من خلال مرافقيه خلال مسيرته في النضال وهؤلاء رغم الفترات الطويلة التي انقضت منذ مفارقتهم له لازالت تربطهم به وشائج لا نجد لها تفسير منطقي ومن هؤلاء أربعة من مرافقيه لازالوا على قيد الحياة أحدهم محمد أسناي شفاه الله الذي أصبح فردا من أفراد الأسرة ولزم بيت حامد منذ مدة طويلة رغم انقطاع صلة العمل فقد ارتقت العلاقة لمستوى العلاقة الأسرية الحميمة، والثاني محمود علي كان موجوداً في السودان عندما سمع بخبر العملية الجراحية لحق به في الخرطوم والثالث تولدي قرزقهير قدم من ألمانيا لحضور العملية والثالث همد نؤش موجود في قطر، الشركة التي يعمل بها لم توافق له على تقديم موعد إجازته، لهذا كان يتصل صباح مساء للاطمئنان عليه وعلى صحته.
في محاولة مني لتفسير بعض ما أرى وما يحكى لي سألت همد نؤش هل القائد حامد سخي، قال لي حامد سخي جداً إلا أنه لا يطلب المال لا لنفسه ولا لغيره وهو يعيش عيش الكفاف ويعيشك معه في نفس الكفاف وعندما كنت مرافقا له كثيرا ما مرت بنا ظروف من شدة سوئها لا أعتقد أنها ستتكرر، واصل حديثه، ولو نظر من رافقوه لهذه الناحية لما رافقوه فالذي يربط الآخرين بحامد ووفاءهم له أمر أشبه بالسحر وليس له علاقة بالماديات، باختصار تعشق صفاته فتتبعه باستسلام عجيب.
عندما التقيته آخر مرة قبل مرضه الأخير، كنت أحمل في جعبتي الكثير من الاسئلة والاستفسارات عن بعض المواقف التاريخية التي كان مشاركا فيها والمعارك الكبيرة التي قادها، إلا أنه واجهتني ثلاثة مشاكل عرقلت علي مهمتي، الأولى أنني وجدته في فترة نقاهة من مرض الملاريا الذي أنهكه جدا وقد ظفر به وهو في اضعف حالاته لهذا لم يكن يقوى على المواصلة معي لأكثر من ساعة لأنه كان يصر على الحديث وهو جالس ولم يستمع لترجياتي له أن يتحدث وهو راقد، أما المشكلة الثانية أنني كنت على سفر عائدا إلى حيث عملي، ولم يتبق لي إلا يومين من إجازتي القصيرة أصلاً، أما المشكلة الثالثة أنه كان يسترسل في حكايا الآخرين وكل ما حاولت أن أغير موضوع الحديث كان يتضايق، الأمر الذي اضطرني لمصارحته أن وقتي ضيق لهذا أرجو تزويدي بأكبر قدر من المعلومات عن نفسه وأن يترك الاسترسال في قصص و تفاصيل الآخرين، رد عليّ بحدة ظاهرة، إذن أنصحك أن تذهب وتسأل عني الآخرين أما أنا سوف لن أحكي لك عن ماذا فعلت في المعارك التي تريد تفاصيلها، يا أبني لست أنا من يحكي مثل تلك التفاصيل، لهذا أتركني أحكي عن رفاقي من أستشهد منهم في تلك المعارك ومن بقى حياً عن شجاعتهم وعن إقدامهم فانا أعتقد أن الأقدار أبقتني كل هذه المدة بعدهم حتى أحكي عنهم، تأسفت له و طلبت منه أن يواصل.
واصل ما انقطع من حديثه عن شهداء معركة تحرير مندفرا تحدث والعبرة تخنقه عن الشهيد دبروم طلوق والاربعون مناضل الذين استشهدوا وهم يقتحمون قلعة مندفرا (فورتو) التي كانت أجهضت عملية تحرير المدينة بسبب اشرافها على كل المواقع والمداخل ووجودها في موقع عالي التحصين لا يمكن الوصول إليه إلا عبر سلم، لهذا قررنا في قيادة المعركة اقتحام فورتو بعملية فدائية نوعية وقد استطاع المناضل أبا ولدي هيمانوت تجنيد أحد جنود العدو اسمه هارون سهل عملية صعود مقاتلينا للقلعة، وقد تطوع الشهيد البطل دبروم طلوق نائب قائد الكتيبة (107) لقيادة العملية واختار 40 مقاتلا من خيرة المقاتلين وأكثرهم خبرة وشجاعة، وفي مفارقة غريبة أنهم استشهدوا جميعا بما فيهم البطل دبروم طلوق رغم أنهم نجحوا في اقتحام الموقع وخاضوا معركة شرسة مع العدو فانهارت روحهم المعنوية وفر من تبقى منهم وأصبح صيدا سهلا لجنودنا ومليشياتنا، ثم توقف لفترة طويلة وأحسست أن ذكرى العملية الفدائية قد نكأ فيه جرحاً لم يندمل، مرت علينا لحظات صمت رهيب أحسست أنها دهر واعتقدت أنه سوف لن يواصل فتلك الذكرى قد أثرت فيه بشدة، واصل حديثه بعد ربع ساعة تقريبا وقال من الذين لازلت أذكرهم وكأن المعركة كانت بالأمس، المناضل البطل إدريس فاهم نائب قائد الكتيبة (159) وكذلك المناضل البطل كرار قبرو قائد الفصيلة الأولى من السرية الأولى في الكتيبة (107) وكلا البطلين كانا مثالا يحتذى به في البطولة والشجاعة والاقدام ونكران الذات وقد استشهدا وهما يؤديان واجبهما على أكمل وجه، كما أتذكر المناضل البطل أبا ولدي هيمانوت وقد كانت لي معه قصة في مشاركته في المعركة، فقد أصر أن يكون ضمن مجاميع الهجوم رغم اصراري على عدم مشاركته لمعرفتي بحماسه الزائد وروحه القتالية العالية، لهذا لم أرغب في أن نفقده في مهام يستطيع الآخرون أداءها بخسائر أقل، إلا أنه تحدث مع أكثر من مناضل من ضمنهم المناضل اسملاش قيتوم ليحدثوني بالسماح له بالمشاركة، فسمحت له بالمشاركة تحت اصراره وتدخل الاخرون، وقد استشهد وهو ينزع السلك الشائك الذي كان يحتمي به العدو، ضاربا مثالا أعلى لرجل الدين المناضل الغيور على وطنه، فرغم نيله لأعلى المراتب الدينية، إلا أنه ترك كل ذلك خلفه والتحق كجندي بجيش التحرير، وعندما حدثته عن ذلك قال لي، إذا لم أقاتل عدويّ وعدو وطني فإن العدو سيقتلني و يقتل بني وطني، وأبا ولدي كان ضليعا في دينه، وكان بطلاً مغواراً في المعارك تدفعه لها غيرة عالية على الوطن.
أثناء جمعي للمعلومات عن القائد حامد محمود حكى لي أحد الإخوة عن الطريقة التي دخل بها جيش التحرير لمدينة مندفرا بعد تحريرها، فقد حكى له أحد أصدقاءه الذي شارك في المعركة تلك التفاصيل، لهذا طلبت من القائد حامد أن يحدثني عن دخول جيش التحرير لمدينة مندفرا بعد تحريرها، رد عليّ مبتسماً ( شكلك كدة تحب الأكشن).
ثم قال فكرت أن ندخل أنا والشهيدين سعيد صالح و ولدي داويت تمسقن مدينة مندفرا من اتجاهات مختلفة للسيطرة على المواقع الهامة وأن نترك أثناء دخولنا للمدينة وسيطرتنا عليها أثر في نفوس جماهير المدينة عبر اظهار انضباطنا العسكري والثوري وعندما عرضت الأمر على الشهيدين سعيد صالح وولدي داويت وافقاني، لهذا حددت لكل منّا مسار يدخل به المدينة وأهداف في طريقه عليه احتلالها، وكان عليّ احتلال مفلفل حقوس واندا بادري لهذا أنا والقوة التي أقودها دخلنا من الشمال بالشارع الرئيسي، بينما دخل الشهيدين سعيد صالح وولدي داويت تمسقن من اتجاهي الجنوب والشرق وتقابلنا في منتصف الشارع الرئيسي وتعانقنا والجماهير التي كانت من قبل مختبئة تملأ جنابي الشارع، ونحن في ذلك الموقف حضر إلينا المناضل ملاكي تخلي مسؤول الأمن في اللجنة التنفيذية، الذي كان في عبي عدي ليكتمل المشهد الاحتفالي في وسط المدينة أمام مرأى الجماهير التي احتشدت وتحت وابل من زغاريد النساء وهتافات الجماهير وفرحهم، ثم تحركنا جميعا إلى مركز بوليس المدينة حيث شرعنا هناك في تقسيم مهام العمل على اللجان التي يفترض فيها إدارة المدينة، ثم في وقت لاحق قمنا باستعراض الأسرى الذين تم أسرهم بعد مطاردات اثر فرارهم من مندفرا.
ثم سألته عن تحرير عيلا برعد ولماذا استغرق تحريرها أثنى عشر يوما وتسعة وعشرين شهيدا وثمانين جريحا ومئة وخمسون قتيلا من العدو ؟ قال عيلا برعد منطقة مهمة من كل النواحي وتتمتع باستراتيجية مميزة فمن يسيطر عليها يفصل أسمرا عن كرن والأثيوبيين بالتأكيد كانوا يقرأون استراتيجيتنا وسعينا لحصار أسمرا من خلال تحرك وحداتنا على الأرض وكانت لهم المقدرات للقيام بمثل هذه القراءات فجيشهم كان عالي التدريب، لهذا في عيلا برعد كانت من جانبهم الاستماتة كبيرة قابلها اصرار قوي من جيش التحرير لهذا معركة تحريرها كانت قوية بعض الشيء وكذلك كانت معارك تحرير دباروا ثم هزقا قوياً جدا وذلك أن الأمر لم يقتصر على أهمية تلك المناطق بل كان مرتبطاً بحصار أسمرا.
مندفرا ـ عدي خالا ـ كسكس، صنعفي ـ عدي قيح ـ ماي تمناي ـ دبارو ـ حمبرتي ـ هازقا ـ عدي تكليزان ـ عدي بديل ـ عدي قبراي ـ سلعا دعرو ـ عدي قنطي ـ مأرب ـ زالمبسا ـ طعدا كرستيان... الخ، مناطق ومدن في المرتفعات الأرترية أي في الوحدات الادارية الثلاثة (8ـ9ـ10)... ماذا تعني لك ؟ تعني لي الكثير الذي ربما سأفشل في التعبير عنه، تلك المناطق ارتبطت في ذهني برفاقي الأبطال من أستشهد منهم ومن لازال على قيد الحياة فكل منطقة من المناطق التي ذكرتها ارتبطت في ذهني بأحد العمالقة الأبطال... عبدالقادر رمضان ـ سعيد صالح ـ ولدي داويت تمسقن ـ دبروم طلوق ـ محمد الحسن أبوبكر ـ محمد علي أبوبكر ـ محمد علي عمر ـ أبرهام تخلي ـ عواتي محمد فايد ـ أبا ولدي هيمانوت... الخ، كما أنها تعني لي سبعة سنوات قضيتها متجولا في ربوعها، سبعة سنوات من المعاناة والإرهاق والتعب والجوع وفقد الأعزاء والذي كان يخفف من وطأتها أنها دائما كانت تختم بالنصر والفوز.
ذكر القائد عبدالله إدريس محمد رحمة الله عليه في كتابه أضواء على تجربة جبهة التحرير الارترية الذي صدر مؤخراً، أنك والقائد عبدالقادر رمضان رحمة الله عليه خططتما لعملية تحرير السجناء في سجني سمبل وعدي خالا، هل حدثتني عن ذلك.
كانت عملية كبيرة ودقيقة واستغرقت الكثير من الوقت، فأسوء العمليات هي التي تخطط لها لينفذها غيرك، وأصعب العمليات هي العمليات التي تنفذها بدون استخدام السلاح رغم وجوده معك وتصارع نفسك بين استخدامه وعدم استخدامه وكيفية تحديد اللحظة التي تستدعي استخدامه، وأخطر العمليات كذلك هي التي تتعلق بأرواح آخرين أنت تكون مسؤول عنها ولو أدبيا وتزداد تلك الصعوبة عندما يكون الآخرين هم رفاقك الذين تقدم حياتك للدفاع عنهم بينما طبيعة العملية تجبرك للوقوف بعيدا ومراقبتها ومتابعتها وأنت تدعو الله أن لا يكون قد فاتك أمر يتسبب في فشل العملية ثم موت رفاقك أو من تسعى لإطلاق سراحهم، كما قلت لك كانت عملية كبيرة ودقيقة وصعبة والأمر الذي زاد من درجة صعوبتها كانت يجب أن تنفذ في نفس الوقت في سجني سمبل وعدي خالا وكانت الظروف المحيطة بكلا السجنين مختلفة تماما ورغم هذا كان يجب ربط العمليتين لأن تأجيل تنفيذها في أحد السجنين كان يعني انعدام فرص نجحها في ذلك السجن.
تم اختيار أفضل العناصر وأشجهم وأكثرهم ثباتا ورباطة جأش وأقدرهم على الصبر في الملمات وعند الشدائد، شاركت في العملية عدة أطراف بداية بقيادة فرع أسمرا ثم شعبة مخابرات الجبهة داخل أسمرا فتم إدخال السلاح وصناديد جيش التحرير إلى أسمرا، و من داخل السجن شارك النقيب تخلي هيمانوت والمساعد خليفة الذي كان عضو جبهة منذ فترة طويلة وقد تمت لاحقا عملية ترتيب لجوءهما وأسرتيهما إلى الجمهورية العراقية التي هيئت لهما كل سبل الراحة والأمان.
نجحت العملية نجاحا باهرا في سجن سمبل بأسمرا، وبينما نحن نستقبل المطلق سراحهم وننقلهم لخلفية قواتنا المرابطة حول اسمرا كانت كل حواسنا تترقب أخبار عملية سجن عدي خالا وتوترنا يزداد في حدته لأن الأخبار تأخرت، لهذا عندما وصلتنا أخبار نجاح عملية سجن عدي خالا كان على الطرف الآخر لجهاز اللاسلكي الشهيد سعيد صالح الذي أشرف على تنفيذها، وبمجرد أن أخبرنا الشهيد سعيد صالح بنجاح العملية تعالت أصواتنا فرحا، كانت لحظات فرح لا يوصف و سرعان ما انتشرت الأخبار بين الجنود فكانوا يحضنون بعضهم البعض طربا وفرحا بتلك الأخبار.
وصل عدد المناضلين المفرج عنهم ألف مناضل كان من بينهم القادة في جبهة التحرير الارترية سعيد حسين ـ حامد عثمان طمبار ـ ولدي داويت تمسقن ـ سيوم عقبا ميكائيل (حرستو)، ومن قوات التحرير الشعبية، الأستاذ محمود سبي ـ الشيخ أحمد فرس، هيلي ولد تنسائي (هيلي درع).
اعتذرت له عن الارهاق الذي سببته له وأخبرته أنه لم يتبق لي سوى أمر واحد أود أن يتحدث بشأنه وهو ظاهرة الفالول و حصاره للوحدات العسكرية للفالول واطلاق سراح عضو اللجنة التنفيذية تسفا ماريام ولد ماريام وبعض قادة الوحدات العسكرية الذين اعتقلتهم مجاميع الفالول.
ظاهرة الفالول بدأت بسيطة وكانت قيادة الجبهة وتحديدا اللجنة التنفيذية ترى عدم التسرع في مواجهتها لأنه من السهولة بمكان السيطرة عليها فقط على القيادة متابعتها متابعة دقيقة ثم حلها بهدوء دون اثارة أي ردات فعل غير مرغوبة خاصة أن أعضائها كانوا من مسيحيّ المرتفعات الارترية ومقابل ذلك أن معظم أبناء المرتفعات كغيرهم من أبناء الشعب الارتري كانوا رافضين لها، إلا أن المعالجات الخاطئة قد تكسب مجاميع الفالول انصار من خارج حركتهم، لهذا يجب معالجتها بحكمة عبر عزل هذه المجموعة لوحدها، إلا أنني وآخرين بحكم وجودنا وسط الوحدات العسكرية كنا نرى التعجيل في حسم مجاميع الفالول بسرعة لأنها كانت تتمدد داخل الوحدات العسكرية للجبهة بسرعة كبيرة وإذا لم يتم السيطرة عليها بسرعة سنفشل في تحقيق تلك السيطرة مستقبلا وقد أوصلنا رأينا للجنة التنفيذية ولم يؤخذ به، إلا أنه كان عليّ الالتزام بقرار التنفيذية خاصة وأنني كنت عضو في المجلس الثوري وكذلك عضو في هيئة الاركان العامة لجيش التحرير الارتري وبالتالي أي وجهات نظر خارج أطرها الرسمية يعني عدم انضباط لهذا أنا رغم عدم اقتناعي بأسلوب تعامل اللجنة التنفيذية مع حركة الفالول إلا أنني كنت الأكثر التزاماً برؤية اللجنة التنفيذية، وكما كنا نتوقع حركة الفالول استفحلت وانتشرت بصورة مخيفة.
أما اغتيال الشهيدين عبدالقادر رمضان عضو المجلس الثوري وعضو هيئة الأركان العامة و علي محمد إبراهيم عضو المجلس الثوري اللذان تم اغتيالهما من مجموعة محسوبة على الفالول قد هزنا بشدة إلا أنه لم يفقدنا انضباطنا، وكان من نتائج ذلك الاغتيال أن حركتنا في جمع المعلومات عنهم ورصد أماكن تجمعهم قد تضاعفت وأصبحوا همنا الأساسي خاصة وأنهم كانوا يتجمعون في كبسا حيث توجد الوحدات العسكرية التي أقودها، أما بعد اعتقالهم لعضو اللجنة التنفيذية تسفا ماريام ولد ماريام ومجموعة من قادة الوحدات العسكرية فقد أحسست أن ساعة اطلاق أيدينا للتعامل معهم قد اقتربت، وان الأوامر للتعامل معهم بالقوة ستصدر قريبا وكنت أتوقعها أن تكون أوامر واضحة وصريحة فقد تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، وبالفعل صدرت الأوامر لإطلاق سراح عضو اللجنة التنفيذية تسفا ماريام ولد ماريام وقادة الوحدات العسكرية المعتقلين إلا أن تلك الأوامر كان يشوبها الكثير من الارتباك فقد طلب منّا مفاوضتهم لإطلاق سراح المعتقلين وإذا تعذر ذلك مواجهتهم في الوقت أنه سلفا كان معروف رفضهم ذلك، لهذا أضعنا الكثير من الوقت في ذلك وقد ندم الجميع على ضياع ذلك الوقت ولولا تصرفنا واقترابنا كثيرا من مواقع تواجدهم دون أن نثير شكهم وريبتهم لما استطعنا حصارهم وتطويقهم تطويقا محكما ثم مفاوضتهم وعندما تأكدوا من جديتنا أطلقوا سراح عضو اللجنة التنفيذية وقادة الوحدات المعتقلين في منطقة عدي قبراي، وفك الحصار عنهم، وعندما تطورت الامور مرة أخرى وأخذوا يتجمعون ووصلتنا معلومات أكيدة عن تواصلهم مع الجبهة الشعبية وطلبهم النجدة منها صدر قرار التنفيذية الذي يطلب محاصرتهم ومنعهم من الذهاب بأسلحة الجبهة ووقتها كان الوقت قد فات كثيرا ومع هذا حدثت مواجهة معهم أسفرت عن أسر 45 جندي وهرب خمسمائة جندي منهم وسلموا أنفسهم للجبهة الشعبية بكامل أسلحتهم، وبعد ذلك رغم انتهاء ظاهرة الفالول بشكلها العسكري العلني إلا أنها استمرت في شكلها السرّي بشكل باهت إلى أن أضمحلت نهائيا.
قبل توديعي له وأنا واقف قلت له أعرف إنني قد أرهقتك جدا، إلا أن لديّ سؤالين أريدك أن تكتفي في الاجابة عليهما بتأكيدهما أو نفيهما، الأول أن أحد الاخوة أخبرني إنك في مؤتمر أدوبحا في اليومين الأولين ترأست جلسات المؤتمر إلى أن تم انتخاب سكرتارية للمؤتمر، فرد عليّ ما أخُبرت به صحيح، ثم قلت له ونفس الشخص كذلك أخبرني إنك في المؤتمر الوطني الأول الوحيد الذي اعترض على اقتراح انتخاب القيادتين التشريعية والتنفيذية مباشرة من المؤتمر وذكرت ان ذلك سيسبب ربكة وستكون هناك قيادة برأسين كل منهما منتخبة مباشرة من المؤتمر وقلت الصحيح هو أن تنتخب قيادة تشريعية من المؤتمر وتنتخب تلك القيادة من بين أعضاءها قيادة تنفيذية، إلا أن الاقتراح اعترض عليه البعض بإظهار امتعاضهم واحداث ربكة بينما الذي رد على اقتراحك كان المناضل حروّي تدل بايرو وترجاك أن تسحب اقتراحك لأنك تعطل المؤتمر، قال لي كذلك هذه المعلومة صحيحة، فقلت له صراحة هذا كان وعي متقدم جدا خاصة بعد أن ظهرت لاحقاً الكثير من الاشكالات التي كانت مرتبطة بشكل وآخر بالخطأ الذي أرتكب في المؤتمر الوطني الأول في هذه النقطة، فلم يرد عليّ.
و أنا أمد له يدي لتوديعه، سألته لماذا لا يكتب مذكراته فقد كان من صناع الأحداث وكثير من المعلومات والمواقف التاريخية ستختفي مع رحيله بعد عمر طويل إن شاء الله، فرد عليّ لم أفكر في الكتابة إلا بعد أن طلبت إعفائي من المهام الرسمية وتمت الموافقة على إعفائي فشرعت في ترتيب بعض أوراقي وقد قطعت شوطا كبيرا في ترتيبها وأتمنى أن أنجزها إلا أنني أخشى أن لا تمكنني ظروفي الصحية من انجازها فقلت له هناك ألف من يتمنى أن يساعدك وأنا أحدهم، فقط عليك أن تطلب ذلك، فوعدني أنه سيفكر في الأمر.
وقبل أن أختم مقالي هذا بشهادات بعض القادة والمناضلين الذين عرفوه عن قرب، هذا ملخص مختصر لسيرته الذاتية:
• مواليد منصورة 1945م.
• منذ نعومة أظافره بدأ حفظ القرآن في خلوة والده الشيخ محمود حامد وبعد وفاته رحمة الله عليه تنقل بين الكثير من الخلاوي ليكمل حفظه للقرآن، ثم التحق بالمدارس النظامية فدرس مراحله التعليمية في السودان و سافر لجمهورية مصر العربية ليكمل المرحلة الثانوية.
• في أواخر عام 1961م تم تجنيده من قبل المناضل إبراهيم ليمان (مده الله في عمره) في الخلية التي كان يرأسها ومن وقتها لم يفارق خط جبهة التحرير الارترية.
• في القاهرة وقع عليه الاختيار ضمن عشرين شابا للالتحاق بكلية ضباط الاحتياط بحلب بالجمهورية العربية السورية.
• بعد تخرجه من الكلية العسكرية عاد للميدان والتحق بجيش التحرير الارتري ضمن المنطقة الأولي فكلف بتدريب فصيلة المساعدة في المنطقة الأولى على استخدام الهاون، ثم عين نائب قائد فصيلة المساعدة، ثم مستشارا عسكرياً للقائد دنقس أري قائد السرية الأولى في المنطقة الأولى.
• تدرج في قيادة الوحدات العسكرية من نائب قائد فصيلة إلى قائد لواء.
• في عام 1969م انتخب عضو في القيادة العامة لجيش التحرير الارتري.
• بعد المؤتمر الوطني الأول تم تكليفه برئاسة مكتب شؤون المقاتلين والتسليح وعضوية كل من الشهيد جعفر محمد، والمناضل عبده إدريس.
• في المؤتمر الوطني الثاني أنتخب عضو في المجلس الثوري لجبهة التحرير الارترية وأعيد انتخابه عضو في المجلس الثوري في المؤتمرات من الثالث وحتى الثامن.
• عندما كونت هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الارتري 1975م اختير عضو فيها وشغل نائب رئيس شعبة العمليات.
• في عام 1977م كلف بقيادة الجبهة الشرقية في المرتفعات الارترية (الوحدات الإدارية 8-9-10).
• بعد تكوين الألوية في عام 1978م كلف بقيادة اللواء 69 بالإضافة لعضويته في هيئة الأركان العام لجيش التحرير الارتري.
• في عام 1986 اختير مسئولا للمكتب العسكري لجبهة التحرير الارترية ثم سكرتيرا للجنة التنفيذية.
• وفي 1988م اختير نائبا لرئيس جبهة التحرير الارترية (نائب القائد عبدالله إدريس رحمة الله عليه) واستمر نائبا للرئيس حتى عام 1996م.
• وفي عام 1996م كلف مرة أخرى بالمكتب العسكري.
• وفي المؤتمر التاسع نوفمبر 2014م طلب هو وخمسة آخرون إعفاءهم من مهامهم القيادية رغبة منهم في إتاحة الفرصة للشباب.
شهادات من عرفوه عن قرب:
تواصلت مع بعض القادة والمناضلين الذين عرفوه عن قرب أسألهم عنه، وقد أبهرتني الكلمات التي وصفوه بها وسأوردها هنا حسب أولوية وصولها إليّ مع حفظ المقامات:
صالح سيد حيوتي:
المناضل صالح سيد حيوتي أحد قادة جيش التحرير الارتري و عضو القيادة العامة و مسؤول الشؤون الأمنية فيها، و مسؤول مكتب جبهة التحرير الارترية في السويد في فترة سابقة، وأحد أهم الشخصيات المؤسسة لرابطة الرعيل وقدامى المحاربين والراعي الرسمي لها، وهو كذلك أحد رفاق المناضل حامد محمود وقد عملا معا خلال الفترة من 1967م حتى 1971م.
تواصلت معه و أخبرته أنني أكتب مقال عن المناضل حامد محمود فإن كانت لديه كلمة يمكن أن أضمنها في مقالي فأرسل لي الكلمات التالية:
القائد حامد محمود نعم الرجل الذي تكتب عنه، رجل خلوق لا تفارق الابتسامة محياه، كريم، يحفظ الود والعشرة، شجاع قلائل هم الذين يجاروه في شجاعته و إقدامه، يقدم حياته فداء لرفاقه، يمتاز بنكران ذات كبير، زاهد في المسؤوليات والمناصب، مناضل وقائد بحجم الوطن الارتري جاب أرتريا طولاً وعرضا وخاض معارك كبيرة في كل بقاعها، كثيرة هي المواقف التي حضرتها معه والتي تبين أصالة معدنه، ففي معركة لكتات التي استمرت ستة عشر يوما والتي بدأت من طرفنا بنفس أسلوب حرب العصابات الذي كان متبعا من قبل جيش التحرير الارتري إلا أن العدو أجبرنا على تحويلها لمعركة نظامية بين جيشين وبذلك كانت تدشين لمرحلة الحرب النظامية، ففي تلك المعركة أحجم الكثيرون عن المشاركة في المعركة بلامبالاة واضحة، في الوقت أن حامد محمود حضر بقرار ذاتي لتقديم العون ووضع نفسه تحت تصرف قيادة المعركة وبذل مع رفاقه الغالي والنفيس، وكذلك هناك موقف آخر يبين أصالة معدنه، فذات مرة حدث شد وجذب بيني وبين بعض الإخوة في القيادة وصل لمرحلة التحدي بشأن اعتقال مجموعة كان صدر الأمر باعتقالها وكان عليّ بصفتي مسؤول الأمن اعتقالهم إلا أن مجموعة الجنود التي معي كانت قليلة جدا ومع هذا قبلت التحدي وتحركت نحو المنطقة التي يوجدوا بها، أما حامد محمود الموقف لم يعجبه فوقف موقفا مشرفا فقد قال لهم أنكم دفعتم حيوتي دفعاً و تريدونه أن يقتل وأمتشق رشاشه ولحق بنّا في منتصف الطريق وكذلك لحق بنّا القائد عثمان أبوشنب رحمة الله عليه ممتطياً جمل ومعه كل من القادة عبدالله ديغول ومحمود شكيني و إبراهيم عبدالله وعبدالرقيب محمد موسى رحمة الله عليهم جميعا و مجموعة من الجنود وكانت بحوزتهم رسالة طلب منا فيها الرجوع فقد ألغي أمر الاعتقال، وموقف ثالث ونحن معسكرين حضر إلينا اثنين من الإخوة المسيحيين (قد أصبحا فيما بعد من كبار القادة العسكريين في الجبهة الشعبية) وملابسهم العسكرية بالية جدا وقد تعبوا من ترقيعها وكانت هناك أزمة في الألبسة العسكرية وكان لدى كل منا أنا وحامد بنطال للغيار فتبرعنا بهما للأخوين في الوقت أن البنطال الذي كان يرتديه حامد كان بالياً ومع هذا تبرع بالجديد، وربما البعض قد يعتقد أنني أضخم من شأن البنطال إلا أن البنطال في تلك الفترة كان ذو قيمة عالية وليس من السهولة التنازل عنه نتيجة الظروف التي كانت تحيط بنا.
ختاما شهادتي مجروحة في القائد حامد محمود للعلاقة القوية التي تربطني به، إلا أن ما يتفق الجميع حوله أنه رجل يتمتع بالكثير من مكارم الأخلاق والصفات القيادية التي يحسده عليها الكثيرين ومهما قلت عنه سأكون مقصرا في حقه أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية.
عبدالقادر محمد عافه:
الشيخ عبدالقادر محمد عافه (أبو العباس) أمين أمانة العلاقات الخارجية (حالياً) وأمين الأمانة العسكرية (سابقاً) في حركة الاصلاح الاسلامي الارتري، تواصلت معه عبر الباشمهندس محمد علي حاج عمر، فأرسل لي الكلمات التالية:
القائد حامد محمود متعه الله بالصحة والعافية رغم علو شأنه رجل بسيط و متواضع لا تمل صحبته، فمنذ اللحظات الأولى لأول لقاء لك به تحس أنك تعرفه منذ مدة طويلة.
عرفته منذ عام 1992م ووقتها كان نائب رئيس جبهة التحرير الارترية حيث زرته في منزله بكسلا وكان معي الأستاذ يوسف أحمد شيدلي في أعقاب الاتفاقية التي وقعت بين جبهة التحرير الارترية وحركة الجهاد الاسلامي الارتري في جدة بالمملكة العربية السعودية وطلبنا منه تنويرا عن الاتفاقية كما كان لدينا أمل أن نشاهد عنده شريطاً مصوراً عن الاتفاقية كنا قد سمعنا أنه بحوزته - إلا أن ذلك لم يكن صحيحاً - استقبلنا بحفاوة ورحابة صدر وكرم أصيل، و تلقينا تنويرا ضافيا عن الاتفاقية، ومكثنا عنده من بعد صلاة العصر الى صلاة المغرب لم تكن الجلسة تنويرية سياسية فحسب بل كانت دسمة في ضروب الحياة السياسية والاجتماعية والدينية حضرت صلاة المغرب فأعد الاستاذ حامد المصلى وأمنا وقرأ في الصلاة آيات من قصار المفصل برواية الدوري وكان هذا مما ادهشني وأعجبني كثيراً، ومن الأشياء الجميلة التي لا انساها أيضاً أنه سألني عن مجال عملي في الحركة فأخبرته عندها دخل مكتبته وحمل إليّ مجموعة من الكتب والمذكرات العسكرية وقال لعلكم تستفيدون وتفيدون منها.
ثم توالت لقاءتنا بعد ذلك خاصة من العام 2000 وصارت أخوية فضلا عن رسميتها وأذكر يوما دعوناه في معسكرنا بمنطقة رواسا الاثيوبية لإلقاء محاضرة عن الصراع الارتري الارتري فاستجاب دون تردد رغم تأكيده أن موضوع الصراع الداخلي الارتري شائك لكنه جاء وألقى محاضرة قيمة حضرها المجاهدون ومنسوبي المعسكرات المجاورة الجبهة والمجلس الثوري كانت المحاضرة قوية وواضحة القائد حامد كان يمثل لنا في المنطقة مرجعية وكان له دور في حل كثير من الإشكالات اليومية الناجمة عن الاحتكاكات بين الجنود من القوى الارترية المتواجدة بالمنطقة وكان له الفضل في توقيع اتفاقية بين التنظيمات تنص على احترام قناعة المقاتل وحفظ حقوق التنظيمات بالإضافة إلى قضايا أخرى.
وختاما حامد رجل يملك الكثير من مكارم الأخلاق و معينه لا ينضب من العطاء وفي الجلوس إليه فائدة كبيرة، وأنا شخصيا استفدت منه كثيرا في تقييم تجربة الثورة الارترية وفي عادات وتقاليد المجتمع الارتري وفي وصاياه، والامثال الشعبية التي يستخدمها تضفي على حديثه المتعة والفائدة، وأسأل الله أن يمنحه الصحة والعافية.
حسن علي أسد:
الأستاذ المناضل حسن علي أسد نائب رئيس اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية ومسئول العلاقات الخارجية، تواصلت معه فأرسل لي الكلمات التالية:
المناضل القائد حامد محمود أتيحت لي الفرصة لمعرفته عن قرب عبر الاحتكاك اليومي في العمل، فحامد الإنسان شخص متواضع بسيط ودود صادق يأسرك بمحاسن أخلاقه، تقلد عدة مناصب قيادية عسكرية وسياسية في مسيرة جبهة التحرير الارترية وكان مميزاً فيها، فهو من أبرز رموز الثورة الارترية الذين لهم بصمات واضحة في مسيرة الكفاح المسلح الذي توج بتحرير الأرض الارترية من الاحتلال الإثيوبي. وقد ارتبط اسمه بالانتصارات العسكرية الإستراتيجية لجبهة التحرير الاريترية ضد قوات الاحتلال الإثيوبي في سبعينيات القرن الماضي حيث تمكن جيش التحرير الارتري من تحرير معظم المدن الارترية وانحسر الوجود الإثيوبي في مدن رئيسية محدودة، مثل العاصمة اسمرا ومينائي ارتريا مصوع وعصب والتي كانت في عداد المناطق الساقطة عسكريا لأنها كانت محاصرة.
قد عرف عن القائد حامد محمود ملازمته للميدان وسط مقاتليه مما اكسبه محبتهم وإجلالهم له، ليس فقط لما عرف عنه من شجاعة في ساحات المعارك، بل لمعايشته اللصيقة للمقاتلين وتلمسه لهمومهم ودوره في شحذ الهمم ورفع الروح القتالية.
لقد قاد حامد معارك ضد قوات العدو في معظم مناطق الوطن الارتري فلم ينحصر اختلاطه بفئات المجتمع الاريتري في معايشة المقاتلين من مختلف مناطق اريتريا بل كان اختلاطا شمل مختلف مناحي الحياة والحرف لكل المكونات الارترية مما اكسبه أيضاً معرفة واسعة بثقافات وعادات هذه المكونات حيث يحظى بمحبة واحترام كل فئات مجتمعنا، وبهذا العمق من المعايشة امتلك حامد قدرة تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي للساحة الاريترية جعلت منه سياسي مقتدر وقد لمست ذلك في مناقشاته في اجتماعات القيادة في الفترة التي لازمته فيها.
القائد حامد محمود كما أسلفت الذكر تقلد عدة مناصب قيادية عسكرية وسياسية في مسيرة جبهة التحرير الاريترية وترجل عن مسئولياته القيادية في المؤتمر التاسع لجبهة التحرير الاريترية مستأذناً رفاقه في القيادة وقواعد جبهة التحرير الارترية بكلمة تاريخية مؤثرة اعتبرت من وثائق المؤتمر تاركا سجل حافل بعطاء متواصل من اجل وطنه وعزة وكرامة شعبه امتد على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان وهو يضطلع بدوره في مواجهة الاحتلال الإثيوبي وطغيان نظام أسياس الدكتاتوري الذي أحال استقلال ارتريا إلى جحيم لا يطاق. بنكران ذات قل نظيره. ترجل عن مسئولياته وهو واثق بقدرة شعبه على الانتصار على الدكتاتورية كما انتصر على الاحتلال الأجنبي.
وختاماً تحية للقائد حامد محمود الذي مهما قلنا فيه سوف لن نوفيه حقه فقد كان مناضلا وقائداً بحجم الوطن الارتري.
محمد إسماعيل همد:
المناضل محمد إسماعيل همد عضو اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية ومسؤول مكتب الأمن (سابقا) وقد شغل في احدى الفترات موقع نائب رئيس اللجنة التنفيذية والقيادي الحالي في جبهة التحرير الارترية.
قال: كغيري من مناضلي الجبهة كنت أسمع عن سيرته العطرة وحنكته العسكرية وبطولاته في المعارك ونكاته المرتبطة بالعمليات، لكن فرق كبير بين أن تسمع عن الشخص وهو بعيد عنك وبين أن تعرفه عن قرب من خلال العمل اليومي، ارتباطي المباشر مع القائد حامد محمود كان في العام 1982م ووقتها كان قائد محور القاش بعد استشهاد القائد البطل محمد حامد تمساح، وأنا وقتها كنت قادم بسريتي آر من بركة لعال لمحور القاش، وفي أول لقاء لي معه عايشت ما كان يحكى عنه، إنسان بسيط وفي غاية التواضع، يحترم رأي زملاءه ويحب التشاور ويسعى لسماع رأي الآخرين قبل أن يقدم على اتخاذ أي قرار، كما أنه كان لصيقاً بالجماهير يستمع بإنصات وتواضع جم لمطالبها ويحظى بثقتها، ويسعى بجدية وبسرعة لتذليل العقبات لتحقيق تلك المطالب، وهكذا أيضا كان حاله مع جنوده، يتمتع بحنكة عسكرية عالية وبطولة لا يستطيع الأخرون مجاراتها، قضيت معه فترة عمليات ومواجهات كانت مملوءة بالعطاء والتضحيات، والقائد حامد كان دائما في الصفوف الأولى حاملا رشاشه إسوة بجنوده، ولديه قدرات كبيرة في التعبئة واثارة حماس المقاتلين ومواهب في قرض الشعر بالعربي والتجري، في أول يوم التقيته فيه فرضت علينا معركة في منطقة قرست خور عندلايب في مورد عد قيح، استبسل فيها الجميع إلا أن ما لفت نظري هو الاريحية و الثقة العالية بالنفس وسرعة اتخاذ القرار التي كان يقود بها المعركة ويصدر بها تعليماته وتوجيهاته لقادة السرايا، ثم توالت معرفتي له بشكل أعمق بتوالي المعارك ثم عرفته أكثر منذ العام 1989م عندما زاملته في اللجنة التنفيذية.
وأختم تعليقي هذا بعبارة تليق بمقامه، أنه رجل حباه الله بكل الفضائل، وهو أبعد وأعمق من أن تحيط به كلماتنا وقد لا تفيه حقه لذا نحجم.
حاج إبراهيم أبوبكر:
المناضل حاج إبراهيم أبوبكر أحد قادة جبهة التحرير الارترية، وقد تقلد الكثير من المسؤوليات بها بداية بقيادة هيئة التدريب العامة و مسؤول مدرسة الكادر ثم عضو في المجلس الثوري وعضو في اللجنة التنفيذية ومسئولا للمكتب العسكري، ثم أخيرا عضو في المجلس المركزي ونائب لمسئول مكتب الشؤون التنظيمية، تواصلت معه فأرسل لي الكلمات التالية:
القائد حامد محمود رجل عملاق أكرمه الله بالكثير من الصفات الإنسانية الجميلة والمواصفات القيادية الممتازة، أول ما التقيته كان في العام 1977م في فترة تحرير المدن ووقتها كنت مكلف بقيادة مجموعة صواريخ غراد التي كانت تتحرك بين المدن التي كان يجري تحريرها فبعد مشاركتنا في تحرير تسنى وأغردات كان لنا موعدا مع القائد حامد محمود في تحرير عيلا برعد وهو كان أول عمل مشترك واحتكاك مباشر لي مع القائد حامد محمود، وكثيرة هي الميزات التي تميز حامد عن القادة الآخرين فالمعركة مع حامد عرس بأهازيجه يجعلك تستمتع بها بحضوره البهي ووعيه المتقدم ونكته الحاضرة دائماً في أشد المواقف تأزماً، وما يميز حامد أيضاً كان دائما يصر في أحلك اللحظات أن يقدم الشكر لمن أدى واجبه، ثم تواصلت بعد ذلك علاقة العمل التي تربطني بالقائد حامد محمود بعد تحرير عيلا برعد ووقتها كلفت بقيادة هيئة التدريب والمدرسة العسكرية وأصبحنا نمد جبهات القتال بالجنود المؤهلين وكل ما أرسلنا مجموعة للقائد حامد كانت تأتينا رسالة إشادة كانت ترفع معنويات كما أنها أحيانا كانت تحتوي على بعض الملاحظات التي كنا نستفيد منها وهو الوحيد الذي كان يفعل ذلك، كما أنه كان يرسل لنا الدفعة تلو الدفعة من المجندين الجدد من أبناء المرتفعات الأرترية بأعداد كبيرة، ثم في فترة لاحقة كلف القائد حامد بقيادة المكتب العسكري ووقتها كنت قائدا للجبهة الجنوبية فأصبحنا أكثر قربا منه حيث كان طيلة الوقت يعيش بيننا في مسرح العمليات ويساهم في كل شيء بآرائه ومقترحاته وبإدارته لحلقات النقاش معنا والأخذ بمشورتنا وقد كان يطبق مبدأ القيادة الجماعية، كما أن تواضعه وقربه كان يشجع الجميع لإبداء رأيه في كل المسائل المطروحة، كما أنه كان دائما يسعى وبكل ما أوتي من قوة لحل مشاكل مرؤوسيه بكل تفاني الجندي منهم قبل القائد، ثم زاملته بعد ذلك في عضوية اللجنة التنفيذية فعرفته أكثر فأكثر وكان دائما القائد حامد الذي عرفته فلم تغيره الأيام، قويا شامخاً متواضعا شهماً قريب للنفس حاضر النكتة.
وختاما أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.