قـراطـيـس مـبـعـثـرة والأمـيـر الـقـاتـل - الحلقة الثالثة

بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب إرتري، المملكة المتحدة

كنت فى ذالك اليوم مع أقرانى من طلبة المدرسة الإبتدائية وممّن حفظوا نشيد تمجيد ملك الملوك

(نقوس نقّسوم) فى المقدّمة وعلى بعد أمتار معدودة من الملك المرعب والأمير القاتل، هبط من ناقلته يحرسه العسكر، تاركا كلبته الصغيرة والتى تشبه قطّا أليفا ينام على فراش وفير ومن حرير، لم يكن فى المدرسة يومها أناس من كبار المدينة وأعيانها لسبب لم أجد له تفسيرا ولم أفهمه حقّ فهمه فى ذالك اليوم، كلّ من كان هناك هم الطلبة والمعلّمون والعسكر والغفرة، وقف أمام المدرسة وخلفه الأمير (أسرات) لم أسمع زغاريدا ولا (إللتا) ولا أدرى لماذا إختفيتا (القشّا والعنبوبا) الذين يرافقان دائما وأبدا مثل هذه المناسبات، ألقى الملك السّقيم كلمة موجزة، ثمّ عمّد المدرسة الجديدة وقال بصوته الخافت الذى لا ينسجم ولا يتناسق مع أفعاله سمّيتها بـ (هطى داويت) والتسمية تعنى (الإمبراطور داؤود) وهو أحد أباطرة وجدود الملك والأمير القاتل وقصد الملك تلك التسمية لأنّه كان يريد زرع ثقافة مُلكه وأجداده فى غير محلّها فخابت ولم تنبت إلاّ صفرا بعد صفر، وذهب بالقوّة كلّ ما أتى بالقوّة والإكراه، فذهب الإسم والأمير وعمّه الملك بهدوء إلى زوايا النّسيان المعتمة المظلمة إلى عير رجعة.

وفى ذاك اليوم أهداه أحد شباب (كرن) رسمة لشخصه لا أدرى ولا أذكر إن كانت مرسومة على ورق مقوّى أم على مادّة قطنيّة، ولكنّها كانت كبيرة الحجم، و مكتوب عليها بالأمحريّة (قرماوى قداماوى هيلى سلاسى يى إتيوبيا مرى نا يى أفريقا أبّات) وترجمتها بالعربيّة هى: (السّامى هيلى سلاسى الأوّل قائد إثيوبيا وأب وراعى إفريقيا).

لا أدرى ماذا كان يدور فى خلد ذالك الشاب الكرنى يومها ولكنّى أحسن الظنّ به وأتوقّع أن يكون قد وقع تحت ضغط الأمحرا و أذناب الملك فى المدرسة والمدينة... ومن عجائب وصدف الملك والمدينة، كان رساما آخر هو الأستاذ المقتدر (أحمد بلال إدريس) قبل تلك الحادثة بعامين أو ثلاث رسم رسمة للملك معاكسة لتلك الصورة التى أهداها له ذاك الشّاب الكرنى صوّر فيها الملك بالقاتل والمجرم وبطريقة ساخرة فكان مصيره السجن وفى أعتى سجون إثيوبيا السجن المشؤوم (ألم بقانج) فى (أدّيس أببا) ليعود منه بعد عقد من الزّمن قارب العشرة سنين، وذاك السّجن كان سكن الكثيرين من أحرار إرتريا فكان منهم من فارقه بعد عام أو عامين مثل الأبطال
(صالح أحمد إياى وزميله آدم أكتى والمناضل الشهيد عامر طاهر شهابى وعبدو كرّار) ومن قضى فيه عمرا مثل الشهيد سعيد حسين محمّد والمناضل محمود محمّد على كدان.

وبعد إتمام مراسيم التسمية والتعميد، تحرّك موكب القتلة من المدرسة بمحاذات القلعة (فورتو) إلى إتّجاه الشرق ثمّ عرج إلى الشّمال مارّا برئاسة مكتب الشرطة الرّئيسى فى المدينة نحو (دعارى) وقيل حينها لزيارة مدرسة الصمّ والبكم التى كانت تقع على الضفة الغربية للوادى الموسمى (وحيز دعارى) ولكنّه لم يدخل المدرسة فعاد أدراجه ومنها خرج خروج الهارب من المدينة إلى العاصمة (أسمرا).. قيل وأشيع حينها فى المدينة أنّ كلبته الصغيرة أكثرت النّباح حين إقترب من الوادى (دعارى) ولأنّه يؤمن بالشعوذة صدّق بأنّ نباح الكلبة يعنى أنّ هناك شرّ قادم، فإستدار الموكب عائدا تاركا قرية (عونا) عن يمينه التى أحرقها وذبح سكّانها أحد أسلافه الـ (رأس ألولا) التقراوى بإسم ملكه (يوهانس) رجع الملك ورجع الأمير القاتل من أمام القرية ليعود لها جيشهم بعد عامين فقط من تلك الزيارة ليكملوا ما بدأه أسلافهم فأحرقوا الضاحية المسالمة (عونا) وقتلوا فيها ما بين 750 إلى 1000 نفس بدم بارد.

نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click