مدينة أغردات صفحات مجهولة
بقلم المناضل الأستاذ: عبدالله أسد - كاتب وبـاحث
المدخل: بدون تقليل من قيمة التضحية التي قامت بها أي قرية أو مدينة ارترية في فترة نضالنا المسلح،
هنالك مدن وقرى بعينها قامت بتضحيات جسيمة وقاست أبشع أشكال القمع والتنكيل وقدمت مهر الحرية مبكرا وبالجملة. ومن تلك القرى والمدن كمثال لا للحصر أم حجر، عونا، حرقيقو، عد إبراهيم، عد فقيه وساوا.
ولكن تأتي اغردات على رأس القائمة لما طال أبنائها من الاعتقالات والتنكيل والإبادة الجماعية والتمثيل بجثث شهدائها في ساحات المدينة. قُدر لهذه المدينة أن تكون مسرحا لأول عملية فدائية في مسيرة كفاحنا المسلح عندما فجر فدائيو جبهة التحرير الارترية E.L.F قنبلة اغردات الشهيرة في 12 يوليو 1962 مستهدفين بها ممثل الإمبراطور الإثيوبي الذي كان في زيارة للمدينة لتخويف وإرهاب شعبها الباسل.
نجى الهدف من محاولة الاغتيال بأعجوبة! ولكن من سخرية القدر فقدت اغردات اثر تلك العملية نفرا من كبار رجالاتها حينذاك. فقدت سعادة وزير العدل الشيخ/ عمر حسنوا كما فقدت سعادة ممثل الإقليم في البرلمان الفيدرالي الشيخ/ إبراهيم الشيخ محمد والشيخ/ صالح مصطفى نجل فضيلة الشيخ الجليل ورجل الدين المعروف سيدنا مصطفى.
عاشت أغردات أياما قاسية وعصيبة تضمد جراحاتها وهي في حالة ذهول وحزن عميق على شهدائها. وحال المدينة هكذا وقبل أن تجف دماء شهدائها ودموع اثكالها وأيتامها في المآقي، إذا بالإحداث تتوالى في تسارع دراماتيكي حيث انقض العدو الإثيوبي وعملائه على شباب وشيوخ المدينة بتهمة التآمر وتدبير العملية الفدائية. وما هي إلا أيام قلائل شهدت خلالها أغردات المنكوبة موجة من الاعتقالات الجماعية والزج بالكثيرين من شبابها وشيوخها في السجون حيث نكلوا شر تنكيل.
كانت قائمة المعتقلين طويلة ولا يتسع المجال لذكر جميع ما ورد فيها ونكتفي في هذه العجالة بذكر ثلاثة من أبنائها كان لهم أدوارا محورية في تاريخ اغردات الوطني النضالي. وهم المناضل الشهيد/ محمد الحسن حسنوا والمناضل الشهيد/ الأستاذ محمود محمد صالح والمناضل الشهيد/ صالح محمد سعيد عدوى.
أما الشهيد/ محمد الحسن حسنوا فتأتي أهميته بالإضافة إلى تاريخه النضالي الطويل كونه أول شاب ارتري اقتيد إلى حبل المشنقة في فترة نضالنا المسلح. كان محمدا ابنا من أبناء اغردات البررة اتهم زورا وافتراءا باغتيال عمه الوزير والآخرين. وبعد التنكيل به وتعذيبه في غياهب السجون المظلمة لأكثر من حولين من الزمن اعدم ظلما في صبيحة يوم نحس من أيام أكتوبر 1964م في الساحة التي تشهد اليوم محطة اجيب للمحروقات في قلب مدينة اغردات. كان محمد ا عنيدا في نضاله كما كان عظيما وشامخا عند استشهاده وهو الذي هتف في وجه جلاديه بأعلى صوته وحبل المشنقة حول رقبته بهتافه المشهور "عاش الشعب الإرتري وعاشت ارتريا حرة مستقلة". كما اعدم معه في ذلك اليوم المشئوم رفيقه في درب السجون والعذاب والتنكيل الشهيد/ عبدا لرحيم محمد موسى.
كان الشهيد/ محمد الحسن حسنوا رحمه الله مثالا للشجاعة والإقدام كما كان مثقفا واسع المدارك مما اكسبه احترام وتقدير أبناء جيله الذين اختاروه رئيسا لناديهم الثقافي "نادي الإرشاد القومي" بالمدينة في الخمسينات من القرن الماضي. ولا زلت اذكر خطابه الحماسي يوم افتتاح النادي في دار آل دقلل ولو أنني لم افهم فحواه حيث كنت حينذاك تلميذا في الابتدائي.
أما البقية من الأسماء المذكورة أعلاه فسيأتي ذكر أدوارهم في سياق تاريخ اغردات في الصفحات التالية. فهي قصة توالت فصولها وكان بطلها مدينة بأسرها... مدينة اغردات. سطر شعبها ملاحم من البطولات وعانى الكثير في سبيل قضية آمن بها وتحمل بكل صبر وجلد شتى أشكال القهر والاستباحة من حرق ديار وإبادة جماعية، كانت أبشعها مجزرة 9 مارس 1975 م التي راح ضحيتها خلال سويعات قلائل أكثر من ستمائة شهيد وشهيدة من أطفال ونساء ورجال عزل تم دفنهم في قبور جماعية لكثرة عددهم وبسبب مضايقات جنود العدو للمشيعين.
بالرغم من كل تلك التضحيات و ما تخللها من أعمال بطولية قدمتها هذه المدينة الباسلة والتي ظل أبنائها رمزا للتضحية والفداء ضد الاستعمار الإثيوبي البغيض. بالرغم من كل ذلك استغرب تحاشى الأقلام الارترية ذكر ولو اليسير من دور هذه المدينة التي كانت وستظل عبر التاريخ المدخل الصحيح لأي نقاش حول كفاحنا المسلح، حيث يصبح سرد قصة ذلك الكفاح دون ذكر ما كان يحدث في أغردات بمثابة سرد قصة ناقصة فصولها. فإضافة ً لتلك الفصول وليس استكمالاً حيث تاريخ أغردات طويل وزاخر بالأحداث ويستحال اختزاله في بضع صفحات، أجد نفسي مضطرا أن انفض غبار الزمن والإغفال عن صفحات مجهولة تعج بالإحداث... كنت قريبا من بعضها وقت حدوثها وشاركت في صنع بعضها الآخر.
ولكن وبما أنني لست مؤرخا، سوف اتبع في سردي لتلك الوقائع الأسلوب القصصي المبسط مستسمحا القارئ الكريم في ذلك. واليكم الصفحات المجهولة من قصة أغردات... المدينة التي كانت في قلب الأحداث أيام كفاحنا المسلح.
الصفحات المجهولة:
عملنا سويا لعدة شهور مدرسين في مدرسة أغردات للبنين و استمزج الواحد منا الآخر بالإضافة إلى الاحترام الكبير الذي كنت أكنه لشخصه الكريم حيث كان قد درسني في المرحلة الابتدائية في نفس تلك المدرسة. وكان المثل الأعلى في الشجاعة والإقدام ودماثة الخلق للكثيرين من طلبة المدرسة وأبناء أغردات عامة. لم يتجاوز نقاشنا حدود المهنة خلال تلك الشهور ولم يتطرق أي منا إلى الحديث عن الثورة بالرغم من أنني كنت شبه متأكد بأنه كان عضوا في الخلايا السرية لجبهة التحرير الارترية بالمدينة.
وفي يوم من الأيام وبعد ما يقارب الأربعة أشهر ونحن على تلك الحال... دون التطرق إلى الثورة. استجمعت الجرأة الكافية وسألته بنبرة تعمدت فيها الإيحاء بالعفوية: إيه الأخبار ؟ فرد علي بعفوية حقيقية: أخبار إيه ؟ فقلت أخبار إخوانا في الميدان ؟ فرفع رأسه من كتاب كان يقرأه. اقفل كتابه مبتسما... ابتسامته الرقيقة والمعهودة والتي لا تزال ماثلة أمامي بالرغم من مرور عقود من الزمن. صاحبت تلك الابتسامة نظرة عميقة أحسست ساعتها بغبطته بسؤالي. ولكنه لم يرد مكتفيا بالنظرة ثم الابتسامة وعاود قرائة الكتاب... أظنه واحداً من كتب الشاعرة الفلسطينية "فدوى طوقان" إذا لم تخني الذاكرة.
بعد أيام قلائل كنا جالسين في مكتب المعلمين حيث لم تكن لأي منا حصة تدريس حينها وإذا به يسحب ورقة من كراسته ويدفع بها نحوي طالبا مني أن اكتب عن موضوع لا اذكره الآن بالضبط. ولكن عرفت منه لاحقا بانه كان يريد أن يعرف مستوى إمكانيتي في التعبير باللغة العربية ومدى اطلاعي عموما حيث كان يبحث عن كادر مقتدر يشاركه في تحمل بعض أعباء المسؤولية في عمل الخلايا السرية في اللجنة المركزية لفرع مدينة أغردات. بعد يومين من واقعة الورقة فاتحني في الموضوع وقام بتجنيدي بشكل رسمي في جبهة التحرير الارترية كان ذلك في مارس 1964.
كان ذلك المدرس هو المناضل الفذ الشهيد الأستاذ/ محمود محمد صالح. نموذج آخر من أبناء أغردات البررة.تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته إن شاء الله. كان مثالا للأخوة والصداقة والشجاعة والتفاني في خدمة وطنه وشعبه. أما شغفه بمدينته الباسلة... مدينة أغردات فكان بلا حدود.
واصل معلمي وقدوتي في درب النضال في تربيتي الوطنية خلال محاضراته وإرشاداته وتزويدي بنشرات الثورة التي كانت تصله بين فترة وأخرى. استمرت عملية تأهيلي إلى أن تأكد من بلوغي المستوى المقبول لديه في الوعي بالقضية الوطنية والاستعداد لتحمل المسؤولية التي كان قد قرر إسنادها إلي. وبعد ما يقارب الشهر دعاني إلى اجتماع سري للجنة المركزية للمدينة. كان الزمان بعد صلاة الجمعة وكان المكان دكان المناضل/ محمود إبراهيم ليمان بحي " تبة سكر" أو " دبة سكر" كما نسميها نحن أبناء أغردات.
ذهبت إلى الاجتماع في الموعد المحدد وكانت المفاجئة بالنسبة لي كبيرة وكبيرة جدا حيث التقيت بأناس كنت اعرفهم جميعا بل كان البعض منهم زملائي منذ زمن الطفولة والدراسة في المرحلة الابتدائية في مدرسة أغردات الأولية. والذي زاد من دهشتي كنت التقى بمعظمهم بشكل شبه يومي ونقضي سويا أوقات طويلة دون أن اشعر من أي منهم بأنه عضو نشط بل مسئول عن سير العمل الوطني السري في المدينة. كانت السرية المتناهية سر نجاح المدينة في أداء واجبها الوطني حينذاك.
وبما أن الجميع كان يعرف البعض وان موضوع عضويتي كان قد نوقش في اجتماعات سابقة لم احضرها، اقتصر الحديث على تعريفي بأعضاء اللجنة كل حسب موقعه كالتالي:-
1. المناضل الأستاذ/ محمود محمد صالح — رئيسا.
2. المناضل/ الحسن إبراهيم عيسى — نائبا للرئيس وسكرتير.
3. المناضل/ إبراهيم محمد همد كلفي — الأمين المالي.
4. المناضل/ صالح محمد سعيد عدوي — مسئول الشؤون الأمنية وحلقة الاتصال بالميدان.
5. المناضل/ محمود إبراهيم ليمان — مسئول التموين.
وتم تكليفي بمساعدة السكرتير في مهامه. ولكني كنت أكثر التصاقا بالأستاذ/ محمود بحكم عملنا سويا في المدرسة.
توالت الاجتماعات بشكل أسبوعي. كان كل مسئول يقدم تقريرا شفهيا عن سير العمل في مجال اختصاصه. واستمر العمل في كسب زخما أكثر واتسعت دائرة تعريفي تدريجيا بالعناصر المهمة والفاعلة في مفاصل التنظيم. وكان من أهمهم المناضل نور الدين محمد عبد الله وكان حينها يعمل موظفا في مكتب البريد بأغردات. أما عمله كعضو في جبهة التحرير الارترية فكان مراقبة كافة الاتصالات البريدية بين دوائر الحكومة في أغردات والعاصمة اسمرا. وهكذا كنا على دراية تامة بكل ما كان يصل إلى العدو من أخبار عن الثورة في الميدان وفي أغردات وضواحيها. كما كنا نعرف بالتحديد العناصر العميلة التي كانت تراسل العدو من داخل أغردات. البعض منهم قضى نحبه والبعض الآخر ينتظر !
كنا نفحص الرسائل المتبادلة بين دوائر الحكومة ونقوم باستنساخ الرسائل التي لا تحتوي على معلومات خطيرة ونمرر الأصول إلى الجهات المرسلة إليها. أما الرسائل التي كنا نعتبرها خطيرة وتمس بالعمل الوطني فكنا نحجبها وكانت في الحقيقة قليلة جدا. معظم الرسائل كانت تنقل أخبارا عامة لا تمس الثورة بضرر. والجدير بالذكر أننا كنا حريصين جدا في مراقبة مكاتبات كاتب العرائض الإثيوبي "بزا بيه" الذي اغتالته الجبهة لاحقا.
كما تم تعريفي بالمناضل/ إدريس حمد وكان عسكريا ببلدية أغردات. أما في العمل الوطني السري فكان عنصرا فعالا حيث كان المسئول عن تحصيل الاشتراكات من عضوية التنظيم في المدينة. ولي مع هذا المناضل موقفا سأعود إليه لاحقا.
أما حلقات الاتصال بالقيادة في كسلا في الأمور الغير عسكرية فكانت عبر مجموعة من الكوادر الوطنية النشطة من أبناء المدينة كان جلهم يعمل في مجال المواصلات. ومن بينهم المواطن ابوبكر محمود درار والمواطن عمر محمد سعيد المشهور ب"عمر بطارية" اللذان كانا يعملان سائقين في شركة ستاي / سانا / سيابو. كما كانا ضابطا التذاكر في نفس الشركة المواطن محمد ابراهيم دبلو والمواطن محمد على جيواي. وقد تفرغ هذا الأخير لاحقا للنضال الوطني وعمل ممثلا للجنة الثورية بمكتبها في بغداد.
كانت جميع الرسائل إلى القيادة في كسلا ترسل عبر اللجنة المركزية للخلايا السرية في مدينة تسني متمثلة في شخص المناضل سليمان ادم سليمان الكادر المعروف في جبهة التحرير الارترية والذي أصبح لاحقا ممثلها في بغداد والمقيم الآن بالقاهرة. أما الرسائل من والى الميدان فكانت عن طريق المواطن محمد عربي الذي كان يعمل على ما اذكر موظفا لدى شركة "باركا فارم" الزراعية والمواطن طاهر فقور الذي كان يعمل في بستان المغفور له الشيخ/ عثمان عبد الرحمن شفراي الذي ساعود إلى مواقفه لاحقا أيضا.
اتسمت الفترة مابين 1964-1965 م بالمزيد من العمل في أوساط الجماهير وكان إحراز تقدم كبير وفعال بين أبناء المدينة. وكانت وتيرة التحاق العناصر النشطة بالعمل الوطني تزداد اثر كل عملية فدائية تقوم بها جبهة التحرير الارترية ضد العدو وعملائه في قوات الكوماندوس السيئة السمعة. كما كان العمل الفدائي في تلك الفترة عملا دعائيا أكثر منه عملاً لمكاسب عسكرية محددة. اخذ العمل الدعائي أشكالا متعددة أبرزها الغارات الليلية على المدن الارترية وكانت أغردات حينذاك مسرحا لأكثر الغارات التي شنتها الجبهة على المدن.
في المقابل نشطت الأجهزة الأمنية للعدو وكثفت رصد تحركات كل مواطن ارتري كانت تشتبه به. وقد كان رئيس اللجنة المركزية المناضل/ محمود محمد صالح أول من اشتبه به بحكم ماضيه في السجون اثر عملية القنبلة المشهورة الآنفة الذكر والمادة 10 (Articolo 10) التعسفية. وفعلا جرت محاولة لاعتقاله إلا انه افلت منها بفضل من الله ثم بفضل المواطن/ محمد سعيد ابرا الذي حذره بان رجال البوليس السري قد سألوا عنه. كان ذلك بالتحديد في 7 يوليو 1965م.
غادر الأستاذ/ محمود مكرها مدينة أغردات في تلك الليلة متوجها إلى الميدان حيث تم اختياره بعد فترة وجيزة عضوا في " القيادة الثورية " التي كانت تشرف على المناطق العسكرية وتقوم بالعمل السياسي للتنظيم داخل ارتريا والسودان.
بمغادرة محمود أصبح موقع رئيس اللجنة شاغرا فشغله حسب تدرج الهيكل التنظيمي المناضل/ الحسن ابراهيم عيسى وكلفت أن أكون سكرتيرا ونائبا للرئيس. واستمر العمل في ظروف بالغة الخطورة بسبب نشاط البوليس السري والشرطة مما اضطر اللجنة إلى تعليق الاجتماعات الجماعية الأسبوعية واستبدالها بلقاءات ثنائية وعند الضرورة فقط.
زاد البوليس السري من نشاطه ومتابعته لتحركات كل من كان له سوابق في معاداته للاستعمار الإثيوبي من أبناء المدينة مما اضطر المناضل/ الحسن ابراهيم عيسى إلى مغادرة أغردات متوجها إلى أديس أبابا ليتوارى عن أنظار وملاحقة البوليس السري الذي بدأ في مراقبة تحركاته على خلفية تاريخه النضالي وسجله في السجون. وهكذا أصبحت اللجنة المركزية لمدينة أغردات وللمرة الثانية في غضون أشهر قليلة بدون رئيس. ولكن بتضافر جهود المتبقين من أعضائها وتضامنهم واصلت اللجنة عملها بكل اقتدار.
واللجنة في هذه الحال، تجتهد وتثابر في القيام بواجبها الوطني إذا بها تصطدم بواقع مرير متمثلا في سلبيات حقبة نظام المناطق الذي بدأت جبهة التحرير الارترية العمل به في منتصف 1965 م. واذكر من تلك السلبيات توتر علاقة لجنة المدينة بالمسئول المالي للمنطقة الأولى والتي كانت أغردات من ضمنها. حصل التوتر اثر رسالة وصلت اللجنة من مجموعة من المناضلين من المنطقة الرابعة في طريقهم إلى السودان. تفيد الرسالة بان المجموعة في طريقها إلى كسلا في ظروف معيشية بالغة الصعوبة وليس لديهم من الزاد ما يسد حاجتهم ومن الملابس إلا اثمال بالية على أجسادهم الهزيلة من كثرة الجوع. كانوا يسيرون ليلا ويختبئون نهارا كي لا يراهم المواطنون وهم على تلك الحال فتتأثر معنوياتهم. وختم قائد المجموعة رسالته يطلب من لجنة أغردات أن تمدهم بما يمكنها من زاد وملابس تمكنهم من مواصلة رحلتهم إلى السودان.
اجتمعت اللجنة وكانت وقتها مقتصرة على المناضل الشهيد/ صالح محمد سعيد عدوي والمناضل/ ابراهيم كلفي والمناضل/ محمود ابراهيم ليمان وشخصي بعد مغادرة المناضل الشهيد/ محمود محمد صالح والمناضل/ الحسن ابراهيم عيسى كما أسلفت. اجتمعت اللجنة وقد وجدت نفسها بين مطرقة هذا الطلب المشروع وسندان نظام المناطق الذي كان يأبى أن تصرف موارد أي منطقة إلا على متطلبات واحتياجات تلك المنطقة فقط.وكان جدلا قويا بين الالتزام بنظم وسياسات التنظيم وبين منطق تطويع تلك النظم والسياسات للصالح العام. وبعد نقاش حام وطويل قررت الجنة إسعاف المناضلين من المنطقة الرابعة بما يسد حاجتهم من الملابس والزاد وأخطرت الأمين المالي للمنطقة الأولى بذلك. وما هي إلا أيام قلائل وإذا برسالة شديدة اللهجة من المسؤول المالي يهدد ويتوعد فيها أعضاء اللجنة معتبرا ما قاموا به تجاه المناضلين من المنطقة الرابعة خرقا فاضحا للوائح التنظيم وسياساته !
ردت اللجنة على الرسالة بلغة هادئة صائغة المبررات بشكل منطقي وانتهى الأمر عند ذلك الحد. ولكن استشعارا منها بخطورة الموقف وضرورة ترميم اللجنة بإكمال عددها سارعت اللجنة بمخاطبة القيادة بكسلا.
وفعلا جاء الرد سريعا حيث وصل في غضون أيام قلائل وفد مكون من المناضل الشهيد/ محمود محمد صالح والمناضل الشهيد/ محمد صالح عمارو يرافقهم فدائي لا اذكر اسمه.
عقدت عدة اجتماعات في منزل المناضل/ حسين سمرلعول وكان يقع منزله شمال منزل آل شهابي في حي السكة الحديد المعروف أيضا ب "عد درق". وقد تم في الاجتماع الأخير الاتفاق على أن تطعم لجنة أغردات المركزية بعناصر مشهود لها بوطنيتها واستعدادها لتحمل المسؤولية والتضحية حتى بأرواحها إذا ما اقتضى الأمر. فتقدمت اللجنة بترشيح معلم الأجيال المناضل الأستاذ/ محمود محمد حامد نوراي الذي كان يعمل مدرسا في أغردات حينذاك بعد أن نقل إليها من مدينة تسني قبل بضعة أشهر والذي يعمل الآن معلما بالمدرسة العالمية بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية. كما تم ترشيح المناضل/ عثمان محمد محمود المقيم الآن بالقاهرة. وبعد نقاش مستفيض وافق أعضاء الوفد المنتدب على انضمام المناضلان محمود وعثمان إلى عضوية اللجنة المركزية لمدينة أغردات. كان ذلك في عام 1966.
بانضمام المناضلان إليها تجدد نشاط اللجنة وازداد زخمها وسارعت بتشكيلتها الجديدة في حلحلت الكثير من الإشكالات التنظيمية والإدارية في وسط الخلايا السرية وأنشطتها كما تم تصحيح بعض الأخطاء التي كانت ترتكب، جلها في اعتقادي، بحسن نية أو لقصور في الوعي.
الشئون الأمنية والفدائية:
قد يلاحظ القارئ الكريم أن كل ما سرد أعلاه يقع ضمن الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كانت تلك الأمور تناقش كما أسلفت في الاجتماعات الأسبوعية أو الاجتماعات الطارئة للجنة المركزية بالمدينة. بمعنى آخر كانت هذه الأنشطة بطبيعتها تعامل كأنشطة مدنية وليس عسكرية.
فيما يتعلق بالأمور العسكرية - الأمنية منها والفدائية - فكانت محصورة إلى حد بعيد بين رئيس اللجنة المركزية والمسئول الأمني فقط. وكان بقية كوادر التنظيم بما فيهم بقية أعضاء اللجنة يفاجئون كثيرا بالعمليات الفدائية والغارات الليلية التي كانت تحدث في مدينة أغردات. كانت السرية في الأمور العسكرية من ابرز سمات جبهة التحرير الارترية في تلك الفترة. وقد تفاجئت شخصيا أكثر من مرة بعمليات فدائية أو عمليات لها علاقة مباشرة بالميدان.
السيد/ ولداي كحساي:
المفاجئة الأولى كانت التحاق السيد/ ولداي كحساي بالكفاح المسلح بالميدان. كان ذلك في يوم جمعة وكان مقررا أن تجتمع اللجنة في دكان المناضل/ إبراهيم محمود ليمان الذي أشرت إليه آنفا. كان من المتفق عليه أن يتقاطر أعضاء اللجنة إلى مقر الاجتماع بين الساعة الثانية والثانية والنصف بعد الزوال فرادى تفاديا للفت الانتباه. وكنت أول من وصل إلى مقر الاجتماع بدون تخطيط مسبق كما لم تكن لدي أي فكرة عن وصول السيد/ ولداي إلى المدينة ولا عن رغبته في الالتحاق بالكفاح المسلح. وفي لحظة دخولي إلى الدكان إذا بالسيد/ ولداي يطل برأسه من الغرفة الداخلية التي كانت سكنا للمناضل/ محمود ليمان ومقرا لاجتماعات اللجنة ومحطة مؤقتة لضيوف اللجنة من المناضلين من والى الميدان.
كان ولداي يرتدي "السروالوك والتوربادوب" والطاقية... يعني ملابس أهل المنطقة وذلك للتمويه بالطبع. تفاجأ ولداي وارتبك كما تفاجأت. ارتبك ولداي لسببين في تقديري. الأول لوضعه الحساس كشخص ظن انه ضبط والثاني لأنه كان يعرفني واعرفه جيدا في اسمرا حيث كنا نسكن في نفس الحارة - حارة " كداني محرت" وكنا حينها نسميه "اركولي Ercole" نسبة لبطل أفلام المصارعة الرومانية (هرقل) حيث كان ولداي يتمتع بكمال الجسم. أما أنا فتفاجات لأنني لم أكن على علم بقدومه إطلاقا.
بادرت بابتسامة لأشعره بالأمان. فرد على بالمثل وخرج دون أن نتبادل حتى التحية وكأن الواحد منا لا يعرف الآخر. وقد تأسفت كثيرا لاحقا عندما علمت بأنه سلم نفسه للعدو. بل اعتراني وبقية أعضاء اللجنة الذين سهلوا له عملية التحاقه بالميدان القلق على حياتنا. ولكن مرت الأيام ولم يحدث ما كنا نخشاه مما جعلني شخصيا اتسائل عن سبب تسليم ولداي نفسه للعدو. وتوصلت إلى القناعة بان السيد ولداي لم يسلم نفسه للعدو بدافع الخيانة للعمل الوطني. فلو كان الدافع هو الخيانة كما روجت له وسائل إعلام "جبهة التحرير" أيامها لكان حتما أول ما فعله ولداي التبليغ بأسماء من عاونوه على التحاقه بالجبهة. ولكنه لم يفعل ! وتأكدت قناعتي بعدم خيانته عندما التقيت به بمحض الصدفة بإحدى مقاهي "بياسا" بأديس أبابا بعد بضع سنين وتجاهلني تماما وكأنه لا يعرفني ولم يراني في حياته !!
المناضل/ سيد احمد محمد هاشم وعراكه مع شرطة العدو:
أما المفاجئة الثانية لي في إطار العمل الأمني فكانت عندما القي القبض على المناضل المعروف السيد/ سيد احمد محمد هاشم الذي أنتخب لاحقا عضوا في "المجلس الأعلى " للقيادة التاريخية الأولى لجبهة التحرير الارترية. ألقى القبض على سيد لدى وصوله إلى مدينة أغردات بعد أن نجحت الخلايا السرية لجبهة التحرير الارترية في تهريبه من أديس أبابا عبر اسمرا وكان المسئول الأمني في اللجنة السيد/ صالح محمد سعيد هو الوحيد الذي كان له العلم بتفاصيل عملية التهريب الكبرى.
وصل المناضل سيد إلى أغردات حيث استقبله المناضل/ صالح الذي بدوره كان قد اعد له واحدا من عناصر الجبهة لمرافقته إلى القيادة العسكرية بالمنطقة. ولكن بعد أن غادر المناضل/ سيد ومرافقه منزل المناضل/ صالح محمد سعيد بعد الغروب بقليل القي القبض عليه على مشارف المدينة واقتيد إلى مركز شرطة المدينة.
وفي حوالي الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم كنت وبعض المدرسين نعطي دروسا ليلية لتقوية بعض الطلاب وإذا بنا نسمع طلقات رصاص. وبعد دقائق قليلة سمعنا أصوات صراخ وضجة عراك بين نفر من البشر في الساحة التي تقع بين المدرسة ومسجد المدينة الكبير. ثم أخذت الأصوات تخفت بابتعادها عنا في اتجاه مركز الشرطة.
في الحقيقة لم يجرؤ أي من المدرسين أو التلاميذ على الخروج لمعرفة ما كان يجري وقت العراك. الكل لزم الصمت في مكانه. في اليوم التالي جاءني المناضل/ صالح محمد سعيد في المدرسة واخبرني بان ما حدث في الليلة الماضية كان اثر محاولة المناضل/ سيد احمد محمد هاشم الفرار من مركز الشرطة ولكن لحقوا به في الساحة بين المدرسة والمسجد حيث وقع العراك بينه وبين رجال الشرطة الذين تمكنوا منه وأعادوه إلى المركز.
نزل الخبر على أعضاء اللجنة كالصاعقة حيث لا يعقل أن يقطع شخص في مكانة المناضل/ سيد كل هذه المسافة بين أديس أبابا و أغردات عبر الكثير من المخاطر والصعاب ويتم القبض عليه في أغردات.. المدينة التي كان من المفترض أن تكون الملاذ الآمن له. توتر الوضع بين المناضل/ صالح وبقية أعضاء اللجنة وتم توجيه عتاب شديد إليه لتقصيره في التحضير لحماية المناضل/ سيد. كان ذلك في العام 1966م.
الشيء الأهم، لم يؤثر العتاب على تماسك أعضاء اللجنة ولا على تفاني المناضل الجسور/ صالح محمد سعيد سلبا بل زادتهم هذه الكبوة حرصا على تلمس مواقع خطاهم أكثر فأكثر خصوصا في ظل ظروف كانت تزداد تعقيدا مع كل صباح جديد.
تجار أغردات - تعاون بلا حدود:
كان جيش التحرير يخوض مواجهات شبه يومية مع العدو وكان الجيش في حاجة إلى الدعم المادي والمعنوي اللذان لم يبخل بهما أهل أغردات في يوم من الأيام. وكان تجار المدينة دائما متوثبون في تعاونهم مع اللجنة إلى ابعد الحدود ولم يتوانوا أو يترددوا في تلبية أي طلب يقدم إليهم. ولا بد لي أن اذكر أسماء البعض من اولاءك التجار وانوه هنا وبالتحديد بالمواقف الوطنية المشرفة للمغفور له الشيخ/ عثمان عبدا لرحمن شفراي الذي اغتيل لأسباب لا تعرفها لجنة أغردات وقد كان يوم وفاته يوما حزينا على كل أعضاء اللجنة لما كانوا يعرفونه عن ذلك الرجل من مواقف وطنية مجسدة في دعم مادي ومعنوي للثورة الارترية ولجبهة التحرير الارترية بالتحديد. كما كان آخرون وعلى رأسهم المواطن المخلص السيد/ محمد نور الحسن حسنوا والشيخ/ إسماعيل أزهري والشيخ/ احمد باحكيم والشيخ/ محمد بافرج والشيخ/ سليمان حميدان والشيخ الشهيد/ الشيباني الذي أعدمه العدو في 9 مارس 1975 م.
في شهر ابريل من العام 1966 م وصلت إلى اللجنة رسالة من المكتب المالي في الميدان موجهة إلى عدد من تجار المدينة المعروفين فارضاً فيها مبلغا محدداً على كل تاجر. فقامت اللجنة بفحص تلك الرسائل وقارنت بين إمكانية كل تاجر والمبلغ المفروض عليه. وبعد دراسة معمقة ومتأنية لكل الرسائل توصلت اللجنة إلى نتيجة مفادها أن المبالغ المفروضة على التجار تفوق إمكانياتهم المادية وقد يؤدي توزيع الرسائل إلى نتائج عكسية في التعاون القائم بين لجنة المدينة والتجار حينذاك، فقررت اللجنة تجميد تلك الرسائل وأوصت المكتب المالي بالميدان على أن يعيد النظر في تلك المبالغ.
ولكن قبل ان يأتي الرد على توصيتنا وصلتنا رسالة أخرى من قائد المنطقة هذه المرة طالبا فيها كميات كبيرة من المواد التموينية والأدوية تفوق تكاليفها إمكانية خزينة الفرع آنذاك كما طلب بعض المعلومات اللوجستية عن مواقع العدو وتحركاته في داخل المدينة وفي مداخلها. فاجتمعت اللجنة لدراسة الطلب وقد استشف أعضائها من حجم الطلبية وتنوع موادها والمعلومات الإستخباراتية بان هنالك عمل عسكري كبير سيقوم به جيش التحرير ولا بد من التحرك بسرعة لتلبية المطالب فورا.
بدأ التحرك بتكليف المناضل/ عثمان محمد محمود الذي أصبح المسئول المالي في اللجنة، أن يقوم شخصيا بتوزيع الرسائل التي كانت قد جمدت من قبل مع إفهام كل تاجر أن يقدم أي مبلغ قادر عليه في ذلك الوقت. وفعلا تمكن المناضل/ عثمان في خلال ساعات قلائل من جمع مبلغا كبيرا أكد عبره تجار أغردات إخلاصهم وتفانيهم في خدمة الوطن وعدم ترددهم في وقت الشدة. وهكذا تم مد جيش التحرير بكافة طلباته.
وأعود الآن إلى مواقف اثنان من هؤلاء التجار وعلى رأسهم المغفور له الشيخ/ عثمان عبدالرحمن شفراي الذي كان الأكثر سخاءاً حيث قدم بالإضافة إلى النقد من المال طاقات من قماش الكاكي وجوالات من السكر وصناديق من الشاي وغيرها من المواد التموينية. كما لا يمكنني أن أتجاوز السخاء المتميز للسيد/ محمد نورالحسن حسنوا.
معركة دنقير:
بعد أيام قلائل من مدنا لقائد المنطقة بما طلبه من مؤن ومعلومات، وفي إحدى ليالي أغردات التي غاب عنها القمر صحت المدينة على أصوات انفجارات قنابل وطلقات كلاشينكوف وقذائف مضيئة. استهدف الهجوم كافة مواقع ارتكاز العدو - الحامية، مركز شيشيتا، البريد والاتصالات، مركز الشرطة الخ. وقد دارت كبرى المعارك في تلك الليلة عند المقر الرئيسي لحامية الجيش الإثيوبي بالقرب من محطة السكة الحديد. كانت ليلة استبسل فيها افراد جيش التحرير الارتري وكبدوا فيها العدو عددا من القتلى والجرحى. وخسر جيش التحرير واحدا من ابرز قياداته وهو المناضل/ دنقير الذي ابلي بلاءا حسنا قبل استشهاده.
في صبيحة اليوم التالي اعلن العدو بأنه قتل المناضل/ عثمان ابوشنب حيث كان للشهيد/ دنقير شاربا طويلا مثل شارب ابو شنب ولكن من كانوا يعرفون ابا شنب من كبار المدينة أكدوا للعدو أن الشهيد ليس بالمناضل/ عثمان ابو شنب.
سياسة الأرض المحروقة:
تلت تلك الليلة الكثير من التطورات في منطقة بركا والقاش بصفة عامة ومدينة أغردات بصفة خاصة. أما منطقة بركا والقاش فشهدت حملة إبادة جماعية في الكثير من المدن والقرى منها "عد ابراهيم" حيث مارست الحكومة الإثيوبية سياسة الأرض المحروقة المبيتة أصلا والتي لم ينج منها لا الزرع ولا الضرع وتم تشريد عشرات آلاف من أبناء المنطقة.
أما مدينة أغردات فكانت مصيبتها مضاعفة. فبالإضافة إلى معاناتها في إطار المعانات العامة للمنطقة ابتليت المدينة ببعض ضعاف النفوس الذين قاموا بالتشكيك في إخلاص وتفاني بعض أعضاء اللجنة المركزية مما كاد ان يفضح كل أعضاء اللجنة للعدو ويؤدي بأرواحهم. كان يقود تلك المجموعة الغوغائية المواطن محمود اسفداي صاحب " بار القاش". في خضم هذا الوضع المتأزم والخطير في المنطقة بصفة عامة ومدينة أغردات بصفة خاصة ابتعث " المجلس الثوري " في كسلا المناضل/ محمود محمد صالح إلى أغردات لتدارك الوضع في المدينة وإنقاذه من الانهيار وإبعاد شبح الخطر على حياة أعضاء اللجنة.
قابل المناضل الشهيد/ محمود العناصر التي كانت تقوم بالبلبلة وتوصل معهم إلى اتفاق وهمي مفاده أن تتنحى اللجنة الحالية وتستبدل بلجنة أخرى يشكلها بمعرفته. واتفق معنا في اللجنة القائمة أن نستمر في أداء واجبنا الوطني بسرية تامة وألا يظهر أي منا في الواجهة دافعا إلى الواجهة بالمناضل/ محمود الجيلي بدلا من محمود إبراهيم ليمان.
مع دورية العدو وجهاً لوجه:
استمرت الاجتماعات بين المناضل الشهيد/ محمود محمد صالح ولجنة المدينة عدة ليالي في منزل المغفور له المناضل/ حسين سمرلعول. وفي إحدى الليالي وبعد أن انتهى الاجتماع في حوالي الساعة التاسعة مساءا وبعد خروجنا الأستاذ/ محمود نوراي وشخصي من مقر الاجتماع وعلى بعد خطوات قليلة من البوابة إذا بدورية من مشاة جيش العدو أمامنا وتقول "قم". فتوقف الجميع وكان أمامنا نفرا من فتية الحارة. تقدم احد أفراد جيش العدو وضرب الفتى الذي كان في المقدمة واندفع جندي آخر إلى مؤخرة الصف حيث كنت وسدد إلى وجهي عقب بندقيته فأصاب حاجبي الأيسر. أصبت بشيء من عدم التوازن ولكني اندفعت بأقصى ما ملكت من السرعة إلى منحدر كبري السكة الحديد بالقرب من الموقع ثم واصلت الهرولة إلى أن وصلت إلى الشارع الكبير حيث منزل آل كوشي. توقفت في زاوية بناية ال كوشي متوقعا أصوات معركة بين أفراد الدورية والفدائيين الذين كنا معهم في الاجتماع حيث حسبت أن وصول العدو إلى عتبة موقع الاجتماع لا يمكن أن يكون بمحض صدفة بل كان نتيجة لعمل استخباراتي. مكثت في مكاني ما يقارب الخمس دقائق ولم يحدث شيء مما توقعته. فتوجهت إلى منزلي حيث بدلت ثيابي المخضبة بالدماء ومن ثم توجهت إلى منزل الأستاذ/ محمود نوراي وعلمت بأنه لم يأت إلى المنزل بعد فتوجهت نحو "السوق " وإذا بالأستاذ/ محمود واقف عند باب فندق "سفويا" وقد سلب نقوده وساعته.
وبعد أن اطمئن الواحد منا على الآخر قررنا الاتجاه إلى مركز الشرطة وفتحنا بلاغا بالاعتداء علينا ومن ثم توجهنا إلى المستشفى حيث قام الممرض/ هارون بتنظيف وتضميد جرحي. وفي اليوم التالي تقدمنا إلى مدير المديرية السيد/ امباي هبتي باحتجاجنا على ما تعرضنا له من قبل أفراد الجيش الإثيوبي. كان القصد من كل تحركنا ذاك إبعاد الشبهة عنا.
محمود محمد صالح الإنسان:
في اليوم الأخير من أيام زيارة المناضل/ محمود محمد صالح كان الاجتماع في منزل المناضل الأستاذ/ محمود نوراي الذي كان قد انتخب رئيسا للجنة. وعدنا نناقش الدور التخريبي الذي كانت تقوم به المجموعة الغوغائية وكان النقاش حامٍ. وهنا يجب أن أسجل للتاريخ الجانب الإنساني للمناضل الشهيد/ محمود محمد صالح. كان ارتباط روحه بروح شعبه و إحساسه بالألم والحزن لألم وحزن شعبه بلا حدود. بل كان أحياناً يبكي لبكاء شعبه. فعندما كنا نهاجم وننتقد مواقف الغوغائيين بكثير من الحدية ونطالب بردعهم، جلس الشهيد/ محمود في هدوء وصمت غير عاديين مطأطأً برأسه إلى الأرض وما إن رفع رأسه وإذا بعينيه قد اغرورقتا بالدمع وقال بصوت متهدج عبارة لم ولن أنساها وهي: "لو رأيتم ما رأيته مما جرى ويجري لشعبكم في القرى حواليكم لترفعتم عن هذه السفاسف". كان لهذه العبارة الوقع القوي والمؤثر على أعضاء اللجنة مما اضطرنا إلى تجاوز مطالبنا بردع الغوغائيين والانصراف إلى ما كان أهم.
الفدائي إسماعيل:
غادر الشهيد/ محمود المدينة بعد الاجتماع الأخير وواصلت اللجنة مهامها بسرية تامة موهمة الغوغائيين بأنها تنحت بالفعل وبان لجنة جديدة هي التي تقوم بتسيير العمل. استمر العمل بشكل هادئ وسلس إلى أن حاقت باغردات مصيبة "الفدائي" إسماعيل. كان تسليم إسماعيل نفسه للعدو حلقة من حلقات المآسي التي حلت بمدينة أغردات وكانت السبب الأساسي في موجة اللجوء الأولى لأهل أغردات إلى السودان في عام 1967م.
عودة إلى المناضل/ إدريس حمد:
كان إسماعيل واحدا من فدائي جبهة التحرير الارترية وكان قد كلف بتصفية عنصرا من عملاء العدو في المدينة. مكث إسماعيل في المدينة عدة أسابيع يرصد ويراقب تحركات الهدف وقد تعرف في تلك الفترة على الكثيرين من أبناء المدينة. كان يجلس عصر كل يوم أمام مقهى المواطن/ كرار قشاري ويراقب الهدف. وفي يوم من الأيام وكان بالتحديد يوم عيد الأضحى عام 1967م كنا الأستاذ/ محمود نوراي والمناضل/ عثمان محمد محمود وشخصي في طريقنا لزيارة الأخ العزيز المغفور له طاهر حامد نوراي في منزله بمناسبة العيد وإذا بالمناضل/ إدريس حمد والفدائي إسماعيل قادمان في اتجاهنا. تبادلنا التهاني مع حرصنا نحن الثلاثة ألا نشعر إسماعيل بأننا نعرفه. وانصرف كل فريق صوب وجهته. ولكن ما كانت إلا خطوات وإذا بإدريس حمد يستسمحني لحظات. فعدت إليهم، وإذا به يقدم إلي إسماعيل قائلا: أعرفك بالمناضل/ إسماعيل. فسلمت عليه مرة ثانية قائلا تشرفنا.
واصل إدريس حمد كلامه قائلا ً: " يا أستاذ، إسماعيل فدائي من الميدان، وهو مريض ويحتاج إلى علاج وأدوية ". فتمنيت لإسماعيل الشفاء العاجل والتفت إلى إدريس قائلا وبنظرة فيها الكثير من العتاب: "لكني يا إدريس أنا لست ممرضاً ولا أوزع الأدوية أو أعالج المرضى !" أدرك إدريس فوراً ًانه ارتكب خطأً فادحا بخرقه النظام السري للخلايا الذي لا يسمح بطرح أي موضوع ما إلا على الجهة المسئولة مباشرة عن ذلك الموضوع ولم أكن أنا تلك الجهة في تلك الحالة ! كان المناضل الشهيد/ صالح محمد سعيد هو المسئول المباشر لحالة إسماعيل تلك. أدرك إدريس الخطأ الذي وقع فيه كما أسلفت كما أدرك إسماعيل ذلك فتقدما لي بالاعتذار وواصلا سيرهما وعدت إلى مجموعتي وأخبرتهم بما حصل.
إختفاء اسماعيل:
بعد أيام قلائل اختفى إسماعيل من المدينة وبدون علم أعضاء اللجنة بما فيهم المناضل الشهيد/ صالح محمد سعيد. وفيما نحن نتساءل عن سبب اختفائه وقلقون بالا تكون طالته يد العدو الإثيوبي إذا برسالة من قيادة العمليات الفدائية بالمنطقة تقول بأن الفدائي إسماعيل كان قد كلف بمهمة ولكنه عوضاً عن تنفيذ المهمة الموكولة إليه استمرأ العيش في المدينة بل وصلت قيادته معلومات مفادها أن إسماعيل استثمر ارتباطه بالعمل الثوري في استغلال تجار أغردات وابتزازهم للحصول على بعض المبالغ منهم، فاختطفته الجبهة من المدينة وهو رهن الاعتقال في الميدان. وطالبت الرسالة لجنة أغردات بأن تتحرى في الموضوع وتبعث بتقريرها على وجه السرعة. قامت اللجنة بالتحري في الموضوع ولم تجد أي دليل يدين إسماعيل وردت بذلك إلى قيادة إسماعيل بالميدان.
بعد أسابيع قليلة من إرسال ردنا إلى قيادة إسماعيل جاءنا الخبر المروع بان إسماعيل افلت من المعتقل وسلم نفسه لقيادة العدو في مدينة أغردات. ساد المدينة الذعر وخصوصا بين شباب المدينة الذين كانوا يتعاملون معه عن كثب بدافع الحب والتقدير بصفته فدائي من الثورة. كما عشنا أعضاء اللجنة في قلق شديد.
المناضل/ صالح محمد سعيد والتفكير في اغتيال إسماعيل:
انقضت أيام و أغردات تخلوا تدريجيا من شبابها مع كل يوم جديد تحسبا من أن يبلغ عنهم إسماعيل العدو. وكان في تلك الفترة المناضل همد محمد سعيد كلو في أغردات منتدبا من قبل القيادة في كسلا لمتابعة سير العمل بعد الترتيبات التي ادخلها المناضل/ محمود محمد صالح. وحال المدينة هكذا في تدهور مستمر بسبب نزوح سكانها إلى السودان خوفاً من تداعيات تسليم إسماعيل نفسه للعدو وموجة الاعتقالات والتصفيات الجسدية التي لحقت ببعض أبناء المدينة من ضمنهم المواطن كرار عثمان همد. جاءني المناضل/ همد محمد سعيد كلو في البيت عند الساعة الحادية عشر نهارا تقريبا وهو في حالة انزعاج شديد وابلغني بان المناضل/ صالح محمد سعيد قرر أن يغتال إسماعيل وقد توجه إلى منزله لإحضار مسدسه وبعض من القنابل اليدوية لتنفيذ العملية. فقمت بتهدئة الأخ/ همد كلو واوعدته بأنني سأتوجه فورا إلى منزل صالح واثنيه عن تنفيذ الفكرة.
وصلت إلى منزل المناضل/ صالح محمد سعيد ووجدته في حالة غضب شديد وقد اخرج مسدسه وكاد أن يخرج القنابل لحظة وصولي. حاولت أن اثنيه عن تنفيذ الفكرة بشرح إبعاد وتداعيات ما سيقوم به على أفراد أسرته وشعب أغردات الذي أحبه و قرر أن يفديه بروحه كي يخلصه من إسماعيل. رفض المناضل صالح كل محاولاتي لثنيه عن تصميمه على تنفيذ العملية مما اضطرني إلى اللجوء إلى صلاحياتي بصفتي سكرتيرا للجنة المركزية ورئيسه حسب الترتيب القيادي. فأصدرت عليه الأمر بإلغاء المهمة فالتفت إلى وعيناه تقدحان شررا وهو في حالة غضب لم أراه على أحدٍ من البشر في حياتي ! توقف عن البحث عن القنابل اليدوية وجلس على طرف سريره بهدوء ضارباً أروع مثل في احترام الأوامر والالتزام بلوائح التنظيم.
فتاة أغردات:
عدت إلى المناضل/ همد كلو وطمأنته ولكنه كان قد قرر مغادرة المدينة متجها إلى قيادته في كسلا حيث استدعته القيادة هناك واخبرني بأنه سيترك لي ختم اللجنة مع السيدة الجليلة والدته. وهل أأمن من الأم على أبنائها ؟ وفعلا بعد مغادرته بأيام قلائل توجهت إلى منزل آل كلو حيث قابلت واحدة من أمهات المناضلين...أم همد... وسلمتني الختم وغادرتها وهي تدعو الله أن يحفظنا جميعا. ولا يفوتني أن انوه هنا بدور فتاة أغردات في النضال الوطني بقيادة المغفور لها المناضلة/ زينب محمد موسى والسيدة المناضلة/ أم كلثوم أطال الله في عمرها. كانت بنت أغردات تقوم بتضميد الجرحى وعيادة المرضى من جيش التحرير والتستر عليهم داخل المدينة بالإضافة إلى إسهاماتها المالية. كما كانت تقوم بتطريز العلم الارتري وإرساله إلى وحدات المقاتلين في الميدان.
ويكفيهن شرفاً أن تنفذ واحدة منهن بكل شجاعة واقتدار مهمة استدراج احد عملاء العدو في المدينة إلى موقع كانت قد حددته الوحدة الفدائية التي قامت بتصفيته. كانت تلك الفتاة المناضلة/ رمانة صالح على يحي.
في تلك الظروف الحالكة العتمة والتي كانت تنذر بالشؤم حيث واصلت إثيوبيا سياسة الأرض المحروقة في المنطقة واعتقال عدد من أبناء المدينة، ارتأت اللجنة أن تعقد اجتماعا لتقييم الوضع ورسم خطة عمل للمرحلة. وفعلا تم الاجتماع بمنزل المناضل الأستاذ/ محمود نوراي حضره كل من المناضل/ صالح محمد سعيد والمناضل/ عثمان محمد محمود وشخصي بالإضافة إلى الأستاذ/ محمود بالطبع وتغيب عنه المناضل إبراهيم كلفي الذي كان قد غادر البلاد لأداء فريضة الحج.
قررت اللجنة في ذلك الاجتماع أن تتوخى الحذر وألا تعقد الاجتماعات إلا عند الضرورة القصوى. كما وافقت اللجنة على أن يستفيد المناضل/ عثمان محمد محمود من الفرصة التي واتته بنقله إلى اسمرا. انفض الاجتماع وذهب المناضل عثمان إلى منزله واتجه المناضل صالح إلى "السوق" أما أنا والأستاذ/محمود نوراي فكنا على موعد مع تدريبات فريق المعلمين لكرة القدم.
بعد عودتي من التدريبات وبعد غروب الشمس جاءني في البيت احد الإخوة لا اذكر بالضبط ولكن كان بالتأكيد إما المناضل/ نور الدين محمد عبد الله أو المناضل/ ابوبكر حجاج واخبرني بنبأ اعتقال المناضل/ صالح محمد سعيد. فاجتمعت اللجنة التي صفت عضويتها على كل من الأستاذ/ محمود نوراي والمناضل/ عثمان محمد محمود قبيل نقله عمليا إلى اسمرا وشخصي. وفي اليوم التالي قررنا رصد مبلغ قد تحتاجه عملية الإفراج عن المناضل صالح كما قررنا أن نتصل بالأستاذ/ ادم محمد سعيد شقيق المناضل صالح والذي كان حينذاك ناظرا لمدرسة " على قدر" ونطلب منه الحضور فورا إلى أغردات. كانت فكرة وجوب قدوم الأستاذ/ ادم أن يستفسر عن شقيقه، الدور الذي لا يمكن أن يقوم به كائنا من كان في ظل تلك الظروف.
بعد الاجتماع ذهبت إلى محطة المحروقات - استاندارد فاكيوم - حيث طلبت من الأخ الفاضل/ محمد نور الحسن حسنو أن يتصل تليفونيا بالأستاذ/ ادم محمد سعيد ويطلب منه القدوم إلى أغردات في اقرب فرصة ممكنة.
كنت اذهب إلى مواقف الحافلات يوميا لاستقبال الأستاذ/ ادم ولكنه لم يصل إلا بعد ثلاثة أو أربعة أيام وبعد أن تلقينا نبا استشهاد المناضل/ صالح محمد سعيد ولكني فضلت إلا اخبره بنبأ الاستشهاد وشجعته على أن يبدأ في البحث عن شقيقه كما أخبرته بأن اللجنة ستتكفل بأي مبلغ قد يطلب منه مقابل الإفراج عن صالح. كما اقترحنا عليه أن يبدأ تحركه بزيارة صائغ سوداني اسمه عثمان ياسين حيث كانت لهذا الأخير علاقة حميمة مع قائد الحامية الإثيوبي. وفعلا سعى الأخ السوداني في محاولاته للتوسط والإفراج عن المناضل صالح ولكن كان رد الكولونيل قاطعا وحاسما في استحالة تلبية ذلك الطلب مما أكد لنا صحة نبا استشهاد صالح. وهكذا أفل نجم ساطع آخر من نجوم أغردات. بعد أفول النجم الشهيد/ محمد الحسن حسنو.
وهكذا باستشهاد المناضل/ صالح محمد سعيد ونقل المناضل/ عثمان إلى اسمرا وسفر المناضل إبراهيم كلفي إلى خارج الوطن بقينا في قيادة اللجنة الأستاذ/ محمود نوراي وشخصي نعمل بمساعدة نور الدين محمد عبد الله والمناضل ابوبكر حجاج.
هل كان إسماعيل خائنا ؟
والآن أعود إلى موضوع إسماعيل. أعود إليه لما فيه الكثير من الدلالات في موقف الشعب الارتري. أكاد أقول موقف كل فرد من أفراد الشعب الارتري من قضيته الوطنية. الكثير يعتقد أن إسماعيل كان السبب في اعتقال وإعدام المناضل الشهيد/ صالح محمد سعيد وكانت كل المؤشرات في ذلك الوقت تؤكد ذلك. ولكن ما حدث معي يلقي ظلال الشك على ذلك الاعتقاد و ربما يدحض التهمة برمتها. ففي منتصف نهار يوم من أيام مايو 1967م وبعد مغادرتي مدرسة أغردات القديمة وعندما وصلت إلى الشارع المؤدي إلى سوق الخضار إذا بإسماعيل قبالتي في زى عسكري يتوسط جنديان من جنود العدو متوجهين نحوي. كنت قد وصلت إلى منتصف الطريق أمام منزل بلمبراس وقد وصل إسماعيل والجنديان إلى منزل آل هزام مقابل أستوديو حنش للتصوير. هكذا، لم يكن أمامي سوى السير نحوهم بثبات وبدون أي تردد ! توقعت أن ينقض على إسماعيل والجنديان ولكن حدثت المفاجئة. وأنا على بعد خطوات قليلة منهم، إذا بإسماعيل يشيح بوجهه بعيدا عني ويتجاوزني مبعدا عني أي شبهة !
هذا الموقف من إسماعيل وهو الذي اتهم بأنه بلغ عن المناضل/ صالح محمد سعيد وبأنه السبب في إعدامه وهو الذي قيل عنه إنه كان السبب في إبادة أكثر من قرية في منطقة بركة وهو الذي اقترن اسمه بموجة اللجوء لأهل أغردات إلى السودان. إذا كان كل ذلك صحيحا فلماذا تصرف إسماعيل تجاهي على النحو الذي ذكرته، خصوصا وأنا الذي أنكرت عليه العلاج والدواء كما ذكرت آنفا ! وهو يعرفني يقينا بأنني عضو في اللجنة المركزية في أغردات ؟
موقف إسماعيل هذا يذكرني بموقف ولداي كحساي من قبله مما يجعلني أجرؤ القول بان إسماعيل مثل ولداي لم يسلم نفسه إلى العدو بدافع الخيانة الوطنية أو بدافع الإضرار بالثورة. بل دُفع دفعا إلى اتخاذ ما اتخذه من موقف كما دفع من قبله ولداي. ومن الموقفين المتطابقين لولداي كحساي وإسماعيل يمكننا أن نستخلص بان كل ارتري التحق بالنضال طوعاً لا يمكن أن يكون قد تركه إلا قهراً وبدافع بعيد عن الخيانة الوطنية !
خاتمة:
آمل أن أكون قد وفقت في سرد القليل من قصة مدينة باسلة... وأتمنى على الأستاذ/ محمود نوراي إكمال البقية حيث بقي في المدينة بعد مغادرتي لها يواصل نضاله الوطني تارة في المـعـتقـل وتارة في ساحة النضال... ساحة أغردات !
كما أتمنى أن يأتي اليوم الذي تخلد فيه أسماء شهدائنا بإطلاقها على شوارع و ساحات ومدارس أغردات.