النظام الأثيوبي وحلفاؤه.. من ورط من - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: عثمان بداوى عمريت
لم يرهق الرعيل الاول عندما فجر الثورة المباركة ذهنه بالمعادلات السياسية، التوازنات العسكرية ولا بالتحالفات الاستراتيجية القائمة
حوله. ليس جهلا بأهميتها وتأثيراتها المباشرة على مسيرته، بل لأنه كان مؤمنا بعدالة قضيته وواثقا من قدرته على تجاوز كل العقبات امامه عبر مسيرة نضالية طويلة تتناقل فيها الأجيال راية الكفاح المسلح، لان الحقوق لا تدرك الا بالصبر والمثابرة على المكاره.
وبالفعل لم يعترف العالم الذي لا يؤمن إلا بمنطق القوة وبالقوة فقط باستقلال وقيام دولة إريتريا الا على مضض وكأمر واقع لا مناص منه، ومع هذا لم يهدأ لأطراف المؤامرة الكبرى بال كما لم يغمض لها جفن، مع ان اعتبار كل من اغمض جفنيه نائمــا غباء بعينه.
فاستمرت في تربصها وتحينها الفرص لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء ولو بعد حين. فأول ما توهمته وحاولت ايهام الاخرين به ومنذ فجر الاستقلال ان نظام وياني هو الذي تكرم ووهب الشعب الارتري استقلاله الوطني على طبق من ذهب في محاولة يائسة وبائسة للتقليل من حجم تضحيات شعبنا وبطولاته المشهود لها عالميا، لان هؤلاء وببساطة، قوم لا خلاق لهم ولا هم يعتبرون.
فعقب الاحتكاكات الحدودية التي افتعلها نظام وياني في شهر مايو من عام 1998، طار وزير خارجيته سيوم مسفن الى السعودية للتشاور، واثناء مغادرته مطار الملك عبد العزيز الدولى بجدة، صرح لوكالات الانباء العالمية ’اذا لم تنسحب ارتريا من الاراضى الاثيوبية التى تحتلها سنحول النزاع الى حرب شاملة‘. كانت رسالته في غاية الوضوح، وجاء الرد الارتري فوريا وموازيا ’الارتريون قادرون ومستعدون للدفاع عن وطنهم‘.
ومن السعودية انطلق سيوم مسفن فى جولة طويلة شملت معظم دول السوق الاوربية المشتركة وخصوصا المؤثرة منها. ومن المعلومات التي رشحت عن اجتماعاته انه ركز على نقاط ثلاث: اولا - حمل الدول الاوربية بصفة عامة المسئولية التاريخية والاخلاقية الكاملة في تمزيق وحدة اراضي اثيوبيا ابتداء من الحقبة الاستعمارية وانتهاء بدعم القرار الصادر من الامم المتحدة عام 1952 فيما يتعلق بتطبيق نظام الاتحاد الفيدرالي بين ارتريا واثيوبيا عوضا عن دعمها الحق الأثيوبي في استعادة ارتريا. ثانيا - ان اثيوبيا الثورة لن تقبل، تحت أي ظرف من الظروف ومهما كلفها الامر، ان تعيش تحت رحمة ثلاثة ملايين نسمة يتربعون على اكثر من الف كيلو متر من الشواطىء البحرية. ثالثا - ان اثيوبيا لا تتوقع من الدول الاوروبية تفهم موقفها وحقوقها المشروعة فحسب، انما ايضا مساعدتها على تصحيح خطأ كانت هذه الدول سببا فيه وتدفع اثيوبيا ثمنه كل يوم.
وفي تزامن مع هذه الجولة، كان اللوبي الموالي لإثيوبيا في وزارة الخارجية الامريكية يصيغ بخبث واضح مبادرة اسماها ’مبادرة سلام‘ توفر لنظام وياني الدعم القانوني والسياسي والدولي وغطاء لما ستقوم بها من اجراءات وبحيث يستحيل على الحكومة الارترية قبول المبادرة او رفضها كلية. وحتى تكتسب المبادرة نكهة افريقية، اقحم فيها Paul Kagamet نائب رئيس دولة رواند بحجة ان دولته تترأس الدورة الافريقية.
ومن رواندا طار الفريق الامريكى بقيادة Susan Rice مساعدة وزير الخارجية الامريكية للشئون الافريقية صديقة نظام وياني والعدو اللدود للجبهة الشعبية منذ عهد الثورة و Gayle Smith بالمبادرة الى قمة منظمة الوحدة الافريقية التي كانت تعقد في بوركينافاسو واستطاع انتزاع موافقة المؤتمر علي تبني المبادرة على علاتها لتعرف منذئذ زورا وبهتانا ’بمبادرة منظمة الوحدة الافريقية للسلام‘ وسرعان ما اقرها مجلس الامن الدولي وغالبية المنظمات والهيئات الدولية وعلى رأسها دول السوق الاوربية المشتركة التي رأت فيها مخرجا مناسبا من الموقف المحرج الذى وجدت فيه نفسها.
عندما ذكرت هذا الحديث في احدى الحلقات في ذلك الوقت انبرى لانتقادي احد قيادات ما تسمى بالمعارضة حيث ذكر انه كان يعمل في وزارة الخارجية الارترية في ذلك الوقت وانه بحكم موقعه كان على علم تام بان الولايات المتحدة كانت نزيهة وحيادية في صياغة مبادرتها من اجل التوفيق بين دولتين صديقتين لها وان الرئيس الارتري هو الذي خلق المشكلة ورفض المبادرة، وانني ادافع عن النظام الارتري.
ولكن جون روبرت بولتون المندوب السابق للولايات المتحدة في مجلس الامن ومستشار الرئيس الامريكي للأمن القومي حاليا كشف مؤخرا في كتاب له ان مستشارة وزارة الخارجية الامريكية للشئون الافريقية جنادي فريزر التي كانت تتولى ملف الخلاف الارتري الاثيوبي منذ عام 2005-2009 بذلت جهودا حثيثا لأبطال مفعول الحكم الصادر من المحكمة الدولية فيما يتعلق بترسيم الحدود بين ارتريا واثيوبيا والغائها! مشكلة البعض انهم يتسيسون وهم لا يميزون بين الخلاف السياسي والقضايا الوطنية.
ولابد لي هنا من التوضيح ان وصف ’مبادرة السلام‘ المشار بالعرجاء لم يكن نابعا من انتمائي الوطني بقدر ما كان من منطلق قانوني متعارف وتم تطبيقه في كل النزاعات العالمية. حيث تبدأ المبادرات بمطالبة طرفي النزاع بوقف اطلاق النار، ثم انسحاب قوات الطرفين من مواقع محددة الى مواقع محددة ما لم تتضمنه المبادرة الامريكية واخواتها، ولم يسقط هذان البندان، وفي اعتقادي، نتيجة جهل او غفلة انما عن تعمد لمآرب اخرى.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.