إرتريا جزائر الساحل الأفريقي - الفصل الثاني

صديق الثورة الارترية الكاتب السوداني: سيد أحمد خليفة

أشرنا في مقدمة هذا الكتاب إلى الطرق السلمية التي لجأ إليها الشعب الإرتري للمطالبة بحقوقه المشروعة

وذلك على الأقل في المجال الذي حدده قرار هيئة الأمم المتحدة في 1950/12/2، والذي يقضي باتحاد إرتريا مع إثيوبيا فدرالياً وتحت سيادة التاج الإثيوبي.

وكان واضحاً منذ البداية أن هذا القرار لم يكن صادراً عن ضمير الأمم المتحدة بل كان نتيجة المؤامرات استعمارية بعيدة المدى. ولكن الشعب الإرتري المسالم بطبيعته لم يفقد الثقة في هذه المنظمة الدولية ولم يأل جهداً في تقديم العرائض والشكاوي آملاً أن تحل قضيته بالطرق السلمية غير أن كل هذه الجهود الطيبة المسالمة باءت بالفشل. وأخيراً أدرك الشعب الإرتري أنه لم يعد من الملائم أن يظل مستجدياً لحقوقه بأسلوب آخر، وهو أسلوب القوة. وهكذا دفع الشعب إلى سلوك طريق العنف الذي أصبح أمراً لامناص منه، وآمن بمنطق الثورة: ذلك أن أعداء الشعب الإرتري لا يفهمون إلا لغة القوة. والحق أن منطق العدالة لن يكون مسموعاَ ما لم تدعمه قوة.

لقد أشار قرار الأمم المتحدة إلى أنه من الأسباب الرئيسية التي صدر على أساسها القرار الفدرالي هي مصلحة الأمن والسلام في شرق أفريقيا. وبالنظر لفشل القرار فلم تعد هناك فرصة للسلام في المنطقة إلا بتحرير الشعب الإرتري. أن فشل تجربة الاتحاد الفدرالي كان أمراً متوقعاً، فقد كان الاتحاد الفدرالي بناء غير صحيح، وهذا شأن كل البناءات الخاطئة التي تفرض من عل ولا تقوم على أسس شعبية عميقة زد على ذلك أنه لم تصاحبها حتى الاندفاعات العاطفية التي تصاحب بعض الاتحادات.

ولم يكن الشعب الإرتري مسؤولاً عن الاتحاد مع إثيوبيا ولكنه وجد نفسه في قلب دوامة استعمارية أسلمته إلى هذا المصير المؤلم، وهو يحاول الآن الخروج من هذه الدوامة وتحديد معالم كيانه.

ولقد نسي الاستعماريون وأعداء الشعب، أنه من الصعب القضاء على شعب يريد أن يحيا. لقد انتهى عهد الاستعمار والتسلط، وأصبح المستقبل واضحاً لكي تحكم الشعوب نفسها بنفسها.

وإذا كانت حكومة إثيوبيا تدعي بأن النظام الفدرالي قد انتهى وأن إرتريا قد دخلت في وحدة تامة مع إثيوبيا، فأننا نرد على ذلك بان النظام الفدرالي قد انتهى فعلاً إلى غير رجعة، أما الوحدة فلم تتم بل أن كل ما حدث أن الجيش الإثيوبي قد احتل إرتريا بالقوة وأن الوضع الحالي يشكل استعماراً جديداً هو في الواقع استمرار للوضع الاستعماري السابق.

وقد قرر الشعب الإرتري أن يخوض معركة الحياة من أجل كرامة الإنسان الإرتري ومن أجل حياة أفضل، وهو يعلم تماماً أنه يسير في اتجاه التاريخ وأنه سينتصر حتماً.

بداية الثورة:

الإعداد: كان الإعداد للثورة أمراً صعباً للغاية فلم تكن هناك إمكانيات متوفرة من حيث العتاد والرجال المدربين، وكانت البداية صعبة ولكنها كانت ضرورة ملحة وامرأ حتمياً. وبدأت جبهة التحرير الإرترية بحسبانها تنظيماً ثورياً يؤمن بالنضال المسلح طريقاً للحرية والاستقلال تعد لعمل ثوري ومخطط مدروس. وكانت البداية عندما طلبت الجبهة في سبتمبر أيلول 1961 من احد أعضائها البارزين ذلكم هو المناضل حامد إدريس عواتي الذي قام بدور صد هجمات العصابات الإثيوبية في أعوام 1948 و 1950، طلبت الجبهة من هذا المناضل الكبير أن يخرج إلى الجبال على رأس التشكيلات العسكرية للجبهة. وهكذا أطلقت الطلقات الأولى التي أعلنت ميلاد الثورة الإرترية على الاستعمار الإثيوبي.

وقد مر مناضلو جبهة الحرير الإرترية بمرحلة غاية في القسوة والخطورة.فقد واجهتهم قوات أكثر منهم عددا وأحسن تسليحاً في الوقت الذي كانت تنقصهم فيه الذخيرة والسلاح الجيد، وكانوا يكتفون بالمناورة ثم الانسحاب. ثم انتهت هذه المرحلة الحرجة بفشل السلطات الاستعمارية الإثيوبية في أن تنال من الثوار، وأزداد إلصاق الشعب بثورته. وأستطاع المناضلون أن يحصلوا على كمية لا بأس بها من الأسلحة الخفيفة، وأصبحوا يخوضون القتال على نطاق أوسع قليلاً ضد القوات الاستعمارية.

مرحلة جديدة:

وبعد سبعة أشهر من بداية الثورة بدأت مرحلة جديدة، وأصبح زمام المبادرة في يد الثورة لأول مرة بعد أن أزداد عددهم وحصلوا على كميات من السلاح. فأخذوا يشنون الهجمات على مراكز الجيش والبوليس الإثيوبي خارج المدن. وقام فدائيو جبهة التحرير الإرترية بعمليات رائعة في داخل المدن. ولعل حادث أغردات الشهير هو أهمها. فقد قامت السلطات الإثيوبية بتدبير اجتماع كبير في مدينة أغردات حشدت فيه عددا من الخونة والأذناب، وذلك تمهيداً لخطة إثيوبيا الرامية إلى دمج البلاد نهائيا في حظيرة الإمبراطورية الإثيوبية، وحضر على شرف الاجتماع ممثل الإمبراطور في إرتريا، الجنرال أبي أببي، ومعظم الوزراء والنواب والأذناب. وفجأة قام أحد الفدائيين بإلقاء قنبلتين انفجرت أحداهما ونتج عن ذلك مقتل وجرح عدد من الخونة والأذناب، فأصيب ممثل الإمبراطور وقتل احد الوزراء وأصيب حامد فرج حامد رئيس البرلمان الإرتري السابق بجراح خطيرة نتج عنها شل أحد ساقيه، كما قتل العديد من العملاء الذين نظموا هذا الاجتماع. وهكذا فشل الاجتماع وتلقى الأذناب درساً لا ينسى، وعرفوا أنهم سيدفعون ثمناً غالياً للخيانة. وتعقب الفدائيون الشجعان الخونة والجواسيس في المدن والأرياف، واستطاعوا أن يقضوا على الضابط الخائن كحساي في مدينة أغردات، وكان من أخطر الجواسيس وأشدهم ضراوة وقسوة في معاملة الوطنيين.

بطولات الشباب:

وفي أسمرا استطاع الفدائيون أن يتسللوا إلى مطار أسمرا الحربي على الرغم من الحراسة المشددة وأن ينسفوا طائرتين حربيتين كانتا تربضان هناك، كما أصابوا طائرتين أخريتين بعطب كبير.

وقد تجلت في تلك العملية شجاعة الفدائيين إذ استطاعوا أن ينفذوا العملية تحت وابل من طلقات الأعداء. ثم هاجموا قصر ممثل الإمبراطور بالقنابل اليدوية وحطموا بوابته. وقامت مجموعة قليلة من الثوار لا يتجاوز عددهم سبعة فدائيين بعمل رائع إذ تمكنوا من إلحاق الهزيمة بقوة إثيوبية يزيد عددها عن أربعين جندياً، وغنموا أسلحتهم وفقد الثوار شهيدا واحدا.

وفوجئ فدائي لا يتجاوز عمره الثامنة عشرة بكتيبة من الأعداء رابضة في القرية التي جاء إليها ليشتري حاجات الثوار. فدخل الدكان رابط الجأش متمالكاً أعصابه، ولا حظه الضبط الإثيوبي بعد أن خرج من الدكان وابتعد عن المكان قليلاً فاتبعه ثلاثة جنود وأوقفوه، وكانت في حوزته قنبلة يدوية، وقاده حسن تفكيره إلى رفع يديه دلالة على الاستسلام وتحدث إليهم بكلمات تدل على البراءة والسذاجة حتى أطمأن إليه الجنود ووضعوا بنادقهم المصوبة عليه على أكتافهم، وتقدموا نحوه. وما أن اقتربوا منه حتى انتزع بسرعة قنبلته وألقاها عليهم فأبادهم. وذعرت الكتيبة بأكملها وظلت تمطر الغابة بوابل من الرصاص دون اتجاه معين. أما الفدائي فقد أختفي بين الأشجار ولحق بزملائه في ميدان الشرف.

وذات مرة استطاع أن يتسلل أحد الجواسيس إلى صفوف الثوار متنكرا في زي الوطنية، تم فر إلى سادته حاملاً بعض ما حصل عليه من أسرار، وأحاطه الإثيوبيين برعاية وحراسة مشددة لم تمكن الفدائيين من القضاء عليه وأخيراً تمكن احد أعضاء الجبهة المخلصين من استدراجه، وسار به بعيداً عن أعين الرقباء، ثم إذا به يفاجئه بفوهة المسدس في قلبه.

وذعر الخائن وتوسل إليه أن يبقي على حياته خاصة وأنه مقدم على الزواج وأنه يود أن يتوب ...الخ ومرت على الفدائي البطل ثوان معدودة كانت بمثابة أدهر في نفسه. وفي الوقت ذاته دارت بخياله أشرطة المآسي الذاتية التي نتجت عن خيانته.. لقد تجسدت أمام ناظريه صور أولئك المخلصين الذين بليت أجسادهم الشابة تحت لكمات التعذيب نتيجة لوشايته، وتذكر تلك المخابئ التي كشف سرها للأعداء فاستولوا على ما بها، تذكر كل هذه الحوادث المتلاحقة، فضغط على الزناد ودوى الرصاص عالياً، وانفجر الدم من قلب الخائن ثمنا لخيانته وجرائمه ضد وطنه.

وفي أحايين كثيرة نجا الفدائيون الأبطال من قبضة الأعداء بفضل أعصابهم الفولاذية. ركب مرة احد الفدائيين الباص وكانت في حوزته قنبلة يدوية ومسدس. وجلس بجانب رجل بوليس من الذين يرافقون الباص للحراسة. فهزه بلحيته وقال له "أنت تظهر من الشفتا" وابتسم الفدائي ابتسامة هادئة وتظاهر وكأنه لا يفهم اللهجة التي تحدث بها الجندي، فظنه من الريفيين العاديين وتركه. وقد كادت يد الجندي أن تلامس المسدس المختفي تحت الثياب مرات كثيرة. ولكن لم يفقد الفدائي البطل رباطة جأشه حتى نزل من الباص. وكثيراً من المرات استطاع الفدائيون أن يتخلصوا من الأسر بفضل هدوء أعصابهم.

بوليس مدينة مصوع يعلن الثورة:

وفي مصوع قام المناضلون الأحرار وهم: محمد سعيد إبراهيم شمسي، وعمر ناصر علي شوم، وقمحط إدريس بعمل فذ، إذ استولوا على مخزن الأسلحة برئاسة بوليس منطقة مصوع وخرجوا على رأس مجموعة من زملائهم رجال البوليس الأحرار وانضموا إلى إخوانهم في النضال ثوار جبهة الحرير الإرترية. واستشهد الإبطال الثلاثة فيما بعد في عمليات مختلفة بعد أن ضربوا أمثلة رائعة في التضحية والفداء.

عملية هيكوته الجريئة:

وفي سبتمبر 1962 قام الثوار بعملية جريئة، إذ دخلوا مدينة هيكوتة متنكرين في زي ريفي واستقلوا سيارة ركاب إلى مركز الجيش وفاجأوا الحراس في منتصف الليل فقتلوا ثلاثا منهم واستسلم الباقون، وجردوهم من أسلحتهم وهي 51 قطعة من البنادق والرشاشات. وفقد الثوار شهيداً واحداً. تم انزلوا العلم الإثيوبي ورفعوا مكانه العلم الإرتري. وقد شاهد الأهالي بأنفسهم هذه العملية الرائعة وصفقوا كثيراً عندما رفع العلم الإرتري ثم انسحب الثوار من المدينة بعدة ساعات. وقد شاهد العملية بعض السودانيين الذين نزلوا من سيارة الركاب مؤقتا وتحدثت عن هذه الحادثة الصحافة السودانية.

فدائي يعدم أربعة:

في 1968/10/19 حاصرت قوة من جيش الاحتلال الإثيوبي احد الفدائيين بالقرب من مدينة تسني وأصابته بكسر في ساقه. وقبل أن يستشهد ألقى قنبلة على العداء فقتلت أربعة منهم وأصيب عدة جنود بجروح.

فدائية تشارك في إعدام جاسوس:

شاركت إحدى الفدائيات في إعدام الخائن إبراهيم حمد نواري الذي استسلم للعدو في أواخر 1968 وكشف عن مخبأ للسلاح تابع لجيش التحرير الإرتري وقد تحصن بعد ارتكابه الجريمة بمعسكر للعدو الإثيوبي وفي كرن تمكنت إحدى الفدائيات من استدراجه إلى منزل في مدينة كرن حيث كان الفدائيون الأبطال في انتظاره، ومن ثم أعدموه بالسلاح الأبيض وغادروا المدينة وبرفقتهم الفدائية البطلة إلى معاقلهم الحصينة في جبال إرتريا.

الفدائي محمود يعدم بخنجره قائداً إثيوبياً قبل أن يتشهد:

وفي بارنتو داهمت قوة من الجيش الإثيوبي الشهيد محمود بلاي وكان يقود الفرقة الكولونيل منقستو، قائد القوات الإثيوبية في المنطقة الغربية من إرتريا. ورغم ضخامة القوة المحاصرة استطاع البطل محمود أن يصل إلى الكولونيل الإثيوبي وأن يغمد خنجره في بطنه قبل أن تحصده الرصاص الإثيوبية. فانصرف من الحياة مجللاً بتاج البطولة الفذة.

فدائيون الجبهة يعدمون كبار الضباط الأعداء:

طهر فدائيون جبهة التحرير الإرترية الأشاوس صفوف الشعب من الخونة والجواسيس فاعدموا أكثر من مائة منهم ومن ضمنهم عمر شيخ عمار وعثمان عبد الرحمن شفراي وهما من أعضاء البرلمان الإرتري السابق، أما ضابط الأمن والجيش فقد أعدم الفدائيون العشرات منهم وفي مقدمتهم النقيب كابتن كحساي،مدير الأمن في أغوردات، والعقيدكولونيل جسري كيدان تسفاي، مدير الأمن في كرن والعقيدالكولونيل بيزابيه، نائب مدير المخابرات العامة الذي أعدمه الفدائيون في أسمرا، وقادة الكماندوس الذين دربهم الخبراء الإسرائيليون وهم النقيب الكابتن ياسين بشير، والنقيب الكابتن أشبر والنقيب الكابتن قبار، وقائد شبكة الجاسوسية في مصوع محمد عبد الله قبو وعشرات غيرهم من الضباط.

فدائيون الجبهة يحطمون طائرة بوينغ إثيوبية في مطار فرانكفورت:

لم يقتصر نشاط فدائي جبهة التحرير الإرترية الأبطال على العمليات العسكرية داخل إرتريا، بل أنهم يطاردون المنشآت الإثيوبية في الخارج أيضاً بهدف إلحاق أضرار اقتصادية بالعدو والقضاء على الحصار الإعلامي. ففي حوالي الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء 1969/3/11 تحطمت طائرة ركاب إثيوبية من طراز بوينغ 707 في مطار فرانكفورت بألمانيا الغربية على أثر انفجار قنابل موقوتة وضعها فدائيو جبهة التحرير تحت المقاعد الملاصقة لجناحي الطائرة.

ولم تعثر السلطات الإثيوبية على احد من الفدائيين. وقد أصيبت الطائرة بأضرار بالغة من جراء الانفجار. وقدرت صحيفة سودتش زيتونغ Suddeutsche Zeitung الألمانية الصادرة في 1969/3/13 الخسائر بمبلغ مليون مارك ألماني ما يعادل 15 مليون دولار إثيوبي.

وكان للحادث دوي عالمي وأصدرت إثيوبيا الاستعمارية بيانا اتهمت فيه الجمهورية العربية السورية بتدبير الحادث، وردت سوريا ببان نفت فيه مسؤوليتها عن الحادث وأردفت تقول أن إثيوبيا تحاول أن تلقي المسؤولية على غيرها بعد أن فشلت في قمع جيش التحرير الإرتري الذي يقاتل من أجل استقلال إرتريا. وهدد الإمبراطور باتخاذ إجراءات " صارمة" ضد الجالية العربية اليمنية في إرتريا وإثيوبيا.

ذكريات فدائيين عن وحشية الاستعمار الإثيوبي:

عبدالله: تأثرت عند مشاهدة 22 من زملائي على أعواد المشانق:

تتحدث المقاتل الثائر عبدالله عن الحوادث التي أثرت في مشاعره فقال: أن الثائر تمر به يومياً أحداث مؤثرة ورهيبة فهو يقاتل عدوا شرساً لا يرحم ولا يميز بين عسكري ومدني. ولكن أكثر تلك الحوادث تأثيراً هي تلك التي شاهدت فيها جثث أربعة من زملائي المناضلين وقد علقتها السلطات الإثيوبية على أعواد المشانق في سوق كرن. وكذلك الحادث الذي علقت فيه السلطات الاستعمارية جثث 21 من زملائي الشهداء على أعواد المشانق في كرن. ولكن هذه الحوادث كانت تمدنا دوماً بالعزيمة لمواصلة الثورة حتى النصر أو الاستشهاد.

عثمان يقول: ضابط إثيوبي بنى سقفاً من الجثث:

وتحدث الثائر "عثمان" عن حوادث تتجلى فيها وحشية الجيش الإثيوبي فقال: أنقذنا ذات مرة طفلاَ مشرداً لا يتجاوز التاسعة من عمره كان يهيم على وجهه في العراء منذ يومين بعد أن قتلت أسرته وكلن البكاء والجوع والعطش قد جعل منه هيكلاً متحركاً.

وقال الثائر: في مقرايب بنى احد قادة الجيش الإثيوبي من جثث المواطنين الذين أبادهم سقفاً استظل به وجمع الموطنين المقيدين بالحبل وأقعدهم أمام هذا العريش في الرمضاء ضاحكاً بهستيرية ومشيراً إلى الجثث المتراكمة فوقه والملطخة بالدماء مهددا بتحويلهم إلى جثث مماثلة.

سعيد: أعدمت السلطات الاستعمارية أبرياء لتظهر دقة مخابراتها:

ويروي الفدائي سعيد عن تجاربه فيقول "في احدي العمليات الفدائية" التي أعدمت فيها مدير الأمن في كرن وهو ضابط برتبة كولونيل عقيد تتبعنا الضابط ستة أشهر حتى تمكنا من تحديد المكان والزمان المناسبين لإعدامه وتمت العملية بنجاح. وحادثة أخرى أحرزنا فيها نجاحاً تاما وتمكنا من إعدام أخطر الشخصيات في شبكة التجسس الإثيوبية. ويعود نجاحنا بدرجة كبيرة إلى التعاون المنظم من قبل خلايا الجبهة السرية معنا. واستأجرنا سيارة بعد أن خططنا للعملية أسبوعين. وما أن نزل ذلك الشخص الخطير من سيارته حتى لحقناه بسيارتنا وكان يسير ماشياً نحو منزله بعد أن أدخل سيارته في كراج مجاور وكان يسكن في منطقة تحيط بها معسكرات الجيش والأمن. وعندما اقتربنا منه أطلقنا عليه عدة طلقات من رشاش سنوبال أحالته في لحظات إلى جثة هامدة. ثم قدنا سيارتنا ببطء حتى لا نلفت الأنظار إلينا، بينما سيارات الجيش والشرطة تمر بنا في سرعة مذهلة حتى تمكنا من العودة إلى مخابئنا بسلام.

واستطرد سعيد قائلاً وفي اليوم التالي اعتقلت السلطات الإثيوبية مجموعة من الأبرياء بتهمة ارتكاب الحادث، ثم حكمت على بعضهم بالإعدام رغم أننا لا نعلمهم، ومن بين هؤلاء زكرياس - موظف وملوقيتا - موظف بشركة بس، وقرازقهير تولدي، طالب. حتى تظهر قدرة مخابراتها الإرهابية على اكتشاف" الأشقياء"!!

صالح: ذبح الاستعماريون سبعة مناضلين وتركوا في العراء:

وتحدث الثائر صالح فقال" أتذكر بتأثر ما حدث لبعض رفاقنا على أثر استسلام احد الفارين، حيث قامت السلطات الاستعمارية بذبح الكثيرين من المواطنين في المدن، ومن بينهم صديقي الشهيد صالح محمد سعيد. وفي تلك الأيام السوداء وجدت جثث سبعة من رفقنا ملقاة في العراء خارج مدينة أغردات. وكان منظرا مؤلماً يدل بوضوح على وحشية الجيش الإثيوبي الذي قتل هؤلاء الشباب غدرا بعد أن أختطفهم من منازلهم ذبحاً بالسكين. ولم يكلف نفسه عنا دفنهم".

فسهاي: وحشية الكماندوس دفعتهم إلى سحب جريح على الأشواك:

وتحدث المناضل: فسهاي الذي انضم إلى صفوف الثورة من قوات الكماندوس الإثيوبية فقال: أتذكر أن فصيلة الكماندوس التي كنت جندياً فيها حاصرت ذات مرة ثلاثة من الثوار وقتلت واحد منهم. وجره جنود الكماندوس في أشواك بينما هو جريح لم يفارق الحياة. وكم اشمأزت نفسي من هذا المنظر البالغ القسوة. ولم أعمل في صفوف الكماندوس طويلاً إذ تمكنت من الالتحاق بالثورة. أن قوات الكماندوس ليست إلا مجموعة المرتزقة وهم يفقرون إلى عامل أساسي للقتال. وهو التأييد الشعبي. لأنهم يقتلون كل لناس بدون تمييز ويدمرون الممتلكات دون مبرر وينهبون الشعب دون رادع. ويعيشون في نزاع وخصومات حول الغنائم ولأهدف أخر يجمع بينهم.

نواصل... فـي الفصل الـقـادم

Top
X

Right Click

No Right Click