إرتريا جزائر الساحل الأفريقي - الفصل الأول

صديق الثورة الارترية الكاتب السوداني: سيد أحمد خليفة

المقدمة: في 1953/9/15م أقيمت الحكومة الإرترية بمقتضى قرار الأمم المتحدة ولكن صلاحياتها وسلطاتها

اغتصبت على أيدي ممثل الإمبراطور الذي مارس صلاحياته بواسطة جيش احتلاله وأعلن الدستور الإرتري نظريا ولكن الدستور الإثيوبي الاوتقراطي والقوانين الإثيوبية الإقطاعية هي التي كانت سارية المفعول في الواقع. وتحول القرار الاتحادي عشية تنفيذه إلى حرف ميت وحبر على ورق، ولم يصب الحقوق الإنسانية للشعب الإرتري إلا المحو والتعطيل.

وكان الإرتريون يعتقدون اطمئنانا منهم إلى الضمانات التي وفرها لهم قرار الأمم المتحدة بأنهم يتمتعون باستقلالهم الذاتي وبنظم حكمهم الديمقراطي السليم، ولكنهم صدموا عندما رأوا الموقف المتعسف الذي اتخذته الحكومة الإثيوبية. ولهذه الأسباب عقدت جميع الأحزاب المؤيدة لقرار الأمم المتحدة مؤتمراً عاماً في أكتوبر 1953م لبحث الموقف. وبعث المؤتمر إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 1953/10/12م ببرقية تحت رقم 58465 ثم أردفها ببرقية إلى الإمبراطور تحت رقم 58466 أرسلت نسخة منها إلى وزير الخارجية الإثيوبية. وفي هاتين البرقيتين عبر المؤتمرون عن عظم قلقهم للوضع الخطير في إرتريا، وأسفوا للنتائج المحزنة التي لا مفر من أن تنجم عنه. وفوق ذلك طلب المؤتمرون من لأمم المتحدة أن ترسل لجنة أخرى لدرس الحالة عن كثب.

ولكن الذي يؤسف له أن الإمبراطور والأمم المتحدة لم يعيرا الطلب الإرتري أذناً صاغية، فتدهور الوضع في مطلع 1954، عندما زار الإمبراطور الإثيوبي إرتريا للمرة الثانية لتدشين كنيسة في مصوع. وهناك تلقى سيلاً من العرائض والشكاوي من جميع الأوساط والمنظمات الإرترية تطلب من إثيوبيا أن ترخي قبضتها على إرتريا بغية إعادة الوضع السياسي إلى حالته الطبيعية وللقضاء على الأزمة الاقتصادية التي نشبت نتيجة لفرض ضرائب باهظة على الإرتريين المحرومين من موارد بلادهم الخصبة. فتكرم جلالته بالإجابة بنشر الإرهاب والظلم والقلق محل القانون والعدل، وأقام دولة بوليسية في إرتريا.

وبتأثير من الخطر المحدق وتحت ضغط الرأي العام أصدرت الجمعية التشريعية الإرترية قراراً في جلستها رقم 328 المنعقدة في 1954/5/22 وسلم هذا القرار إلى المستر ألبرت ريد مدير المكتب التشريعي للأمم المتحدة في 1954/6/10 لتسليمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وطلب هذا القرار من رئيس الوزراء الإرتري أن ينذر الحكومة الإثيوبية بالإقلاع عن سياستها المهينة الفاضحة وإلا تعين عليه إحالة القضية إلى الأمم المتحدة. ولكن ممثل الإمبراطور صعق لهذا الموقف الشرعي من قبل الجمعية الوطنية الإرترية ولجأ إلى سياسته التقليدية القائمة على الإرهاب والكبت، وأقال في نهاية المطاف الحكومة التي انتخبها الشعب الإرتري بإشراف مندوب الأمم المتحدة والإدارة البريطانية.

وفي أكتوبر 1955 قدمت الحكومة الإثيوبية بواسطة عملائها في البرلمان الإرتري اقتراحاً لتعديل الدستور بإلغاء اللغتين الرسميتين العربية والتجرينية.كذلك اقترحت تعيين رئيس الوزراء من قبل الإمبراطور مباشرة. فأرسل ممثلو الشعب الإرتري برقية إلى رئيس الوزراء الإرتري ورئيس البرلمان بتأريخ 1955/10/15 احتجوا فيها ضد هذا التدخل الإثيوبي السافر على شؤون إرتريا الداخلية، وطالبوا بتطبيق المساواة بين المواطنين الإرتريين، ولما لم يجدوا الإجابة على برقيتهم أتبعوها بأخرى في 1955/11/21 وفي 1956/5/5 قدم وفد يمثل الشعب الإرتري إلى المحكمة الإرترية العليا عريضة طلب فيها من الجمعية التشريعية الاحتجاج على مخالفات الحكومة الإثيوبية المستمرة للدستور الإرتري ولقرار الأمم المتحدة. فنصح رئيس المحكمة رئيس الوزراء ورئيس البرلمان بوجوب إعادة النظر في سياستها والتقيد بقرار الأمم المتحدة وإلزام الدستور الإرتري الذي ينبع من صميم حقوق الإنسان. وعندما قرئت مشورة رئيس المحكمة العليا في البرلمان أيدها رئيس البرلمان السيد إدريس محمد أدم، وكان هذا التأييد السبب في إقالته فوراً من منصبه.

الشعب الإرتري يرسل وفداً إلى الأمم المتحدة:

وعلى أثر فشل تلك المحاولات لحمل الحكومة الإثيوبية على العدول عن سياستها العدوانية بعث الشعب الإرتري في عام 1957 وفداً على هيئة الأمم المتحدة. وقدم الوفد في مذكرته الشاملة التي احتوت على أكثر من سبعين صفحة كافة البيانات والشهادات الواضحة لإثبات المخالفات الفاضحة لقرار الأمم المتحدة رقم 390/1/5 التي ارتكبتها الحكومة الإثيوبية. وجاء في مقدمة تلك المذكرة القانونية ما يلي:

نقدم هذه الشكوى إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة باسم شعب إرتريا وموضوعها القرار رقم 390/1/5 الذي اتخذته الجمعية العمومية في 1950/12/2 ولقد أدخلت مبادئ هذا القرار في الدستور الإرتري والقرار الاتحادي الذي قبلتهما الجمعية الإرترية في 1952/7/10 ثم صادق عليها ونشرهما في 1952/8/11 و1952/9/11 على التوالي الإمبراطور الإثيوبي الذي أعطى وعداً مقدساً بان يطبق تطبيقاً مخلصاً صادقاً مبادئ قرار الأمم المتحدة المدمجة في الدستور الإرتري والقرار الاتحادي.

أن المبدأين الأساسيين لهذه الوثائق هما:

1. سيادة الحكومة الإرترية في جميع الأمور المحلية الداخلية سيادة تامة مع تحديد واضحمعين لصلاحيات كل من الحكومة الإرترية والحكومة الاتحادية.

2. نظام ديمقراطي للحكم في إرتريا يجمع متطلباته وتحفظاته واحترام الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية، وحكم الشعب بالشعب.

ولكن الحكومة الإثيوبية مع الأسف تجاهلت هذين المبدأين الأساسيين تحت ستار ما يسمى بالحكومة الاتحادية. فأحلت الضم الحقيقي محل السيادة الإرترية واضطهدت الحريات الديمقراطية وشوهت تفسير النظام الاتحادي من أساسه لكي يتلاءم مع مخالفاتها الصريحة لقرار الجمعية العمومية.

وعندما ارتضي شعب إرتريا قرار الجمعية العمومية، متنازلاً بذلك عن مطلبه الأساس في الاستقلال أنما فعل بناء على تأكيدات مندوب الأمم المتحدة بأنه أذا لم يمكن تحقيق أي من نصوص القرار فأنه يكون عندئذ من اختصاص الجمعية العمومية أن تنظر في الوضع الناجم عن ذلك. كذلك أعلن المستشارون القضائيون الذين عينهم الأمين العام للأمم المتحدة لمساعدة المندوب أنه إذا نقض القرار الاتحادي فأن القضية يمكن عندئذ أن تصبح من اختصاص الجمعية العمومية.

واعتمادً على هذه وغيرها من التأكيدات الممثلة لم يجد الشعب الإرتري بدأ من قبول الحل الوسط بالاتحاد مع إثيوبيا،ولكن هذا الشعب قد عانى في خلال سنوات الإتحاد الشيء الكثير من الحكومة الإثيوبية المتنكرة بلباس الحكومة الاتحادية أكثر مما عاناه طيلة سبعين سنة من الكبت ولاضطهاد على يد الاستعمار الأوربي.

أن خيبة الأمل التي أصابت الشعب الإرتري لتدفعه إلى القيام بثورة عارمة وأن صبره قد بلغ نقطة الانفجار . ولكن هذا الشعب علماً منه بأن إطالة الحالة الراهنة بينه وبين الحكومة الإثيوبية قد يعرض السلام العالمي للخطر وأنه قد قرر مناشدة الأمم المتحدة أولاً.

أن الأمم المتحدة بعد أن حددت مصير هذه الأمة بقرارها المذكور، وبعد أن حفظت لنفسها حق التثبت من تطبيقه، يتعين عليها أن تحقق في حقائق هذه الشكوى على الأقل . وأن ترى ماذا كان قرارها قد نفذ فعلاً أو أهمل بالكلية وعلى هذا فأن على الأمم المتحدة أن ترسل إلى إرتريا لجنة تحقيق للنظر في شكاوي الشعب الإرتري. وأن هذه الفرصة فذة للأمم المتحدة تبرر بها ثقة البشرية بدوره الإنساني وتدل بها على أنه متى اتخذت جمعيتها العمومية قراراً قبلته الأطراف المعنية بملء حريتها فأن ذلك القرار يجب أن ينفذ بصدق وإخلاص.

هذا بعض ما ورد في مقدمة تلك المذكرة القانونية التي أوضحت شكوى الشعب الإرتري توضيحاً تاماً. ولكن الذي يؤسف له أن الأمم المتحدة لم تعر الطلب الإرتري العادل أذناً صاغية، وعاد الوفد إلى إرتريا فألقت السلطات الإثيوبية القبض عليه، وحكمت على أفراده بالسجن عشر سنوات وذلك بناء على حكم صدر من محكمة غير دستورية أقيمت في إرتريا، كما أعتقل محامي الوفد السيد جبر لؤل لستة أشهر بتهمة الدفاع عن أعداء الإمبراطورية.

سيل من البرقيات والاحتجاجات:

وعلى أثر اعتقال الوفد انهالت برقيات الاحتجاج على الإمبراطور الإثيوبي ووزير خارجيته ورئيس الوزراء الإرتري من كافة أنحاء إرتريا مطالبين بالإفراج عن الوفد وبتصحيح الأوضاع. فأرسل ممثلو الشعب الإرتري من أغردات البرقية رقم 38099 بتاريخ 1958/1/28 إلى الإمبراطور الإثيوبي، وأرسل ممثلو أسمرا البرقية رقم 2239 بتاريخ 1958/2/25 إلى وزير الخارجية الإثيوبي، وأرسل ممثلو مصوع برقية بتاريخ 1/2/ وأرسل ممثلو أنصار الاتحاد بأسمرا البرقية رقم 1410 بتاريخ 1958/2/17، وأرسل ممثلو الأحزاب السياسية بأسمرا البرقية رقم 30976 تاريخ 1958/2/8 إلى رئيس الوزراء الإرتري والبرقية رقم 30977 إلى الإمبراطور الإثيوبي . وبرقيات أخرى كثيرة بعث بها أبناء الشعب الإرتري إلى الحكومة الإثيوبية.

وفي تلك الظروف القاسية ارتفعت صيحات العمال واشتدت مطالبيهم نتيجة للقوانين التعسفية الجديدة التي أصدرتها الحكومة الإثيوبية بحق العمال والتي جعلتهم تحت رحمة مستخدميهم الاحتكاريين الجشعين من الشركات الأجنبية والرأسماليين والإقطاعيين الإثيوبيين وحلت اتحادهم وصفيت دوائره بناء على القوانين الإثيوبية البوليسية الغربية التي لا تقر حرية الاحتجاج وحرية التعبير فقام العمال بالإضراب دام أكثر من شهركما قاموا بمظاهرات فرقتها قوات الجيش الإثيوبي بطلاق النيران.

واتخذت السلطات الإثيوبية من احتجاجات الشعب وإضراباته مبررا للاعتقالات الجماعية، فاعتقلت المحتجين والمتظاهرين بالجملة وزجت بهم في السجون وهناك تعرضوا لأشد صنوف العذاب على يد شرطة التحقيق الإثيوبي الذين حاولوا أن يجبروهم على الإدلاء باعترافاتهم.

ولم يفت هذا الاضطهاد المنظم من عزم الشعب الإرتري فأوفد ممثله الشرعيين إلى الخارج ليواصلوا النضال ضد السياسة الاحتوائية الاستعمارية بعد أن أوقف العنف البوليسي مقاومتهم السلمية داخل الوطن، وبعث ممثلو إرتريا في الخارج بالعديد من البرقيات والمذكرات إلى هيئة الأمم المتحدة. المؤتمرات الأسيوية - الأفريقية - مبينين اعتداءات إثيوبيا الصارخة على استقلال إرتريا الذاتي ومطالبين مساعدتهم على الوصول إلى حل عادل. وفي أكتوبر 1963 أرسلت جبهة التحرير الإرترية وفداً إلى لأمم المتحدة وتقدم الوفد بشكوى ضد المظالم والاعتداءات المتكررة التي ترتكبها إثيوبيا وطالب بإرسال لجنة استقصاء الحقائق إلى إرتريا.

نواصل... فـي الفصل الـقـادم

Top
X

Right Click

No Right Click