قصة هروبنا من سجن ماركاتو - الحلقة الثانية
بقلم المناضل: عبدالله حسن
الوقوع في يد العدو: للقيام بعملنا المعتاد كنت اذهب إلى اسمره مع الأخ صلاح الدين واحيانا لوحدي. وقبل أن يقبض علي بتاريخ
28 أكتوبر 1970م بأيام قليلة دخلت أسمرة لوحدي. كنت مع الأستاذ محمد سعيد في غرفة صغيرة داخل دكانه في السوق وهو من عضويتنا النشطة وبعد منتصف النهار وهي الفترة التي تتضاءل فيها حركة الناس خرجت من الدكان واتجهت إلى المنزل الذي كنا استأجرناه خصيصا للعمل في جزاباندا حبيشا. وعندما مررت بمصنع الم محارينا للبسكويت شاهدت في الجانب الأخر للشارع شخص عرفته في كسلا سنة 1968م يدعي جبرمسقل ودي قشي واعتقد كان مناضل في المنطقة الخامسة. ولا ادري هل شاهدني أم لا ولكن بحكم انه مناضل وجوده في اسمره يعني انه استسلم للعدو, غيرت مسار طريقي وتركت السير إلى اتجاه جزا برهانو واتجهت إلى عداقا حموس حتى لا يشاهدني. وحاولت أن أتأكد من متابعته لي ولكن لم استطيع ذلك لأنه كما علمت لاحقا لاحقني عبر أفراد أخرين لم اعلمهم أنا.
اتجهت إلى البيت الذي كنا استأجرناه باسم احد عضويتنا وهو المناضل علي نور احمد والذي قبض عليه في تلك الفترة وقضي حكمه في السجن ثم خرج إلى الميدان.
وعندما وصلت إلى البيت وجدت علي وأبلغته فور دخولي لكي يتحرى من متابعة جبرمسقل حول المنزل. وبعد فترة قصيرة وصلوا من كانوا يتابعونني إلى المنزل واحضروا صاحب البيت وأمروه أن يطلب مني فتح الباب حتى لا اعرفهم. وفعلا فتحت الباب لأنني اعرف صوته. وفجأة وجه إليا احدهم مسدسه وطلب مني عدم التحرك، فقلت له ”ان شاء الله خير أتفضل“ وحاولت الرجوع إلى الوراء حتى اجد فرصة لالتقاط مسدسي الذي تركته تحت الوسادة. ولكن هجم علي احدهم ولم يعطيني فرصة للرجوع، وأخرجوني من البيت بالقوة ودخلنا في عراك، وكان عددهم ثلاثة يقودهم رجل الاستخبارات المشهور أماري ومعه ودي قشي. وكنت أحاول دفعهم بكل قوة حتى اجد فرصة للهروب، لان القبض علي يزعج الكثيرين، وكنت أتمني أن يطلقوا النار علي ويقتلونني وانا أحاول الهرب ولكن لم يفعلوا ذلك. وأثناء عراكي معهم ضربني احدهم بحجر في حاجب العين وشعرت بالتعب بسبب نزيف الدم، وتمكنوا من قبضي بالقوة وأخذوني نحو سجن ماركاتوا سيرا علي الأقدام. وعندما وصلنا إلي ملتقي طريق جزا باندا وجزا برهانو في اندا كنكن (مركز صحي) كنت أتحدث بصوت عالي بكل ما املك من قوة حتى يسمعوا من كانوا يتبعوننا من الجماهير، والتفت يميناً ويسارا وأقول - ارتريا ليست اثيوبيا ! ايها الإرتيريون الى متي صامتون ؟ فالتخرج اثيوبيا من ارتريا الخ. حتى وصولنا الي سجن مركاتو عبر شارع دنكالية وكانوا يحاولون إسكاتي. وعلى طول ذلك الشارع البعض منهم كان يستمع وهو واقف والبعض الأخر كان يتبعنا يمين ويسار الشارع وكانت الحالة في الشارع أشبه بمظاهرة صامتة أقودها أنا.
ثم سلموني أعضاء الأمن للشرطة ولم اعلم أين ذهبوا بعد ذلك. وبدوا الشرطة يسألونني عن اسمي واعتقد جبرمسقل لم يعرف اسمي. وعندما علمت بأن من كانوا يسألونني هم ارتريين، استمرارا لما كنت اقوله قبل وصولي الي السجن بدأت اقول لهم انا اسمي ارتري، وطني ارتريا، اسمي مضطهد، انا مظلوم، انا اسمي جبهة التحرير الارترية ...الخ. وبينما هم في محاولتهم هذه أتي اليا احد الضباط وسألني عن اسمي بهدوء وعرفت بأنه اثيوبي من نطق لسانه فقلت له أمام الشرطيان الارتريان، انت أثيوبي وعدوي ومن حقك ان تسالني وافرح حتي اذا قتلتني لأنك تؤدي واجبك أما هؤلاء العملاء لا اخبرهم عن اسمي، ثم ذكرت له اسمي بالكامل وقلت له انا من جبهة التحرير الارترية. حينها سكتوا أولئك الارتريين وانكسر خاطرهم. اما الضابط ابتسم عند سماع أقوالي. وبعد عدة دقائق سمعت صوت الرصاص في الحجرة المجاورة لنا وقلت لهم أءمل ان تكون قد أصابت احدا، اعتقادا مني بان الرصاصة ربما خرجت من مسدسي وهم يفحصونه دون علم لأنه كان جاهزا. نظروا إلى بعضهم وصمتوا.
لم يتم تفتيشي أثناء القبض وكانت بحوزتي مذكرة خاصة وبعض الأوراق وقليل من النقود. وعموما لم تكن معي أشياء سرية. وعندما ادخل المدينة عادتا كنت اكتب أسماء الناس او المواقع بكتابة سرية، واسمى الحركي كان خالد علي خالد. ولكن خوفا من ان تدلهم هذه المحتويات على شيئ ما قررت التخلص منها. وعندما غادر الضابط الاثيوبي اخرجت هذه الاشياء من جيبي وقلت للشرطيان الارتريان خذوا هذه الاشياء، فأخذوها مني دون تردد.علمت فيما بعد بان احدهم التحق بالجبهة وكان مناضلا ولم اعلم مصير الثاني. وبعدها وصل مسئول الأمن المدعو شامبل بلطي بسرعة وبعد ان نظر إلي وعلامات الفرح تظهر في وجهه قال لي ”أبديلا تيازكي“ قبضت يا عبدالله ؟ ولم ارد عليه. فهو يعرفني جيدا قبل خروجي إلى الميدان عندما كنت طالبا ويعلم الكثير عني. وأخذوني بالعربة إلى أجيب (مقر الأمن) إلى ميجر جنرال (العميد) قاشاو كبدي الذي اعدمه الدرق لاحقا والذي كان خلفا لميجر جنرال تدلا عقبيت قائد قوات الشرطة الارتري في ارتريا. ادخلوني مكتبه ووجدته يقلب في دفتر سند استلام مالي جديد وجدوه في البيت معي... وقال لي من أرسلك دون ان يلتفت إلي. ولم اعلم سبب ذلك هل كراهيته لي ام احتقارا منه. وظننت بأنه يقلل من شأني ويحتقرني فقلت له أرسلني عضو قيادي اسمه عمر عبدالله دون إعطاء أهمية لنفسي. وفي تلك الفترة لا يوجد هذا الاسم في قيادة الجبهة. ودون ان يسألني السبب قال لهم خذوه فأخذوني اتجاه فورتو القلعة..
مستفيدين من تجاربنا كنا نعطي دروس وتوجيهات مختلفة تفيد عضويتنا في عملية تأطير العضوية ومواضيع أخري. وفي فترة من الفترات كانت وقعت بعض هذه التوجيهات في يد العدو. وعلي سبيل المثال منها ما يقول ” يجب ان لا يتعدى عدد افراد الخلايا المرتبطة مع بعضها 15 فردا، واذا تم القبض علي احد العضوية يجب الصمود أمام تحقيقات العدو، وأن يأخر العضو الذي يخضع للتعذيب الاعتراف بقدر المستطاع في حالة توفر الأدلة ولم يستطيع نفيها وذلك من اجل إعطاء فرصة النجاة للعضوية الغير مقبوض عليها او لترتيب أمورها وإخفاء الوثائق السرية. وأظن رجال الأمن استفادوا من هذه التوجيهات او ربما من البديهي ان تكون لرجل الأمن الأولويات في عمله. وهكذا أخذوني فورا الي فورتو (القلعة) قبل أن يجف دمي.
وفي تلك الفترة كان الجيش الاثيوبي (طور سراويت) في فورتو وكانوا الطور سراويت والبوليس أي الأمن يعملون معا من خلال تشكيل لجنة مشتركة. وباشروا التحقيقات معي. وكانت أسئلتهم محددة وتقول: أين يتواجدون رفاقك الأخرين في داخل اسمره ؟ واذا لم يأتوا بعد متي سيكون دخولهم ؟ و متي دخلت اسمره ؟ وماهي مهمتكم ؟ ولم تكن هناك أسئلة بخصوص المتعاونين او العضوية في هذه الليلة بتاتا. ولأنني كنت اعلم نواياهم قلت لهم دخلت قبل يومين، ولا يوجد احد معي، ولا اعلم اي موقع غير الموقع الذي قبضت فيه، وكنت اخبرهم بأن مهمتي هي تنظيم العضوية وجمع الأموال.
قيدوا يداي وادخلوا عصا في مفصل ركبتي وكانوا يضربونني بالسوط علي ظهري بعد ان خلعوا ملابسي وعلي باطن قدمي وانا ملقى على ظهري. وطاقم التعذيب كان من الارتريين واثناء التعذيب يتحولون الى وحوش شرسة. استمروا في تعذيبي الي منتصف الليل. وحتي شامبل بلطي وزملائه لم يناموا طوال الليل وكانوا ينتظرون بأن يسمعوا او يتحصلوا علي شيء يفيدهم. وبعد ان فقدوا الأمل ربطوا يداي إلي الوراء وأخذوني إلي رواق احد الغرف فيها احد الحراس المسلحين. وقضيت الوقت الباقي من الليل وانا أتألم جالسا دون ان اغمض عيني. وعندما أتي الصباح قلت للحرس أريد ان أتبول فقال لي ”بول.. ان شاء الله تبول دم“ وقمت من جلوسي بصعوبة في مكان قريب له لأنه حدد لي موقع البول. وفعلا كما تمنى الحرس بولي كان دما ! وبعد ان رجعت وجلست في الموقع الذي كنت فيه قدم احد ضباط الجيش وعلمت لاحقا انه شامبل (الرائد) بلو، وهو يردد كلمات بالأمهرية ”وروبيلاو يت ألي“ (اين الإرهابي)؟ وكان مستعجلا لرؤيتي. وقف علي رأسي رجل اسود طويل ضخم كالجبل بزي عسكري تتلألأ في كتفه شارات عسكرية وضربني علي فخذي بحذائه بكل قوته وهو يقول ”يت أباته تنس“ وتعني ايها اللغيط انهض !! وسال الدم من رجلي على البلاط.واعتقد عدم وقوفي عند رؤيته أغاظه، لأنه يحمل رتبة عسكرية عالية... و كان يردد كلمة انهض ! انهض ! ولم استطيع النهوض بسرعة. وأخيرا وقفت بصعوبة وانا استند علي الحائط. ونظر إلي بعينيه الخاليتان من الرحمة والتي تتطاير منها شرارات الكراهية لثواني محددة بالتركيز، وذهب بعيدا وهو يزمجر مثل الضبع الذي لم يجد ما يسد رمقه.
بعدها ادخلوني في زنزانة داخل غرفة كبيرة فيها زنزانات مبنية في خط مستقيم ومفتوحة من الأعلى مساحتها تقريبا مترين وربع في متر ونصف. وعلي بابها الخشبي فتحة صغيرة مساحتها تقريبا13 في 13 سنتمتر. وفي تلك الليلة لم اجد أي فراش للنوم او ثوب او الأكل. ولم أرى النوم نهائيا.
وبعد هذه الليلة استمرت التحقيقات بطريقة أسوأ والأسئلة أيضا كانت عامة. واهما البحث عن العضوية داخل اسمره، وعن مصادر المال، وعناصر متعاونة معنا من العاملين في الحكومة الخ. وكانت هناك أعداد كبيرة من المسجونين الذين اعتقلوهم قبل القبض علي وكانوا يسألونني عنهم أيضا. وكنت ارد عليهم بانني بدأت العمل منذ فترة قريبة ولا يوجد احد اعرفه من الذين كانوا قبلي او ممن احضروهم بعدي. ونتيجة التعذيب الذي استمر لمدة لا تقل عن شهر تقشر باطن قدمي بالكامل مرتين. وبسبب الصفع الذي لم يتوقف تورمت إذني اليسرى وكانت تنزف دما لأنها هي التي كانت تأخذ النصيب الأكبر من الصفعات. بما ان السوط ينزع الجلد عند الضرب كان ظهري أيضا مقشورا. وكانوا يضعون في وجهي قناعا تظهر منه العينين فقط ويمنع التنفس، وينزعونه عندما اختنق وتتقلب عيناي حتى لا تخرج روحي ثم يرجعونه مرة اخري وهكذا يعذبونني من 4-5 مرات دون توقف. وكانوا يصعقونني بالكهرباء لعدة ثواني.
جميع أنواع التعذيب الذي تعرضت له، لم يكن سهلا وكان مؤلم جدا، وعندما يتم صعقي بالكهرباء كان يهتز دماغي وأتألم، ولكن كل هذه الأشياء يمكن تحملها، اما قناع التعذيب فهذا بالنسبة لي كان شيء يصعب تحمله. وبسببه كان يخرج الدم من فمي في بعض الأوقات.
المعذبين الأساسيين كانوا:
قايم، رؤسوم و حقوس، واياسو. وأعلي رتبة عسكرية يحملونها كانت شامبيل باشا (رقيب) هذا التعذيب كان له تأثيرات سيئة على نفسي. كما ان هناك شيء لا أنساه لا يقل اثره عن ذلك القناع وهو معاملة احد الضباط الارتريين الصغار لي، فكان يأتي الينا نادرا ولا أريد ذكر اسمه، ففي يوم من الأيام بينما انا ملقى على الأرض أثناء التعذيب اقترب مني وهو يشتم ثم دهسني بحذائه على وجهي.
كنا نسمع عن أساليب التعذيب التي كانوا يتعرضون لها أعضاء الحركة والجبهة قديما، فكانوا يدخلون رأس السجين في برميل ملئ بالماء ويخرجونه عندما تريد أن تخرج روحه، ويربطون زجاجة مليئة من الماء في جهازه التناسلي الخ. وكثيرين من أعضاء الحركة والجبهة واجهوا مثل هذه التعذيبات. وعلي سبيل المثال كحساي بهلبي (ودي لبي) والمناضل الكبير سعيد درنكاي... ولكن أنا لم يصادفني هذا.
بالكذب يقولون لك أن فلان قال انه يعرفك او أنه لقاك... وانا أولا من اجل إقناعهم بأنني لا أخاف من التعذيب وثانيا بأن فترة عملي كانت قصيرة ولا توجد أشياء مهمة تذكر كنت أقول لهم لا يوجد احد يمكن ذكره او ممتلكات يمكن تسليمها أبدا ولكن لأنكم لا تثقون في أقوالي من البديهي أن تعذبونني. وبعد الرد علي أسئلتهم بهدوء كنت أقول لهم الان يمكنكم ان تفعلوا ما تريدونه. ولأن التعذيب في بعد الأحيان يستمر لوقت طويل كنت أتحاشى الرد القصير. فاحكي لهم قصة طويلة لكي يتابعوها ويستمعوا اليها باهتمام هكذا لأجد انا ايضا قليلا من الراحة وكان هذا مفيد جدا. وعلي سبيل المثال بعد فترة من الزمن عندما علموا بأننا اشترينا كشافات من أسمره كانت لهم شكوك بأن النقود التي اشترينا بها الكشافات مصدرها الداخل وكانوا مهتمين لمعرفة مصدر تلك النقود. والنقود فعلا هي من اسمره وانا لا أريد الاعتراف بذلك، وبدلا من أن أعطيهم رد قصير كنت أنفي خروج هذا النقود من أسمرة واحكي لهم بأن قيادة الجبهة تسمى القيادة العامة وأترجم لهم معني القيادة العامة بالتجرينية. ثم أقول لهم عددها 38، من ضمن القيادة يوجد عضو قيادي اسمه عمر عبدالله وهو مسئول مالي، أرسل طوف ومعه نقود لكي نشتري بها الكشافات بأي طريقة من اسمره. واشرح لهم بأن (طوف) هو معني يطلق علي مجموعة صغيرة مكلفة بعمل ما والتقينا في وازنتات ...الخ. وهم يستمعون الي باهتمام هكذا لكي القي وقت للراحة. اما مسألة هذه المعلومات أي عدد القيادة العامة والمسئول المالي فهذه الأشياء ليست سرا فهو شيء عام يعرفه الجميع. وعن اسم عمر عبدالله أيضا لم يكن هناك في وسط القيادة العامة شخص يحمل هذا الاسم وكنت ذكرت هذا الاسم ايضا امام العميد قاشاو كبدي.
القضية لم تكن تعذيب ومعاملات سيئة فقط بل هي أيضا معركة سيكولوجية بما فيها الخداع والتضليل. وكانت لهم محاولاتهم الخاصة لنزع الاعتراف مني بالتضليل، فمثلا يأتوا بأحد أسماء المساجين ويقولون لي بأنه قال يعرفك، أو التقى بك، أو أعطاك نقود الخ. وعلي سبيل المثال شامبل بلطي قال لي نحن لقينا النقود التي اشتريت بها الكشافات وعليها رائحة العطر يعني أنها خرجت من المدينة. وقلت له أنا شخصيا لم أشم النقود وهي لم تخرج من المدينة، وفيما يتعلق بالرائحة فالعطر متوفر في الريف أيضا. ثم أتوا ببدلة لا أعرف أين ومتي وجدوها واعتقد أنهم وجدوا سجائر بداخلها فطلبوا مني أن البسها وأعطوني سيجارة وانا لم اقبلها لأنني لم أكن ادخن. واعتقد لو كانت البدلة علي مقاسي كانوا يريدون الصاق تهمة ما إليا.
كانت لهم معلومات عامة عن أدوية خرجت من أسمرة دون أي تفاصيل أخري، وقبل ان يسألوني اعتقادا منهم بأن من يتعاونون معنا هم من يعملون في العيادات أخذوني إلي مستشفى الملكة اتيجي منن والذي يسمي حاليا مستشفى اروتا بحجة علاج جرحي لأن الجرح الذي أصبت به أثناء القبض لم يبرأ، ولأن التهمة كانت موجهة إلي دكتور عبدالقادر، ادخلوني الي القسم الذي كان فيه الدكتور. وكما علمت لاحقا بينما انا جالسا كانوا يتابعون ردود أفعالي عندما أشاهد الدكتور عبدالقادر وهذا يعني أن الدكتور أيضا كان تحت المتابعة. وانا اعرف الدكتور عبدالقادر ولكن هو لا يعرفني فهو ممن درسوا في إيطاليا وكان زميلا للشهيد الدكتور يحي جابر والمناضل خليفة عثمان. وفعلا التقى معه الزميل صلاح الدين وتبرع لنا بأدوية وأخرجناها إلى الميدان. وفي البداية لم اعلم لماذا احضروني إلى هنا ولم اقوم بإظهار أي رد فعل. ولكن بينما كان الدكتور يتحرك وابتعد عني اضطروا أن يقولوا لي ”هذا دكتور عبدالقادر الم تعرفه ؟“ فعندما قلت لهم أين يمكن أن اعرفه وماذا تريدون ؟ لزموا الصمت. وبعد معالجتي رجعوا بي الي الفورتو (القلعة). وأخرين هم من قاموا بمعالجتي.
وبدأوا يمارسون أسلوب الإغراءات ايضا ويقولون لي لماذا تعرض نفسك للتعذيب ؟ فهناك شخص مثلك كان في الجبهة مقبوض عليه اخبرنا عن كل ما سألناه بدون أي تعذيب وهو حاليا موجود بكامل صحته وسوف تشاهده لكي تصدق. وأخذوني إلي زميلي همد عامر ادريس (كابلي). وانا لم تكن لدي أخباره. وكابلي قبض عليه العدو بضواحي منصورة قبلي بشهرين، وسألوه أمامي أسئلة عامة عن من يتعاونون معهم من الشعب، وهو قال لهم اذكر احد الأفراد ممن يتعاونون معنا في المراسلة إلي المدن وذكر الاسم. وهذا أيضا كان نوع من أساليب التحقيقات.
وعندما علمت بأن كابلي يتواجد في احد الزنزانات التي تجاورني ويمكنه أن يسمع صوتي والزنزانات مفتوحة من فوق، قلت له من أنت وأين قبضوا عليك ولماذا أخبرت عن اسم المراسل. فاخبرني عن اسمه وانه قبض عليه في ضواحي منصورة. وأما عن المراسل قال هذا الشخص ليس من اللذين يدخلون المدينة واكد لي بأنه لم يعطيهم أي سر. ومن جانبي كنت اعلم بانه كان من ضمن الفدائيون التابعين لمدينة أغردات فنصحته لكي لا يستعمل اللقب كابلي، لأن اللقب مشهور ولكي لا يدخلونه في تحقيقات أخري. فقال لي انه لم يخبرهم عن لقبه وعرفهم علي اسمه فقط. ثم اخبرنا زملائنا المسجونين أن لا يستعملوا لقبه.
الجيش أي الطور سراويت حراستهم لم تكن مشددة مثل حرس المساجين والزنزانات مفتوحة من فوق، والحمام واحد ويوجد في احد أركان الغرفة، ولهذا كانت هنالك فرصة لتمرير بعض الرسائل القصيرة عبر نوافذ الأبواب أثناء الذهاب والرجوع من الحمام.
استمرت التحقيقات، وفي معظم الأحيان كانت التعذيبات قاسية وكانوا يستعملون أسلوب التهديد بالقتل، وبعض المحاولات لغسل الدماغ. وفي احد الليالي بعد تعذيب طويل عندما عجزوا عن انتزاع شيئي يفيدهم اصدر احدهم الأوامر بقتلي وأخرجوني خارج الغرفة، فقلت لهم ”الموت هو أمنيتي“ وفور سماعهم لهذه الكلمات قالوا ”لن تلقي الموت أيها الوغد“ ورجعوني إلي مكاني.
وكثيرمن المعتقلين لم تثبت التهم عليهم. وفي احد الأيام قاموا بعمل مسرحية اثناء الليل لإجبارهم بالاعتراف بانهم اعضاء للجبهة وقاموا بجمع بعض المتعاونين معهم واوقفوهم في صف واحد مع المتهمين وبدأوا يسألونهم الواحد تلوا الاخر بانه هل كان يدفع الاشتراك للجبهة ؟ يبدؤا بعنصرهم اولا وعندما ينفي دفعه للاشتراك يطلقون النار عليه ثم يقع علي الارض فيخرج الدم من فمه. وطبعا الصوت الذي سمعوه لم يكن صوت طلقة حقيقية وربما المسدس كان غير حقيقي ثم الدم هي مادة حمراء أخرجها العنصر من فمه. وبعد ان وقع الأول ينتقلون مباشرة الي الشخص المعتقل الذي يليه ويقولون له وانت ؟ فهو يعترف بشيء لم يفعله خوفا علي نفسه وكان هذا مرة واحدة فقط.
ولأنهم لم يلقوا شيء جديد من تعذيبي قال (شامبل) بلو لا يمكن ان يأتي شيء من هذا الثعبان الأحمر (قي تمن) وكان يسميني بهذا الاسم، واصدر تعليمات إلي المعذبين بأن يأتوا بي في كل صباح من كل يوم من الزنزانة إلي موقع التعذيب ويعذبونني لفترة نصف ساعة دون توجيه أي أسئلة ويرجعونني في زنزانتي. ومن الأمور التي تضحكني، في احد الأيام عندما كان عبليلوم كداني وهو من الامن، ومن كان يأخذني ويرجع بي إلي زنزانتي تأخرت منه في المشي لان قدماي متأثرتان بسبب التعذيبات، ضربني بيده وهو يقول ”اسرع“ وانا التفت اليه وقلت له هل عندنا في الخارج أيضا ؟ أي الضرب خارج مكان التعذيب، وضحكنا نحن الاثنين معا. وبينما نحن في هذا الحالة في احد الأيام لأنني لم اعلم اسمه سألته عن اسمه وقال لي اسمي عبليلوم وانا لأول مرة اسمع هذا الاسم واعتقدت بانه يمزح معي وقلت له ماذا لو أخبرتني اسمك الحقيقي واكد لي بأن هذا اسمه حقا. هذا وتوقفت تعليمات (شامبل) بلو في اليوم الرابع.
في الأيام الأولي معنوياتي كانت عالية وعندما يعذبونني مع إنني كنت اشعر بألم شديد ما كنت اخرج أي أنين من الألم او بكاء كنت فقط اغمض عيني واحرك رأسي يمينا ويسارا عند الألم. وأخيرا بداء الضعف يدخل في جسمي وبداءة اشعر بالألم بسرعة واخرج أصوات الأنين أه أه أه أه. والقريب في الأمر اذا لم يسمعوا المعذبين أصوات الأنين يتضايقون من ذالك ويتحولون إلي كلاب مجنونة. في احد الأيام اثناء التعذيبات في الوقت الذي كنت مع قوتي قام احد الضباط اسمه امها وهو أثيوبي بأخذ السوط من المعذبين وبداء يضربني في باطن قدمي بنفسه وبعد فترة بسيطة بدء يرفع السوط وينزله علي قدمي برفق دون ان يظهر ذالك للأخرين. وانا كنت محتارا من تصرفاته، لأنني لم اعلم هل يحن عليا أم يقوم باختباري ليعلم بان هل الضرب يؤلمني أم لا. وأخيرا اعتقدت بانه يختبرني وتوقفت من إظهار أي حركة من علامات الالم وحينها أوقف الضرب بسرعة. امها، كان شاب إثيوبي صامت لا يتكلم كثيرا ومعه ضابط أخر يدعي مكونن وهم ليسوا من المعذبين بل كانوا من متابعي التحقيقات. والمشرفين علي التحقيقات كانوا من الجيش والبوليس وهم العقيد قرما اعتقد من البوليس، وشاليقا تيفيرا من الجيش، شامبل بلطي بوليس، شامبل بلو جيش أما امها ومكونن اعتقد هم من البوليس.
بعد ان فقدوا الأمل في انتزاع الأسرار من خلال التعذيبات تغيرت أساليبهم وبدأوا يقولون لي لماذا تعذب نفسك ؟ واذا كشفت لنا شخص واحد او اثنين من اللذين يتعاونون معكم من دوائر حكومية او اذا تعاونت معنا للقبض علي احد قادة الجبهة مثل احمد اسمره سوف نطلق صراحك وتواصل دراستك في أديس أبابا وحتي ممكن ارسالك الي الخارج.
وانا ايضا كنت افكر في خداعهم. وبخصوص المتعاونين العاملين في الحكومة قلت لهم لا يوجد احد نهائيا اما مواضيع اخري مثل القبض علي احمد اسمره هو شيئ ممكن وسهل جدا ولكن المشكلة الأساسية هي كيف يمكن ان تثقوا عليا، ولكي يصدقونني كنت اقول لهم انني اندم علي ما فعلته وانا خرجت الي الجبهة بسبب الخوف عندما قبضوا زملائي والان الحمد لله قبضت وفرحان لأنني نجوت من ارتكاب مذيد من الجرائم. وكنت افكر أيضا بالطرق التي أنجو بها من قبضتهم اذا كان ما يقولونه صحيحا.ثم بدأوا ايضا ببرنامج النقاش معي لغسيل المخ. وفي فترة الصباح عندما يهاجمك برد اسمره وتتمني ان تسعفك أشعة الشمس، يخرجونني من الزنزانة ويقعدون معي، العقيد جرما، والملازم امها، والملازم مكونن في مدرج احد الغرف في الخارج ويناقشون معي في امور الثورة لإقناعي بان ما يفعله الثوار هو تخريب ومضرة للشعب فقط. ويذكرون بعض الأمثلة مثل كسر الكباري ويقولوا هذا العمل لا يضر الحكومة بشيء لان الحكومة لها كباري اصطناعية لتحريك جيشها. وعندما ينعدم الهدوء والسلام الشعب هو الذي يتضرر وليست الحكومة، الطالب يتعطل من مدرسته والفلاحين والعمال يقفون من أعمالهم الخ. وهم كانوا يتحدثون معي باللغة الأمهرية وانا كنت أتحدث بالتجرينية فقط ولم أتفوه بكلمة واحدة بالأمهرية وكانت تلك الفترة التي كنت اربط فيها مسألة اللغة بالاستعمار. وفي الأيام الأولي أيضا كانوا يأتوا إلي بأخبار سيئة لاهباط معنوياتي ويقولوا لي زملائك المناضلين حصدتهم الكوليرا، واحمد اسمره ارتكب جريمة ومعتقل الخ.
وهكذا استمر برنامج النقاش هذا لفترة ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع قبل الجلوس معهم علمت بانهم علموا ببعض الأشياء السرية وهو موضوع الكشافات التي ذكرتها ولأنهم تأكدوا بان هناك أمور اخفيها منهم لقيتهم علي استعداد لمجابهتي قبل الجلوس معهم، ومسك الضابط مكونن في يده قصن شجرة صغيرة فيها أوراق صغيرة ومسكها علي شكل قصن الزيتون الموجود وسط العلم الارتري ووجهه اتجاهي وقال لي يا عبدالله ما هذا ؟ وانا كنت اعلم بأن الأمور خربت وقلت له هذا هو العلم الارتري وأوراقه تنمو، لان اوراق القصن لم تكن مكتملة وبعد جوانبه كانت ناقصة. وضحكوا جميعا وقالوا ”لازال لم يتغير... لم يتغير“. وقالوا لي انت قلت لنا لا يوجد شيء اكشفه، ونحن اكتشفنا الأمور التي أخفيتها دون توضيح الأمر. وانا قلت لهم لا توجد هناك أمور أخفيتها لفائدة الجبهة. والحديث بيننا كان قصيرا يدل علي كلمات تشير فقط بأنهم كشفوا عن حقيقتي، وادخلوني في التعذيبات. وتحقيقهم كان مركز حول معرفة الجهة التي قدمت النقود من داخل اسمره. وكان ردي بأننا لم نخرج أي نقود من داخل اسمره وعملنا جديد وفي بداياته. وأخيرا اضطروا ان يخبروني بنفسهم بأن هناك كشافات أخرجت من اسمره. وهمهم الاكبر كان معرفة مصدر النقود التي اشترينا بها الكشافات. وانا قلت لهم السبب الذي لم ابلغكم به هو لأنكم لا تصدقونني اذا قلت لكم بان النقود أتت من الميدان ولهذا اخفيت منكم وحكيت لهم قصة شراء الكشافات المذكورة انفا.
وبخصوص هذه الكشافات في البداية لانهم لقوا معلومات عامة فقط تشير إلي إخراجنا للكشافات من اسمره. ورأوا بأن التحقيق معي غير مجدي ولذا ابتكروا اسلوب دقيق لمعرفة محل الشراء والجهة التي اشترته. وكانت في تلك الفترة تباع الكشافات في اسمره في موقعين فقط، وهو محل بيني وفاجي (Bini and Vaggi) وأصحاب هذا المحلات كانوا إيطاليين. ثم لا يستطيع احد شراء الكشافات دون إذن من الحكومة وتمنح عموما للصيادين فقط. بعد أن فكروا في الشخصيات التي يمكن أن تتعاون معنا من عمال الموقعين وقع اتهامهم علي صافي سعيد وهو عضو للتنظيم العامل في محل فاجي. وقبضوا علي صافي واحضروا كشافات بطريقتهم الخاصة وعرضوها أمامه وقالوا له ”انتم ناس صافي تشتروا الحاجات وترسلوا لهم وها اليوم نحن قبضنا عليها“. وبالنسبة لصافي الذي لم يري أي اختلاف بين الكشافات التي أخرجها هو وهذه الكشافات مع مرور فترة من الزمن علي شرائها وثم احمد خطيب المعني بالأمر كان معتقلا قبله ومعنا في السجن اعترف صافي مباشرتا دون أي ضغوط او تحقيق. واحمد خطيب لم يعترف بهذا اما صافي اعترف بان احمد خطيب اشتري منه وباعه اليه بالربح ولم يعلم أي شيء اخر. واحمد خطيب الله يرحمه كان من القادة الأساسيين للخلايا السرية في اسمره وتعرض لتعذيب قاسي وكان صامدا ولم يعطي أي سر. احمد كان مناضلا صلبا ورغم كل التحقيقات والتعذيبات لم يذكر أحدا من اللذين كانوا تحت مسئوليته. وهنا لم يستطيع احمد ايضا أن ينكر ذألك واعترف بأنه تلقي النقود من حسين يوسف الذي كان المسؤول الأول للفرع بغرض تجاري فقط وسلم النقود لصافي لشراء الكشافات. تعرض الشهيد احمد خطيب إلي تعذيبات شديدة وانا أخذوني في موقع تعذيبه وسألوني عنه وقلت أمامه بأنني لا اعرفه نهائيا وهو أيضا صمد ولم يعترف بمعرفتي. ومع أن احمد هو من العناصر الأساسية التي نلتقي معها دائما انتهي الأمر بهذه الطريقة. وانا أيضا اعتقادا مني بأن حسين يوسف نجي من القبض، وكان ذهب إلي اتجاه أثيوبيا حملت موضوع النقود لحسين وقلت انا اعطيت النقود لحسين يوسف وطلبت منه ان يشتري كشافات بإعطاء أرباح للبائعين، و لم اعلم احدا غيره ولا يعرفني احد. احمد خطيب كان ابيض اللون ونتيجة للتعذيب تحول جسمه إلي لون دم احمر، وانا عندما شاهدته لم استطيع ان أتملك علي أعصابي وقلت لهم بغضب ماذا تفعلون بهؤلاء الأبرياء اللذين لا يفهمون أي شيء...؟ حتي أخرجوني خارج الغرفة بسرعة بالقوة.
وحسين يوسف هو شخص انضم إلي العمل النضالي في رعيان شبابه وكان عضوا في الخلايا السرية اعتقل وسجن عدة مرات بتهم مختلفة وكان شابا معروفا بشجاعته وإصراره علي مواصلة النضال. وكان المسئول الأول في الفرع. وعندما تم القبض علي بعض العضوية وتأكد حسين بانه لن ينجوا من القبض وكان يعاني أيضا من بعض الأمراض التي أصيب بها نتيجة السجون المستمرة فضل الهرب إلي اتجاه إثيوبيا لبتر الأمور وينجوا من القبض. ولكن بعد فترة لا تقل عن ثلاثة شهور قبض عليه باتجاه الحدود الصومالية واحضروه في سجن ماركاتو في الفترة التي انتقلنا فيه نحن. حسين لا يعلم عن كل ما حصل بعده ثم هناك التحقيقات وخداع المحققين، ومجابهة هذا الأمر بالنسبة لحسين لم يكن سهلا. ولكن لان حسين كان مناضلا صامدا وتجاربه طويلة مع العمل السري لم يتحصلوا المحققين إلي أشياء جديدة مفيدة تذكر. والدليل علي ذألك كانوا هناك عناصر من زملائه في أسمرة لم يلمسهم أي سوء وهو داخل السجن.
المناضلان حسين يوسف واحمد خطيب هم عناصر لا يمكن نسيانهم ابدا فهم من قدموا تضحيات جسيمة من اجل الوطن وهم داخل مدينة اسمره. وحسين يوسف الله يرحمه بعد خروجه من السجن لجأ مع عائلته الي السودان ثم انتقل الي بريطانيا ووري الثرى في بريطانية بتاريخ 2007/7/29م دون ان يعود الي الوطن الذي احبه وناضل من اجله.
حراسنا في فورتو كانوا طور سراويت أي الجيش وكانوا من بينهم افراد يظهرون تعاطفهم معنا، واعتقد هم من اصول ارترية. كان هناك معنا مواطن يدعي تخستي وهو من قرية وارا ضواحي عدتكلزان (دمبزان) قبض عليه بسبب اتهامه بأنه مراسل للجبهة. واحد الحراس من الطور اعتقد له معرفة او صلة رحم مع تخستي، عندما خرجت لقضاء الحاجة إلي الحمام أخذني إلي الزنزانة التي يوجد فيها تخستي ولأنه يعلم سوف يسألونني عنه، سأل تخستي أمامي وقال له ماهي علاقتك مع هؤلاء. وقال تخستي لم يكن لي أي علاقة، يوم واحد فقط أرسلوني إلي عدتكليزان لشراء السكر. وانا فهمت الموضوع وقلت أيضا في أمامه لكي يثبت في أقواله، أنا لا اعرف هذا الشخص ونحن عندما نأتي في قرية ما في تلك الضواحي نرسل أي شخص للسكر إلي عدتكليزان دون إرادته. وربما يكون هذا واحدا منهم ولا له أي علاقة خاصة معنا. وبعد ذألك عندما سألوني المحققين عنه رددت لهم نفس الأقوال. اما تخستي فعلا كان مراسلنا ونتعارف جيدا.
وعن موضوع حراسنا كان هناك شخص لم أنساه أبدا وكان مسئول من الحراس، طريقة حديثه، شنباته، عمره، وملامحه عموما، يشبه الشهيد المناضل جبريهيويت (ودي حمبرتي) يتحدث باللغة الأمهرية ولا اعتقد يفهم التجرينية. وفي البداية اعتقد قالوا له بان من يسحب هؤلاء السجناء إلي سجن فورتو هو ذالك الإرهابي وعندما يراني تعبيرا لكراهيته لي كان يناديني باسم وروبيلا (إرهابي) فهذا شيئ عادي ان تسمعه من الاثيوبيين. ورجال الأمن كانوا يسجنون الناس عشوائيا وينشرون بأن انا الذي اسحبهم إلي السجن. وبعد ايام تغير الرجل وكان يأتي إلي زنزانتي وهو يناديني باسم مناضل (أربنيا بدل الوروبيلا) ويشجعني و يقول ”هكذا هو حال المناضل ولا يهمك“ (أيزو ي أربينيا نقير انديه نو !). واعتقد لقي معلومات بان الأمر هو بالعكس أي انا لم اسحب أحدا. وبدا يتحدث معي عبر فتحت الباب ويسألني عن عدد مقاتلي الجبهة وتسليحهم الخ. وانا كنت اضخم الأمر و ارد اليه.
كانت هناك أشياء كثيرة في فورتو لا يمكن نسيانها. وكما نوهت قبل هذا أن معظم المساجين كانوا مقبوضين بالتهم وليس عبر أدلة دامغة ومن المقبوضين قبلي او من خلفي واللذين كانت لهم علاقة مع حركة الداخل في فورتو أتذكرالأسماء الأتية:-
احمد خطيب
حسين يوسف
علي نور احمد - من اللذين ذكرتهم
محمد حقوس
خليل شيخ ابوبكر
عبد سعيد
احمد نور احمد
ديني موسى محمد
عبد الحفيظ
محمد (الذي كان معي في الزنزانة)
عطا نجاش
صافي سعيد
احمد عبد الواحد
سراج عثمان
شيخ احمد
داود محمد...
بعض منهم كانوا في خط واحد مع زنزانتي وكنت اسمع اصواتهم. واحيانا ينسون كل ما يحدث لهم في هذا السجن ويحكون ويضحكون. وكانوا في أوساطهم عناصر مرحة يجعلونك تنسي كل الآلام مثل الشهيد محمد حقوس. وعندما تدخل لأول مرة في الزنزانات يأتي اليك احد الحراس من الطورسراويت ويسألك من فتحة باب الزنزانة عن نوع الأكل او الطبيخ الذي تختاره ويقول لك بكلمات الأمهرية هل تريد احمر ام اليشا (أي طبيخ بدون شطة) وهذا يعني هل تريد مع الشطة ام بدون شطة. وبهذه المناسبة يذكر محمد حقوس اسم احد زملائه ويقول بصوت عالي لكي يسمعوا الاخرين، بأن فلان عندما سأله الطور سراويت هل تريد احمر ام اليشا، اعتقد بان الأحمر يعني لحم، وقال له ”أنا مسلم“. والطور رد عليه قائلا ”اؤكل التراب هل تريد لحما ؟“ ويضحك الجميع. والشخص الذي قال عليه هذا يقول له يا كذاب، ويذكر بعد الكلمات التي قالها محمد حقوس أثناء التحقيق ويضحكهم أيضا. وهكذا يحاولون نسيان ما كانوا يواجهونه ويدخلون الفرح في قلوبهم. وعندما تسمع احاديثهم تشعر وكأنك موجود خارج السجن.
الأكل يعطوك في إناء خاص صنع خصيصا لحفظ وجبات الجنود ليحملونه معهم اثناء التحرك. والشاهي نصف كوب زمزمية المياه مع خبز (قراصة) ونوع الأكل او الكسرة للغداء والعشاء هو من الطاف (نشافة) او نوع جيد من الذرة واعتقد هذا الأكل هو ما يتم إعداده للطور او الجيش نفسهم.
أنا كنت في الزنزانة لوحدي. وفي احد الأيام ادخلوا إلي زنزانتي من الإخوة المذكورين محمد الذي كان يعمل في محل الترزية مع الترزي عبد الحفيظ وعندما ادخلوه جلس منكمشا وهو يلتفت حوله في هلع وانزعاج. وسألته عن هويته ولماذا أتوا به. وقال لي كنا عندنا عقب (صندوق) مع عبد الحفيظ ندفع في الشهر مبلغ ريال واحد وبعد ان دفعت شهرين متتاليين طلبت منه ان يبدا الصرف مني وتوقفت من الدفع وهذا هو سبب قدومي هنا. وانا مع علمي بان القصة ليس صندوق حاولت تشجيعه وقلت له اذا المسالة متعلقة بالصندوق فلن يأتيك شيء ولا يهمك. وعبد الحفيظ هو مسئول خليته وريالين هو اشتراك شهري للتنظيم. ومحمد قال أنا لا اعرف أي شيء فهو اخذ مني باسم الصندوق (عقب) وصمد في كلامه. ومكث معي في تلك الزنزانة اكثر من شهر. وانا أثناء قدومه كنت في راحة من التعذيبات وعليه بدأت له برنامج تعليم الحروف العربية لكي يتشجع. الصبورة كانت أرضية الزنزانة وهي أسمنت، وكان عندنا علبة صغيرة للمياه واكتب له في الإسمنت الحروف بالماء، وكلما تنشف نكتب من جديد وهكذا بداء بحفظ الحروف وانتقل إلي قراءة الحرفين وثلاثة. وبدا يقول هل يعني هذا بأنني بهذه الطريقة سوف أقرا القران. وانا كنت اشجعه وأقول له بان جميع اللغات تتكون من الحروف، وبكل تأكيد تستطيع ذألك وكان يفرح كثيرا ويقول اذا كان الأمر هكذا لا يهمني لو سجنت شهورا. محمد كان له دعاء قصير يردده دائما باللغة التجرينية ويقول ”أتا ربي كريم رحيم كابزي سيبيب ناب قيفيح اوسئنا“ (يا ربي يا كريم يا رحيم أخرجنا من هذا المكان الضيق إلي مكان واسع). وبعض أن حفظ الحروف لم يمكث كثيرا وخرج من هذا المكان الضيق إلي مكان أوسع.
الى اللقاء فى الحلقة القادمة...
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.