مرحلة التأسيس جبهة التحرير الارترية وبناء التنظيم - الحلقة الخامسة والأخيرة

بقلم الأستاذ: محمد إدريس حمداي

الأمانة والمسؤولية أمام التاريخ: لقد ناضل الأجداد والأباء نضالا مريرا امام الاستعمار المتعاقب وقدموا تضحيات غالية في سبيل

إرتريا الموحدة ارضاً وشعباً، حاول الاستعمار اذابت الكيان الإرتري وإثارة الأمراض الاجتماعية وذلك لتمرير سياساته "فرغ تسد" ولكنه فشل واصطدمت كل مشاريعه بجدار صمود الشعب الإرتري، وبالتالي جدير أن نقرأ تاريخهم لأنه تاريخ الأمة الإرترية وقديما قيل "أي أمة لا تقرأ تاريخها لا يكتب لها البقاء" وحتى تقرأ الأجيال المتعاقبة قراءة صحيحة يجب على جيل الثورة تدوين وتوثيق مراحل النضال من إيجابياتها وسلبياتها حتى تكون درساً مفيدا وعظة وعبرة لمن يعتبر ويتجنب السلبيات حتى لا تتكرر.

ويشترط في اسلوب التدوين الدقة والأمانة ونقل الأحداث والتطورات كما هي مع تجنب المبالغات وتلميع شخصيات باهتة التي تستحق الكشف والتعرية لأنها أساءت استخدام المسؤولية ومارست اساليب متخلفة عمداً وبهدف تحقيق المصالح الذاتية، ويلاحظ أن بعض المواقع الإلكترونية تخلط الحابل بالنابل وتبرز شخصيات وتسند إليها أدوار لم تقوم بها كما البست العملاء ثوب البطولات والوطنية، ومهما كان من الأمر فإن وعي الشعب الإرتري كفيل بأن يرفضها لأنه يميز ما بين من ناضل في سبيل الوطن ومن كان يتآمر مع الأعداء ضد الاستقلال.

لقد مرت الثورة الإرترية بظروف لم تكن سهلة طيلة فترة الكفاح المسلح وتعرضت في بعض المراحل إلى الهزات الداخلية كادت أن تؤدى بها إلى الانتكاسة وتصفيتها إلى الأبد كغيرها من الثورات التي اندثرت قبل أن تحقق أهداها التي انطلقت من اجلها. وهذه السلبيات التي تعرضت لها الثورة الإرترية يمكن تصنيفها إلى:-

- أخطاء وقعت من افراد وبحسن النية وفي اعتقادهم إنها تحقق المصلحة العامة فهؤلاء لا جناحه عليهم وغير مؤاخذين، لأنهم كانوا يعملون في ظروف استثنائية، ومن الحقائق فإن الذي يعمل هو الذي يصيب ويخطئ والذي لا يعمل لا يصيب ولا يخطئ.

- أما أخطاء الصنف الثاني فهي أخطاء متعمدة لإعاقة مسيرة الثورة مارسوها باسم الدين والقبيلة والنزعات الاقليمية وهم في قمة المسؤولية، وحاول العدو استغلال هذه الممارسات لتشويه الثورة والإساءة إلى سمعتها من ناحية وتمزيق الوحدة الوطنية من ناحية أخرى.

لذلك مرحلة الكفاح المسلح في حاجة إلى التقييم الصحيح وبنظرة موضوعية وبعيداً عن العواطف، لأن هذه المرحلة اكتملت فيها تكوين الشخصية الاعتبارية لإرتريا. كما تحددت أصالة الشعب الإرتري في الصمود وتقديم التضحيات الغالية، وكل الذين شاركوا في تحرير إرتريا بدأ بالرعيل الأول، فإن تخليدهم لا يكون بالمناورات الكلامية، وإنما بتدوين مآثرهم والحفاظ على مكاسب الثورة وتسليم الأمانة من جيل الحاضر إلى جيل المستقبل، وهذه مسؤولية الجميع لا يعفى عنها أي مواطن إرتري.

ذكرت أن الرعيل الأول وضع الأساس في تنظيم جبهة التحرير الإرترية واعلن الكفاح المسلح وضحى بما يملك بكل غالٍ ونفيس وتوالت قوافل المقاتلين والشهداء حاملين راية الحرية والكرامة، وكلما سقط شهيداً خلف وراءه من يحمل الأمانة، هكذا كان واقع الحال حتى تحررت إرتريا وأقام الشعب الإرتري سلطته الوطنية بفضل القيادة الحكيمة للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا.

ثم ماذا بعد تحرير إرتريا وإقامة السلطة الوطنية ؟

إن المسؤولية الكبرى على كل مواطن الحفاظ على الكيان والسيادة الوطنية وهذا معيار على الثوابت الوطنية وواجب على عاتق كل مواطن ودون استثناء.

لقد تحررت إرتريا يوم 1991/5/24م و أنجزت عام 1993م الاستقلال عبر الاستفتاء الجماهيري قالها الشعب نعم للحرية ونعم للاستقلال أمام مرا ومسمع العالم المتمثل في المنظمات الأقليمية والهيئات الدولية. ولم تتصرف ارتريا المستغلة بردود الأفعال ومآخذ على مواقف بعض الدول والمنظمات التي لم تعط أذانا صاغية لمشكلة إرتريا طيلة ثلاثين عاما، وتآمرت بعض الدول لصالح المستعمر الإثيوبي كما فوجئت بعضها بالتحرير وأصابها الحزن بدلا من مشاطرة الشعب الإرتري في أفراحه، ولا داعي أن اذكر اسماء هذه الدول بالتحديد فإن المواطن الإرتري ادرى بها كما تدري هي ذاتها.

ومع ذلك فإن الشعب الإرتري بعيداً عن ردود الأفعال مد يد الصداقة والتعاون واكتسب عضوية هذه المنظمات على أمل بناء السلم العالمي والتقدم. وفي مقدمة هذه الدول إثيوبيا - ناصبت العداء وتكبدت خسائر فاضحة في سبيل الهيمنة والسيطرة على إرتريا – مباشرة بعد التحرير وقبل أن تلتئم الجراحات بنت العلاقات لعل وعسى أن تفتح صفحات جديدة في المستقبل بين الشعبين، إلا أن العقلية الإثيوبية لم تتحرر من نزعتها التوسعية القديمة واشعلت ثلاث غزوات متتالية ولم تتحقق الأهداف كما كان مرسوما لها.

ثم جاءت اتفاقية الجزائر الملزمة لتنفيذ بنودها نصا وروحا وبإشراف وتوقيع الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية وبناء على هذه الاتفاقية تكونت مفوضية ترسيم الحدود التي شرعت في تنفيذ مهامها، إلا ان السلطات الإثيوبية رفضت كل هذه المساعي الحضارية وتعلقت مشكلة الترسيم إلى أجل غير مسمى، والغريب في الأمر هو موقف الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في التجاهل وعدم احترام المعاهدات.

إن المنظمتين الأممية والأفريقية تجاهلتا المسؤولية الملقاة كاهلهما من حفظ الأمن والسلام في العالم، وخاصة في إرتريا، يتكرر الموقف للمرة الثانية (قبل التحرير وبعده) وكأنها تناصب العداء للشعب الإرتري بدلا من تقديم الدعم المادي والمعنوي لتعويض عما تعرضت له إرتريا من أثار الحرب الطويلة.

لقد قدم الشعب الإرتري (83) الف شهيداً في حرب التحرير والحرب الدفاعية وهو على أتم الاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات لأنه شعب لا يقبل الذل والهوان ولا يساوم بحريته وكرامته. إن الشعب الإرتري ناضل بكل جدارة وأثبت انه يستحق الحرية.

بعد مرور 44 عاما من انطلاق الثورة و 14 عاما من التحرير والاستقلال يجب أن نتأمل وتكون لنا وقفة مع الذات حول هذه السنوات لأنها انقضت بسلبياتها وإيجابياتها وصارت تذكرة للماضي ودرس مفيد لا يستهان به للحاضر ودليل ومرشد لخطواتنا في المستقبل المشرق.

نقف مع الذات للمراجعة وترتيب المهام التي في حاجة إلى الإنجاز على حسب الأولويات ورائدنا الاعتماد على الذات للبناء والتعمير.

إن عدم ترسيم الحدود بناء على قرار المحكمة الدولية سيظل مشكلة معوقة في إعادة العلاقات بين إرتريا وإثيوبيا، وفي نفس الوقت في حالة الاستنفار وعدم الاستقرار في المنطقة ومع أن ذلك القرار غير قابل للتعديل أو الغاء وسوف يأتي يوم لتنفيذه سواء رضخت وياني للسلام أم ازيلت من السلطة، ونحن اصحاب حق وما زلنا نطالب بحقنا المشروع واثقون من انتزاعه كما انتزعنا الحرية والاستقلال ولم ولن ننتظر احد ليمن علينا ويتفضل، وهذه أمانة عرضها علينا الشهداء فتحملناها لأننا شعب على مستوى المسؤولية التاريخية والنصر دائماً حليفنا.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click