المناضل البطل عافة حمد
بقلم الأستاذ: اري توتيل
المناضل عافة حمد الملقب بقاقة ربي من اشهر أبطال ارتريا وشخصية وطنية محبوبة جداً،
كان مناضلاً شرساً من أجل تحرير وطنه من براثن الأعداء، كان صادقاً نادراً مخلصاً لم يناضل من أجل سلطة ولامنصب ودلل على ذلك صنيعه الذي ختم به نضاله والذي تسسب بإستشهاده. كان ذو شجاعة نادرة ومُهاً لايَهاب أحداً وكان مقاتلاً عنيداً وشرساً.
وفي معاركه عندما يلتقي بجيش العدو يلقنه درساً قاسياً إلى درجة أن إسمه كان موزعاً ومنشوراً على كل أفراد جيش العدو وعملائه في الداخل لكي يتم القبض عليه.
كان شديد البأس والشجاعة النادرة وشجاعته كانت مخلوطة بفكاهة لذيذة يُخرجها ويصنعها من المواقف الرهيبة والصعبة في قلب المعركة وهذه نادرة وصعبة ومن المؤكد ان الموقف الفكاهة التي تُصنع في المعارك مضحة أكثر من العادية وكان محبوب محترم من جنوده ومسموع الكلمة.
يُعرف عن البطل عافة حمد انه دائماً يأخذ معه "عدة جبنته" ويقوم بإعداد جبنته ويشرب ويستهزئي ولا يكترث بالعدو ويشربها في قلب المعركة إستخفافاً بالعدو واعتزازاً بالنفس وتعديلاً للمزاج وكيفاً للرأس.
وفي مرة من المرات ضربت طلقة الهيلي كوبتر فنجانه فقال "عافة حمد لرأيها هلا جبنت ضبط". ويقال انها كانت في معركة تسني.
أيضاً من الطرائف أنه ذات مرة وهو يحتسي قهوته فوجئ بطلقة تقع أمامه فصرخ صرخة واحدة في جنوده وقال لهم "ولاد قنطو الة طلقت من أيا أكان مطت إقل نقنحتو".
كان عنيداً جداً في القتال ومن الأشياء الجميلة عنه انه كدأب اهلنا الطيبين لايعرف الخزلان ولايحب التخازل والمتخازلين وعندما يدخل المعركة بجنوده لايفكر في اي شيئ سوى الثبات والتقدم والنصر، كان رجلاً عسكرياً صارماً ولايحب النقاش الكثير يعني ماذا سيحصل في المعركة وغيرها من الأسئلة لايحبها كان عسكري قح ينفذ بالحذافير ولا يريد شيئ يأخره او يعرقله، لا يحب الأسئلة الكثيرة وعمله تركيزه كله فقط يتركز في تنفيذ مايوكل إليه من عمليات قتالية بكامل الإحترافية والشجاعة ولأن الجبهة كانت تنظيماً ديمقراطياً فقد كانوا يتيحون للناس أن تسأل.
مشهور عن عافة حمد ان كتيبته التي كان يقودها كانت مكونة من أفضل الرجال واندر الأبطال لأن القائد الشجاع لايجتمع ويلتئم حوله إلاّ الشجعان.
كان قائداً محبوباً مُطاعاً بين جيشه ولكن صارماً في المعركة لدرجة انه لاينفذ أي تعليمات وخاصة وهو في صلب المعركة وعندما تشتد المعارك وتصله التعليمات بأن يأمر جنوده بالإنسحاب التكتيكي فكان يرد عليه بكل شجاعة انا لا أنسحب ويردف قائلاً: "انسحب انسحب تبلونا اندي معركة أتيكونا أنا يأنسحب والة وديكم ودو".
ومن فرط شجاعته النادرة في المعركة كان يضرب السلاح وهو واقف ولايحتمي بأي شيء كما يفعل الآخرين.
ودائماً تجد القتلى أكثر في القوة التي هو قائدها لأنه لايرضى بالإنسحاب ابداً مهما اتته من تهديدات بالعقاب.
كان قاقة ربي عندما يريد أن يدخل إلى اي معركة يذهب أولاً بنفسه ويتقصى ويتحرى أماكن وجود العدو في عمل إستخباراتي خطير ومن ثم يعود الى جيشه ويقول لهم "ولاد قنطو" ويهاجم العدو ويفاجئهم ويقتل من يقتل ويأسر من يأسر.
أوصافه كان طويل القامةأسمر اللون وذو شعر كثيف وكان دائماً يقول: "أنا قاقة ربي أنا قاقة ربي".
لايحب السلطة ورُغم ذلك شغل عدة مناصب عسكرية بجدارة فكان قائد فصيل ومن ثم قائد سرية وبعدها قائد كتيبة.
عندما كان قائد سرية في فترة من الفترات كان مسؤلاً عن المناطق مابين قلوج وسيتمو ال 13 وال 11 وعلي قدر وغيرها من مناطق القاش.
في إحدى الأيام وهو ينتظر المجموعة التي ارسلها ليلاً و كانت في الإستطلاع عند تخوم معسكر العدو في مدينة تسني تمهيداً للهجوم ولكن علي غير عادة تلك المجموعة تأخرت في الوصول وكان عافة قلقاً عليهم وفجاة سمع زخاو إطلاق للرصاص حيث إشتبكت المجموعة مع العدو الأثيوبي وفي تلك الأحيان كان في إجتماع مع قائد الكتيبة وعندما سمع لعلعت الرصاص إنتفض وترك الإجتماع ومتجهاً الي حيث يوجد ابناءه من فرق الإستطلاع وهنا إحتد النقاش بينه وبين قائد الكتيبة ولكن عافة حمد قال له: "انت اتلا ترف انا لكن ولاد عري هليكو" ونفض يده واتجه الي حيث رجاله ووادار وانقذ الموقف في تلك المعركة.
كان القائد عافة في المنطقة بين نمرة عشرة وتسني وعلي قدر 1978م فجمع سريته وهذا أيضاً عندما كان قائد سرية ليهاجم العدو في علي قدر وفي العصر وكان معه المناضل عبدالرحيم شنقب وكانوا في عرض القاش فجمع السرية وقال لهم طابور جيش إستعد وغيرها من الكلمات، ثم قال في اي نقنقة؟! لم يرد عليه أحد الجميع صامت، بعدها قال شنقب خرجنا في الصقيعة بين 11 وعلي قدر وفجأة أمطرنا الأثيوبين بالنيران فلزمنا الأرض وبدأت السرية في أخذ موقعها وبادلت الأثيوبين بالرغم من أننا مهجومين بعد قليل رفعت رأسي فإذا بي أجد عافة حمد آخذ موقعه مع السرية وقد إستمر القتال معهم حوالي 45 دقيقه وتمكنا من ردعهم إرجاعهم للمدينة.
كان قاقة ربي لايقبل ولايحب تواجد المسيحيين في الكتيبة التي تتبع له وحتى ولو بأمر من القيادة العامة، ويُحكى أنه في مرة من المرات كان بقلوج ودخل معركةً وأسر جنوداً كُثر وأتى بهم إلى داخل مدينة قلوج وهو يسوقهم كالبهائم وكان من المفترض أن يُسلمهم المسؤول من الأسرى في المدينة، وفعلاً قابله المسؤول وقال له سلمني الأسرى وهو مسيحي فرد عليه "ليهي غابت ملؤ يهلا اندي قيسكا طبط منوم كمطأ الوم نوشي حاسبوم من اقتلوم اقتلوم ومن ادم منوم ادم منوم".
عندما حاولة الجبهة تحرير مدينة اغردات، كان عافة حمد قائد كتيبة في ذلك الوقت وفي الأساس انه عندما كان عافة قائد فصيلة كان هنالك شخص يقال له محمود إنجليزي كان نائباً له وعندما أصبح قائد سرية أيضاً كان نائباً له وعندما أصبح قائد كتيبة أيضاً كان نائباً له وعندما قررت الجبهة تحرير اغردات بمشاركة "قوات التحريرالشعبية التابعة لعثمان صالح سبي"، قام عبدالله ادريس بجمع قادة الكتائب بما فيهم القائد عافة حمد قاقة ربي وذلك بمنطقة بالقرب من اغردات وقال لهم سنشترك مع الجماعة اي الشعبية لنحرر المدينة، ولأن القائد عافة حمد كان عسكرياً صارماً هدفه الأول الإستقامة وعدم الدخول في السياسة وخباياها وتأمين جنوده دائماً لم يعجبه هذا الكلام لأنه كما اسلفنا رجل عسكري بحت ولايتعامل بالسياسة ودهاليزها ومناوراتها ودسائسها، فرفع يده وقال "ماكنتوا تقولوا قوات التحرير الشعبية دي عدو لينا، فكيف الليلة بقت حليف وصديق نشترك معاهم في معركة واحدة؟!"، وقال: "أنا لن أُدخل جيشي بين عدوين ويقصد بالعدو الثاني الأثيوبين"، وقام قاقة ربي بفتح كفوفه وقال أنا لا أريد ويكفيني ماحققته بفضل الله تعالى، فقام عبدالله إدريس وأعطاه مسدسه الشخصي هدية له ورجع عافة حمد الي منطقته مقراييب ببركة تحت وعمل بالتجارة وزرع في ذلك العام، وكلما اتت مجموعة من الجبهة طالعين بركة لعل او نازلين بركة تحت ينزلوا عند القائد عافة حمد لحبهم له والسلام عليه وبدوره يكرم ضيافتهم.
وبعد فترة نمى الى علم الأثيوبين أن القائد عافة حمد عاد إلى منطقته وزارع ولديه محل تجاري فأتوا اليه وإنتحلوا إسم الجبهة وتنكروا حيث لبسوا الجلاليب ووضعوا الخلال ونزلوا عنده فأكرم وفادتهم وتناولوا العشاء عنده وبعدها غدروا به واعتقلوه، وعندما وصلوا به مدينة تسني قال له الجنرال الأثيوبي هناك: كن معنا وامنحك رتبة عليا جداً وهي (كلونيل) وكانةهذا عرضاً مغرياً بالنسبة لكثيرين ولكن القائد عافة حمد رد عليه قائلاً: "عافة حمد لو تركته سيرجع الجبهة لذلك اقتله فقط".
وهنالك روايه أخرى لإعتقاله يذكرها الأستاذ الحاج حماد وهي أن قاقة أتعب الأعداء حتى يتمكنوا منه وكانوا حريصين على القبض عليه وفي آخر المطاف تمكنوا منه غدراً وذلك بمدينة تسني على ما أظن حيث كان يتجول لمعرفة مراكز العدو الأثيوبي ويعود لكي يستعد ويعد العدة والعتاد ليهاجمهم بمعية جنوده، ولكن في هذه المرة لم ينجو كما كان في السابق وتم إلقاء القبض عليه ومعه أحد مساعديه فسألوه هل أنت فعلاً قاقة ربي فرد عليهم نعم أنا هو، أنا الذي اتعبتكم في هذه المدينة وأماكن أخرى وقال لهم وهو يشير إلى مساعده أن هذا الذي يرافقني راعي غنم ليس له أي علاقة بي فقط مجرد صاحب في هذه المدينة ولادراية له بطبيعة عملي ويعرفني فقط كتاجر ماشية ليس إلاّ، لذلك أطلقوا سراحه فأنتم كنتم تبحثون عن قاقة ربي وها أنا ذا أمامكم وفعلاً أطلقوا سراحه وذهب وعاد إلى حيث الجيش وكان حزيناً على قائده كثيراً جداً وعندما بلغنا خبر اعتقاله حزنا وبكينا وبكى الناس جميعاً وكل من يعرف قاقة ربي فقد كان يوماً حزيناً علينا جميعاً وعلى كل القيادة.
وهذا ملمح وجزء يسير مما اعرفه عن القائد البطل الشجاع والمحبوب قاقة ربي، بالرغم من صغر سني في تلك الفترة إلاّ أنني أتذكر كل هذا لعدة أسباب وهي أنه من اقربائي وكان يزورنا من حين لآخر وكان قد أُعتقل في تسني ووضعوه في السجن ومن ثم نقلوه إلى أسمرا ومنها إلى أديس أبابا وبذلك إنقطعت كل الأخبار عنه وعن مكان تواجده.. وكان والدي يرحمه الله تعالى يبحث ويسأل عنه بإستمرار حتى أنه عندما كثُر السؤال عنه من والدي كاد الأثيوبين أن يعتقلوا والدي بسبب كثرة تردده وسؤاله المستمر عنه.
وبعد سنوات طويلة سمعنا أنه قد استشهد ودفن في مدينة كسلا "حسب أقوال بعض من الناس".. ولكن لم نتأكد حتى الآن من اين دُفن وهل فعلاً استشهد ام ماذا لم نجد الحقيقة الي يومنا هذا.
وهذا قليل من كثير عن بطلنا عافة حمد قاقة ربي وكثير من البطولات والمواقف والوقفات التي تُحكى الى يومنا هذا ولا ولن ننساها وهي عالقة بأذهاننا فقد كان فارساً مقداماً وكانت مسيرته حافلة بالتضحية والتجرد والبطولات.
بمشاركة:
1. الحاج محمد حامد (ود حماد).
2. عبدالله الأستاذ عبدالله ادريس من بركة ابو همد، من بعض من روايات صديقه المناضل عبدالرحيم شنقب الذي لازم قاقة ربي ردحاً من الزمان وكان يحكي له عنه وعن مواقفه وبطولاته المشرفة.