ذكريات مناضل صالح فكاك - الجزء الثاني والأخير
بقلم الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري
بلغت الثقة لدى الشهيد عمر إزاز بالإنتصار فى معركة حلحل أنه قرر أن يخوضها فى غياب
بعض أركان المنطقة... المناضلان القائدان يس محمد على وعبد الله ديغول ونائب المنطقة محمد عمر ٱدم فى إجازة... القائد عثمان صالح فى مهمة.
جمع الشهيد القوات فى السابع من سبتمبر 1968 وابلغهم بقراره بالهجوم على مركز حلحل وان إنهاء المعركة بنجاح لن يستغرق أكثر من نصف ساعة نظرا للعدد الكبير للقوات المهاجمة وقلة عدد القوات المتواجدة فى المركز.
يذكر أن القوات داخل المركز كانت حذرة جدا وتتجنب الخروج فى الفترة المسائية. يتذكر المناضل صالح أنه كان يوماً مع الشهيد فى منطقة ملبسو وان الشهيد سأله إن كان لديه رغبة فى زيارة والده ولما كانت إجابته بالإيجاب فقد تحركا فى المساء إلى حلحل وتركه مع والده فى مدخل البلدة وذهب الشهيد ألى منزله الذى لا يبعد أكثر من مائة متر من المركز ليتعشى مع والدته رحمها الله ثم يمر على صالح ويغادرا فى الثالثة فجرا.
أبلغ الشهيد عمر القوات أنه سيقود المعركة بنفسه وسيكون نائبه فى قيادة المعركة المناضل محمد على طعدا (أستشهد فى المعركة.. عليه الرحمة) والنائب الثانى المناضل صالح فكاك. بالنظر إلى نتائج المعركة المؤلمة فيجب التأكيد كما يذكر المناضل صالح أنه لم يكن هناك تأثير لما أشيع عن أن معلومات استخبارية وصلت إلى العدو أدت إلى استعداده. كان تجمع القوات مكشوفا للعدو.
السبب الرئيسى كان غياب معلومة هامة عن التحصين الذى كان العدو قد أحدثه فى المركز إلى درجة أن القوات داخل المركز كان لديها الثقة فى الإنتصار.
حين بدأت المعركة بدأ أحد أفراد العدو وكان من أبناء البلين يرفع صوته ويخاطب الشهيد عمر بلغة البلين قائلا (اليوم ليس يومك يا عمر) فيرد عليه الشهيد ما معناه.. أنكم إرتريون ونحن إنما نقاتل من أجلكم.
أصيب الشهيد إصابة بالغة وخرجت أمعاؤه ونظرا لقوته وصلابته فقد استطاع كما يتذكر المناضل صالح... إعادتها ثم أخذ ثوبه وربط مكان الإصابة لكنه شعر بخطورة الأمر وأوصى مباشرة أنه فى حال استشهاده يجب التكتم على ذلك بحيث لا تشعر أثيوبيا بالإنتصار وترتفع معنوياتها وتطلق حملة ضد المنطقة... ولهذا وعملا بهذه الوصية فقد استمر خبر استشهاده مجهولا لدى العدو لمدة عام وهو يتوقع مرة أنه يطبب فى السودان أو سوريا.
حمل الشهيد عمر وبقية الجرحى بغرض علاجهم فى كسلا غير أنه استشهد مساء اليوم التالى مساءا... أى بعد أربعة وعشرين ساعة ساعة تقريبا من إصابته، فى دبر سالا ودفن هناك...حضر مراسم دفنه عدد محدود من المناضلين... الشهيد عثمان صالح.. المناضل عبدالرقيب محمد موسى... المناضل حفيظ سعد الدين... المناضل صالح فكاك... الشيخ محمد نور سبر... المناضل جابر حامد دافلة ومعه بعض الجنود المكلفين بالحراسة... وقد أقسم الجميع على كتمان استشهاد الشهيد.
مع صعوبة التحصينات التى جابهت المقاتلين فقد استطاعت مجموعة من المغاوير القيام بعملية بطولية استشهادية... قفزوا جميعا خلف السور واستشهدوا جميعا وكان عددهم 48 شهيدا... وقد عرضت جثامينهم فى وسط مدينة كرن فى الموقع المعروف ب جيرا فيورى لبث الرعب فى المواطنين واحباطهم... وجاءت النتائج عكسية.
(قابلت قبل أيام هنا فى القاهرة أحد شباب كرن الذى كان طفلا حينها... ذكر أنه كان برفقة والده وأحد أعمامه وشاهد الجثامين ولاحظ أن والده بعد أن دقق فى ملامح كل الشهداء خاطب عمه قائلا بالتجراييت... إى هلا مسلوم... أى أنه ليس بينهم... فى إشارة للشهيد عمر إزاز).
إستمرت معركة حلحل من بداية المساء إلى ساعات الفجر الأولى وتردد صداها فى المناطق القريبة. أحد أبطال المنطقة... الشهيد عثمان صالح... والذى كان مكلفا بمهمة خاصة وكان قريبا من المكان سارع بالعودة ووصل وقد أصيب الشهيد عمر. بمجرد حضوره أصبح فعليا هو قائد المعركة واستأذنه المناضل صالح فى أنه سيرافق الشهيد عمر الذى كان مصابا إصابة بالغة... وحمله ومعه مجموعة فى الطريق إلى كسلا.
لكن كما ذكر أستشهد فى اليوم التالى فى دبر سالا فى منطقة تدعى حنتترى. يتذكر المناضل صالح أن الشهيد عمر عندما أحس بخطورة حالته أوصاه بوصيتين... الأولى أن تتم مواصلة عملية إنهاء مركز حلحل... والثانية الإهتمام بالشيخ محمد نور سبر الذى كان يبذل الغالى والنفيس من أجل الثورة.
بالنسبة للوصية الأولى كما يقول المناضل صالح فقد نفذها العدو بنفسه... بعد حوالى شهرين تم إخلاء المركز من قبل قوات الإحتلال والتحق الموجودون برفاقهم فى كرن. أما الوصية الثانية فقد استمر العمل بها وتم تخصيص مساعدة للشيخ واستمر العمل بالوصية فى عهد القيادة العامة.
ومع ذلك وحسب إفادة لأحد أبناء المنطقة فإن الشيخ لم يتوقف أبدا عن العطاء وقام بحملة حث فيها أبناء المنطقة لدعم المؤتمر الوطنى الأول... رحمه الله.
بالمناسبة لكثرة ما كنت أسمع عن إسمه فإنها المرة الأولى التى أعرف فيها أنه عم الشهيد عثمان صالح على والمناضل محمد إبراهيم العلى متعه الله بالصحة والعافية.
بمجرد عودة الشهيد عثمان صالح وتوليه أمر القيادة أمر فى وقت لاحق بأن يتم الإنسحاب لكثرة عدد الجرحى وكلف المناضل حامد جمع بأن يقوم بتغطية الإنسحاب واستطاع إنقاذ الموقف والخروج بخسائر أقل من المتوقع.
كما هو معلوم أستشهد أحد قادة المعركة الذى بكاه جميع أبناء حلحل وهو الشهيد ٱدم أبكر إبن غرب السودان وابن مدينة زالنجى تحديدا كما يذكر بعض رفاقه ودفن فى منطقة مأتو القريبة فى أرض تعود لٱل هنقلا.
فى العام 1993 وفى سبتمبر كنت مارا بمدينة كرن فى طريقى لكسلا وسمعت أحاديث عن إعادة دفن رفات شهداء حلحل فى مقبرة الشهداء فيها. فى بعض ماكتبه بعض أبناء المنطقة وعد بإن يكون هناك نصب تذكاري للشهيد ود أبكر وهو الاسم المختصر الذى يطلقونه على الشهيد ٱدم أبكر فى المكان الذى سقط فيه شهيدا وفاءاً له.
وصلت أخبار ونتائج المعركة إلى كسلا وبقية المناطق القريبة فعاد كل القادة والمقاتلين من أبناء المنطقة الثانية إليها خلال أسبوع قاطعين إجازاتهم.. كما يتذكر المناضل صالح واستطاعت المنطقة أن تلملم جراحها.
مما يلفت فى شهادة للمناضل محمد سعيد مفلس وهى ملاحظة هامة.. أن المناضل يس محمد على بمجرد عودته وبغياب نائب قائد المنطقة أصبح فعليا قائد المنطقة وبهذه الصفة فقد التقى بوفد المجلس الأعلى الذى زار المنطقة وأبلغ الوفد بموقف المنطقة الثابت من الوحدة. فى وقت لاحق أصبح المناضل يس محمد على نائبا لقائد المنطقة.
رغم أن ذاكرة المناضل صالح مازالت حاضرة ويمكن أن يفيد الشباب المهتمين فى لقاءات بالزوم وغيره من وسائل وقد أبدى أستعداده لذلك، إلا أننى كنت حريصا على أغتنام فرصة ليوضح لى أمرين... الاول كان فى فترة وجوده عضوا فى القيادة العامة وهو ما يشاع عن علاقة العم البطل حشال عثمان رحمه الله بسرية أديس.
يذكر المناضل صالح أن مجموعة سرية أديس كان مكان إعتقالها فى سبر بينما كان المناضل حشال فى ذلك الوقت موجها فى هيئة التدريب ولا صلة له بأية أمور أمنية. ثانيا شهادة من أحد المناضلين الذين كانوا موجهين فى هيئة التدريب والموجود حاليا فى كسلا ويدعى محمد إدريس نور... أن المناضل حشال كان فى كسلا فى إجازة مع الأهل فى الفترة التى حدثت فيها أحداث سرية أديس.
(مع ملاحظة ما تثيره مثل هذه الشائعة من عدم رضا واستهجان من أسرة المناضل حشال عليه الرحمة... يضاف إليها اشاعة أنه تسبب فى تصفية مناضلين مسيحيين... فإن ما لا يعلمه الكثيرون أن والدته... سنار تسفا يوهنس بايدو.. مسيحية. وقد نشأ فى بيئة متعايشة طائفيا فهل يعقل أن يتهم بحقده على أخواله).
يضيف المناضل صالح أن المناضل حشال رحمه الله توجه بعد التحرير إلى أسمرا مثله مثل الرعيل الأول للثورة وبقية المناضلين وما كان له أن يفعل لولا ثقته فى براءته من الشائعات المغرضة.
الأمر الٱخر الذى استوجب توضيحا من المناضل صالح هو الإشاعات عن علاقته بانفصال أسياس وتواجده معه فى الليلة الأخيرة. وصلت الشائعات إلى حد أنه جرى الحديث عن أن أسياس قام بجمع أسلحة لصالح ومجموعته وهم نيام قبل أن يغادر.. وشائعة أخرى عن أن أسياس والمناضل محمد سعيد مفلس كانا معا متوجهين إلى منطقة يتواجد فيها المناضل صالح وأنه أخبر مفلس بأنه يخشى أن يعتقله صالح... إلى ما هنالك من شائعات.
يوضح المناضل صالح أنه والشهيد شكينى وأسياس كأعضاء فى القيادة العامة كانوا فى اللجنة السياسية. تم تكليفهما هو وأسياس بالتوجه إلى المرتفعات وأتجها إلى أكلى قوزاى حيث ألتقيا بالمناضل محمد إسماعيل عبده رحمه الله الذى كان مشرفا.. والشهيد صالح عمر شوم الذى كان مفوضا سياسيا... بعد انتهاء مهمتهما كان عليه العودة وأخذ أغراض كان مكلفا بإحضارها وكان أسياس مكلفا بالعمل التعبوى فى المرتفعات... ولم يكن هناك أي شيء يدل على تحركات أسياس اللاحقة واتصالاته... هذا ما وجب توضيحه.
الحديث عن ومع قدامى المناضلين حديث لا يمل لثورة عظيمة لا يدرك كثير من الأبناء من الجيل الحالى عظمتها ونبلها وتضحيات الجيل الذهبى الذى لا يبدو أنه يمكن أن يتكرر.
فى ذاكرة المناضل صالح فكاك الكثير من التفاصيل التى يفضل أن تجمع فى كتاب يكون مفيدا للأجيال خاصة فترة القيادة العامة.
بعد المؤتمر الوطنى الأول تم توجيه المناضل صالح عضوا فى جهاز المراجع العام مع المناضل الراحل سيد أحمد محمد هاشم وحول فى وقت لاحق لمكتب الاقتصاد مسؤولا عن الممتلكات.
الصورة للمناضل صالح فى مقهى فى حى فيصل فى القاهرة متعه الله بالصحة والعافية. ولا زال الباب مفتوحا والجاهزية متوفرة لأى توضيحات حول الشهادة.