القائد البطل الشهيد سعيد صالح
بقلم الأستاذ: عبدالرازق آدم إدريس
في الخامس من يونيو 1983 فقدت الثورة الارترية مناضلا من أشجع المناضليين وأكثرهم بسالة
وهو الشهيد سعيد صالح.
وبهذه المناسبة أشارككم قصة أرتباط أسرتي مع هذا البطل الخالد في قلوب المناضليين والشعب الإريتري "سعيد صالح". كنت طفل في العاشر من عمري يوم أستشهد سعيد صالح.
المكان "حشلا بلوك" مدينة كرن، الوالد رحمه الله يأتي الى البيت حزين قبل غروب الشمس، الوالدة تسأل بصوت منخفض "أب دينب، مي ريكم وسعكم أكبار ولاد". الوالد عرفناه كإنسان متريث وحكيم يرد عليها غاضبا "فرض ربي انساء حدقيني أم دينب".
هذه الليلة كانت ليلة شديدة الظلام للوالد، كان يفكر في طرق لإيجاد العزاء للوالدة في موت البطل سعيد صالح والمضي قدما.
أصبحنا وأصبح الملك لله وسمعنا صوت المؤذن لصلاة الفجر "حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم"، كل وأحد أصبح يسأل الأخر عبر نظرات العيون ليتأكد من صحة خبر مقتل سعيد صالح في كسلا.
صمتت الوالدة حينها ودخل الجميع في كومة من الحزن، الوالدة التي كانت تعتبر سعيد صالح إبنها، سيطر الحزن والسكون عليها ولن تصدق أن يقتل سعيد بهذه السهولة. رغم إنني لم اكن أعرف من هو سعيد صالح في تلك الفترة، لكن أتذكر اليوم الحزن الذي كان في وجه أمي "الله يرحمها"، لا شيء كان يمكن أن يخفف لها الألم أو يملأ مكان سعيد صالح في قلبها.
سعيد الذي ولد عام 1947 على يديها من بطن الأم "أبابا ادقوي" والعم صالح محمود في حوش كبير متواضع يتكون من عدة غرف، هذا الحوش كان دار "حجي حسين".
سكان هذا الحوش كانو يتعاونون بينهم في كل الاشياء رغم إنهم ليسو أقرباء، في النهار الرجال كانو يتوجهون إلى العمل، وفي الليل كانت تقام في هذا الحوش جلسات سياسية وثقافية وأحتماعية، وفي المناسبات كانت تذبح الأغنام والابقار وتقام الولائم فيها، أبناء هذه الأسر كانت حياتهم بسيطة، وكانت تجمعهم مناسبات الافراح والأحزان، و كانت تقوم الأمهات بدور ممرضاة الولادة معتمدين على الفانوس واللمبة بالليل.
فجأة الأم أبابا تسأل لحظة ولادة سعيد بين آلامها وفرحتها وترقبها وقلقها عن مولودها "حطانتو ما ولت سعدية"، وأمي ترد عليها بصوت عالي "فارس تو أبابا، ربي حقي وتاكيات عد ليديو إقلنا). الأم "أبابا ادقوي" بدأت بممارسة أمومتها للمرة الأولى والكل يهنيئ متمنيا حياة جديدة لأبنها.
"الأم ابابا" قدمت كل ما تعلمته من أمهاتها لطفلها، وزوجها العم صالح محمود سماه "سعيد" لتعم السعادة على كل سكان الحوش الكبير، كانو ناس طيبون على بساطاتهم، وكانو يحملون صفات حميدة مثل الكرم والشجاعة، والشهامة ومساعدة الآخرين.
سعيد صالح الذي نشط في خلايا جبهة التحرير السرية وكون خلية "حشلا بلوك" ألتي كان فيها:-
• الوزير المعتقل/ محمود أحمد شريفو،
• الشهيد/ سعيد عثمان كرامي،
• الشهيد/ صالح آدم إدريس،
• المناضل/ دبساي ولدو،
• المناضل/ محاري براخي،
• المناضل/ ابراهيم عثمان كرامي،
• المناضل/ محمد حسين حامد طبسه.
أختفى سعيد من مدينة كرن عام 1964، لكن أصدقاءه كانو يأتون إلى الأم "أبابا" ويسألون عن سعيد وهي ماكانت تعلم أين هو، وفيما بعد تأكدو أصدقاءه أن قائدهم التحق بميدان الشرف والكرامة ولم يخذلوه وسارو على دربه والتحقو بصفوف الثورة الارترية، لتبدأ بعدها مسيرتهم الحافلة بالوطنية من أجل قضية عادلة أمنو بها واستشهدو من أجلها.
الشهيد سعيد سرعان ماظهر ت شجاعته في المعارك وقيادته للعمليات الفدائية في إرتريا، قاد عملية تحرير المعتقلين السياسيين والمسجونين في سجن "عد خوالا". أنتخب عضو في القيادة العامة، وبعدها انتخب عضو في اللجنة التنفيذية في المؤتمر الثاني.
وفي عام 1977 تولى الإشراف العسكري على واحده من الوحدات العسكرية وتم اختياره قائد للواء 77. واتخذ سعيد صالح خطوات كبيرة في رحلته لقيادة هذا اللواء بجدارة وبذل كل الجهود الممكنة وكرس نفسه لعمله كقائد ميداني. ففي نهاية السبعينات من القرن الماضي حملتني أمي وذهبنا الى منطقة "فانا" في ضواحي "حقات" وكان أخر لقاء بين الوالدة والشهيد سعيد صالح.
توفيت الأم "أبابا أدقوي" و توفى العم صالح محمود في السبعينات من القرن الماضي. ومع ذالك ففي بداية عام 1994 وعند تبليغ أسر الشهداء بإستشهاد أبطال التحرير، جاءت الادارة الأهلية في كرن لتبليغ الوالدة رحمها الله عن استشهاد شقيقي صالح آدم إدريس، وسعيد صالح محمود وكانت بحوزتهم شهادات الاستشهاد ومبلغ مالي يقدر بعشر آلاف بر فكان ردها الله يرحمها "وليي عرر آباي نسأتؤ... لاكين سعيد فجووع حوان قتليو... لقبات من قبئ لقيتلاي سعيد حبروني... إيقبات من قبئ أنا كحسا ولادي يبلع... سلاديكم مسلكم تقبا".
وأخيرا الشهيد سعيد صالح اليوم غائب عنا جسديا ولكن مازال حاضر في وجداننا واسمه محفور في كل معركة وبطولة قادها ضد العدو الإثيوبي. ياسعيد كنت بطلا في ارض المعارك وسيبقى تأريخك عظيمًا للأجيال، لأحد يقدر يمحي أثرك ولا يُنسى الأجيال بطولاتك التي مازالت عالقة في ذاكرة أحفادك.
سلام على سعيد صالح يوم ولد، ويوم أستشهد، ويوم يبعث حيا وشكرا.