العميد/ صالح عثمان كما عرفته وسمعت عنه - الجزء الثالث
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ
الكتابة عن البطل/ صالح عثمان فتحت أمام ي باب للتعرف على بطل أخري صمد بجيشه
ولم ينسحب من الجبهة الغربية وهوالعقيد المناضل/ همد سلمان "ود سلمان" وهذا البطل المناضل التحق بقوات التحرير الشعبية من مدينة بورتسودان عام 1974م، وظل يناضل في ألوية الاسلحة الثقيلة حتي فجر التحرير عام 1991م وكان حينها قائد كتيبة.
المناضل العقيد ود سلمان كان يرابط بفرقته العسكرية في الجبهة الغربية إبان الحرب الاخيرة أي عام 2000م، وبعد الانسحاب من بادمي تكونت جبهة جديدة في المنطقة الغربية تمتد من الجنوب في شامبقو ومن الشمال الى تكومبيا وكان قائد تلك الجبهة اللواء/ تخلاي ود هبتي سلوس، وعند إشتداد المواجهة أصدر اللواء/ ودي هبتي سلوس أوامره للعقيد ود سلمان بالانسحاب من المواقع التي يقاتل بها والتراجع نحو الخلف، رفض همد سلمان الاوامر وظل يقاتل حتى الموت دون أن يترك وحدته العسكرية ولم يهرب تاركاً جيشه في الدفاعات، وكان يقاتل العدو من جهة الجنوب أيضاً لان العدو قطع عليهم طريق الامداد ومن الامام ضد الواحدات التي كانت تهاجم من الامام.
في تلك الاثناء أمر أفراد من وحدته بإحراق سيارته أمامهم وعاهدهم على الحرب حتى الموت وإنه سوف لن يهرب ويتركهم في المعركة، ومن جهة أخري حتى لا تكون غنيمة للعدو، كان يحدث هذا في الجبهة الغربية في الوقت الذي كان ينازل فيه البطل/ صالح عثمان جحافل الجيش الاثيوبي في معركة غير متكافئ حول عصب.
العقيد همد رفض الاوامر التي صدرت إليه من قائد الجبهة وإنتصر في مواجهة العدو بعد أن صمد مع وحدته وأحرق سيارته، وبعد إنتهاء الحرب قدمت له هدية سيارة "لاندكروزر" هدية من الرئيس تقديراً لموقفه الشجاع، ولم نسمع بأن العقيد رأس مراخ منح سيارة، صحيح بإنه رجع للقتال مرة أخري في جبهة عصب ولكن لم يكن بطلها الوحيد والبطل الذي تناقلت أخباره هو العميد/ صالح عثمان، شكرا لكل الذين قدموا لي معلومات جديد شكلت اضافة لمقال أبعاد تاريخية أخري.
قبل الدخول في سرد تفاصيل الحدث وما كان يقال عن حركة "فورتو" وما رافق تلك الحركة من تزمر واضح في أوساط الشعب هنالك صور القة في ذهني عن المشهد خلال الخمسة سنوات التي سبقت الحدث أرغب في سردها حتي يكون المدخل الى حركة "فورتو" معبداً عبر شرح ما كان يجري خلال تلك الفترة.
في عام 2009م أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بالرقم (1907) بتاريخ 2009/12/23م، بإيقاع عقوبات علي النظام الارتري، يتضمن القرار حظر تصدير السلاح ومراقبة المطارات والسواحل وتفتيش السفن التي يشتبه فيها بنقل أسلحة وإمدادات إلي قوات المعارضة الصومالية، إضافة إلي تجميد أرصدة الحكومة الارترية وشركاتها ومسئوليها النافذين من سياسيين وعسكريين، ومنع سفرهم ممن تتضمنهم قائمة العقوبات القائمة.
صدور هذا القرار كان بمثابة بداية تدشين للأزمات التي كانت تحت الرماد بين أرتريا ودول الجوار "الايغاد" والمجتمع الدولي وبين النظام في أسمرا والشعب الارتري منذ فجر الاستقلال، هنا إستشعر النظام الخطر المحدق به وبدأ في إعداد سلسلة من الندوات للمسؤولين والموظفين والكوادر النشطة والمثقفين وغيرهم في مدن الاقاليم المختلفة لشرح المهددات التي تهدد ارتريا والظهور بمظهر المعتدي عليه أمام الشعب الارتري ووصف الازمة بأنها هي إعتداء على السيادة الارترية، وأذكر جيداً طبعت كروت الدعوات للحضور ووزعت في أسمرا وشخصياً كنت ضمن الذين حضروا للإستماع الى ندوة يماني قبري أب بالقاعة الجديدة بالاكسبو، بدأ الرجل يتحدث على غير عادته وظهر منكسراً متعجلا شرح حيثيات القرار والاهداف المرجوة منه خلال 30 ساعة تقريباً ثم فتح باب الاسئلة فقط ثلاثة أشخاص هم الذين سألوا بأسئلة هامشية لم يهتم بها هو أيضاً ورد عليها بفتور واضح، تفرق الجمع وغادرنا القاعة وكان معي حينها المناضل المرحوم/ محمد عمر سوبا، خرجت من القاعة ولسان حالي يقول هذه العبارة "حاصرتهم الشعب الارتري ولم تتركوا له منفذ وجاء من يحاصركم"، معظم الناس كانوا غير مكترسين بما يجري أو بالشرح الذي قدم لهم الكل ذهب الى حيث أتي.
بدأت تظهر في الأوساط الحكومية خلافات حادة بين المسؤلين الكبار وحكام الاقاليم وقادة الفرقة العسكرية وقادة المناطق، فتح باب الخصومات الشخصية على مصراعيه بين كافة المسؤولين في الدولة وكل مجموعة تعد العدة للنيل من الاخري، تسمع بأن هنالك خلافات حادة بين رجالات الجبهة الشعبية في المكتب المركزى، وخلافات أخري بين حكام الاقاليم وقادة الجيش، وبين قادة الجيش أنفسهم وقادة المناطق العسكرية، تسمع كل يوم شائعات أقرب الى الحقائق، وتنتشر المعلومات هنا وهنالك عن تلك الخلافات الحادة، ولا يوجد أي إطر أوضوابط تنظيمية تحد منها أو تضع لها حلول، الشعب الارتري يتابع ما يجري بحسرة وألم وتتردي الخدمات وتبدأ الكهرباء في الانقطاع وتظهر لأول مرة صفوف براميل المياه في شارع الحرية " كمشاتو" في إنتظار صهاريج المياه، إرتفاع في الاسعار تردي خدمات المواصلات، إنتشار ظاهرة الباعة المتجولين بكثرة حتي وصل الحال الى إمتلاء ممرات المشاة بالبضائع المفروشة في غياب تام للإدرات، ظهور مجموعات لصوص تسطو على البيوت ليلاً لتسرق، إنفلات في كافة مناحي الحياة، فساد واضح في المرافق الخدمية، تسيب للموظفين ...الخ.
وفي نهاية عام 2012م إزداد الوضع سوءاً والخصومات بين المسؤولين أصبحت حديث الناس في المقاهي والتهديدات تتوالي لبعضهم البعض والانسان البسيط يترقب ماذا سيحدث نتيجة لهذه الاوضاع المتردية، أما الشباب والطلاب والجنود العاديين بداؤا في الخروج من البلد بكافة الوسائل المتاحة، الكل يفكر في الوسيلة التي تمكنه من مغادرة البلد لأن الاوضاع المعيشية أصبحت لا تطاق ولايمكن أن يكون الشباب عبئاً على أسرهم مدي الحياة، لا رواتب ولا حلول تلوح في الأفق، شباب ومنذ فجر التحرير في الخدمة العسكرية رابطوا في الدفاعات حتي تكلست عظامهم.
تراكم المشاكل أدي الى تردي الاوضاع والشائعات هنا وهناك، مسؤولين كبار تم تجميدهم يجمعون المعلومات ليلاً من رفاق الامس وينشرونها صباحاً في الاسواق، الكل ينتظر التغير في ظل تخبط في الخطاب الحكومي اليومي وتردئ الاحوال، تسمع بأن المسؤول الفلاني معتكف في منزله والقائد العسكري الفلاني بدأ يتحرك بحراسة عسكرية ولا يغادر وحدته العسكرية إلا عند الضرورة القصوى.
مع بداية عام 2013م بدأت تتسرب معلومات بأن المؤسسة العسكرية تعد العدة لإنقلاب عسكري للإستيلاء على الحكم وتغير الاوضاع، ومنهم من يقول بأن الانقلاب العسكري قادم لا محال، الشائعات تنتشر هنا وهناك بسرعة البرق وحتى الاجهزة الامنية بدأت في تسريب الشائعات ووتحرك الامواج بين المجموعات المتخاصمة ووصل بهم الحال لمرحلة تهديد بعضهم البعض بالتصفية، الرئيس يراقب الوضع متحصناً خلف جهاز أمن قوي يرصد كل شاردة وواردة في هذا الحراك المجنون بين المسؤولين، الكل يتحدث عن الاصلاح، والاصلاح يتطلب التغير ولكن كيف الوصول الى التغير في ظل توتر الاجواء.
معظم المسؤولين أدمنوا حب المسؤولية والكراسي في إرتريا خلقت لهم ومنذ فجر التحرير وحتى اليوم قلة هم الذين فقدوا مناصبهم وحتى لو فقدوا مناصبهم فهم في ذمة الدولة تصرف عليهم من مال الشعب الارتري لكي يتجولوا في الشوارع ويطلقوا الشائعات ليلاً ويصدقوها نهاراً، وشباب الخدمة الوطنية بدون رواتب أو مخصصات وحتى مستقبل منظور يحفزهم على البقاء.
الجميع كان يسمع بأن إنقلاب ما سيقع من قبل المؤسسة العسكرية لتغيرالأوضاع في إرتريا، والجهات التي كانت تتخطط لتنفيذه لم تضع جدولا زمنياً لتنفيذه لأن الريموت لم يكن بأيديهم على ما يبدوا، قلة تجربتهم وثقتهم التامة في أنفسهم وخلافاتهم القديمة تضغط بثقلها على المشروع وهنا أقصد القادة السياسيين الذين شاركوا في الانقلاب وتم إعتقالهم ولا يمكن أن تأتيهم السلطة وهم في منازلهم يتابعون الحدث عبر شاشات التلفزيون !
إلى اللقاء... في الجزء القادم