العميد/ صالح عثمان كما عرفته وسمعت عنه - الجزء الأول

بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

العميد/ صالح عثمان قائد عملية "فورتو" التي أرعبت أركان نظام الهيمنة القومية في إرتريا

هو أحد أبناء إرتريا الاشاوس حيث التحق بقوات التحرير الشعبية عام 1972 من مدينة بورتسودان، ووجدت معلومة تفيد بانه كان ضمن فريق "أكوبام" برابطة الديوم الجنوبية ببورتسودان الذي التحق معظم لاعبيه بملابسهم الرياضية بالثورة الارترية.

ومنذ تاريخ التحاقه ظل يعمل بتفاني وإخلاص لنصرة قضية الشعب الارتري وتحرير كامل التراب الارتري من الاستعمار الاثيوبي الغاشم، فعمل في هيئة التدريب وفي قسم الامداد لسنوات طويلة وفي الخطوط الامامية مقاتلا وقائداً ميدانياً فذاً لا يهاب الموت حتى تم تحرير كامل التراب الارتري وإعلان الاستقلال.

وعند اندلاع الحرب الارترية الاثيوبية الأخيرة كان قائداً للفرقة العسكرية التي كانت ترابط في عصب وضواحيها حتى لحظة توقيع اتفاقية الجزائر التي وضعت حداً لتلك الحرب المجنونة بدواعي النزاع حول مثلث "بادمي" ولكن الأيام أثبتت بإن "بادمي" كانت مجرد قشة قسمت ظهر العلاقة بينا الجبهة الشعبية ووياني تغراي على خلفية الخلافات والاتفاقات السرية والعلنية التي كانت بين التنظيميين منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي.

العميد صالح/ عثمان كان أشهر أبطال تلك الحرب التي درات رحاها بين أعوام 1998م-2000م لأنه دافع عن الأرض الارترية بكل ببسالة وقوة وشجاعة هو ومن كان معه من الأبطال الذين عاهدوه بأن لن تمر القوات الاثيوبية الي عصب إلا عبر جثثهم، وكان لهم ما أرادوا حيث صمدت فرقته العسكرية أمام جحافل الجيش الاثيوبي المسنود جوا بكافة وسائل المعدات العسكرية الحديثة، العميد البطل/ صالح عثمان كان قائد هذه الفرقة العسكرية الشهيرة التي صمدت في جبهة عصب وغيرت كل موازين القوي العسكرية في الحرب الارترية الاثيوبية.

صالح عثمانالأوامر العسكرية التي صدرت الي العميد/ صالح عثمان كانت تقضي بضرورة الانسحاب من المواقع التي يتخندق فيها جيشه والرجوع صوب عصب ثم الانسحاب مرة أخري الى الخلف وهذا يعني تسليم مدينة عصب ومينائها للقوات الاثيوبية، وإن معظم قادة الفرق العسكرية التي كانت ترابط في جبهة عصب نفذوا التعليمات العسكرية وانسحبوا الى الخطوط الخلفية وإن قائد تلك الجبهة اللواء هيلي سامئيل الشهير "بشانيا" هو الاخر ركب طائرته العسكرية ووصل الى مصوع ومنها الى أسمرا، ولكن للصمود الأسطوري للعميد/ صالح عثمان وجنود فرقته الأشاوس كانوا على موعد بتحقيق النصر للشعب الارتري بتثبيت جبهة عصب ودحر القوات الاثيوبية التي كانت تهاجم بكثافة مستخدمة كافة أنواع الأسلحة الثقيلة والطيران العسكري.

لم يهاب جموعهم ولم يتراجع عن الوعد الذي قطعه على جنوده بأنه سوف يقاتل حتى أخر جندي وسيمنع القوات الاثيوبية من الوصول الى عصب مهما كانت قوتهم وعتادهم، وإذا كان وصولهم قدراً فليكن العبور إليها عبر جثثهم، وبعد مرور يوم ونصف على القتال المتواصل كما يقال وصمودهم وتقدمهم في بعد المواقع العسكرية التي كانت تحت سيطرة العدو وصلت إليهم تعزيزات من إحدى الفرقة العسكرية التي كانت ترابط على مدخل عصب ليزداد عددهم وترتفع المعنويات ويتراجع الموظفين الذين غادروا عصب هروباً خوفاً من بطش القوات الاثيوبية ومنهم من عبر البحر ووصل الى الشواطئ اليمنية.

تمكن العميد/ صالح عثمان من تثبيت جبهة عصب ودحر الأثيوبيين وتبديد حلهم بالوصول مرة أخري الى البحر الأحمر عبر سيطرتهم في عصب ومينائها، تلك الانتصارات صنعت من البطل/ صالح عثمان رمز وطني كبير فاجأ كل القادة العسكرية ببطولاته وشجاعته وصموده وكان يعلم بانه يخالف الأوامر العسكرية ولم يخشي العزل أو المحاكمة أو السجن كان همه الأول تحقيق نصر للشعب الارتري وتحقيق طموحات الشباب الذين كان يقودهم بتثبيت جبهة عصب ودحر الجيش الاثيوبي، شباب الخدمة الوطنية سجلوا تاريخ ناصع في الدفاع عن الوطن وبالرغم من ذلك كافأتهم حكومتهم بتهميشهم وتضيق الخناق عليهم حتى يتشتتوا في كافة بقاع العالم كما نراهم اليوم.

القوي المتأمرة ضده نسجت خيوط المؤامرة حول العميد البطل/ صالح عثمان لاتهامه بمخالفة الأوامر العسكرية والتضحية بالشباب متناسين لولا صمود العميد البطل صالح عثمان لكان التفاوض اليوم يكون حول عصب وإقليم جنوب البحر الأحمر كاملاً وليس حول "بادمي" وبعد النقاط الحدودية الأخرى، واجه نقد لاذعا من القيادة العسكرية بل وتم منعه من الادلاء بأي تصريح لوسائل الاعلام المحلية أو العالمية وحكي لي أحد أصدقاء كان يستمع للقاء الإذاعي الذي تم ترتيبه من قبل المذيعة/ أمايير أدحنا بقسم التغرى بإذاعة صوت الجماهير بعد الانتهاء من المعركة وتوقيع اتفاقية الجزائر، المذيعة كانت تضغط على العميد/ صالح عثمان لكي يقول شيء ما عن معركة عصب والرجل كان ممنوع من الحديث وإن إصرار وإلحاح المذيعة استفز نخوته وشجاعته فتحدث الرجل عن المعركة وحكي تفاصيل الصمود الأسطوري للمقاتلين وكيف تصدوا للهجوم الاثيوبي الكاسح، لأن العبارات التحريضية والاستفزازية للمذيعة كما قال لي صديقي استفزت العميد وبشجاعته المعهودة ردا على جميع الأسئلة.

بعد الانتهاء الحرب تم سحب فرقته العسكرية الى الإقليم الأوسط وتمركزت في منطقة "عدى قنطي" وتم تكليفهم بإعادة تركيب أنابيب المياه في مدينة اسمرا ضمن ما كان يطلق عليه حملة الاعمار الوطني، وكان العميد صالح عثمان يتابع أعمال الصيانة ويشرف عليها مع المهندسين بنفسه وكان مألوفاً لدي عامة الناس في شارع الحرية "كمشتاتو" سابقاً حيث كانت تتقاطر الجموع لكي تسلم عليه لأنه يشكل بطل قومي مشهود له بنزاهته وشجاعته وصبره، وأصحاب المقاهي والمحلات التجارية كانوا يقدمون الشاي والوجبات الخفيفة لفرقته العسكرية أثناء فترة عملهم في وسط المدينة.

وبعد تلك الفترة تم توزيع فرقته العسكرية 19 الى الإقليم الجنوبي لترابط حول منطقة "طرونا" وحتى الحدود الاثيوبية.

إلى اللقاء... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click