محمد مرانت الـشـّيـخ الـقـائد - الحلقة الأولى

بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة

أهدى هذه السّطور المتواضعة إلى روح شيخي ومعلمي (محمّد مرانت منصور) ولكلّ حبيس ضمير في إرتريا،

محمد مرانت نصّورثمّ أهديها إلى الشّباب في جنيف ولندن وملبورن والسويد والنرويج، بعد التحيّة والإجلال والعرفان أهديها إلى هؤلاء وأولئك جميعا، لأنّهم وقفوا أمام سفارات النّظام والسّاحات العامة، ليسمعوا صوت المكومين، و ليقولوا كفى لقد طفح الكيل!!!

عزيزي القارئ الكريم أين ما كنت هذه المحاولة الثانية من محاولاتي لتوثيق أحداثا رأيتها بأم العين، أو سمعتها من أقراني، أو ممّن رأى الشمس قبلي من الإخوة والأخوات، أو الآباء والأعمام أو الأمّهات والخالات، أضعها أمامك راجيا من الله العلىّ القدير، أن يوفقني في نقل الصّورة كما ينبغي، وأن تشاركني بالملاحظات، والتصحيح، لأن الأحداث تأريخ، والتأريخ ملك للجميع من صنعه ومن شاهده، ومن سمعه ومن كتبه.

صانع الحدث اليوم والذي أريد أن أغوص في تفاصيل قصّته، سجنه الأول والثاني، والثالث، والذي لم يعد منه حتّى كتابة هذه الأسطر المتواضعة، هو رجل،أشترك و صنع وقاد جزء مهم من العمل الوطني، والجبهجى في قلب مدينة (كرن) وضواحيها، منذ منتصف الستينيات، وحتّى بداية الثمانينيات، من القرن الماضي فكان، عنوانا للوطنيّة، ثّـابتا قنوعا شجـاعا وملهما للصّـابرين والمناضلين وقلعة للنّضـال في المدينة شيخي ومعلمي: محمّد مرانت منصور أبن عنسبا ورجل وازنتت الغيور...

كنّا في الفصل الأول في معهد كرن العتيق وكـانت الحصّة القرآن الكريم وصاحبها المعلّم والمربى الكبير الأستـاذ الشيخ (محمّد إدريسـاى) وّتلتها حصّة (التوحيد) وكتاب الشيخ العقباوى وكان صاحبها الشيخ الصّامد والصّامت إلا عن ذكر الله (الحاج حامد).

خرجت من الفصل مستأذنا المعلّم لقضاء الحاجة، وكــان يجب أن أمرّ بالفصلين الثاني والثالث لأنّ الفصل الأول كـان في بداية المعهد الديني الإسلامي والأقرب إلى المسجد ومدخل المعهد من نــاحية منزل العلامة الشيخ (قـاضى موسى عمران) ولأن بيت الأدب في الفناء الخارجي من الجهة الشرقية للمعهد و المطل على الجزء الشرقي والشمالي الشرقي من المدينة، والآن المعهد والجامع مبنيان على تلْ يعلو في تدرّجه كلّ مـا اتجهنا نحوهما والحي المجـاور لهما (حلّت جـامع) أو كمـا كـان يسمّيهـا البعض حلّة (عد سيّد) من ذاك الفنــاء ترى كلّ حركة داخل البيوت والشوارع في حلّت (عد عقب) والسجن الكبير وترى حرسه من الجهة الخلفية... ترى الفقراء والمساكين وهم يقرعون الأبواب أو يردّدون كلمة (لا إله إلا الله محمّد رسول الله) بلحن جميل أخّاذ راجين رحمة من ربّ رحيم ،وما تيسّر من صدقات وحسنات، من سكّان (عد عقب) و المدينة (الثّائرة) كرن (طعدا) التي، ضربت أروع المثل في التعاضد والتراحم والتكافل الإجتماعى المنقطع النّظير.

وفى تلك اللّحظات من أجواء المدينة وصمت الأوقات الصباحية وهدوءه فيها، لا تسمع إلا أصوات (طواحين الذرة) في سوق السّـاحل وأصوات الضرب على الحديد في سوق الحدّادين (سوق برّا).. ولكن أذني التي تعودت على سمـاع أصوات إطلاق النّـار بين كلّ فترة وأخرى لم تخني أيضـا هذه المرّة...

وقفت برهة من الزمن لأميّز بين أصوات الطّلق النّارية وصخب الضرب على الحديد القـادم (من سوق برّا).. وصرت أقدّم خطوة وأؤخر أخرى،ثم أتوقف وأسترقّ السمع لأستبين مــا أسمع.. وتيقّنت أنّه إطلاق نار...

و بالرّغم أنّنـا من الجيل الذي رضع الخوف وعـاش في طفولة رصيدها حرب ومعـارك نصحو من النوم بعد حلم مفجع فيه حربا ضروس تأكل كلّ أخضر ويابس، وأحيانا نحلم نهارا جهارا بمعركة لا وجود لها في الواقع، وحينا نصرخ ونهرول نحو البيوت والحوانيت من انفجار إطار سيّارة، أو أي صوت آخر يشابه صوت إطلاق نار، أو يفزعنا أحيانا صوت طائرة مروحيّة تتربّص بكلّ بريئ وطالب حقّ، وأحيانا تمطر جبلنا (أيتعبّر) أوراقا كلّها تهديد ووعيد، وصورا لأمريكان إختفو أو أختطفو، ويحادثنا منها أحدا من بنى جلدتنا بالتقرايت والتقرينية قائلا:

(سمعوو... سمعوو... سمعوو وأتنسو شعب كرن... إمبراطور إتيوبيا هيلى سلاسى لبلكّم هلا إلوم نسوآم لهلوْ ولاد دولة أمريكا إقل ناسآمم لهلّوأسّئولوم إقل لبلوسوم... إت إلن كلى أمعل إى أقبلو منى قبئْ إيتحيسكومنى لبلكّم هلاّ هيلى سلاسى بولوم... إلّى ودحنكم... سامع لهلاّ إقلاّ إى سمعا لأسئلْ) يقول الرّجل المتحدّث من الطائرة (أسمعوا... أسمعوا واعووا يا شعب كرن، إمبراطور إثيوبيا هيلى سلاسى يقول لكم بلّغو أبناءكم إنّ الأمريكان المختطفين يجب أن يعودوا في خلال يومين وإلا سوف لن يحصل خير، هذا.. ومن سمع الخبر يبلغ من لم يسمع )... ونحن الأطفال لا نعير الحديث كثير اهتمام نتسابق لتلقّى حزم الأوراق تلك لنرى ما بها، والأمّهات يولولن خوفا علينا،( أقبلو سلاح إي للكفو ديبكم) أرجعوا حتّى لا يرموكم بالرّصاص !!! لا أحد منّا فكّر في أن دّولة الإمبراطور بجلالتها وهيبتها أن ترجم أطفالا بالطائرات، وتسرق ما بقى من براءة الطّفولة في نفوس أطفال الحي (إيتعبّر) والمدينة عامّة، أو تحصد أرواحا لشيوخ ونساء بالرّشاشات، لم يخطر ذالك ببالي ولا ببال أحد من أطفال (إيتعبّر)... حتّى كانت (عونا)

إنّه منظر عجيب!!! عندما أعود بالزّمن عقودا إلى الوراء!!! براءة أطفال تتحدّى جبروت الملك، لا يهابون الموت لسذاجتهم، ولكن الساذج الأكبر كان الإمبراطور وجنرالاته، وحاشيته الفاسدة، ومعاونيه من الإرتريين، يبحثون عن أمريكان الذين اختطفوا في جبل (إيتعبّر) كما يزعمون.

كم من مرّة أتى إلينا هؤلا أمريكان ولم نؤذهم بشيء يأتون من مقرهم في (جراند هوتيل) فى الجزء الغربي من المدينة وبالقرب من (فيروفيا) محطة السكك الحديدية، يتفرجون على المدينة من ّ حيّنا المرتفع في (أيتعبّر) حيث كانوا يهابون طلوع الجبل ولكنّهم كانوا يلتقطون الصّور من حوافي للمدينة!! لم يؤذهم أحد بل كانوا يحيّيهم البعض ممّن عرف بعضا من لغة (آل جون كندى) تسمع بعضهم يقول للأمريكان (هــاو آر يـو) فيردّ الأمريكان التّحية.. ولكن لا يفهم أحدنا حرفا واحدا ممّا يقولون.. كان يرافقهم أطفال في اعمارنا يأتون بهم إلى (إيتعبّر) كانزا ينظرون إلينا ويبتسمون ومثل البكم الصمّ نستعمل لغة الإشارة أحيانا... يهبطون الأمريكان المدينة حيث يشترون (مقاعد الجبان) وقلادات (السوميت) فى (سوق برّا) ولم يعترض طريقهم أحد ونحن أطفال جبل (إيتعبّر) كنّا نذهب اليهم في قاعدتهم (قراند هوتيل) لا للتجسّس عليهم أو لمعرفة ما يدور في تلك البناية الجميلة، ولكن لنشاهدهم وهم يلعبون الكرة الأمريكية أو لعبة (الهوكى).

وأنشأ بعض صبيان الحىّ والمدينة علاقة حميمة معهم حتّى لقّب بأسماءهم، فأصبحت الأسماء (ياسين جون) و(عبدالعزيز كندى).. وأتويوما إلينا فى جبلنا (إيتعبّر) ونحن نصطاد الجراد الّذى حجب الشمس عن المدينة ،نشويه حينا وننظمه في شرائح من (الزّعف) أحيانا أخرى.. جاءوا إلى حينا بسيارة (لاندروفر) قويّة ومعم مترجم كان ذلك أول يوم تمر فيه سيّارة في حيّنا العتيق..وتقطع طريق السكك الحديدية وتقف على حافّة الجبل.. وعندما اتجهت نحونا.. لم نهرب ولم نفزع.. لأنّنا لم نكن نعى هل يراد بنا خيرا أو يضمرون لنا شرّا.. قاموا بتصويرنا في مواقف مختلفة وشكرونا ومضوا إلى حال سبيلهم.

ونشروا صورنا في صحفهم في ما بعد ونحن نتقلّد أحزمة من شرائط الجراد... حملها لنا إلى كرن أحد الأعمام ممّن له صلة بالحكومة والقاعدة الأمريكية (كانيو إسيشن)... ولذالك لم نضمر لهم شرّا ولم نختطفهم ولم يخيفهم أو يخفيهم أحدا فى (يتعبّر) وفى المدينة... ولكنّ الملك وزبانيته أصرّوا على البحث عن الأمريكان في أكواخ المواطنين الآمنين.. فى كوخ (عيربايت) التي تعيش على حافة الجبل من عطاء المحسنين في الحي وفى قلب المدينة، يبحثون عن أمريكان في كوخ (حلتو واويت) والتي تعيش في الحي مع أبنتها من ضفر وتصفيف شعر النساء بعد أن هجرت قريتها في الضواحي لما أصابها من قحطِ في الزّرع والضرع، وأنتقل ربّ الأسرة إلى الدار الآخرة والتي قالت لإحدى بنات الحي:

(ميتو مى لبل هلا جانهوى) مذا يقول الملك(جانهوى) وماذا يريد ؟

قالت لها الشّابة عرّيت: (هيلى سلاسى تو أميريكان بدو منى لبل هلا.. وإى أقبلو من قبئ… إي حيّس إكمنى لبل هلا) والمعنى: (أن الملك هيلى يقول أضاع أمريكان ويجب أن يعودو بسرعة وإلا سوف لن يحصل طيّب...)

قالت (واويت): وهتوم لأمريكان من نسأيّوم؟ من أخذ الأمريكان ؟؟

تقول لها (عرّيت) ولاد جبهة إمبل مى قبئو!!! (ربّما يكون أخذوهم شباب الجبهة)

قالت (واويت): (أمريكان ولاد كندى بعلا عشاين طعادى مى ودونا إلّوم هيّ إمبل شرناى كافلونا.. أفو نسأوم إلا لاتو سنيت إى كون)… تقول واويت (أمريكان أبناء كندى صاحب الجرابات البيضاء.. ماذا فعل بنا هؤلاء كانو كريمين معنا أعطونا الشعير…لا لا هذا عمل غير سليم…) *1

قوات الملك كانت تبحث عن أمريكان في كوخ (( يبّا هاجولى) المائل للسقوط في حي عد تكليس في الجبل الأسطورة...والذي طلب منه أهل الحي مرّة أن يتزوّج، لينجب بنينا وبناتا له ولأهل الحىّ ولأرتريا... قال: ببساطته و ببراءته المتدفّقة إنسانية ومروءة إبن بلد (مى إقل أبلعوم) (كيف سوف أعولهم) قال له الآباء حينها لا تأكل هم في ذالك فنحن لها!!! وإنّ (أبو الخيرات) فى الحىّ يقول لك أبشر بالخير سوف أجد لك عملا فى الفرم أو فى العصارة، والخالة (أم شيخ الجبل) سوف تطلب لك الدّعاء من إبن (المر غنى الختم) ليدعو لك بالذرّية الصالحة... قال (يبّا هاجولى) حينها عندما لم يجد مخرجا من الورطة: قال بطيبته التي تشبه مزيج من الطّيبة والغفلة لدرجة الغيبوبة: (أنا هدى لكن جانهوى كم فقرا من عد.. وفقيروما إى ريّم) قال: (سوف أتزوج ولكن عندما يرحل الإمبراطور من إرتريا.. ورحيله ليس ببعيد..) هكذا تمنّى (يبّا هـاجولى) ولكنّه تزوّج إتماما لسنّة الحياة ونزولا عند رغبة أهل الحي، كم وجدنا (يبّا هاجولى ) فرحا مسرورا فى أيّام العيد، ونحن نجلب له (ربعيات الذّرة) واجب زكاة الفطر عندما نبعث من الآباء لنوصلها له، نجده وقد ارتدى، سروالا نظيف، وجلبابا أهداه له أحد الآباء ووضع على رأسه طاقية للعيد، وفى ذاك اليوم أي يوم العيد من أيّام السنة يلبس (يبّا هاجولى) حذاءاه (الشدّة) إتماما لفرحة العيد عوضا عن رجلين حافيتين على مدار العام، وعندما يهديه الآباء حذاءا يقول: (كين بولو منيّ أنا لبيس إسئن قنفلى إقرى لحامم إتى) والمعنى: أنّه لا يحبذ لبس الحذاء لأنه يسبّب له ألما في إبهام رجله، وبذالك عندما يلبس (يبّا هاجولى) حذاءه الشدّة كان علامة من علامات العيد السّعيد ومباهجه في الحي، ولكن تزوّج (يبّا هاجولى) وتقبّل الله فأله ورحل الملك، ورزق بنينا وبناتا وعند بزوغ فجر الحريّة، ذهبت مع أهل الحىّ إلى منزل (يبّا هـاجولى) فى (إيتعبّر) لتعزيته فى أحد أبناءه الذي توفى فى معركة (توقان) على الحدود السّودانية مع المجاهدين الإرتريين لأنّه كان من ضمن قوات الحكومة الإرتريّة.

هكذا كانوا (حكّام شوا) يطعنون فى الظلّ والفيل أمامهم.... ناسين ومتناسيين أنّ من نازلهم كان فى أدال وتقوروبا، وطهرا، وهمبول، ودم بلاس، وطيعو، وبدّا، ودبر سلا، وديعوت، وقمهوت، وفى كلّ وادى وتلْ فى الحبيبة إرتريا، ولكنهم يرمون دائما إلى إخافة النّساء، والأطفال، وكلّ الشعب الآمن، ليصرخ ويسمع صوته لأبنائه الأبطال فى الأدغال، ليرموا السّلاح ويستسلموا ويطلبون العفو والغفران،من الملك المفدّى(جانهوى) والعربيد الأصلع صاحب الرأس الصغيرالمعروف (أسرت كـاسا)، ولكن المحاولة لم تنجح، لأن الأوراق التي أمطرتنا بها طائراتهم،كان قد غطاءها روث البهائم، في جبل (قطّيتاى) وتغوط عليها القطط والكلاب في جبل (إيتعبّر) وكما كانت غذاء الغفلة لحمير وأغنام جبل ووادي (قبسى)... أما نحن الأطفال السذج حملناها إلى الآباء ولم ندرى ما بها، ولكن كوفئنا بالزّجر والتوبيخ، ونظر الآباء لتلك الأوراق ا بألوانها الزاهية المختلفة وفيها صور من يبحث عنهم (جانهوى، وأسرات) نظر إليها الآباء بازدراء وتحقير يوحى بأنّ الآباء الصّامتون المؤمنون يعرفون كلّ شئ، ويتابعون ما يجرى،من الأحداث في المدينة بين (الإمبراطور، والثوّار) حيث ينتقل صداها إلى كلّ بيت وكلّ حانوت،تنتقل من شارع الصّاغة إلى (سوق قنّافو) ومن مقهى (قهوة بيجوك) إلى مقهى (قهوة أجّاك) الأحداث وأخبارها تمشى ولها قدمان في المدينة ولكنها تعرف طريقها تتأفف من المخبرين والوصوليين والخونة، وبعد صلاة العشاء في مسجد الحي يتحدّث الآباء بحذر وبأصوات منخفضة للغاية، ولكنّنا نحسّ بفرحهم ولا نجد تفسيرا للفرح في الوقت الذي وبّخنا فيه لجلبنا (أوراق الإمبراطور) من الجبل!!! ولكن دائما حاسّة الطفل السّادسة، وكلمة عابرة من أحد الأعمام توضّح ما خفي، فرحتهم وغبطتهم سببها أن الثورة والثوّار أصبحوا في مرحلة تخيف الإمبراطور وتهزّ أركان عرشه لقد قبض على (جانهوى)... لقد قبض على (جانهوى)... من يده الّتى توجعه،... وأستكثر البعض، حتّى أن يلفّ بها حاجياته، لأنها أودع من ذالك بكثير!!!

وأستمر إطلاق النّار!!! قلتُ في نفسي أتيقّن أكثر وأكثر حتّى لا تكون أيضا تلك التي تطلق لقتل الكلاب الضّالة والتي يقوم بهـا رجـال (المنوشيبيو) - (البلدية) وبالذات في جبلنا (جبل إيتعبّر)...

ومن الطلقة الأولى نخرج لمتـابعة الاغتيال المنظّمة من (أبوى مبرهتو) ومجموعته (المنشيبيو) للكلاب الضّالة وأحيـانـا كثيرة.. لا تكون ضـالّة بل آمنة وأليفة ولها من يعولها، و الجبل الأسطورة، كان مرتعها ومرعاها، ومسقاها، ولكن قيل لنا عواءها فى قمّة جبل (إيتعبر) أزعج مضاجع الحرّاس (قوّة كمندوس وطور سراويت مختلطة) الّذين يأتون من ( الفورتو) لحراسة المدينة، ولكن كلاب الحي الأمينة تلك ترفع أصواتها بالعواء عند قدومهم بعد صلاة المغرب إلى الحىّ والجبل، وعند مغادرتهم عند آذان الفجر، يعرفهم الكلّ في الحي من أصوات (أجهزة الاتصال) التي يحملونها والتي يصدر منها أصوات تشبه أصوات الفاكس ساعة الإرسال أو الأصوات التى تنطلق من مذياع معطّل أو فقد محطّة الإرسال، أو نعرفهم فى الحىّ وقت السّهى من (طقطقات) ما يحملون من حديد وآلات حرب على ظهورهم وجنوبهم، وأكتافهم، ولكن لمن لم يرهف السّمع، الكلاب التي تحمى الحي من الغرباء تنذر بساعة قدومهم، وتبشّر بساعة رحيلهم، قبيل آذان الفجر الأوّل أو بعده بقليل، وبعد التأكد من رحيلهم من الحي وقمّة الجبل، يتوافد الآباء على مسجد الحىّ لأداء صلاة الفجر، ولأنّنا لا نملك شيئا من أمرنا و (أبوى مبرهتو) مأمور ومـا على المأمور إلا التنفيذ نحزن فقط على كثير من كلاب آمنة فى الحى وللجيران أعدمت بلا رحمة وبلا زنب... وبعد انسحاب ال (منيشيبيو) 2 * من الجبل نهرع إليه بحثـا عن شهداء الكلاب الّذين سقطوا، ولكن (أبوى مبرهتو) كـان عليه أن يأتي بظروف الطّلق الفارغة إلى البلدية.. لأنّه يحاسب على ما أطلق و مـا تبقى منها، ونسـاعده أحيـانـا كثيرة فى جمعهـا بأحجـامهـا الكبيرة تلك سهلة لتجدهـا فى ثنـايا وجحور ذاك الجبل الأسطورة.

نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click