حوار مع المناضل حامد أبوبكر اسماعيل - الجزء الثاني
حاوره الأستاذ: علي جبيب - كاتب ارتري المصدر: مجلة الناقوس - العدد العاشر
في الجزء الأول من شهادته التوثيقية، تحدث المناضل حامد ابوبكر،
عن نشئته وتبلور الحس الوطني لديه، وظروف إلتحاقه بساحة الشرف في سن مبكرة، وعن تجربة القيادة العامة ومرحلة دمج جيش التحرير في قيادة واحدة وما سبقها من احداث، وها هو في الحلقة الثالثة من شهادته، يتناول فيها احداث وتطورات مفصلية اثرت بشكل مباشر على مسيرة الثورة منها مواجهات "قرقر" الدامية مع قوات التحرير الشعبية، مرورا بانعقاد المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الإريترية وما تلاه..!
من تذكر من دفعتك في الكلية العسكرية في بغداد؟
نعم اذكرهم جميعا، وهم:-
1. الشهيد/ إدريس رمضان - بارنتو،
2. الشهيد/ جمال - قرقر،
3. الشهيد/ يوسف سليمان - أسمرة،
4. الشهيد/ علي جامع - مندفرة،
5. الشهيد/ أحمد فرم - شهيد معسكر اللاجپدئين،
6. الشهيد/ سليمان ديني - بركة،
7. الشهيد/ عبدالقادر جيلاني - شهيد كسلا،
8. علي إدريس،
9. حاج إبراهيم،
10. الشهيد/ محمود حالي - شهيد قرقر،
11. حسين خليفة،
12. عثمان زرؤم،
13. عثمان طه،
14. الشهيد/ محمد أدم - شهيد عراتا،
15. الشهيد/ أدم ايم - شهيد السودان،
16. حسن منصور،
17. عبده عبدالله،
18. عبدالقادر إبراهيم،
19. الشهيد/ محمد عنر أدم بره - شهيد بركا،
20. بشير عبدالقادر،
21. محمد علي شوم،
22. صالح حمداي،
23. شنقراي،
24. حامد أبوبكر..!!
بعد التخرج هل واجهتكم صعوبات في العودة إلى الميدان خصوصا وان موقف نظام نميري في تلك الفترة كان غير إيجابي مع الثورة الإريترية؟
بعد تخرجنا من الكلية واجهنا صعوبة في العودة للميدان، وكان طريق العودة للسودان حينها غير سالم، بسبب تقارب نظام نميري والنظام الإثيوبي بسبب تقاطع المصالح بين البلدين، وعلى رأسها قضية الجنوب التي كانت تؤرق مضاجع السودان، ورغم هذا الوضع المعقد قررت القيادة أن نتحرك باتجاه السودان على دفعات، فتحركت المجموعة الأولى مباشرة إلى الخرطوم ومرت بسلام، ثم تحركت مجموعتنا من بغداد إلى القاهرة ومنها إلي الخرطوم، وبعد وصولنا تم احتجازنا من قبل السلطات السودانية لمدة شهر.
بعد مرور شهر من الإحتجاز هل تم اطلاق سراحكم وبأي آلية؟
بعد فشل مساعي إطلاق سراحنا وعبورنا، تم اصدار تأشيرات لنا من السفارة السورية ومن ثم توجهنا إلي سوريا ومنها إلى بغداد مرة أخرى. وبعد عدة محاولات تقرر عودتنا عبر اليمن فذهبنا من بغداد إلى عدن، الا أنه واجهتنا اشكالات في الخروج من عدن، وبعد نحو شهر تقريبا سمح لنا بالخروج، وتوجهنا عبر "السنبوك" قارب خشبي الي "مرافيت" في السودان وكان معنا في تلك الرحلة زملاء آخرين من غير رفاق الدفعة، هم من خريجي الزراعة والتمريض أذكر منهم الشهيد أحمد ناصر، والمناضل إبراهيم قدم وغيرهم كثر.
كم استغرقت الرحلة من عدن إلى مرافيت، وهل كانت محفوفة بالمخاطر؟
تحركنا من عدن في الفاتح من يناير عام 1973 ووصلنا الى "مرافيت" في الثامن من الشهر، وكان في استقبالنا الشهداء عبدالله إدريس، عبدالقادر رمضان ومحمود حسب، الذين قدموا لاستلام شحنة الذخائر والأسلحة المحمولة على السنبوك، وهي كمية كبيرة استغرق انزالها ليلة كاملة، وتم تحميلها على ظهر 200 جمل تم تجهيزها لهذا الغرض.
أين كانت وجهتكم بعد وصولكم لمرافيت، هل التحقتم بالميدان مباشرة، أم كانت هناك مستقطع من الوقت لإلتقاط الأنفاس واخذ قسط من الراحة؟
لم يكن هناك وقت لالتقاط الأنفاس، بل تحركنا فورا من مرافيت ووصلنا معسكر "عدارت" التابع للجبهة والواقع داخل الأراضي السودانية، في الأثناء قررت الجبهة الدخول في معارك مع قوات التحرير الشعبية، فكانت معركة "قرقر" التي استمرت شهرا كاملا في عز الصيف، حيث كنا نعاني شحا في المياه في مناخ شديد الحرارة، المعركة الشرسة توقفت بتدخل السلطات السودانية التي طلبت من الفرقاء الخروج من أراضيها، فانسحبنا باتجاه "عراتا" داخل الأراضي الإرترية، وقد سبقتنا في الخروج قوات التحرير الشعبية التي انسحبت باتجاه "بريطي" وعسكرت هناك. بعد خروجنا قررت القيادة إعادة تنظيم الجيش وسحبت كل القوات إلي "رورا حباب" عدا فصيلتان كانت فصيلتنا إحداها، حيث بقينا في "دمبوبيت" وكانت لدينا اسلحة ثقيلة وذخائر، في هذا المعسكر كنا نعاني من أستفزازات السودانيين الذين كانوا مرابطين بالقرب منا، ولم نكن على وفاق معهم، بالإضافة لمعسكر إثيوبي كان في "علاكيب" ومعسكر قوات التحرير في "عراتا" وبذلك أصبحنا محاصرين من ثلاث جهات.
هل توقفت الاشتباكات بعد إنسحابكم من الاراضي السوداني؟
دخلت قواتنا في "رورا حباب" بعد أكتمال إعادة التنظيم، في معركة مع قوات التحرير، وكانت معركة خاسرة انسحبت منها باتجاه "بريطي" و"فح". ونحن بقينا في موقعنا حتى أتانا الشهيد حسب بسريته مخترقا دفاعات قوات التحرير والجيش الأثيوبي وطلب منا التحرك تجاه "ادوبحا" وبعد وصولنا إلي "ادوبحا" جمع كل القوة عدا فصيلتنا التي طلب منها البقاء في "ادوبحا" وضم بقية القوات إلي وحداته.
في الأثناء قررت قوات التحرير مهاجمة معسكرات الجبهة في كل من "بريطي" و "فح" ومعسكر ثالث كان بينهما، وبمجرد وصول المعلومة للقائد حسب اتصل بي وطلب مني الإنضمام إلي الوحدات وبالفعل تحركنا وبعد مسيرة يوم وليلة وصلنا المعسكر الوسط ونتيجة لطول الرحلة طلبت من القوة أن تأخذ قسط من الراحة لمدة ساعتين، عقبها واصلنا السير نحو معسكر "فح" وقبل وصولنا بدأت المعركة وكانت مع قوات عثمان صالح، تخندقنا في "الخور" وجاءنا الشهيد قبري هوت بقواته من بركا وتم التفاهم بيننا بأن يصعد الجبل نحو قوات عثمان صالح، وانا تحركت بفصيلتي بالاتجاه المقابل ووجدت فصيلة من وحداتنا رابطت معها والتحق بنا الشهيد حسب بفصيلته أصبحنا ثلاث فصائل والمعركة مستمرة وفي حوالي الساعة الرابعة طلبت من الشهيد حسب استخدام الهاون الذي كان ضمن اسلحتنا وافقني على ذلك، وبمجرد اطلاقنا للقذيفة الأولى تم إصابة الهدف واطلقنا الثانية والثالثة واستطاعت قواتنا أن تهجم وحسمت بذلك المعركة وتم تشتيت وحدات قوات التحرير ومع الغروب وحلول الظلام بات من الصعب التحرك، ومع هذا طاردنا فلولهم حتى الوادي أسفل التلة وأستولينا على غنائم عبارة عن ثلاثة جمال محملة بالمواد الغذائية (أرز وزيوت ودقيق) وهي مواد لم نحلم بها، لان تمويننا كان عبارة عن "بليلة" إن وجد.
وماذا كانت خطتكم في محاصرة فلول الهاربين، ام اكتفيتم بطردهم من مواقعهم دون القضاء عليهم؟
في الصباح استفسرت من المناضل محمود حسب عن خطة التحرك فقال سنتوجه إلى معسكرنا في "بريطي" الواقع على مسافة بعيدة، مستدركا ان المعسكر ربما يكون هدفا قادما للعدو، ومن فورنا تحركنا رغم التعب والأعياء والعطش بسبب المناخ الحار، وبعد جهد ومثابرة اقتربنا من معسكرنا، وأول مجموعة وصلت المعسكر وبلغت عن حالنا حيث تم اسعافنا من قبل رفاقنا في المعسكر ومن ثم التحقنا برفاقنا في المجموعة، وبعد اخذ قسط من الراحة أستلمت قيادة معسكر "بريطي" ومكثنا فترة هناك.
عقب ذلك فكر الشهيد حسب في تنفيذ عملية التفاف على قوات التحرير من الخلف باتجاه "أدوبحا" وباغتناهم من اتجاه "عراتا" ومن هول المفاجئة دب فيهم الخوف والرعب، وانقسموا الى مجموعتين، مجموعة توجهت إلى المرتفعات باتجاه حماسين، وكان عمنا الشهيد قندفل متواجد في احد معسكراتنا القريبة من منطقتهم وبمجرد علمه بالخبر أبلغنا بذلك فصدرت الأوامر بملاحقتهم، حيث دارت معارك في حماسين، ونحن عدنا إلى مواقعنا وأستولينا على معسكر "بريطي" وكان موقع إستراتيجي إلا أن إبراهيم توتيل وحروي تدلا بايرو أمرا بايقاف الهجوم؟!!!.
وكان حروي يرى في ذلك الوقت أن الخلاف يمكن التغلب عليه بالوسائل السياسية، وفي هذه الاثناء جاءت مجموعة من حماسين من بينهم عضو من اتحاد العمال لا أستحضر أسمه الأن، وأبلغنا بأن غرفة العمليات قد اصدرت اوامر بوقف الهجوم والمعركة على حد سواء، اعترضنا على الخطوة وقلنا له كيف يتم ذلك، حتى وإن كان بأوامر من حروي، فهو فرض في القيادة والقرار صادر من مؤتمر، والخطوة بلا شك كان لها الأثر السيء على مسيرة الجبهة عموما.
كما اعتقد هذه الأحداث تزامنت مع موعد التئام المجلس الوطني وتوافد الوفود المشاركة في المؤتمر الثاني عام 1975.. كيف أثر هذا على سير المعارك؟
نعم هذه الأحداث تزامنت مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر الوطني، وبدات الوفود تتوافد على مقر المؤتمر.
في هذه الفترة بدأ تدفق اعداد كبيرة من أبناء المرتفعات للالتحاق بالجبهة من حماسين وسرايي وأكلوقذاي، وكانت امكانيات الجبهة ليست بالمستوى الذي يمكنها من إحتواء تلك الاعداد الكبيرة، ومع هذا تم استحداث معسكرات تدريب خاصة على عجل في "ربدة" وللاسف لقد جاء هؤلاء بأجنداتهم ومفاهيمهم ومشاكلهم الخاصة، وفي الاثناء انعقد المؤتمر الوطني الثاني في 1975، وفي تلك الفترة حصلت على إجازة وتوجهت الى السودان، وبعد مرور أسبوع طلب مني العودة فعدت للميدان وكلفت بالتوجه إلى الساحل في مهمة إيصال أسلحة وذخائر وقابلت هناك المناضل تسفاي تخلي، فأخبرته أنني لم اكمل إجازتي، فسمح لي وتوجهت إلى السودان مرة أخرى وبعد إنتهاء مدة الإجازة قررت العودة الى الميدان، وفي طريق العودة قابلت في "قرقر" الشهيد حسب الذي كلفني بقيادة سرية والتوجه إلى قلوج وكانت مدينة ام حجر حينها قد شهدت معركة مع العدو الأثيوبي حيث تعرضت المدينة للنهب والقتل الذي مارسه العدو ضد المواطنين، وكنا حينها اربعة سرايا (سرية عمنا شاوش مالك وسرية حسين منصور وسرية عثمان حسين وسرية بقيادتي).
عقب ذلك انتشرنا في المنطقة، سرية عمنا شاويش مالك باتجاه أم حجر، وفي المنتصف حسين منصور، وأنا في قلوج أما الشهيد حسين منصور فقد توجه باتجاه حفير على الحدود السودانية.
ونحن في هذا الوضع جاء الشهيد حسب وقال لي نحن بحاجة إليك ضمن قوة حماية المؤتمر رغم أنني كنت من المرشحين لحضور المؤتمر، وبذلك الحجة تم إستبعادي من حضور المؤتمر.
عموما فتحنا جبهة مع قوات العدو المتمركزة في المنطقة بهدف إشغالها في فترة انعقاد المؤتمر.
وهل مرت فترة انعقاد المؤتمر بسلام دون عراقل أمنية أو تنظيمية؟
أخختم المؤتمر أعماله بسلام، عدا الخسارة الكبيرة التي تمثلت في إستشهاد المناضل علي حنطي وكانت بحق خسارة كبيرة في وقت كنا بحاجة إلى أمثاله في فترة تعد منعطف خطير في تاريخ النضال الإرتري، فضلا عن سقوط وأستبعاد حروي تدلا بايرو الذي كان يرى نفسه الممثل الشرعي لأبناء كبسا والمسيحين عموما، وهذا الأمر كان له تاثير سلبي، وكان من العوامل التي دفعت بتكوين تنظيم داخل التنظيم، وكانت من إفرازاته ظهور ما يعرف ب "الفالول" ما فاقم مشاكل الجبهة على كافة الأصعدة.
أين كانت وجهتك بعد تامين مقر المؤتمر وسلامة المؤتمرين؟
بعد إنتهاء المؤتمر طلب مني الحضور إلى "فورتو" وتسليم السرية التي كنت أقودها لنائبي المدعو "أماري" الذي كان ضمن أفراد البحرية الأثيوبية قبل إلتحاقه بالثورة، وكان ضابط متمرس في فنون القتال، وقد إنتحر فيما بعد وهو في طريقه إلى مندفرا حيث تم توجيهه، وكان يعاني على ما يبدو من ضغوط نفسيه.
ما دور الاستخبارات العسكرية، ولم اخفقت في كشف تحركات القوى المعادية عناصر الفالول مثلا؟
جهاز الاستخبارات العسكرية كان يديره المناضل صلاح الدين عبدالله، ولا أعلم الكثير عن خباياه بحكم السرية التي يدار بها الجهاز، ولكن بعد حضوري إلى فورتو قابلت عبدالله إدريس الذي طلب مني الإعداد لتكوين جهاز الاستخبارات العسكرية!!، إلا أن ابراهيم توتيل وملاكي تخلي اعترضا على الفكرة فعدل عبدالله إدريس عن التنفيذ، فمكثت في فورتو عدة اشهر ذهبت بعدها الى معسكر جهاز التسليح، وانا أتجاذب اطراف الحديث مع المناضل عبده ادريس مسئول الجهاز في الموقع شدني منظر بعض قطع المدفعية المختلفة وفي تلك الأثناء حضر كلا من المناضل عبدالله إدريس، محمود حسب، تسفاي تخلي وحسين خليفة، وكان وجودي هناك مفاجئا لهم، وعلمت فيما بعد أنهم جاءوا لوضع اللمسات الأخيرة لمعركة تسني.
وهل جرى حديث بينك وبين القادة الاربعة بخصوص تجهيزات المعركة؟
تحدث معي المناضل حسين خليفة وقال لي سنوكل إليك مهمة تدريب مجموعة من الجنود على استخدام هذه الأسلحة (اسلحة المدفعية) ونطلب منك القيام بالمهمة خلال فترة وجيزة.
اعتذرت عن تنفيذ المهمة في البداية لقصر المدة، ومع إصرارهم وافقت واتفقنا على بدء التدريب وتجهيز مجموعة الهاون للمعركة، مع الاستمرار في التدريب على باقي الأسلحة دون إشراكها في المعركة نظراً لضيق وقت التدريب.
تـابـعـونـا... في الجزء القادم