مصوع التاريخية حضارة وتجارة وثقافة وتراث

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

شريعة في البحر، قانون في جوندر - القضاة والمحاكم في مصوع

Sharia in the Sea Law in Gonder - Qadis and Courts in Massawa

مثل كل المدن والبلدات التي كانت تحت الحكم العثماني لم يكن المجتمع المصوعي يتعامل بالعرِف أو القوانين الوضعية وأن المحكمة الشرعية وقضاتها كانت الجهة الوحيدة المناط بها الفصل في كل القضايا.

في عام 1950م كتب الشـــــــيخ إبراهيم المختـــــــار وأصفــــــــاً دور القاضـــــي في محكمـــة باضع (مصوع) الشخص الوحيد صاحب السلطة العليا في تطبيق الشريعة الإسلامية. منذ بزوغ فجر الإسلام وقدوم الصحابة إلى أرض باضع (مصوع) كان قاضي مصوع السلطة الرسمية الوحيدة لمسلمي اريتريا وكان يقوم بحل قضايا الأفراد والجماعة في المسائل القانونية والدينية، وكان كذلك الشخص الذي يقضي بين الناس في الأمور الشخصية كما كان يحكم في القضايا ذات طبيعة مختلفة حيث كان يفصل في كل حجة وحالة التي كانت تحدث في باضع (مصوع) لمختلف أطياف المجتمع بمختلف مذاهبهم ومشاربهم.

كذلك كان القاضي السلطة الوحيدة في فصل قضايا الأرض والممتلكات الأخرى. أنتهي كلام الشيخ إبراهيم المختار. وفي يومنا الحاضر فإن المصاوعة بصفة خاصة والاريتريين بصفة عامة يعلقون أهمية كبيرة بماضيهم ويفخرون كثيراً لعراقة وقدم وغنى مدينتهم بعلوم الشريعة الإسلامية وبمعالمها الإسلامية. مثل هذه الأصوات تؤكد مكانة المحكمة الشرعية تاريخياً في مصوع كمؤسسة ومرجعية تنظم الحياة المدينية والإجتماعية وتعكس الدور البارز والمشرق الذي كان يتمتع به القضاة وما كانوا ينعمون به من موقع أعتباري و دوراً مؤثراً في المشهد العام.

حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، بان المحكمة الشرعية كان لها دوراً أساسياً في إدارة وتسيير الأمور في معظم مناحي الحياة المدنية والدينية والإجتماعية والأسرية في تطبيق القوانين الإسلامية بشرط إيجاد أطار مُحكّم لتنظيم وضبط ومراقبة الممارسة الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات بين المواطنين.

خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، بأن نظام قضائي مصري أخذ في التشكل ليقود الى إعادة تنظيم القضاء المصوعي تمهيداً لحلول الحكم الإيطالي الإستعماري الذي اصبح تدريجياً على نحو متزايد يقود إلى تقييد أو حصر صلاحية المحكمة الشرعية في الأمور الشخصية وفي وظائف التوثيق في محاكم العدل.

أن موقع القاضي كحاكم أو قاضي أو سلطة عليا كما ذكرنا آنفاً متأصل أو متجزر في سياق البنية القضائية في الحكم العثماني في القرن السادس عشر، حيث كان القاضي يستمد سلطته من السلطان مباشرة ومسئولاً أمام السلطان أيضاً.

القضاة في مصوع حققوا مستوي عالي من الإستقلالية في سياقات معينة وبصفة خاصة عندما تكون الحكومات ضعيفة. أن المحكمة الشرعية وقضاتها المحليين ومفتيها لعبوا دوراً مهماً في تكوين مفاهيم أو أفكار محلية في ترسيخ الهوية المجتمعية.

الإهتمام المبكر بالمحكمة الشرعية في مصوع وحسب المصادر المتاحة فإنها لم تؤرخ جميعها منذ بداية العهد العثماني في 1557م. كما أن الآثار الموجودة في منطقة مصوع تؤكد حقيقة الحضارة العثمانية بكل ملامحها.

سليمان الأول سلطان الدولة العثمانية من عام 1520م حتى 1566م حيث أصدر مرسوماً بإتباع المذهب الحنفي في كل المحاكم في المناطق التي كانت تحت الحكم العثماني في كل ما يتعلق بأمور الدولة والأسرة.

قام الشيخ إبراهيم المختار مفتي اريتريا في خمسينيات القرن الماضي بدراسة عن القضاة الذين تعاقبوا على المحكمة الشرعية في مصوع منذ عام 1613م / 1012ه بمساعدة القاضي عثمان حسن محمد إدريس وذلك من واقع سجلات المحكمة الشرعية في مصوع، وكانت تلك الدراسة مهمة صعبة ولكنها مفيدة حيث وفرت لنا معلومات عن تاريخ المحكمة وقضاتها.

الملاحظة الأولى حول ما جاء في الدراسة بأن العثمانين قاموا بإختيار قائمة من ستة قضاة وكان ذلك في القرن الثامن عشر وكان يشار إليهم بالقضاة المحليين - سواء كانوا من حرقيقو أو من مصوع وكانت تضاف حرقيقاوي أو مصوعي في أسم لاقاضي للتعريف بالمدينة التي ينتمي إليها القاضي، القضــــاة الأربع من قائمـــــــة الستة كانوا من بيت عبـــــاسي Abbasi.

أما القاضيان من حرقيقو فكانا من بيت بدر او بادر Badir (لم أتمكن من معرفة هذه العائلة أو هذا الأسم حيث لا أتذكر عائلة بهذا الإسم في حرقيقو بما حدث ربما حدث تحريف في الاسم الرجاء ممن يعرفون هذه العائلة أن يكتبوا إلينا مع الشكر) لو أضفنا قضاة من القرن التاسع عشر سوف نكتشف بأن عوائل معينة تخصصت في توفير أو مدّ المحكمة بقضاة أمثال بيت عباسي وبيت باعلوي وبيت أبو علامة ويعتقد بأن جدود أو أصــــــول هذه العـــوائل جاءوا من الخارج (حسب ما يذكر الكاتب جونثان ميران في كتابه مواطني البحر الأحمر) وقد جاءوا إلى مصوع ليخدموا في سلك القضاء.

جاء في الملاحظة الثانية التي وردت في دراسة الشيخ إبراهيم المختار مفتي إريتريا بمساعدة القاضي عثمان حسن محمد إدريس: يعتقد بأن هناك حدث تغيير خلال فترة الحكم المصري 1866-1880م حيث شهدت تلك الفترة تعيين عدد من القضاة في مصر وأرسلت قائمة التعيينات إلى مصوع وكانوا القضاة المعنيين من المصريين والسودانيين والحجازيين وكذلك تم تعيين المفتي. هذا ما أعتبر بأنه عودة إلى النموذج العثماني الذي لم يكن يفضل تعيين قضاة محليين. هؤلاء القضاة المعنيين خدموا في مصوع لفترة قصيرة غالباً سنة واحدة.

هناك معلومات قليلة عن إدارة العدل في مصوع قبل عهد الإدارة الخديوية المصرية في الجزيرة. مذكرة من السلطة الإيطالية الإستعمارية مفادها: بأن القضاء في مصوع كان يتعامل بنفس العقلية المشرقية في تفشي الفساد والمحسوبية في المجتمع المسلم وخاصة في العهد العثماني، إلا أن مصادر كثيرة نفت أو رفضت هذا الحكم وإعتبرته تجني في حق الدولة العثمانية وايضاً على المجتمع المصوعي المسلم.

Top
X

Right Click

No Right Click