القرى والمدن الاٍرترية مابين الأمس واليوم مدينة كرن - الحلقة الرابعة
اٍعـداد وتقـديم: همـد الخليـفة ادريـس آدم، محمـود كـرار حـاج محمـود، جابـر سـعيـد ـ أرض الهـرم
تجمـع قبائـل، بـيت طـوقى:
نبذة تاريخـية:
أول مـن وطأت أقـدامه الأرض المسـماة اليـوم أرض بـيت طـوقى ـ هـو سـمـرطون بـن طـوقي جـان الذي جـاء مصـحوبـا بقـريبه جـويـن، ومـن بعـده جـاء والـده طـوقي جــان للاٍطمئنـان عليه والتأكـد مـن أحواله الصـحية والأمـنية بالإضافة إلى التعـرف على مـن يعيـش بينهم، وذلك لخشـيته عليه مـن الهـلاك على أيدي سـكان الأرض التي قصـدهـا، خصوصـا وقـد بلغته أخبـار غيـر مطمـئنة عـن كافة سـكان تـلك المناطـق (المنخفضـات).
السـكان التاريخـيين لتـلك المنـطقة آنـذاك كانـوا يسـمـون بـيت موسـي وكانـت لغتهم البلـين، وبعـد الاٍطمئنـان على ابنه سـمـرطـون طلـب الجلـوس مـع واجهـات أصـحـاب الأرض (بـيت موسـي) في جلسـة قبـلية متعـارف عليهـا بـين السـكان آنـذاك، كان طلـبه محصـورا في تأمـين ابنه المتواجـد بينـهم والمحافظة عليه مـن غـدر الغزاة والمقيمـين والعابـرين، وجـاء رد بـيت موسي بالإيجاب المطـمئن، ولأن الـرجـل كان في عجلة مـن أمـره هـمّ بالعـودة إلى أهـله فـور سـماعه لـذلك التعهـد والحـرص الكبيـر على سـلامة على اٍبنه بـين آل موسي، والوجهـاء رفضـوا قـرار رحيـله المتعجـل ونصـحـوه بالتواجـد بيـنهم لعـدة أيـام أخرى حتى تعـود طلـيعة غـزاتهم مـن جولتهـا المعتـادة حـول قـرى المنـطقة، ولـكن طـوقى جـان كان عنيـدا ومعتـزا بنفسـه وبشـجاعته وقـوة بأسـه بما يكفى وروده للمهالك، عليه لم يـذعـن لنصـائحهم وحـرصهم عليه، سـار متعجـلا نحـو الطـريق المـؤدى إلى أهـله في كبسـا دون أن يكتـرث لمـا قـد يحـدث له في الطـريق الموحـش الذي سـار عليه في المجيء والعـودة وحيـدا، فمضى الـرجـل العنيـد معتمـدا على قواه الشـخصـية ومعـرفته القـديمة لمسـالك الطـريق، وفى منتـصـف الطـريق تعـرض لتحـرش عـدائي مسـتفـز مـن قبـل جـوالة مسـلحة تابـعة لطـلائـع بـيت موسـي، وبعـد محاولات فـردية يائسـة وكـر وفـر يتيـم ـ قتـل طـوقي جـان في معـركة غيـر محسـوبة وقتـال غيـر متكافئ كان طـرفه الأقـوى فـرسـان بـيت موسي. عنـدمـا علـم سـمـرطون بـن طـوقى بمقتـل والـده أنتقـل مـن فـوره إلى كبسـا وعـاد إلى المنـطقة على رأس قـوة كبيـرة قضـت على بـيت موسـى ولم يستثنـوا منهم إلا الإناث اللائي تـزجـوا بهـن آل طـوقى ومـن جـاؤوا معهم، ومنـذ ذلك اليـوم تـم إحلال آل طوقي مكـان بـيت موسـى، وكانـت النتـيجة اٍمتـلاكهم للأرض واللسـان وبعـض العـادات والتقاليـد الخاصـة ببـيت موسـي إلى يومنـا هـذا.
المـركـز الرئيسي لأبنـاء وأحفـاد طـوقى جـان،، هـو مـدينة حـلحـل،، ولـكن السـكان ينتشـرون على الأرض المحيـطة بهـا مـن مختـلف الجهـات، حـيث يتمـركـز جـل فـرع أبنـاء قبشـا،، في منـطقة فانـــا،، وفـرع أبناء طـفـع،، في منـطقة سـبـر،، وفـرع أبناء حـزبـاي / سـمـرعـين / دنقـين وغيـرهم،، في منـطقة عنسـبا، وفـرع أبناء دانشــيم،، في منـطقة معــركى،، وفـرع جنقـريـن،، في منـطقة جنقـرين، ولـكل فـرع عمـد وواجهـات تنـظم قضاياه اليومـية، وعلى ذكـر جنقـرين / جـن قـرين حـرى بنـا التنـويه إلى أن جـل سـكانهـا تعــود أصولهم إلى قبائـل مـن خـارج البلـين ولعـل أكثرهم تعـود أصوله إلى قبـيلة بـيت معـلا،، ولـكـون الأرض هي ضـمـن اٍمتـدادات أراضى الطـوقي،، فهـم إذن منتمـون إليهم قلبـا وقالبـا ولسـانـا وعادات، لأن العـرف الأهلي المتـفق عليـه بيـن كافـة قبائـل المنخفضـات الإرترية يعيـد حقـوق ملكـية الأرض لأصـحابهـا عـرفـا وقانـونـا.
وفى العهـود السـابقة كان هنـاك أكثر مـن كنتيبـاي تجتمـع عنـده واجهـات أبنـاء الطــوقى،،، ولـكن في منتصـف عهـد الحكـومة الإيطالية تـم توحيـد القبـيلة تحـت زعامة كوليـرى عبي،، الذي أضـطلـع بمهـام تسـييـر القبـيلة بأكملهـا.
مـلاحظة: سـبق الحـديـث عـن تجمـع أبنـاء طوقي جـان،، تحـت عنـوان القواسـم المشـتـركة مابـين أبنـاء طـرقي وطـوقي، ولـكن لابـد أن نشـيـر إلى بعـض الخصائـص التي تميـز أبنـاء الطـوقى عـن سـائـر القبائـل الإرترية، ذلك أن توجه الطـوقى الذي قلمـا تشـاركهم فيه القبائـل الإرترية الأخـرى باٍسـتثنـاء قبيلتي الطـرقى والماريتين ميـزهم بفضـيلة السـبق والمبادرة، ذلكم هـو الاٍنفتـاح الكبيـر على معظـم المكـون الارتـرى الذي قـد يشـكل يومـا مـا نسـيجـا إرتريا موحـدا مـن خـلال التفاعـل في بوتـقة تجانـس تصـهـر أصول تتميـز بأضـلاعهـا الأربعـة الأصـل / أبنـاء طـوقى جـان / أبناء الماريتـين / أبنـاء الطـرقي ،، حـيث أن معظم شـرايـين أغلـب أفـراد العـوائـل والأسر بـل معـظم القبائـل الإرترية تسـرى فيهـا دماء حـرة أصيـلة أخرى تخـلق هجينـا يجمـع ما بـين الأصالتين (الأصـل + طـوقي، الأصـل + ماريـا أو الأصـل + طـرقى)، والمنتـج يـكاد يصـرخ معلـنـا ـ بأنه دمـاء جـديـدة تـم تهجينهـا مـع دمـاء طـوقى / ماريـا أو طـرقى،، وان هـذا الثلاثي المنفتـح على الآخـر يعتبـر القاسـم المشـتـرك الـذي يجمـع معـظم الأسر الإرترية على مختـلف مشـاربهـا دون أن يلـغى الأصـل الذي يحمـل الاسـم والصـفـات والتقاليـد والعـادات، والحقائـق المحضة التي تسـيـر على أرض الواقـع تؤكـد أن النسـل المهجـن لهـذا الثالـوث موجـود اليـوم في أوساط كـافة القبائـل الإرترية آخـذا كان أو عاطيا، فهم بـذلك يعتبـرون العناصـر الإرترية الأكثـر اٍنفتاحـا على الآخـر، وهـو قطـع شـك توجه مؤهـل للاٍرتقـاء بنـا إلى مـراتب الجمـع، وسـلوك حميـد قـد يحـقق وحـدة هـذا الشـتات بواسـطة هـذا التوجه الاجتماعي المنفتـح عقـلا وقلبـا، وكلنـا يعلم أننـا نعيـش اليـوم في عهـد تـأزم العـلاقات الاٍجتماعية والسـياسـية التي عجـز كبارنـا وعلمائنـا عـن تشـخيصهـا، وكأنه مـرض عضـال عجـزنـا جميعـا عـن مواجـهته بمختـلف الوسـائـل المتـاحة بمـا في ذلك الجـراحة والبتـر أو على الأقـل تشـخيصه وتحـديـد الـدواء الشافي له مـن داء الوبائيات السـياسـية والاٍجتماعـية والاٍقتصادية التي جعـلتنـا نسـتهـوى الخصـومات الصـغيـرة التي باعـدت المسـافات بيننـا، وهنـاك مـن تنبـأ عـلاجنـا وشـفاؤنـا بواسـطة هـذا الاٍنفتـاح دونمـا الجلـوس في محافـل ومؤتمـرات أو اللجـوء إلى فقهـاء العلـوم النفسـية والاجتماعية.. هــذا يعـنى أن أبنـاء طـوقي جـان باٍعتبـارهـم المبادريـن وأبنـاء الماريـتين والطـرقي باٍعتبارهم أول مـن نصـر هـذا التـوجه،، يتميـزون ثـلاثتهم باٍيجابية عالية في التواصـل والتـزاوج والاٍنفتـاح المتواصـل على سـائـر المـكون الارتـرى دون أن يسـقطوه إسقاطات سـياسـية أو تنظيـمية، وقطعـا لا يعلـو على سـلوكهم هـذا وعاداتهم الخاصـة بالتواصـل الإنساني الحميـد أي مـن قبائلنـا الأخـرى مـن غيـر تفضيـل أو اٍسـتثنـاء، وهـذه على أي حـال وجـهة نظـر بعـض المتفائلـين والمـراقـبين وبطـبيعة الحـال خاضـعة للتأمـل والتأكيـد وقابـلة لهـذه الـرؤى أو لتـلك ـ خصـوصـا ونحـن نـرى الفـرقة والشـتات قـد طالتـا مؤخـرا مختـلف القـوى الوطـنية المتجانسـة، وبالمقابـل بـرزت وسـادت الخـلافات الصغيـرة داخـل القبيـلة الواحـدة أو فـروعهـا المكملة، مـع العـلم أن سـيادة ثقـافة اللاّ معقـول قطعـا تقـدم المصـالح الشـخصـية الضـيقة علي مصـالح الجماعة والمنـطقة وبالتالي على الثقـافة الجامـعة للـوطن بأسـره.
فـروع أبنـاء طـوقى جـان وتسـلسـل السـلطة والحكم بينهم:
في يـوم مـن الأيـام حـكم (قبشـا) كافة أشـقاءه وإخوانه وأبنـاء عمومته باٍستثناء نسـل أخيـه (طفـع) الذي ظـل مسـتقـلا عـن سـلطانه لعـدد مـن السـنين، وفى وقـت آخـر تجمـع الأخـوة في 4 عموديات متضامنة، وفيمـا بعـد تـم تأسـيـس النظـارة وبالتالي أرتفع عـدد العموديان إلى 9، وتـم تجميـع فـروع القبيـلة تحـت قيـادة الناظـر كوليـرى عبـي ومسـاعـديه مـن عمـد الفـروع الـذين تـم اٍختيارهم للقيـام بمهـام متعـددة، أولهـا تمثيـل الفـروع وثانيهـا مسـاعـدة الناظـر وثالثهـا التنسـيق مابـين الفـروع وبعضها ومـن جهة أخرى مـع الناظـر.
العموديـات الأربع التي سـبقت النظـارة:
1. طفـع.
2. قبشـا.
3. سـمـرعـين.
4. فـزع.
عموديـات الطـوقى التسـع التي تنضوي اليـوم تحـت النظـارة.
1. طفـع ـ العمـدة كنتيبـاي موسى منـدال.
2. قبشـا ـ العمـدة كنتيبـاي جميـل نصـور.
3. سـمـرطـون ـ العمـدة كنتيبـاي حمـد دايـر.
4. فـزع ـ العمـدة كنتيبـاي فكـاك.
5. حـزباي ـ العمـدة جمـع دليـس.
6. جنقـرين ـ العمـدة كنتيبـاي محمـد جمـع.
7. دانشـيم ـ العمـدة قـرزماش محمـد إبراهيم الحـاج.
8. طنفاي ـ العمـدة قـرزماش محمـود محمـد قبيـل.
9. حـريـش ـ العمـدة كنتيبـاي محمـد عامـر.
وممـا يـذكـر في خضـم الأحـداث التي دارت أثنـاء تـرتـيب توحيـد القبـيلة، أن أربعة مـن واجهـات القبـيلة اعترضوا على زعـامة كوليـري عبى للقبـيلة وربمـا على موقـع إيداع الضـرائـب، حـيث كان يـرى بعضـهم ضـرورة إيداعها في مـدينة كرن والبعـض الآخـر في حلحـل، وتـم اٍعتقال المعارضـين الأربعة بواسـطة الإدارة الإيطالية التي زكـت كوليـري عبي وهـو جنـديـا سـابقـا في الجيـش الاٍيطـالى، وكان الشـيـخ محمـد عبـد الله المـرشـح الشـعبي.. عنـدئـذ حـدث فعـل ورد فعـل هجـائي فتغـنى القطـاع الشـعبي مـرددا بعـض الأبيـات الشـعـرية، ورد عليهم الطـرف الآخـر بما يـدحض رأي نـده:
طلـبت دكا وردخ،
الـدنيـا خـر قلـيقـن،
الـدنيـا خـر قليـقـن،
سـيمخـا محمـد عبـدالله،
كمنـدخـا عبي قـن،
طلـبت دكـا (حلحـل) وردخ،
الـدنيـا قليقـن،
الـدنيـا قليقـن.
بـقى أن نعلم أن كـلا الشـخصـين مـن فـرع قبشـا بـن طوقي جـان، وكان الخـلاف حـول موقـع توريـد الضـريبة، حـيث كان يفضـل البعـض توريـدهـا في مـركـز حلحـل والآخـرون في مـدينة كـرن، وهـكـذا كان الأدب الشـعبي حاضـرا ومؤثـرا بقـدر كبيـر في مختـلف القضايـا الخاصـة والعـامة، ومـن جـهة أخـرى كان الأداة الوحيـدة والفـريـدة التي اهتمت بالتوثيـق وحـفظ تسـلسـل الأحـداث وسـريـان المعلومـات في غيـاب التوثيـق الحـديث الذي يعتمـد على الكـلمة المكتـوبة إلى جانـب الصـوت والصـورة.
مواقـع سـكن فـروع القبـيلة:
كلهـم يتجمعـون في مـدينة حلحـل وضـواحيهـا ماعـدا أغلبية عـد فـزع وعـد حـريـش اللـذان يتواجـد جلهم في منـطقة عنسـبا بما في ذلك عمـدهـم (كنتيبـاي فـكاك وكنتيبـاي محمـد عامـر)، هـذا بالإضافة إلى قبائـل جنقـرين التي تسكن في منـطقة جنقـرين.
القواسـم المشـتركة مابـين الطـرقى والطـوقى:
قطعـا لا توجـد بـين أسـلافهم صـلات دم موحـدة، ولـكن الصـلات الإنسانية والقواسـم القـوية التي تجمـع بيـنهم اليـوم أصـبحت أقوى مـن صـلات الـدم والقـربى، وأول هـذه القواسـم هي وحـدة الأرض واللسـان ومـن ثـم العقيـدة إلى حـد ما، بالإضافة إلى العـادات والتقاليـد ووحـدة المصيـر سـابقـا وحاضـرا ومسـتقبـلا، وفـوق هـذا وذاك وحـدة المـزاج الشخصي الذي يعتبـر أداة ربـط حـزمة العوامـل المـذكـورة أنفا، لأن كـافة قبائـل البلـيـن بشـقيهـا,, طـرقى + طـوقى،، يتميـزون بالنشـاط والحيـوية وسـرعة الإتيان بـردود الأفعـال بشـقيهـا، شـأن كافة سـكان المنـاطـق الجبلـية الـذيـن يتميـزون عـن غيـرهم بسـرعة البـديهة وردود الأفعـال خيـرا كان أو شـرا، وقبائـل البلـين تميـل إلى السـكن الجماعي في تجمعـات أهلـية شـبه حضـرية ممـا سـاعــدهم ذلك على حمـاية أنفسـهم وممتلكاتهم وسـهولة المواجهـات والصـمود والتصدي القـوى في وجه الغـزاة، هـذا بالإضافة إلى الاٍسـتفـادة القصوى ممـا يقـدمه المـركـز مـن خـدمـات على قلتهـا، أيضـا يقبلـون على الـزراعة بنـهم وتحـدى كبيـر وبطـبيعة الحـال يقبلـون على الرعي المختـلط، ويعـود إقبالهم على الـزراعة بغـرض بلـوغ حـد الاٍكتفـاء الذاتي مـن الحبـوب والخضـر، ولـكن كـم الإصرار على تحـقيق ذلك يعلـو على مقـدار مهـاراتهم في فنـون الـزراعة وبالتالي مسـاحة الأرض قياسـا بكثافتهم المقـدرة والمتـزايـدة عبـر الأيـام والسـنـين، ورغـم تكوينهم النفسي المهيـأ دائمـا للقتـال وقبـول التحـديـات التي تتطلـب المواجهـات الطارئة لـرد العـدوان، إلا أن ميـلهم للعيـش في جماعـات مسـتقـرة حــبب إليهم الإقبال على التعلـيم الأكاديمي وتعـلم المهـارات المهنـية بقـدر المسـاحة التي كانـت متوفـرة في عقـود أربعينيـات وخمسـينيـات القـرن الماضي، وبمـا إن مدينتي مصـوع وكـرن كانتـا أول مـن عـرف المـدرسـة النظامـية في مناطـق المنخفضـات الإرترية، (مـع العـلم إن مـديـنة مصـوع جمـعـت مابـين جهـد الحكومة وجهـد الأهالي الّـذيـن كانـوا أكثر سخاء مـن غيـرهم في مجـال الصـرف على التعـليم)، وحـيث أن اٍفتتـاح أول مـدرسـة نظامـية نموذجـية تـم تأسـيسـهـا في مـدينة كـرن،، بواسـطة الإدارة البـريطانـية معتمـدة على قطـاع ضبـاط الاٍحتيـاط السـودانـيين الـذيـن شـكلـوا هيـئة التدريـس، كمـا شـكلـت الإدارة وهيـئة الإشراف مـن ضبـاط الاٍحتيـاط البـريطانـيين، وكل هـؤلاء كان تخصصهم التدريـس قبـل إن ينخـرطـوا في سـلك الجنـدية، وفقـا لمـا تفضـل بتأكيـده استأذنا الكبيـر محمـد أحمـد إدريس نـور مـد الله في أيامـه ومتـعه بالصـحة والعافـية، والجـديـر بالـذكـر انه أحـد الـذيـن عاصـروا تـلك الفتـرة وكان أحـد أبطالها طالبـا كان أو معلمـا، قطعـا استفاد سـكان المنـطقة مـن تـلك السـانحة خصـوصـا أبنـاء كـرن المـدينة، وكان الإقبال على التعـليم عاليـا ممـا أدى ذلك إلى بـروز أبناء المـدينة في مضمـار التعليم ومـن ثـم سـهولة تقلـد المسـئوليات في الهـرم الوظيفي وكان بعضهـا وظائـف ذات أهمـية كبيـرة، وذلك نتـيجة اٍقتنـاصهم لتـلك الفـرصة الطـيبة التي وجـدت تجاوبـا عظيمـا مـن الأهالي وأبناءهم الـذيـن تسـابقـوا نحـو فصـول المـدرسـة بولـع بالـغ، بـدأت حمـلة التعليم فيمـا بعـد بقيـادة أبنـاء مدينتي مصـوع وكـرن، والجـديـر بالـذكـر أن أول معـلم إرتري تمـت أجازته ليصبـح معلمـا معتـرفـا به لمـزاولة مهـنة التعليم كان مـن هـاتـين المـديـنتين، وفى عقـود خمسـينيـات وسـتينيـات القـرن المنصـرم ـ غنى عـن القـول أن أكثر مـن 70% مـن العاملـين في مجـال التعليم في كافة قـرى ومـدن إرتريا كانـوا مـن سـكان مـديـنة كـرن وما حـولهـا، بما في ذلك مـديـر المعـارف آنـذاك وهـو السـيـد/ اٍسـحـق تولـدى مـدهـن، وكانـوا خيـر مـن حمـل الأمـانة باٍعتبـارهم الـرسـل الأوائـل الـذين حملـوا مشـعل رسـالة العلـم التي أعطوها حقهـا بقـدر المسـاحة التي كانـت متـاحة لهم وأيضا الميـزانيـات التي كانـت مخصصـة لقطـاع التعلـيم.
عـودة إلى ما أنقطـع مـن سـيـرة سـكان سـنحـيت: يتكـون سـكان منـطقة سـنحـيت مـن أبنـاء الطـرقى / الطـوقى / الماريـا / المنسـع والبـيت جـوك،، وهـؤلاء كان لهم القـدح المعلى في اٍرتيـاد مواقـع العـلم طـلابـا كانـوا أو معلمـين عنـد بـدء التعليـم النظامي بالوطـن، أمـا مسـاهماتهم الـوطنـية قطعـا لا تحتـاج إلى مـن يـزكيهـا أو يؤكـدهـا، لأنهم كانـوا دائمـا هنـاك في مقـدمة الصفـوف المـدافعة عـن الحـق الوطني، كمـا كانـوا ومازالـوا بـين حمـلة البـندقيـة المناضـلة المطالـبة بإرساء دعـائم العـدل والأمـن والسـلام في ربـوع الـوطن المفـدى، وممـا زاد في اٍرتيـادهم لهـا أنهم وجـدوا فيهـا أحدى مهنهم المحـببة للفـروسـية والقتـال مـن أجـل الأرض والعـرض دون أن ينقصهم الحـس الوطني الذي كان الـدافـع المباشـر مـن وراء تسـابقهم لحمـل السـلاح الوطني، فقـد تواجـدوا بكثـافة عالـية في أوسـاط الجيـش الاٍيطـالى وفى ذات الـوقـت في قـوة دفـاع السـودان أي مـع (المحـور والحلفـاء)، وفيمـا بعـد خـدمـوا في الجيـش الوطني السوداني، وبالتالي كانـوا يشـكلـون أغلـبية مقـدرة في الـدفعة الأولى والثانـية والثالـثة التي التحقت بجيـش التحـريـر الارتـرى البطـل بعـد إنهاء مـدة خـدمتهم في الجيـش السوداني، وفيمـا بعــد تـزايـدت أعـدادهم بشـكل ملـفت في صفـوف جيـش التحـريـر الارتـرى البطـل عنـدمـا تـم تأسـيـس المناطـق الإدارية، حـيث كان منهم القـادة الأشـاوس الـذيـن صـالـوا وجالـوا في المـرتفعـات والمنخفضـات الإرترية، وكان منـهم أعدادا كبيـرة بـين الفـدائـيين الـذيـن بـرعـوا في أداء تـلك المهـام التي تحتـاج إلى الفطـنة والـذكاء قبـل الشـجاعة والثبـات، أيضا كان منهم قـادة عظمـاء عملوا في مختـلف المنـاطـق الإدارية دونمـا إبداء تحـفظ مـا لجهلهم بطـبيعة الأرض أو إنسانها في المنـطقة الأولى والثالثـة والـرابـعة والخامسـة ووحـدات أمـن الحـدود.
وبمـا أن شـباب المنـطقة كان دائمـا سـباقـا إلى الاٍبتـكار والتجـديـد في مختـلف المجـالات ـ جعــل بعضنـا مـن تـلك الصـفة الحميـدة طـرفة تصـف كافـة سـكان الهضـاب بـردود الأفعـال العاجـلة التي تقتـرب مـن المقامـرة، وهنـا يسـرنـا التأكيـد أن أول فـدائـية كسـرت حاجـز مهـام المـرأة التقليـدية جـاءت مـن هـذه المنـطقة رغـم صغـر سـنهـا الذي لا يسـمح لهـا آنـذاك مغـادرة حجـر أمها (س. تسـفـو)، وليـس سـرا أن مـديـنة كـرن قـد قـذفـت الثـورة بجـل فلـذات أكبـادهـا الـذيـن تواجـدوا بكثافة عاليـة في سـائـر المناطـق الإدارية الخمـس، وفى العهـد الجـديـد نعـلم جميعـا أن أول مـن وصـل إلى مواقـع الهجـرة والمنافي وركوب الأهـوال وهـو نـوع آخـر مـن المقامـرة، كان مـن سـكان هـذه المـديـرية التي يسـميهـا بعضـنـا (إرتريا المصـغـرة)، أيضـا جــل الـذيـن افتتحوا أهـم وأخطـر المؤسـسـات الإعلامية المؤثـرة في هـذا العصـر (المواقـع العنكبوتـية) كانـوا مـن شـباب هـذه المـديـرية الوثـابة والمصـرة دائمـا على اٍنتـزاع نصيبهـا مـن أفـواه الأســود وظهـور الفيـلة ومابـين الأشـواك القاتـلة، ولاشـك أن هـذه المواقـع الشـبكـية تعتبـر اليـوم مـن أهـم نوافـذنـا الثقـافية والاجتماعية والسـياسـية التي نتواصـل مـن خـلالهـا ونطـل منهـا على الـوطن وساكنيه وعلى سـائـر سـكان المعمـورة دونمـا عنـاء يـذكـر، وكلنـا يعـلم أن موقعي (عــواتى ومسـلنـا) كانـا باكـورة المؤسـسـات الإعلامية الإرترية ولـن يكونـا موقعي (عونـــا وفــرجـت ...الخ) آخـر المؤسـسـات الإعلامية، أيضـا لابـد مـن الإشارة إلى أن إنسان هـذه المنـطقة على مختـلف عقائـده وبمختـلف قبائله وعشـائـره أشـتهـر بالاٍنفتـاح على الآخـر أكثر مـن اٍنفتـاح سـكان مـديـرياتنـا الأخـرى، حـيث تعتبـر المنـطقة قنطـرة التواصـل والتمـازج وأحد الخنـادق الأولى المواجه للنظـام الديكتاتوري، وهى أيضـا احـد المواقـع الصـامـدة التي تقاسـمهم رحى الصـراع اليـومي الـدائـر مابـين شـخوص الثقافتـين المتصارعـتين دومـا، وهـذا في أحـد وجوهه يعتبـر موقـفـا مكمـلا لطبـيعة الصـراع الـدائـر مابـين طرفي المعـادلة (سـلطة ومعـارضـة)، وقطعـا سـيـؤدى في النهـاية إلى اٍكتمـال الصـورة بشـقيهـا.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة