رمضان في مدينة كرن رسائل من أرض المهجر
بقلم الأستاذ: جلال إبراهيم
"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُم ُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" صدق الله العظيم
لشهر رمضان نكهة خاصة مميزة وطعم فريد في إرتريا.. أو هكذا كان عندما عرفناه وقبل سنين الشتات. في ذلك الزمن وقبل عهد الفضائيات والسهر مع المسلسلات كان رمضان بصدق شهر للعبادة والتوبة والأستغفار وكانت العادات والتقاليد الرمضانية بسيطة ومليئة بالروحانيات والأدعية والأذكار التي تغذي الروح وترقي بالنفس.. واليوم كل منا في هجرته عندما يحل بنا رمضان نتذكره بالحنين إلى ذلك الجو الملئ والمفعم بالإيمان والتقوي والوحشة إلى تلك البساطة والأفطارعلى حبات التمر وشربة الماء البارد والناس جلوس على "التكايب" والعشاء على الكسرة البلدية الإنجيرا بملاح البامية أو الملوخية.
كنا نستقبل رمضان بزفة الفانوس حيث كنا أولاد الحلة نجتمع ونحمل فانوس وطبل أو "كبرو" وعلب فارقة وكل شيء يمكن أن يصدر عنه صوت وضوضاء.. كنا ندق الطبل أو "الكبرو" وإذا لم توجد "كبيرو" فصفيحة زيت تكون مقبولة ونحن ننشد و نجوب شوارع الحارة:
"مرحباً مرحباً ياشيخ رمضان.."
بينما الأطفال في كرنفالهم وزفتهم في شوارع الحارة يكونوا الكبار في السوق بحثاً عن أخبار رمضان. وفي ليلة يوم الشك يكون موضوع النقاش الرئيسي بين الناس تحري أخبار رؤية هلال رمضان وترى الناس تتجمهر في القهاوي والدكاكين يستمعون إلى الراديو ويتبادلون الأخباروالتعليقات عليها.. هذا يقول ما سمعه من راديو أم درمان ويؤكد رؤية الهلال..
"راديو أم درمان فجر رمضان تو بيلا"
وأخر يسأل إذا كان قد ورد أي خبر من راديو القاهرة وأخر ينقل أخر ما سمعه في إذاعة لندن. في تلك السنين إذاعات السعودية ودول الخليج لم تكن بتلك الشهرة في مدينتنا مثل ما أصبحت فضائياتهم في وقتنا هذا، ولكن في النهاية الخبر اليقين برؤية هلال رمضان يتأكد بعد إضاءة مئذنة الجامع الكبير، فقد كان ذلك يُقرر من قبل مكتب سماحة مفتي الديار الإرترية الشيخ إبراهيم المختار في أسمرا ويُنقل الخبر بواسطة التلفون إلى القضاة في كل أنحاء إرتريا وهم بدورهم كانوا يعلنونه للمؤمنين من خلال إنارة مئذنة الجوامع في مدن البلاد. وعندما يتأكد خبر رؤية هلال رمضان وتضئ المصابيح على منارة الجامع الكبير ترى الناس فرحين وهم يقولوا..
"ما شاء الله فجر رمضان تو!"
ويتبادلوا التهاني القلبية بحلول شهر رمضان:
"رمضان مبارك.. من الصائمين والفائزين إن شاء الله.. شهر خير وبركت.."
وفي البيت الأمهات يقومن بالإستعداد لوجبة السحور وبداية شهر تنقلب فيه المواعيد. لغالبية الناس وجبة السحور كانت تتكون من العصيدة البلدية أو "الإكلت" المصنوعة من دقيق القمح تقدم ممزوجة بالزبادي والسمن البلدي وعليها قليل من الشطة وكان من يفضل عصيدة الدخن وكان من يكتفي برغيف الخبز وتنتهي الوجبة بالشاهي المعمر بالهيل أو النعنع أو القهوة للكبار.
الإستعدادات لشهر رمضان كانت تبدأ قبل أسبوع أو أسبوعين من حلوله. كل أسرة تبدأ إستعدادها بشراء كمية من القمح أو الشعير والذي كان يُستعمل لتحضير الشربة البلدية وهذه كانت من الأطباق الثابتة في شهر رمضان، ويشتروا كذلك شيء من دقيق الفينو لتحضير السامبوسة والمشبك واللقيمات، وسعر كيلو دقيق الفينو كان في ذلك الزمان ثمانون سنتيما فقط ! ولمن لا يصنع اللقيمات والمشبك والسامبوسة في البيت فقد كان يشتريها من السوق جاهزة. وفي السوق كمؤاشر أول لحلول شهر رمضان كانت تظهر طاولات السامبوسا والتمر على جانب الشارع المتفرع من سوق الخضار ممتدا إلى الشرق حتى دار آل غرامة، وباعة التمر والسامبوسة يحجزون أماكنهم في الشارع حيث يكون الشارع طيلة شهر رمضان نواة السوق وفي هذا الشارع كان يباع تمر العجوة والمشبك والسامبوسة واللقيمات والفواكه مثل البرتقال والليمون والبهاش.
تصوير المستر روجر رولر عضو كتائب السلام ومدرس فى مدرسة كرن الثانوية فى عام 1965-1967، منظر عام فى شهر رمضان للشارع المتفرع من سوق الخضار (الصورة مأخوذة من موقع كرن إسويت دت نت).
وكانوا باعة السامبوسة والمشبك يجلبون بضاعتهم في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر في طسوس الألمنيوم الكبيرة مغطية بقطع قماش بيضاء أو قطع من البلاستيك بعد تجهيزها في بيوتهم، وبجانبها كانوا كذلك يبيعون تمرالعجوة والذي كان يظهر في السوق بكثرة مع بداية رمضان، ولسبب ما كان تمر العجوة البضاعة الوحيدة التي كانت تباع بالرطل بدل الكيلو جرام المعروفة والسائدة في السوق، وهؤلاء الباعة كانوا يروجون لبضاعتهم وهم يرددون:
"الله وليك.. ومحمد نبيك..
فطورك ياصايم..
ونعمتك يادايم..
تمر ولله الأمر.."
والصغار كنا نزيد عليها:
"ومِنْ إيْ تأمْنَنِي طـَمْطِمُو ياصايم" ولكن كان ذلك طبعا من شقاوة الأطفال من تصوير المستر روجر رولر عضو كتائب السلام ومدرس فى مدرسة كرن الثانوية فى الفترة 1965-1967. (الصورة مأخوذة من موقع كرن إسويت دت نت).
ومن ضمن إستعدادت رمضان الأخرى يكون شراء العدة مثل الصحون والملاعق للشربة والكبابات الزجاجية للعصير، وتكتشف ست البيت إن العدة من الرمضان الفائت ولا سيما المعالق إختفت من دون أن تترك أي اثر ولا احد يعرف ماذا حصل لها، ورب البيت بدوره يسأل وماذا حصل لعدة العام الفائت ولا يجد الجواب الكافي وليس هناك فرار من شراء ملاعق وصحون وأكواب جديدة. أما ترموس الشاهي ما شاء الله فقد يكون عمره قصيراً فى دارعامر بالأطفال.
بالنسبة للأطفال كنا نصر على الصوم على طول الشهر ولكن كان يسمح لنا أن نصوم يوم ونفطر يوم لكي نتدرب ونتعود على الصوم، وحتى نُجبر على الأفطار كانت تجري مؤامرات ضدنا بعدم إيقاظنا للسحور وفي الصباح نكون أمام الأمر الواقع وتعلن الوالدة أن لا صوم بدون سحور:
"لا.. لا.. إمبل سحور صوم البوني ! خلاص فجر صيم!"
وكلما زدنا سنة في العمر كنا نزيد في عدد الأيام التي يُسمح لنا أن نصومها حتى يكتمل الشهر وحينها نكون في تعداد الرجال!
اليوم الرمضاني يوم كسول في السوق، والقهاوي التي كانت تعتبر نوادي شعبية يجتمع فيها الناس على أكواب الشاهي تغلق أبوابها في نهار رمضان ومن فتحت أبوابها لا تجد أي زبائن، وترى الناس يقعدون على ناصية الشوارع تحت أشجار النيم وفي البرندات يتجاذبون أطراف الحديث وأكثرهم ينظفون أسنانهم بالمساويك في إنتظار صلاة الظهر. أما روتين العمل لأصحاب الدكاكين وأصحاب المجاز ودكاكين الخضار والصياغين وأصحاب الحرف الأخرى لم يكن يتغير فيها أي شيء وكالعادة يفتحوا أبواب دكاكينهم في الصباح الباكر. بعد صلاة الظهر كانت كل الدكاكين تقريبا تغلق أبوابها ويخلد معظم الناس إلى الراحة لتفادي حرارة الشمس والتي تكون على أشدها بين الظهيرة والعصر. وبعد صلاة العصر يكون هناك من بين العلماء والمشايخ من يعطي دروس وعظية في الجامع الكبير ويجد حشد كبير من المستعمين وأما في الشهور الأخرى درس الوعظ في أغلب الأحيان كان بعد صلاة المغرب وحتى صلاة العشاء.
بعد صلاة العصر وخفة حدة حرارة الشمس وإقتراب موعد الإفطار تنبعث الحياة من جديد في السوق وتصل ذروتها في حوالي الساعة الخامسة والى موعد الأفطاروالذي يكون بعد السادسة بقليل، ومع إقتراب موعد الإفطار يكون الكل مشغول بشراء لوازم "الفطرت" ويتوجه كل واحد إلى بيته وهو محمل بما رزقه الله من الفواكه والخضروات والتمر والسامبوسة وغراطيس السكر والبون والشاهي وغيره، وترى الناس في صراع مع عقارب الساعة والكل متوجه أفراد ومجموعات إلى بيوتهم ومن وصل إلى داره قبل صاحبه لا يفوته أن يقول:
"إتفضلوا معانا.. قدم بلو"
ويرد صاحبة شاكراً ويهرول بدوره إلى منزله وأسرته التي تنتظر وصوله. ومن كان من أصحاب "الولف" كان كذلك لا ينسى شراء غرطاس تمباك ودعماري أو حبات سجائر الإديال أو سجائر إسبيريا وذلك كان من الإمور العادية، ولكن هذه العادات إختفت تدريجياً مع الصحوة الدينية في فترة الستينات والسبعينات.
وجبة الأفطار أو الـ "فـَطـَرَتْ" كما كنا نسيمها كانت كما هو الحال في كل البلاد الإسلامية الوجبة الأساسية حيث يُقدم فيها تمر العجوة وما وُجِدا من السامبوسة والمشبك واللقيمات والشربة البلدية المصنوعة من القمح أوالشعير ومن العصائريقدم فيها عصير الليمون أوالبهاش وإن لم يُوجد فالماء البارد من الزير، عند "الفطرت" بعد أكل حبات التمر وشرب قليل من الماء أو العصير كان الكل يقوم لصلاة المغرب والتي كانوا أغلب الناس يؤادونها جماعة في دارهم، وبعد صلاة المغرب يكملوا فطورهم ثم شرب الشاهي والبون أو الجَّبَنَة وهم يستمعون إلى الراديو في احد المحطات العربية ويصاحب ذلك الونسة وتبادل الأخبار، وكان هناك من يؤجل جبنة البون إلى ما بعد صلاة التراويح، وبعد أخذ قسط من الراحة تلي وجبة العشاء والتى غالبا ما تتكون من طبق الإنجيرا البلدي مع ملاح الويكة أو البامية الطازجة أو الملوخية وهذه كانت الملاح المفضلة في شهر رمضان، ويمكن أن يضاف إلى ذلك الرغيف الإيطالي والرز واللحوم والسلطة أو الجرجير أوالفجل كل على حسب إمكانياته ولكن المائدة الكرنية في رمضان كانت بكل المقايس مائدة متواضعة ومعقولة، ولم يكن يكثر فيها البذخ والمبالغات كما تعودنا عليه في هجرتنا بين الشعوب العربية التي تبالغ في مائدة الإفطار الرمضانية إلى حد الخرافة. وبعد تناول وجبة العشاء كانوا الرجال يصطحبهم أبنائهم الذكور يذهبوا إلى الجامع الكبير أو إلى مسجد الحلة لأداء صلاة العشاء ومن بعدها صلاة التراويح.
كانت هناك عادة سائدة فى كرن تعرف بالـ "عاياد" وهذه كانت صدقة الإفطار يقيمها الناس ترحما على موتاهم ويدعوا اليها الجيران والمعارف والأقارب والمحتاجين وهذه العادة كانت تكون على ذروتها في الثلث الأخير من الشهر.
صلاة التراويح كانت من الشعائر المميزة والقائمة في شهر رمضان وكانت تقام في الجامع الكبير حيث يحضرها جمع غفير من سكان المدينة وكان يؤم المصلين فيها المرحوم القاضي موسى أو المرحوم الشيخ سعدالدين محمد أوالحاج حامد، وبجانب الجامع الكبير كانت كذلك تقام في كل المساجد الموجودة في حارات المدينة مثل مسجد القاضي عمار في حلة عد حباب ومسجد عد شنقب و مسجد الصومال بجانب عد سلطان في حلة عد عقب ومسجد عد محجب في حلة عد سودان ومسجد حلة حشلا، وكانوا معظم الناس مواظبين في أدائها وكانت جزء مهم وأساسي من الشعائر الرمضانية. كنا نصليها عشرون ركعة تزاد عليها ركعات الشفع والوتر، وفي هجرتنا إكتشفنا أن هناك من القوم من يكتفي بثمانية أوعشرة ركعات، وكنا نرفع فيها الأدعية بصوت عال بين كل ركعتين.
"سبوح قدوس رب الملائكة والروح يالله.. صلاة التراويح أثابكم الله.. اللهم صلي على سيدنا محمد" ونقوم للصلاة.
وبعد الإنتهاء منها كنا نردد أدعية كثيرة. فى بعض مساجد الحلة كان يقدم فيها بعد الإنتهاء من صلاة التراويح التمر والـ "قچا" أو الـ "حِمْبَاشَا" أو الخبز البلدي المصنوع من دقيق الفينو يصاحب ذلك الشاهي المعمر في براد كبير وهذه الصدقة كان يقدمها بعض أهل الخير من سكان الحارة. كانت القچا تأتي في صينية كبيرة وبعد إتمام الأدعية كانت تقطع وتوزع على الحضور ثم يقدم الشاهي وفي تلك الأوقات تكون الونسة مسموحة بين الحضور.
بعد صلاة التراويح كان من يرجع إلى داره ويخلد إلى الراحة والإستماع إلى الراديو أو للسمر مع أهل بيته أو شرب البون مع جاره وضيفه، وكان من يشد الرحال إلى السوق وإمضاء بعض الوقت في المقاهي الشعبية مع الأصدقاء والمعارف، أما شباب المدينة فقد كانوا بلا إستثناء يمضون لياليهم الرمضانية في القهاوي الشعبية وهم يلعبون العاب الورق أو الكوشتينة مثل لعبة الـ "شلاعة" والـ "كونكان" وأغلب الأحيان من خسر في اللعبة يدفع فاتورة الشاهي واللبن بالشاهي أو كما كان يسمى "شاهي لبني" والذي كان يورد إلى طاولة الكوشتينة بإسمرار في براريد صغيرة ويقدم في أكواب زجاجية صغيرة، ونادرا كانوا من بين الناس من يقامروا بالقروش وهذه لم تكن عادة متفشية واللعب بالكوشتينة كان في كل الأحوال تقريباً بـ "مَنْ دَفـَعْ" كما كانت تُسمى، ومع إقتراب ساعة السحور كل يتوجه إلى بيته.
لم يكن في مدينتنا مهرجاتان خاصة في رمضان أو مسرح أو نشاطات أو ندوات أو أمسيات ثقافية أو شعرية أو فنية وأقرب ما يكون إلى ذلك كان دار السينما الذي كان يعرض الأفلام الإيطالية والأمريكية والعربية.. وكانوا بعض من الناس يقصدوا السينما في ليالي رمضان وبعد شراء الفول أو المَرَرُو من العربة الواقفة أمام مدخل دار السينما كانوا يمضوا سهرتهم الرمضانية مع الشاشة الفضية، وكان الحضور يكون كبيرا في العدد إذا كان الفلم المعروض فلم عربي، ففى ذلك الزمان كانت الأفلام المصرية مشهورة جداً وعُشاقها كثيرون والممثلين المصرين مثل أحمد مظهر ورشدي أباظة وشكري سرحان وتوفيق الدقن وعبدالسلام النابلسي وعبدالحليم وفريد الأطرش والفكاهي إسماعيل ياسين والممثلات مثل فاتن حمامة وسعاد حسني وميرفت أمين وسهير البابلي وغيرهم من الممثلين والممثلات كانوا مشهورون جداً وكان لا يفوتنا أي فلم لهم، والحضور يكون أكبر في ليالي رمضان، فقد كانت دار سينما عد تريلا المعروفة بـ "سينما إمبيرو" تعرض الفلم مرتين الدورالأول من الساعة السابعة إلى التاسعة والدور الثاني وهو نفس الفلم مكرر من التاسعة والنصف إلى الحادية عشر ونصف وكان ثمن التذكرة خمسة وعشرون سنتاً. كان ذلك الزمان عندما كانت مصر على قمة الإنتاج والأبداع وعندما كان شعبها يقرأ ويفكر ومثقفيها يكتبوا وينتجوا ويبدعوا، وقبل أن تصدأ روحها ويزبل غصن الإبداع فيها، وقبل أن يستسلم شعبها للفضائيات والفتاوي العشوائية.
في الماضي يقال كان في كرن مسحراتي أسمه سالم وكان منزله بالقرب من دار آل كنتيباي كرار ولكن المحسراتية الذين عرفناهم في فترة لاحقة كانوا أكثرمن واحد نذكر منهم المرحوم العم بخيتاي أبو إدريس والمرحوم عثمان وَدْ حيلا ومحمد صالح وَدْ عُوالي جزاهم الله عنا خيراً وجعلها لهم في ميزان حسناتهم ورحمهم الله أحياء وأمواتا ً.. كانوا يجوبوا شوارع المدينة وهم يدقون على الطبول وفي سنين الكوبروفوكو كانوا لزام عليهم أن يحملوا الفانوس.
في شهر رمضان كانت مواعيد الدراسة في المدرسة تتغير حيث كنا نبدأ اليوم الدراسي في الثامنة صباحا وكان ينتهي في الثانية بعد الظهر بعد ثمانية حصص بالكمال والتمام.. وبعد الجرس الأخير يكون التعب والجوع قد أخذا منا ما أخذ ورحلة العودة إلى البيت كانت تأخذ منا الساعتين وأكثر ونحن نقعد في كل ناصية وكل منعطف.
ذكريات رمضان تجر معها كذلك ذكريات "الكـُوبْرُوفـُوكـُو" في المدينة والذي أعلنه الجيش الأثيوبي المحتل في عام 1967م والكوبروفوكو كان قانون حظر التجول والذي بموجبه كان يتعين على الناس أن يكونوا في بيوتهم قبل السادسة مساء ومن وُجد خارج داره يكون عرضة للإعتقال والضرب وربما القتل، ولكن بالرغم من تخفيف مواعيد الكوبروفوكو في شهر رمضان لم نكن نأمن الكمندوس والناس لم تكن تصدق تخفيف المواعيد والكل كان يهرول الى داره بعد إداء صلاة التراويح في مسجد الحارة مما كان يخل بقدسية شهر رمضان ويكدر صفوه.
وإستمرا حالنا مع الكوبرفوكو لسنين طويلة حتى أصبح جزء من روتيننا اليومي ولكن في النهاية وبعد أربعة وعشرون عاما بالتمام والكمال ذهب الكوبروفوكو وبقى رمضان وبقى شعبنا الصامد.. ولكن لم يمضي طويلا بعد رحيل الكوبروفوكو من قبل أن يجدوا أهلنا انفسهم فى كابوس جديد، وهذا الكابوس الجاسم على صدور أهلنا عندما يحين موعده سوف يذهب بدوره إلى غير رجعة غير مأسوف عليه كما ذهب الذي قبله ويبقى رمضان ويرجع اليه بهائه وجماله وقدسيته.. ولنا عودة أكيدة لنصوم فيها من جديد.. ونفطر على العجوة والسامبوسة وإنجيرا بملاح الويكة والملوخية ونصلي التراويح في مساجدنا العامرة ونردد من جديد:
"سبوح قدوس رب الملائكة والروح يالله.. صلاة التراويح اُثابكم الله.."
تصوموا وتفطروا على خير.. وكل عام وأنتم بخير.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.