هجرة الصحابة الكرام كانت إلى ارتريا ! الشواهد والأدلة - الجزء الثاني
بقلم الأستاذ: على عبد العليم
مقدمة: تأخر هذا الجزء الثاني لانشغالي في رحلة عمل، وعندما عدت واطلعت على بريدي الالكتروني وجدت رسائل من إخوة كرام
يخالفوني الرأي أن هجرة الصحابة كانت الى ارتريا!؟. وبعضهم مشكورا حاول مدي بأسماء بعض المراجع وبعض المقالات المنشورة بشأن الموضوع، سأعمل بعون الله على الرد عليها في ختام الحلقات.. أما الآن فإلى الجزء الثاني بتيسير الله تبارك وتعالى...
ونواصل سرد الأدلة على أن هجرة الصحابة الكرام كانت الى ارتريا:
عندما قدم موفدا قريش إلي النجاشي (عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي علي الراجح) بالهدايا وطلبا منه تسليمهما المهاجرين لأنهم (خرجوا عن دين آبائهم ولم يدخلوا دينك)، وخوّفا النجاشي (أنهم سيفسدون عليك دينك، وملكك، ورعيتك فاحذرهم، وادفعهم إلينا لنكفيكهم)!.
قال لن افعل قبل أن اسمع منهم، وعندما سمع من ممثلهم وخطيبهم جعفر بن أبي طالب، علي النحو المذكور بكتب السيرة، قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة... قال ابن عباس وعكرمة وابن قتيبة وغيرهم: المشكاة الكوة بلسان الحبشة... ثم قال النجاشي لعمرو ورفيقه والله لن أسلمكم إياهم ولو أعطيتموني دبرا من ذهب، و(دبر) تعني جبل بلهجة التجري الارترية، وليس بالتجرنية المتداولة في تقراي الإثيوبية!. أوالنوبية السودانية!. ونفس الشيء للفظة (شوم) عندما قال النجاشي للصحابة: اذهبوا انتم في ارضي شيوم... أي آمنون كما أورد ابن الجوزي في تنوير الغبش، وهي تطلق حتى الآن علي زعماء القبائل في ارتريا، وتعني السيد وذي المكانة والحصانة... وفيما أخرج البخاري وأبو داوود انه عندما عاد الصحابة إلي المدينة المنورة، دخلت أم خالد بنت خالد علي الرسول صلي الله عليه وسلم - وهي من مهاجرة الحبشة - وعليها خميصة لها أعلام فجعل الرسول صلي الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده ويقول: سناه سناه، حسن حسن بلغة الحبشة، وهي كذلك حتى الآن!. وهذا الثوب يسمي محليا بـ (الزوريا) وهو من إنتاج مناسج الجبرته المشهورين بالحياكة والصنائع كما أورد ذلك المقريزي في سفره العظيم (الإلمام بمن في ارض الحبشة من ملوك الإسلام).
وحتى تسمية الكتاب الذي جمع فيه القرآن بالمصحف كان باقتراح من سالم مولى أبي حذيفة الذي قال رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف فاجتمع رأي الصحابة علي أن يسموه بذلك الاسم، وكلمة صحف أي كتب ومشتقاتها هي بلغة التجرنية المتداولة حاليا في ارتريا!.
وأن النجاشي أمهر أم حبيبة عندما زوجها للرسول صلي الله عليه وسلم بـ (400) دينار ، بعد أن ارتد زوجها عبد الله بن جحش ثم توفي، وأن جارية للنجاشي واسمها (ابرهيت)، (Abrahait)، لاحظ الاسم؟!. كانت تقوم علي ثيابه ودهنه، أتت إلي أم حبيبة بعطر (عود وورس وعنبر وزباد كثير)، وقالت أبرهيت حاجتي إليك أن تقري رسول الله (ص) مني السلام، وتعلميه أني قد تبعت دينه (أنظر أزهار العروش في أخبار الجيوش للسيوطي)... وان أسماء أبرها وبرهان وأبرهيت ونقوس ونقاش ونقاسي ونقستي ومحمد نقوس ومحمد برهان من الأسماء الدارجة وسط الارتريين الناطقين بالتجرنية مسلمين ومسيحيين... ولا نجد لها مثيلا في الجانب السوداني!.
وفي الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله والذي أخرجه الذهبي في (مختصر العلو)، وابن ماجة في سننه، ما قاله فتية المهاجرة العائدون من الحبشة ردا علي سؤال الرسول عن أعجب ما رأوه في الحبشة فقالوا: كانت امرأة عجوز من عجائزهم تحمل علي رأسها قلة من ماء فتعرض لها احد الفتية وطرحها أرضا علي ركبتيها فانكسرت قلتها فنهضت وقالت للفتي سوف تعلم (يا قدر) إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين ...الخ. وتستعمل كلمة (قدر) وتنطق (القاف) كالجيم المصرية بمعني داهية ومصيبة في اللغات الحبشية المتداولة الآن في ارتريا!.
لقد حرصت علي إيراد الشواهد من المفردات المتداولة في اللغات الحبشية الحالية لإثبات النسبة التاريخية بينها، والصلة الجغرافية بمتحدثيها المعاصرين، لتأكيد أن الهجرة كانت إلي هذه المنطقة التي لا تزال أماكنها تحمل أسماء الصحابة، وتضم أجسادا طاهرة لبعضهم، ويستشعر الأهالي هناك أن أرواح الصحابة تظللهم، ولا يبرحون يدعون لهم في الطقوس المصاحبة لتناول القهوة الحبشية العذبة المذاق !.
واللغة الحبشية تستعمل الكاف للمخاطب بدلا من التاء المستعملة في العربية، فالشاعر سحيم بن السحساح الحبشي مثلا، كانت فيه لكنة، و لربما أنشد فيقول: (أحسنك) وهو يريد (أحسنت)، انظر (الطراز المنقوش)، و(بين العرب والحبشة) لعبد المجيد عابدين.
والشواهد والأدلة كثيرة من الكلمات الحبشية التي وجدت طريقها إلي القرآن الكريم، وقد قام الإمام السيوطي بجمع (28) مفردة منها في رسالة قيمة له، ولكن اقتصارنا كان علي الكلمات التي وردت في ثنايا حادثة الهجرة، أو تفوه بها النجاشي،...
الخلاصة: أن أحمد النجاشي (وكان اسمه اصحمة بن ابحر، وتعني عطية بالعربية) الملك الحبشي العادل، فمن يقول أنه تابعي كـ(ابن الملقن)، ومن يقول أنه صحابي كـ(ابن سند) وآخرين... كان يتحدث لغة الجئز المتداولة الآن بين القبائل الحبشية الحالية بلهجاتها المختلفة: (التجري والتجرينيا)، ولم يكن النجاشي يتحدث النوبية أو أي لغة من اللغات المتداولة في السودان الحالي!. مما يؤكد انه، رحمه الله، ينتمي جغرافيا إلي تلك المنطقة المسماة الحبشة تاريخيا وارتريا حاليا... إلى أي من القبائل الحبشية الحالية ينتسب النجاشي؟.
وردت العديد من الروايات في رقص الحبشة بالدرق والحراب في مسجد الرسول (ص) بالمدينة، منها ما أخرجه الإمام أحمد عن أنس، وما أخرجه البخاري عن عائشة (رض)، وقال لهم الرسول (ص) تشجيعا لهم (دونكم يا بني أرفده)، قال الزركشي أرفده جد الحبشة، وذكر القاضي خان في كتابه (الطراز المنقوش في تاريخ الحبوش)، أن بني أرفده هم من السحرتي، ويقال أن النجاشي كان منهم!.
وقيل فيهم:
* بلحظك الفتان هذا قد سحرت فأذن به وأرفق بنا يا بن السحرت
* أنت الذي حملتنا من الــهوى ما لم نطق وعن سواك قد حـررت
* والسحرتي موجودون ليوم الناس هذا في ارتريا!. وهناك جبال تسمى باسمهم...
فبالإضافة إلى السحرتي فهناك قبائل حبشية موجودة بمسمياتها حتى الآن، وقد أكثر الشعراء العرب من التغني بحسن نسائها وجمالهن الأخاذ!. واللائي يرجعن في أصولهن إلى الأمحرا والداموت والبلين والانجشة والجبرت والزيلع وقموا ...الخ.
ومما قيل في الحبشيات كذلك:
* حبشيـــة ســألتهــا عــن جنسهــا فتبسمــت عــن در ثغر جوهر
* فطفقت أسأل عن نعومة ما خفي قــالت فمـا تعنيه حبشي أمـحري
ومنه أيضا:
* يا سائلي عن زيلع وعن طريق الحبشــة
* صحبتهــا وصيفـة بـحسنهــا مشربشـة
* تذكر أن أصلهــــا مـن فتيات الانجشة
* وعمها الخال فيـــا طوبى لمن قد خمشـة
وهذه قصة طريفة وردت في (الجواهر الحسان للحفني القنائي) أن جعفر بن أبي طالب حين قدم على رسول الله (ص) من الحبشة سنة سبعة للهجرة، وكان ذلك في خيبر عندما فتحها النبي(ص)، وقام إليه صلى الله عليه وسلم وعانقه وقبل جبهته وقال له: أشبهت خَلقي وخُلقي، وما أدري بأيهما أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر، فهام عند ذاك جعفر من لذة الخطاب وصار يحجل حول النبي (ص)، والحجل هو المشي على رجل واحدة بما يشبه الرقص، وفي رواية فصار يرقص فقيل له: ما هذا يا جعفر؟ فقال: هذا شئ رأيت الحبش يفعلونه بملوكهم، فأقره النبي (ص) ولم ينكره عليه! والحجل هذا ما يزال يمارسه المسلمون الارتريون، خاصة الجبرته في أفراحهم وفي أعيادهم، على إيقاع المديح النبوي، فيهيم الواحد منهم صائحا نبيييي! ويحمل سيفه أو عصاته راقصا على رجل واحدة تتبادل المشي مع الأخرى في تناغم وانسجام مع الإيقاع، ويسمونها (مِدِبًّال)!.
والى اللقاء في الحلقة الثالثة بإذن الله، واستودعكم الله،،،
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.