معالم خالدة عن المعاهد الدينية بمدينة كرن بعد الاستقلال - الحلقة الثانية والأخيرة

بقلم الأستاذ: محمد نور فايد - ملبورن، استراليا  المصدر: عونا

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين في امور الدنيا والدين

في اليوم الرابع وفي الجلسة الاخيرة للاجتماع

وكحل لمشكلة المعاهد الدينية بمدينة كرن، والتي كان قد صرح الوزير براخي قبر سلاسي عنها وقال في مدينة كرن هذه السنة ستكون الدراسة باللغة التجرنية، اما السنة القادمة فسوف ندخل لغة التجري، اما بالنسبة للمعاهد الدينية فلابد من قفلها، حيث ذكرنا ذلك في الحلقة الاولي. عرضت للوزير بدلا من ان تقفل هذه المعاهد نري ان يطلب منها ان تدرس منهاج وزارة التعليم بجانب موادها الدينية.

كما اقترحت أن تفتح مدارس ابتدائية جديدة تدرس باللغة العربية وذلك تلبية للراغبين من ابناء الارتريين العائدين من المهجر والراغبين من طلاب المعاهد بالداخل ليدرسوا فيها. لم يرد الوزير علي اقتراحاتي في تلك الجلسة وكان الشهيد برهاني حقوس يسجل حرفيا كل ماكنت اقوله والله يشهد فيما كنت اقول وهوخير الشاهدين وكفي بالله شهيدا وحسيبا. بعد اختتام الاجتماع غادرت قاعة الاجتماع والكائن بوزارة التعليم باسمر، وانا قلق خوفا من رفض الوزير لاقتراحاتي وتوصياتي.

وبعد لحظات من انفضاض الاجتماع رأيت الشهيد برهاني حقوس يهرول نحوي ليحقني وهو يقول يا استاذ توقف انتظرني... انتظرني فتوقفت ودخلنا مكان للمرطبات ثم قال لي انت انقذت اليوم ليس وزارة التعليم وحسب بل انقذت الدولة من ارتكاب اخطاء جسيمة. ثم اردف قائلا ان اللغة العربية هي لغة عالمية حية ولكن مع الاسف ان جماعة الجبهة الشعبية لايعرفون مكانتها واهميتها و قيمتها عند الشعب الارتري. واطمئن يا استاذ محمد نور فايد كل الاطمئنان بانني ساقنع الوزير براخي بنفسي ليطبق توصياتك ويجعلها واقعا ملموسا للشعب. وفي نهاية اللقاء شكرت المناضل على اطراءاته وارائه وحديثة القيم عن اللغة العربية ثم أ نصرفنا.

وبعد عودتي الي مقر عملي بمدينة كرن كلفني مدير تعليم عنسبا المناضل ولدي ميكيل (والذي كان حاضرا لاجتماع وزارة التعليم باسمرا) لاذهب الي بلدة حقات التي بها مدرسة واحدة تدرس بالتجريبنة.

وامرني ان أقسم الطلاب هناك الذين يدرسون باللغة التجرنية الي قسمين وبدوامين. القسم الاول يدرسون فيه الطلاب باللغة التجرينية بدواما صباحا والقسم الثاني ان يدرس فيه الطلاب اللغة العربية بدواما مسائيا. وكما هو واضح ان مدير تعليم عنسبا المناضل ولدي ميكيل قد كلف من قبل وزارة التعليم باسمرا ليقوم بهذا العمل. وماهي الابضعة أشهر حتي بنيت مدرسة جديدة تدرس باللغة العربية بمدينة حقات سميت بمدرسة الامل وهذا دليل اخر يوضح بجلاء قبولهم لرؤيتي واقتراحاتي السابقة وفهموا مكانة واهمية اللغة العربية في ارتريا وحب الشعب لها.

وفي مدينة كرن بنيت بوجه السرعة عام 1992 م ست فصول دراسية كمدرسة مستقلة تدرس باللغة العربية. بدأت المدرسة الجديدة بتدريس 700 طالب وبالتنسيق مع ابني الاستاذ موسي سلمان الموجود بالسعودية حاليا وتحديدا بمدينة جدة والذي اخترته لكفأته ليكون مديرا للمدرسة وبالتنسيق معه قمنا بتسمية المدرسة باسم مدرسة الفجرالا بتدائية.

في شهر سبتمبر 1992م ومع بداية العامي الدراسي الجديد حضر المئات من الاسر برفقة ابنائهم الي مدرسة الفجرالابتدائية وفوجئوا بان المدرسة لم تبني فصول جديدة لاستيعاب طلاب جدد وان كل الفصول ملئية بالطلبة القدامى. فرفض الاهالي مغادرة المدرسة احتجاجا علي عدم وجود فرص للتعليم لفلذات اكبادهم فطلبوا من المدير ان يجد لهم فصولا لتعليم ابنائهم وحل معضلتهم. فاستدعي مدير مدرسة الفجر مسؤول التعليم باقليم عنسبا للتشاور بهذا الشأن. فأمرني مدير تعليم عنسبا من مكتبه وكلفني ان اذهب لحل هذه المعضلة بمدرسة الفجر الابتدائية واتفاوض مع الجماهير المحتجة.

وعند وصولي للمكان هدأت الجماهير وكونت لجنة من خمسة اشخاص من الاسر المحتجة وكان من ضمن اعضاء اللجنة طالبي محمد مية وهو موجود حاليا بامريكا الشمالية. وقلت لهم يجب ان يذهبوا الي حاكم الاقليم وهو المناضل اسمروم قرزقهير. و يقولوا له: نحن مكلفين من الجماهير ونطلب منكم فتح مدرسة عربية جديدة لأبنائنا والا فسوف تقوم الجماهير بمزيد من الاحتجاجات والمظاهرات ضدكم. وعند وصول لجنة الاسر المحتجة الي مكتب الحاكم باقليم عنسبا وسمع الحاكم خطاب الاسر اتصل الحاكم مباشرة بوزير التعليم باسمرا وهو المناضل عثمان صالح وبحضور اللجنة وفي داخل مكتبة، طمئن الوزير عثمان صالح بحل هذه المعضلة ووعد بزيارة مدينة كرن للاشراف بنفسه علي الموقف.

وكما هو معروف ان السيد عثمان صالح عين وزيرا للتعليم بدلا من المناضل براخي قبري سلاسي الذي نقل كوزير للاعلام.

وفي اليوم التالي حضر المناضل الوزير عثمان صالح الي كرن وراي بام عينيه الحشود الجماهيرية الكبيرة التي كانت تحيط بمكتب التعليم بكرن. التقي الوزير بنا كاعضاء لادارة التعليم باقليم عنسبا ثم امرنا بالبحث عن مكان مناسب لبناء مدرسة جديدة اخري لابناء الاسر المحتجة. سالنا الوزير عن الحل الفوري لهذه المشكلة فاقترحت له ان تبني مباني مؤقته (رواكيب) كفصول للطلاب ليدرسوا فيها بصورة مؤقتة حتي تبني الفصول بالمواد الثابتة وقبل راي ثم غادر الوزير عثمان صالح الي اسمرا.

شرعت بحل تلك المعضلة فورا فامرت ثلاثة من المعلمين الموجودين مع الجماهير ليسجلوا اسماء الطلاب الجدد وفي زمن قياسي سجل المعلمون الثلاثة الف وسبعمائة طالب يرغبون الدراسة باللغة العربية. بنيت الرواكيب خلال عشرة ايام وقد اقترحت ان يكون اسم المدرسة هو مدرسة النهضة الابتدائية. بدأ الطلاب الدراسة في تلك الفصول المؤقته ثم بنيت عشرون فصلا ومرافق اخرى علي وجه السرعة في ارضية تمتلكها اسرة المرحوم ابوبكر يعقوب وبحمد الله تم تعويض الاسرة الكريمة ودفع قيمة ثمن الارضية وللعلم ان اختيار المكان للمدرسة الجديدة كان من قبل بلدية كرن ولم اكن طرفا فيه. انتقل الطلاب الي الفصول الجديدة، ومازالت مدرسة النهضة الابتدائية موجودة بحمد الله الي اليوم وهي في حالة توسع كبيروشامل.

وفيما يتعلق بالمعاهد الدينية بكرن فقد وافقت وزارة التعليم علي اقتراحي وهو ان المعاهد الدينية يجب ان تدرس المنهج الارتري بالاضافة الي تدريس موادها الدينية. وقد وافقت المعاهد الدينية علي تدريس المنهج الارتري مع المواد الدينية. الا ان هنالك معهدين خالفوا بقية المعاهد ورفضوا تدريس المنهج الارتري. أجبر هذين المعهدين لاغلاق ابوابهما لمدة سنتين بسبب رفضها تدريس المواد الاكاديمية الارترية. وهذان المعهدان هما معهد الامام البخاري ومعهد اصحاب اليمين بكرن. وقد نصحت مرارا وتكرارا مسؤلا المعهدين ليقبلوا طلب الوزارة الا ان مدير معهد البخاري رفض الفكرة متعللا بحجة عدم وجود معلمين اكفاء للعمل معه. أما مدير معهد اصحاب اليمين فقد كان متعنتا كثيرا وقال لي حرفيا (خلي يقفلوه ونحن نعرف كيف نفتحوا مرة تانية).

عموما، هذا الانتصار الكبير للغة العربية لايمكن ان يحصل لو لا توفيق الله، وقوة وعزيمة وارادة الشعب الارتري البطل ومطالبتة بحقوقة الشرعية، وانتزاعها من زبانية الجبهة الشعبية الذي لايحبون العربية وثقافتها فالحقوق كما قيل تُنتَزع ولا توهب.

وبحمدلله وبفضله ثم مساندة الشهيد برهاني حقوس سلمت ونجت المعاهد الدينية من القفل وفتحت مدارس اخري للتدرس باللغة العربية وهي النهضة، الامل والفجر. والغريب في الامر ان الشهيد برهاني حقوس وجد مقتولا في بيته ولايستبعد ان اغتياله كان انتقاما بما قام به من عمل انساني ووطني جبارفي خدمة اللغة العربية والتعلم بها.

واختم قولي بان الحقُّ أبلجُ والباطل لجلج، و ان الحق يعلو ولا يعلى عليه، ومهما طالت الايام لابد من ظهور الحقيقة (مقتل الشهيد برهاني وتشريد الشعب وغيره من مظالم الشعبية الكبيرة)، وهي ما نتطلع إليها دائما وابدا.

والسلام عليكم ورحمة الله

Top
X

Right Click

No Right Click