العيد في بركنتيا
بقلم الأستاذ: حسين رمضان
أرويها بعقلية الطفولة الحادة واجتر بعض المشاهد الاحتفالية العالقة بالذهن في حاضرة عنسبا بركنتيا
وما يصاحب ذلك من عادات وتقاليد تفاؤلية وهي عبارة عن موروثات أبا عن جد ولذلك نجد لها طعم وأهمية خاصة في نفوس سكان بركنتيا... فعندما يأذن رمضان بالرحيل بأنقضاء أيامه بغروب شمس آخر يوم منه.
ومن ثم ثبوت رؤية هلال شهر شوال بالعين المجردة او عن طريق الراديو وفي الغالب قليل من يمتلكه من الأفراد إلا الأعيان طبعاً ذلك لمحدودية الإمكانيات، فمجرد الإعلان ثبوت الهلال تقوم الجميع خاصة الأمهات باللغة المحلية (ورح بركت ورحمت نؤش لعبي ديبا وقاشيانا لإتي ديبا وعمساتنا تولد ديبا.. الخ) وهي ادعية في مجملها تطلب من الله أن يكبر فيها الأطفال ويعود المسافر بالسلامة ويشفى فيها المريض وتلد فيها الحامل...
ثم تبدأ الإستعدادات من التجهيزات المطلوبة ليوم العيد مثل الملابس وترتيب البيت وإن كان هو بسيط في محتوياته وما يلزم من ذلك من كنس الحوش وهو عبارة عن برحة صغيرة في مقدمة البيت ولا يوجد بطبيعة الحال حواجز بين البيوتات فهي متقاربة جدا بل تكون أحيانا متلاصقة ويتم الترتيب على الوجه الذي يليق بهذه المناسبة السعيدة السنوية ثم إذا ما أصبح الصبح يصلي أفراد الأسرة صلاة الفجر..
ثم تقوم ربة البيت بإشعال شيء من القش والحطب أمام البيت تفاؤلاً وتيمناً بالعيد بان يبدل الله الأحوال إلى خير وسلامة وسعادة، وأول عمل يبدأ به من ليلة العيد وصباحه توزيع زكاة الفطر وهي عبارة عن صاع (ربعيت) من قوت أهل البلد مثل الدخن والماشيلا وخلافه.. وتوزع على الفقراء والمحتاجين من الأقارب والجيران.. ويقوم بتوصيلها الأطفال..
وبعد ذلك يتجهز الجميع من الرجال والنساء والأطفال بلبس الملابس الجديدة والطيب بالعطور الفواحة واذكر منها (بنت السودان والسيد علي) ثم الظهور في حلية جميلة ويحملون معهم سجاجدهم وفرشهم وينطلقون أفراداً وجماعات مكبرين إلى مصلى العيد وهو عبارة عن برحة واسعة تبعد عن وسط المدينة واحد كليو متر تقريبا.. وتسمى (طايت عرفا) ويقصدها بالإضافة إلى سكان بركنتيا بعض القرى والهجر المجاورة لها ويستمر المصلين بالتكبير والتهليل حتى تشرق الشمس وترتفع قدر رمح كما هي السنة..
ثم يؤدون صلاة العيد الرجال والأطفال في المقدمة والنساء في المؤخرة... وبعد الفراغ من الصلاة يهنيء الحضور بعضهم البعض ثم يتجه موكب المصلين يتقدمهم الوجهاء ومسؤولي الادارة الأهلية إلى وسط المدينة ويحضرني من الأسماء التي تتقدم الموكب الخال نور محمد هداد والخال محمد جمع والخال هداد فكاك محمد، وعبدالنور حاج... وهم يسيرون في موكب مهيب وألسنتهم تلهج بالتكبير والتهليل حتى يصلوا إلى مكان يسمى (مصلى) وهو عبارة عن دائرة محاطة بالحجارة ومفروشة بالرمل الناعم وكانوا يصلون فيها الأوقات الخمسة ويعقدون فيه الاجتماعات الخاصة بالإدارة الأهلية وذلك قبل بناء المسجد الحالي..
فيحتلقون حول المصلى بعد قدومهم من مصلى العيد، ثم يبدأ الوجهاء بترتيل المدائح النبوية الشهيرة ويردد الآخرون معهم تلك التراتيل في صوت شجي جميل يشنف الآذان ويسر الخاطر ويشرح الصدر، واذكر من المدائح مثل (صلو عليه، صلو عليه، على المصطفى بحر الوفى...) (الله الله جلا الله الله) والأطفال والصبيان مستأنسون بهذه التراتيل الشجية ذات الإيقاع الجميل والنساء يزغردن من على البعد وهكذا... ثم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويتعانقون مهنئين بعضهم البعض مسرورين فرحين في منظر بهي ولوحة تلاحمية رائعة بين الصغار الكبار..
ومن روائع العادات الحسنة.. يبدأ الصغار من الأسرة بزيارة الكبار من الجدود والجدات والآباء والأمهات... ويأخذون منهم المباركة والدعوات الصالحات مثل أن يقال لهم (هبت إتا ونإسا ديبا.. وسمي ديبا وتأتي ديبا ...الخ).
ومن الأشياء التي تقدم في المعايدة للكبار العصير والحليب والعصيدة.. أما الصغار يدهن رأسهم بالطيب وعيونهم تحكل بالكحل ويقدم لهم الحلوى (مينتا).. وهكذا تستمر المعيادة لمدة ثلاثة أيام..
وهذه لمحة بسيطة عن مظاهر ومراسم العيد في بركنتيا حسب ما يحضرني من المشاهد.. ومن كان لديه شيء من ذلك فليكمل..
اللهم ردنا إلى أوطاننا ردا جميلاً...
وأعد علينا رمضان أزمنة مديدة.. وأعواما عديدة والجميع في صحة وعافية.. آمين