رمضانيات أغرداتية 3 من 4
بقلم المناضل: حُمد محمد سعيد كُلُ - ديبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي - لندن
فى الحلقة الثانية، كنا قـد أنهيناها بذكر أسماء شيوخ جاليات ابناء اليمن والسودان والتكارين فى مدينة أغـردات.
كان أول مسحراتي فى أغـردات فى الحلقة السابقة المغفور له حامد قناد، وفى هذه الحلقة نأتى للمسحراتي الثانى.
المسحراتى الثانى وهو العم سيد، والعم سيد فى ذاك الزمن اضاف تعابير جديدة اثناء قيامه بايغاظ الناس للسحور، هذه التعابير اذا نظرنا اليها او تمعناها فى الوقت الحاضر نعتبرها عادية، لكننـا فى ذاك الزمن كنا نعتبرها جديدة.
تبدأ جولة العم سيد باتجاه شمال المدينة بحي (دبت سكر) ثم ينحرف قليلا الى حي (دوم الحلة)، ثم يتجه غربا الى (حلة سودان)، ويواصل العم سيد مشواره الى (حلة تكارين والحلنقة)، ومنها يتجه الى الشرق فيمر بالاحياء الموجودة شمال السكة الحديد، ويواصل عابرا (حلة حبش وعد قمروت)، ومنها يسمع نداءه منازل (حسب حمد رورا وأل الحسن حسنو).
هذه الاحياء تسمع دقات طبل العم سيد وفى طريقه يخترق (عد قمروت) ويواصل الى (حلة جبـر) ويأتى قريبا من سوق المواشى حيث تسمعه (حلة خمسين) ومن بعيد تسمعه (حارة عد غصب)، وحين يصل قريبا من حلة (قبـو)، وهنا يعرج العم سيد على الشارع الرئيسى القادم من تسني او كـرن، متجها الى السوق، واثناء سيره تسمعه بالجانب الشرقى المنازل المتكئة على الجبل، وايض المنازل الموجودة فى الجانب الغربى، مع عبور هذه الاحياء ينتهى طواف العم سيد.
بقى ان نعرف ان حامد قناد اثناء نداءه كان يكتفى بسحورك ياصائم، وهو مشكورا كانت هذه حدود معلوماته فى ذاك الزمن الجميل، أما العم سيد وهو الآتى من مصر جاءت معه تعابير جديدة، تعبير جديدة مع سحورك يا صائم أصحى يا نايم وحد الدايم، ثم من بعد 17 رمضان يبدأ بـ ودع ودع شيخ رمضان، ربما هذه التعابير عند البعض فى أغردات كانت معروفة، اما الغالبية ارتاحوا لها وحيوها.
الساهرين فى المقاهى يبدؤون فى الانصراف، بعضهم يتسحر فى السوق، وسحور السوق هى (المخبازة). كان فى سوق أغردات ثلاثة خبازين، فالأول هو السيد/ محمد علي هاكين، وكان مخبزه داخل مطعم اليمانى الذى كانوا يسمونه (الرياشي)، وكان فى هذا المطعم فسحة فى الداخل، وكان محمد علي هاكين ومخبزه يتواجد فى تلك الفسحة، وكان حائط هذا المطعم من الخلف يفتح على متجر (أفتيميـو فنجراريس)، وكان الخباز الثانى العم سـيف، وهو يمني يقع مخبزه عند النزلة من محافظة أغـردات، او مايطلق عليها (الكماسارياتو)، ومن الناحية الشرقيه ليس بعيدا من دكان العم باحكيم، وهو ايضا أمام مقهى العم (أنقلوي).
والمخبز الثالث كان يفتح على الجامع، فى ذاك الزمن كان الفول للافطار فقط وبالتحديد من الساعة السادسة الى الثامنة صباحا فقط.
أما مساهرى المقاهي الآخرين يتجهون الى منازلهم فى هذا الوقت، وعندما تصل الى حارتك اول شيئ يطرق آذانك هو ضربات مدق البن، وطبعا كثير من الاحياء الغير ميسرين، والميسرين ايضا يفضلون غالبيتهم (العصيدة) بالقمح او الذرة والسمن والحليب رايب، وبعضهم يكتفى بشراب الحليب فى السحور.
تكارين أغردات ماكانوا يلتزمون بتوجيهات القاضى الشرعي بالصيام او بالعيد، هم يطبقون حرفيا صوموا وافطروا بالنظر، ويشاركون المدينة فقط فى عيد الأضحى.
الخياطين او الترزية يتلقون ملابس العيد من بعد الاسبوع الأول من شهر رمضان وحتى الاسبوع الثالث من نفس الشهر، وبعد ذلك لا يتقبلون أي قطعة قماش لتراكم الملابس عندهم الآ فيما ندر، او تقديرا للزبون ولأبناءه حتى لا يحرموا من فرحة العيد.
يبدأ الترزية من يوم 17 رمضان السهر لخياطة ملابس العيد، وكل مجموعة منهم تتجمع فى (البرندات) وانا هنـا افضل ان اكتبها بالعامية الاغرداتية، وتجهز الانارة بواسطة (الرتاين) أي الفوانيس الكبيرة، ويستمر السهر حتى ليلة العيد.
كان اكثر الترزية تجمعا فى ذاك الزمن فى البرندة التابعة لدكان العم رشيد محمد همد رحمه الله المراحيم الزبير ناكورة ومحمد يوسف وهمد ابو الفتح، وكان هناك عـدد آخر من الترزية رحمهم الله كانوا يساهرون فى دكاكينهم الخاصة، منهم العم الحجى عيسى وعبد الله سعد وعمر باصمبح ومحمد سعيد أبرا، وكان المرحوم عافة علي والعم أمان فى دكان واحد، وايضا المرحوم طاهر بهتـه وابن عمه امام بهتـه، والمرحوم حسين راجح، والمرحوم العم حسين جعفر والد الأخجلال حسين، وليعذرنى القارئ ان نسيت اسماء اخرى.
كان معظم شباب أغـردات فى ذاك الزمن يفضل ملابس عيده ان يفصلها له المغفور له محمد سعيد أبـرا.
تستعد الاسر لاستقبال العيد وذلك من خلال تجهيز الخبيز لصناعة الكعك وشراء الحلويات وشراب (المينتـا)، أما الشيئ المشترك بين الاسر الميسرة والفقيرة هو الفول والتمر.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة