رمضانيات أغرداتية 1 من 4
بقلم المناضل: حُمد محمد سعيد كُلُ - ديبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي - لندن
شهر رمضان، شهر مبارك له نكهة خاصة فيه البركة والسكينة والتراحم والألفة بين الناس.
مع الاسبوع الاخير من شهر شعبان تستعد الأسر لاستقبال شهر رمضان المبارك.
الأمهات يسقين أبناءهن الذين وصلوا طور تحمل الصيام (الشربة) لأنه كما يعتقد ينظف المعدة ويقلل من البلغم. والشربة هي خليط من (السنمكي) ويخلط بـ (التمر هندي).
والتمر هندي يسمونها في السودان (العرديب) وبالتغري يسمونه (قَطّي). تبدأ الأمهات بتحضير العجين ليصنع منه (الأبري) الأبيض.
في ذاك الزمن لم يستعمل الناس في أغردات (الحلو مر) ولم يعرفوه وهو خاص بالسودان. وعجين (الأبري) الأبيض يختلف من أسرة لأخرى، فالأسر الميسرة يعطون الذرة الذي يصنع منه (الأبري) لل(حجيات) أو (التكرونيات). والتكرونية في بيتها (تفندقه) في (فندق) كبير ثم يطحنونه في مطحنة صخرية وليس آلة طاحنة، ثم يعجن، أما باقي الأسر فيكتفون بطحن الذرة في الطواحين الآلية.
ديمًا قبل ظهور صناعة الطواحين الآلية، كل أسرة كانت تملك في منزلها مطحنة، أثناء عملية الطحن ينزل الذرة المطحون من أمام المطحنة ليستقلبه شكل سجاد مفروش على الأرض تحت المطحنة ويسمونه بالتغري (سِفال). قبل قدوم رمضان بيومين يكون (الأبري) الأبيض جاهز، وهو عبارة عن كسرة خفيفة رهيفة جدًا. قبل الإفطار بزمن يكسر داخل وعاء كبير ويصب فيه الماء والسكر، والبعض يفضله بدون السكر، ويقولون انه يروي ظمأ الصائم.
مائدة الصائم عند الميسورين تتكون من الماء والتمر (العجوة) - في السودان يفضلون تمر البلح الناشف - و(الأبري) وعصير الليمون والقمر الدين والكركدي واللقيمات و(السامبوسا) والمشبك. أما الأسر الفقيرة فتكتفي ب (الأبري) والليمون والتمر، وبعد صلاة المغرب يبدأ الأكل. الميسورين تكون موائدهم عامرة أما الفقراء فيكتفون بالعصيدة.
قديمًا كان يقال في أغردات رمضان والعيد يخرجون من دكان (باحكيم)، وباحكيم تاجر يمني يفتح متجره وسكنه على ساحة جامع الأرواح، وجامح الأرواح ساحة يتجمع فيها الناس في العصريات وهو يجاور من الجانب الشمالي سوق صغير يسمونه بـ (الإسكودرية). وباحكيم ومتجره وسكنه هو الوحيد في ذاك الزمن الذي كان يملك الهاتف/التلفون.
والذي يعلن صيام رمضان أو الاحتفال بالعيد في المدينة هو القاضي الشرعي، فبالإضافة إلى مهامه الأخرى هو أيضًا إمام الجامع وخطيب الجمعة ويؤم الناس في صلاة العيدين. كان القاضي في ذاك الزمن لا يملك هاتف في مكتبه أو منزله، وأخبار الرمضان والعيد دائمًا تأتي من أسمرا في المساء في الوقت الذي تكون فيها الدوائر الحكومية مغلقة. ومفتي الديار الإريتري في أسمرا كان المسئول الأول عن كل القضاة الشرعيين في كل انحاء اريتريا، فمثلًا في حالة ثبوت هلال شهر مضان أو العيد فإنه يهاتف القضاة وفي غالب الأحيان في ذلك الزمن كان معظم العالم العربي والإسلامي يعمل بتوجيهات الأزهر الشريف بمصر.
القاضي الشرعي في أغردات يتجه مع نهاية العصريات إلى دكان باحكيم وينتظر مكالة هاتفية من المفتي بأسمرا وعلى ضو تلك المكالمة يحدد إن كان يوم غد أو بعد غد صيام شهر رمضان، والناس في ساحة جامع الأرواح القريب من المتجر ينتظرون بلهفة، أما الناس الذين يتواجدون في أماكن بعيدة فينظرون إلى منارة الجامع، ان هي مضيئة فهذا يعني غدا صيام رمضان، لهذا يقول أهل أغردات شهر رمضان أو العيد يخرج من دكان العم باحكيم.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة