إقليم سمهر أرض الحضارات في إرتريا
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ
إقيلم سمهر بموقعه الجغرافي المحازي للبحر الاحمر إشتهر بوجود حضارات عريقة نشأة وتلاشت
على أرضه ولم يتبقي منها إلا الأثار التي تدل على تلك الحقب التاريخية التي مرت بتلك البقعة الجغرافية من وطننا الحبيب إرتريا.
وإن الشاطئ الممتد على طول البحر الأحمر شكل المعبر الذي دخل عبره المهاجرين الجدد الذين أسسوا حضارات عريقة نشأة على ضفاف شواطئه أسوة بالفينيقين واليونانين والفرس والفراعنة والروم.
شكلت مصوع "باصع" وحرقيقو وزولا ودهلك وأدوليس وأرافلي وغيرها من تلك المدن الساحلية والجزر الإرترية مهدا للحضارة في منطقة شمالي شرقي أفريقيا.
وأهم عامل يمكن ذكره هنا هو الموقع الجغرافي وخاصة إن جزيرة دهلك قريبة من الشواطئ العربية والافريقية وطرق الملاحة الدولية في البحر الاحمر.
دهلك مهد الحضارة في منطقة البحر الاحمر وشمال إفريقيا:
يقع أرخبيل دهلك وهي مجموعة جزر أهمها دهلك كبيرعلى بعد ستين ميلاً مقابل مدينة مصوع التاريخية العريقة واشتهرت كمركز لتجارة اللآلئ والتروس المصنوعة من جلود السلاحف والأسماك المجففة والعبيد وريش النعام، ويصفها اليعقوبي في القرن التاسع الميلادي بأنها احدي المراكز الرئيسية التي كان العرب يتعاطون فيها التجارة مع الحبشة وسكنها السلاطين وأصحاب الجاه والثراء.
ونتيجة لتوافد العلماء والشعراء العرب إليها شهدت أنواع من فنون الكتابة والنقش وهذا يتجلي في النقوش الكتابية التي تزين الأضرحة ومنابر المساجد ومداخل القصور بإستخدام الخط الكوفي.
دهلك منذ القدم سكنتها أجناس بشرية من مختلف مشارب الكرة الأرضية حيث:-
1. قصدها المصريون في عهد حتشبسوت في طريقهم إلي بلاد "بونت" حيث كانوا يستوردون البخور والجلود عبر ميناء ارافلي التاريخي.
2. قصدها اليونانيون في عهد البطالسة في مصر وذكرها المؤرخ الذي إكتشف البحر الاحمر الارتري/ بربلوس ارتريوس في القرن الأول الميلادي باسم "اليوس"، وأشار إليها المؤرخ اليوناني ارتميدس باسم "إليا".
3. وصل إليها الفرس في عهد "خسرو" بعد فرض سيطرتهم علي اليمن في القرن السادس الميلادي وطردهم الاحباش من اليمن، ولصراعهم مع الامبراطورية الرومانية، مدوا سيطرتهم علي دهلك، وحفروا بها الخزانات على الصخور لحفظ المياه العذبة وفقاً لتقاليدهم تملؤها مياه أمطار ديسمبر - يناير - فبراير حيث تتوفر بها المياه العذبة حتى يومنا هذا.
وتذكر الوثائق البرتقالية وفقا لما جاء في كتاب رسالة البو اكيرك 4-12-1513 إن سلطان دهلك أكرم وفادتهم في بداية الأمر كضيوف وفي اليوم التالي عادوا إلينا مع الهدايا من الحليب واللحم والعسل وابلغونا رغبة الملك في التحدث إلي "الكابيتانو" فيما سلموا السفير رسالة إليه يعرب فيها الملك عن سروره بمجيئه، وبعد ثلاثة أيام وصل الملك أى ملك دهلك وكان يحرسه 500 جندي مسلحين بالنبال والأقواس والتروس وبعض السيوف الشبيهة بسيوفنا.. وأولو الشأن منهم كانوا يمتطون الجمال والخيول العربية السريعة وكان معهم عازفون علي آلات موسيقية يعزفون عليهاحسب الأعراف المحلية وكان الملك يرتدي وفقا للطريقة العربية سترة حريرية مطرزة بالذهب: شاب في الخامسة والعشرين، اسمر غامق اللون، اسود الشعر، شأن سائر مسلمي بلاد العرب السعيدة.
وعن هذه الحملة يقول "داميا دي غوريش" في كتابه "تاريخ الملك دوم عمانويل": "إن ثمة مدينة واحدة نبيلة المظهر تحت اسم الجزيرة نفسه وبعض الضيع لها مظهر القرى... وكان السكان قد حملوا معهم كل شيئ تخوفها من هذه الحملة فلم نجد سوي بعض القطعان التي كانوا قد ذبحوها بما فيها الجمال... وبعد أن حكم ديغو لويس بأنه ليس هناك شئ يفعله في هذه النواحي أمر بهدم البيوت المبنية بالحجر والكلس وبعد ذلك أمر بحرق المدينة ليكشف عن نواياه الحقيقية لو كان وجد المدينة عامرة بالسكان.
ويذكر البرتغاليون أن السلطان احمد بن إسماعيل تصالح معهم وخضع لنفوذهم حتى وفاته في عام 1540م غير إن عرب فقيه الجيزاني في كتابه (فتوح الحبشة يشير) إلي إن السلطان احمد حاكما علي دهلك وحرقيقو من قبل الإمام احمد بن السلطان احمد بن إبراهيم فاتح الذي قتل بأيدي البرتقاليين عام 1543م بعد إن إستجابوا لنداء ملك الحبشة ضد الفتح الإسلامي الذي دام نحو عشرين عاما.
وعند ظهور الاسلام إرتبطت جزيرة دهلك والجزر التاب عة لها بالامبراطورية العربية وإتخذها العرب كمنفي للمغضوب عليهم منذ عهد الخيلفة عمر بن الخطاب ثم تم إحتلالها عام 84 هـ من قبل الدولة الاموية وأصبحت مقراً لهم لحماية طرق التجارة في البحر الاحمر.
ويقول عنها المؤرخ البريطاني أ. بولفي كتابه تاريخ قبائل البجا بشرق السودان - عبرالسبئيون الذين كانوا يشكلون القوة الغالبة في جنوب الجزيرة العربية البحرالأحمر بحثا عن التجارة، واحتلواجزيرة دهلك الساحلية، ومن ثم توغلوا إلى الداخل ليستقروا في أرض بلاد الحبشة الواقعة الان فيما يعرف بإرتريا وإثيوبيا، كان ذلك بزمن سحيق من مجيئ المسيح،قد يكون ذلك في عام 1000قبل الميلاد، أوعام 600 قبل الميلاد.
ويقول عنها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان دهلك اسم أعجمي معرب وهي جزيرة في بحراليمن، وهومرسى بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيقة حرجة، كان بنوأمية إذاسخطواعلى أحد نفوه إليها.
ومن أشهرمن نفي إليها الشاعرعمربن أبي ربيعة الذي تطرق إلى العديد من النساء في شعره وتعرض لهن، وحيث ضاق بعبثه الخليفة عمربن عبدالعزيز نفاه إلىجزيرة دهلك جنوبي البحرالأحمر حتى مات هناك سنة 712.
في الختام تشكل سكان دهلك في معظمهم من الهجرات التي شهدتها الجزيرة طيلة قرون خلت وغالبيتهم من اليمن حيث لا تبعد عن الساحل اليمني سوى خمسين كيلو مترا وإستقر بها الحميرين في عهد سبأ منذ أكثر من الفين وخمسامائة عام يوكد ذلك المورخ الايطالي "كونتي روسيني".
ولنا عودة في مدن أخري من مدن سمهر... يتبع.