من روائع الشاعر حامد عبدالله
بقلم الأستاذ: عبدالعزيز إبراهيم العامري - كاتب وفنان تشكيلي
الغزل في لسان عنجه
يقول الشاعر حامد عبدالله، إن الشعر هبة ربانية يولد بها الإنسان،
وما دون ذلك فهو إرهاق النفس وتحميلها ما لا طاقة لها به...
الشاعر حامد عبدالله هو شاعرٌ فصيحٌ سليقي لا يلوكُ لسانه، ولقد أفحمَ بلاغة الفصحاء فعجز الشعراء أن يأتوا بقافية من مثل قوافيه.
تعالوا بنا نتأمل هذه الرائعة من روائعه الغزلية التي يقول فيها:
عِنْتاتْ شَرَرْ باسلام وأفْتَتْ برق كِرُومايْ
شِكْنا لَرَحَتْ ود حَراسْ بَعَلَّا هَفيبايْ جموماي
أرْسوغْ لَعَلَتْ دافْنَتو حَواجْبامو قورونايْ
هِلال لَراتِعْ تِرومو كَبِدْ قِلْعامْ بِلومايْ
نَأشْكا عَبيكا أَلَبا شاغَلينا تِكومايْ
مِي نَقْصا لَأوصافْكا أسِئلَنا قِرومايْ
لقد استخدم الشاعر في هذه القصيدة تذكير المؤنث، وذلك لسببين إثنين لا ثالثَ لهما.
أولاً: أنه أخفى اسم محبوبته صيانةً لها ولئلا يظنون بها سوء الظن، وهذه عادة العرب في الغزل (إخفاء الاسم).
ثانياً: أن السطر الأول من القصيدة، انتهى ب(كروماي) وهو وقت السحر، فالسحر هو اسم مجازي مذكر لفظاً ومعنى، وهذه القافية الجميلة(يْ) أجبرت الشاعر على أن يزن القصيدة على وزنها.
شرح الأبيات:
(عنتات شَرَرْ باسلام وأَفْتَتْ برق كِروماي): انه وصف بياض مُقلتَيْ محبوبته بعذوبة ماء نهر باسلام ثم شرع في وصف ثغرها فشبههُ بضوء البرق في السحر (قبل صلاة الفجر) أي الوقت الذي يدبر فيه الليل ويقبل النهار...
(أفْتَتْ) تصغير ل(أفْ) كقولنا فويه تصغيراً للفم.
(شِكْنا لَرَحَتْ ود حَراسْ بَعَلا هَفيبايْ جِموماي) وفي هذا البيت، وصف نعومة قدميها بنعومة راحة قدميْ المولود، التي أنعم من وبر الأرنب وأملس من الحرير، ثم أردف فقال (بعلا هفيباي جموماي) أي ذات الخصر النحيل الضامر...
ما من شاعر تغزل بمعشوقته إلا وذكر هذه الصفة، ل ان الخصر النحيل من تمام جمال الحسناوات.
(أرسوغ لَعَلَتْ دافْنَتو حواجبامو قوروناي) عَلَتْ هي لمة ناعمة تنمو علی رسغيْ الفتاة الجميلة، فإذا خرجت من خدرها وقت الشروق والعشي، تعكس هذه اللمة الاشعة الشمسية، فيخيل للناظرين أنها خيوط ذهبية.
(هلال لَراتِع تِرومو كَبِدْ قِلْعامْ بِلوماي): في البيت السابق، ذكر الشاعر إقتران حاجبيها ببعضهما البعض فقال (حواجبامو قوروناي) وهنا في هذا البيت قال واصفاً إرتفاع قصبة أنفها مع حسنها واستوائها: شماء الأنف كالأحدب المتناقص، (شكل القمر في الربع الأخير)، وقد يسأل سائلٌ فيقول ماذا أراد الشاعر بهذا الوصف الدقيق؟
الجواب: اراد أن يؤكد للناس بأن هذه الصفات الجميلة، لا تجتمع إلا في فتاةٍ عربيةٍ أصيلة.
(نَأشْكا عَبيكا ألَبا شاغَلينا تِكوماي) هنا أفصح عن عمرها فقال: إنها ليست بالصغيرة القاصر ولا بالشهبرة العجوز، بل مُعْصِرٌ بين ذلك قواما.
(تكوماي) يقصد بها نعومة البشرة ولين الجسم.
(مِي نَقْصا لأوصافْكا أسِئلَنا قِروماي) كان بإمكانه أن يفصح عن مفاتنها كاملة مثل النهدين والجيد والمأكمة، لكنه عدل عن ذلك وختم القصيدة بإخبارٍ على شكلِ استفهام (مي نقصا لاوصافكا؟)، لكي يؤكد لها أنه لم يُعرب عن مفاتنها حرصاً منه على صيانتها...
بارك الله في عمر هذا الشاعر النابغة حامد عبدالله.