سياحة في لوحة للتشكيلي محمود دبروم
بقلم الشاعر الأستاذ: يبات علي فايد المصدر: صحيفة الوفاق السودانية
شاهدت للأستاذ محمود دبروم أعمالا كثيرة راقتني كلها، وقد لفتت انتباهي هذه اللوحة التي بين يديك عزيزي القارىء فحاولت المضي
فيها قدما في محاولة لاستنطاقها، إنها لوحة (رمضان كريم).
يوحي هذا العمل بجدية الفنان في التعاطي مع جناب الفن، فقد أرهق نفسه كثيرا، أو فلنقل قد استمتع أيما استمتاع في تشكيله لهذا العمل العظيم حقا، كما أبان لنا مدى تأثره بدينه ووصاياه، فالفنان العظيم دبروم قد وزع العمل بين الكثير من المعطيات، كالماس وأعمال الحديد، ورقعة الشطرنج وانعكاسات المرايا.
يمكننا إدراك براعة الفنان ودرايته بأدوته التي اختارها فيما يلي: منحه مساحة مقدرة للماس، وهو ما هو من حيث القيمة المادية في عالمنا الحسي، وكذلك من حيث الصلابة، وكأنه يقول بمكانة هذا الشهر من حيث القيمة من بين كل الشهور، كما يشير إلى ما فيه من المشقة المقابلة لصلابته وهي التي ذكرها القرآن حيث قال ربنا في تثبيت المسلمين وحثهم على الصوم لما فيه من المشقة "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم" ثم إن في استخدامه انعكاسات المرايا مدعاة للزيادة في الرؤية، وفيها معنى تزايد الحسنات في هذا الشهر الكريم إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى كما أخبرت الأحاديث في هذا الشأن، أما المبالغة فكانت في استخدامه رقعة الشطرنج في وسط اللوحة مما يوحي بقصة صصه واضع الشطرنج مع الملك شهرام، "حيث أمر الملك أن يكون الشطرنج في بيوت الديانة، ورآه أفضل ما علم لأنه آلة للحرب وعز للدين والدنيا وأساس لكل عدل، وأظهر الشكر والسرور على ما أنعم عليه في ملكه منه، وقال لصصه: اقترح علي ما تشتهي،
فقال له: اقترحت أن تضع حبة قمح في البيت الأول، ولاتزال تضعها حتى تنتهي إلى آخرها، فمهما بلغ تعطيني، فاستصغر الملك ذلك، وأنكر عليه كونه قابله بالنزر اليسير، وكان قد أضمر له شيئا كثيرا،
فقال: ما أريد إلاهذا، فراده فيه وهو مصر عليه فأجابه إلى مطلوبه وتقدم له به، فلما قال لأرباب الديوان حسبوه فقالوا ما عندنا قمح يفي بهذا ولا بما يقاربه، فلما قيل للملك استنكر هذه المقالة، وأحضر أرباب الديوان وسألهم فقالوا له: لو جمع كل قمح في الدنيا ما بلغ هذا القدر، فطالبهم بإقامة البرهان على ذلك، فقعدوا وحسبوه، فظهر له صدق ذلك". انظر وفيات الأعيان، وأنباء أهل الزمان، لابن خلكان.
نعم كان لوضع الشطرنج في وسط اللوحة دلالة الزيادة اللامتناهية إكرامًا من الله
تعالى لعباده في هذا لشهر المعظم، كما فيه إشارة إلى "ليلة القدر، خير من ألف شهر".
هذا وتشير أعمال الحديد إلى الحبس، حبس النفس عن الأكل والشرب وسائل المفطرات، كما يمكن أن نستشف منه قسوة الصوم ولكنها قسوة فيها الرضى، ويتضح لنا هذا الرضى في الرسم بهذه الأعمال بصورة أكثر رقة مخالفة ما عليه أعمال حديد السجون، حيث الإرغام والإجبار هناك، والرضى والقبول والفرحة في حبس الصيام.
ولعلي أرى في الدائرة التي حول رقعة الشطرنج حفظ هذا العمل ونيل صاحبه الأجر العظيم من الله.