اللغة العربية فى أرتريا.. التاريخ والمُحيط
بقلم الأستاذ: محمد رمضان - كاتب ارترى
(1) لاشك بأن اللغة العربية فى ارتريا وجودها ضارب فى الِقدم ومُمتد لعصور، فهى ضمن العُمق
العربى جُغرافيةً وترتبط بوشائج قوية تاريخية وسياسية بالمنطقة وإمتلاك أرتريا لأطول ساحل على البحر الأحمر يُبرهن لماذهبنا إليه، كما أنها كانت ضمن الفتوحات الإسلامية كشاهد تاريخى على إرتباطها بالهجرات السكانية وماصاحب ذلك من إنتشار اللغة العربية والدين.
(2) يتكون الشعب الأرترى من أعراق مُتعددة يعود بعضها من الجزيرة العربية وعلى الرُغم من وجود لهجات محلية إلا أنها تجد فى ثناياها مُفردات عربية فُصحى كدليلٍ بوجود إرتباط لصيق باللغة العربية تغير مع الزمن وتحولات التاريخ وحلت محله لهجات محلية بفعل الإنصهار، ولكن ظلت اللغة العربية هى لغة التواصل بين المسلمين الذين يُشكلون غالبية سُكان أرتريا ويقطنون مُعظم أقاليمه.
(3) اللغة العربية ظلت حاضرة فى الدواوين الرسمية حتى فى العُهود الإستعمارية التى تعاقبت على أرتريا وكانت هنالك صُحف يتم إصدارها باللغة العربية والتجرنية ولغات المُستعمر واليكم جدولاً يوضح إصدارات الصُحف فى أرتريا:
فاللغة العربية إذاً حاضرة ومُتجذرة فى وجدان شعبنا ولعل الهجرات الخارجية القادمة من الجزيرة العربية عبر النشاط التجارى لعبت دوراً فى رسُوخها وسط المجتمع الإرترى.
(4) بدأت رسمية اللغة العربية ببداية تكوين الأحزاب السياسية فى ظل الإستعمار فأصبحت هى اللغة الرسمية فى تلك الكيانات كحزب الرابطة الأسلامية التى تأسست 1946م بقيادة الشيخ/ أبراهيم سُلطان، وحركة تحرير أرتريا التى تأسست في نوفمبر 1958 م بقيادة الراحل والأديب/ محمد سعيد ناود، وجبهة التحرير الأرترية التى أنطلقت عام 1961م بقيادة الزعيم/ حامد إدريس عواتى، وبدأ صُراع اللغة يشغل حيزاً بعد دخول أعداد كبيرة من المناضلين الذين يتحدثون لغة التجرنية فى منتصف سبعينيات القرن الماضى للثورة وسُرعان ما أستغل ذلك أصحاب الغرض والطموح الشخصى لهذه الإشكالات ليحققوا تطلعاتهم الشخصية دون أى إعتبار للوطن ومصالح مجتمعاته.
(5) عمل النظام الحاكم فى ارتريا وبشكل مُمنهج للقضاء على العربية ومحَو وجُودها فى الخارطة الوطنية وطَمْسها ووضع برامج تتسق وهذا الهدف كالتغيير الديمغرافى للسُكان، وإعتماد التجرنية فقط فى مؤسسات الدولة، وعدم إيمان قيادة الحزب الحاكم برسمية اللغة العربية بجانب التجرنية رغم أنهما لُغتان رسميتان قبل إستقلال أرتريا بمراحل وتم تضمنيها فى دستور 1952م.
(6) اللغة وإنتشارها عادةً مرتبط بعامل القوة والضعف فإقصاء المكونات الأرترية ذات البعد الثقافى العربى عن المشاركة فى الحُكم وصياغة الحياة العامة فى البلاد أثر وبشكل واضح على اللغة العربية فى ارتريا ولن تعود مكانة العربية إلا بمشاركتهم الفاعلة فى الحُكم وإقامة حُكمٍ رشيد فى ارتريا تكون فيه العدالة أساساً للحُكم، ومهما كان الواقع اليوم فى ظل النظام فارتريا لن يستقر حالها بإستمرار سياسة التهميش والإقصاء والظلم التى يتبعها النظام.
(7) العوامل التاريخية التى تستند إليها اللغة العربية مُتوفرة فى ارتريا فالتركيبة السُكانية ذات البُعد العربى الإسلامى عميقة ومُتجذرة إضافة للمحيط العربى الذى يُحيط بالمنطقة وما يتميز به من قوة وموارد وتأثير كل هذا يُعزز مُستقبل اللغة العربية فى أرتريا وأن محاولات التغييب والتضييق وإنهاء دور اللغة العربية فى أرتريا ضربُ من الوَهم لن ينجح، ولعل هَرولة النظام تجاه دُول المنطقة العربية فى الفترة الأخيرة دليل دامغ على بَوَار رؤية النظام وضحالة فكرته فالأنظمة الواعية تضع حسابات المحيط وإرتباطاته الثقافية والإجتماعية فى عين الإعتبار حتى فى تعاطيها مع قضاياها الداخلية.
(8) وجود لغتين فى ارتريا هو واقع مُعقد ينبغى التعامل معه بواقعية والبحث عن حلولٍ ناجعة لها فالقضايا الوطنية وتوحيد الشعور الوطنى يحتاج إلى مشتركات واللغة هى الطريق لبناء تلك المشتركات، لهذا ينبغى دراسة المُشكلة بدقة ووضع حلول ناجعة لها تراعى الجميع بعيداً عن الإقصاء.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.