لوحات إريترية مراسيم الزواج الكوشي لدي قبيلة البلين
بقلم الأستاذ: سيف اليزل سعد عمر المصدر: سودانيز اون لاين
فى التغيرات المدنية والإقتصادية الإجتماعية يواجه الحفاظ علي التقاليد والمورُوثات الثقافية للمجمُوعات القبلية
تحديات كبيرة.
قبيلة (قومية) البِلين ذات الأصول الكُوشية هى واحدة من تلك القوميات التى تسكن منخفضات إريتريا (عنسبة) فى قري متناثِرة حول مدينة كَرنْ، لازالت تحتفظ بالكثير من تقاليدها ومورثاتها الثقافية.
البلين قبيلة تمثل التعايش السلمى بكل معانيه، فقد قسمهم الدين واللغة والجغرافيا إلي قسمين كان يمكن أن تمثل بذرة نزاعاتٍ قبلية لكن فى الواقع المعاش أثرتْ البلين بهذا التنوع الكبير. فالبلين قبيلة مقسومة بين الديانة المسيحية والإسلام.
فليس غريبا وسط البلين أن يكون الفرد مسلما وشقيقه أو شقيقته أو أحد والديه مسيحياً. ويعتبر البلين حَملَتْ التبشير بالمسيحية (الكاثوليكية) فقد كانوا قساوِستِها والمبشرين بها وكُتِبتْ كُتبِها بلغتِهم التى تسمي البلين. وقسمتهمُ اللغة فأنقسموا بين متحدثٍ بلغة التِقري من جهة الشمال والغرب ومن يتحدث التِقرينجية من جهة الجنوب والشرق. وانقسموا بين ثقافة المرتفعات (الكبسة والحماسيين) وثقافة المنخفضات (قاش - بركة) الإريترية.
ورغم إختلاف المصادر حول أصل تسمية البلين إلا أن جمال بناتها كأجمل نساء إريتريا هو المرجح كأسم لهذه المجموعة، فبلين تعنى باللغة العِبرية (الجميلة). آخرون يُرجِعون أصل التسمية إلي (بلينتو) بلغة الساهُو وتعنى (المسيحية او المسيحى).
أما عن أصول البلين ففيها روايتان يصعب التوثق منهما فالرواية الأولي تقول أنهم أتوا من أقليم لأستا وبوقوس من شمال إثيوبيا والرواية الثانية، وهى الأرجح عندي، تقول أنهم هاجروا من المناطق الشرقية الشمالية من السودان و تحديدا من مملكة كوش.
بناء على مشاهدات عامة وحضور للعشرات من مراسيم الزواج فى دول القرن الإفريقي هناك ملاحظتان. ألاولي أستطيع أن أقول أن مراسيم الزواج الإريتري عموما هى الأكثر تفاصيلاً وتنوعاً وتنظيماً. وهى عادة ما تستغرق أسابيعاً وشهوراً فى الإعداد والتنفيذ يشارك فيها جميع أفراد العشيرة والأسرة بدرجات متفاوتة. زواج البلين مناسبة إجتماعية هامة يشترك فيها الجميع فى القري المتناثرة حول مدينة كرن.
حتى فى المهاجر يعتبر الزواج البليناوى الأكثر حضورا ومشاركة فى الإعداد والتنظيم. أما الملاحظة الثانية أن المشاركة فى مراسم الزواج الإريترية لا تتأثر بالاسلام أو المسيحية، فالدين لايقف حاجزا أمام المشاركات الإجتماعية فى مراسيم الزواج الأريتري بين مجموعة قبلية أو قومية.
من معالم التشابه الكوشي هو طريقة الأداء الراقص للبليناوِيات مع طريقة رقص بعض القبائل البجاوية مثل البنى عامر صُورة وأداء. فقبل مراسم الزواج تُمشط المرأة شعرها فى ضفائر صغيرة مقسومة علي الجانب الأيمن والأيسر. ثم تربط سِلسلة من الدوائر ذات اللون الذهبي أو الفضي (القريط) عند مقدمة الشعر فى شكل نصف دائرة من أعلي الرأس حتى بداية الأذنين. هذه هى الصورة اما الأداء الراقص للبليناويات والمسمى (الشٓلِيلْ) فهو أيضا يشابه طريقة الرقص البيجاوي بتحريك الرأس يمينا وشمالا وبالتالي تحريك الضافير الممشطة يمنا وشمالا فى تناغم مع إيقاعات آلة الكبرو (الدلوكة).
حتى فى شمال كردفان نجد هذه الطريقة من الرقص عند بعض المجموعات القبلية فى ذلك الإقليم. والشليل لدي هذا القبائل الكردفانية هو الزينة المصنوعة من الأصداف (الودع) والتى أحيانا تستخدم بنفس الطريقة البليناوية. وحتى تكتمل الصورة الفنية للبليناوية ففى يوم الإحتفال تلبس إما الزوريا المصنعة من القطن فى تصميم تراثي أهم معالمه هو وجود علامة الصليب للمسيحين منهم عند نهاية الفستان أمام الساقين. أو طرحة وفستان من الشفون مزركش من اللون الأحمر والأصفر والبرتغالي والأسود شبيه بقماش (القرمصيص) المستخدم لدي الكثير من المجموعات القبلية فى السودان.
من أهم مراسيم الزواج البليناوي هو عصيدة الذرة بالروب والسمن فى قدح خشبي كبير للعريس يشاركه فيها أصحابه المقربين. العصيدة بالروب والسمن المخلوط ببهارات البربري هى تراث غذائى مشترك بين جميع المجموعات القبلية الإريترية. عصيدة الروب بالسمن هى أيضا عادة منتشرة من السودان غربا وحتى إريتريا شرقا خاصة لدي مجموعات الكبابيش والبجة.
حركة الرقص الدائرية للبلين (السيسعيت) ولمجوعات التقرى والتفرينجية تدور فى إتجاه معاكس لعقارب الساعة. الجهة اليسري فى إتجاه مركز الدائرة دوما. خطوات الأقدام المتناغمة تحكمها إيقاعات الدلوكة (الكبرو). آلة أخري تعزف قبل نهاية الأغنية لتسخين حركة الرقص هي آلة الهارمونيكا او ما يعرف (بالفام فام) بلغة البلين. بعض قبائل شمال كردفان تستخدم صفارة بسيطة لتسخين حلبة الرقص. لايوجد زواج للبلين بدون الكبرو والسيف وسوط العنج والسفروك.
تستمر حركة الرقص الدائرية حتى تأتى لحظة يتغير فيها الأيقاع إلي إيقاع أسرع وأسخن من الإيقاع الأول، عندها يقف الدوران الدائري ويتحول الرقيص من جماعي إلي زوجى بغض النظر إن كانت أنثي أو ذكر. يبرز كل شخص مهارته الراقصة بهز الكتفين والرقبة مع إيقاعات الكبرو مع صوت سكسكة (تس تس تس تس) متناغم مع الكبرو والهارمونيكا. ثم إستدارة سريعة يلمس فيها أحد الراقصين ظهر الآخر بكتفه. هذه اللحظات هى قمة لحظات متعة الرقص البيلناوى والتقري والتقرينجية. رقيص البلين عبارة عن لوحة موسيقية كروكروفيه رائعة متناغمة مع الكثير من التفاصيل.
أحد مراسيم الزواج البيلناوى يمكن تشبييها بالسيرة، لكنها فى الواقع مظاهرة إحتفالية جماعية بين مجموعة الرجال من جهة والنساء من جهة أخري. فى يوم الزفاف عادة ما يتجمع جميع الرجال فى أحد أطراف القرية على بعد مئات الأمتار من بيت أهل العروس. يقف الرجال فى خط مستقيم بعضهم يحمل السفروك إلي أعلي وجانبه المعقوق إلي الأمام. ثم يبدأوا فى مجادعات كلامية تحكي مناسبات مخلتفة فى رمزيات سلوكية. يبدأ الرجال فى التقدم قليلا قليلا صوب بيت العروس على أنغام المجادعات وضربات وإيقاعات الكبرو الآتية من جهة النساء اللأئى خرجن لإستقبال الرجال امام بيت العروس. بعض الشباب يتقدمون صفوف الرجال وهم يحملون السيف ويعرضون بخفة فى محاولة للتشبه بقدلة الأسد بحركة القدم وهي تزيح تراب الارض للخلف كحالة للتأهب للقتال.
أما عادة النقطة (البسوت)، نثر النقود الورقية للمغنى أو الراقصة، فتعتبر من عادات الزواج البليناوى، أحيانا لها مواعيد محددة عندما يبدأ احد المغنيين بذكر محاسن العروس والعريس و أحيانا عندما يتجمع كبار المسنين من أهل العريس يقدمون له النصح ويباركون له الزواج. والبليناويون يجودون بسخاء خلال النقطة لأنها بالنسبة لهم دلالة على كِبر العشيرة ومتانة العلاقات بينها. نوع آخر من أنواع النقطة هو الزيارات بين أهل العروس والعريس وتبادل الهدايا والتى قد تكون أموال أو بهائم أو ملابس أو مشغولات يدوية. عادة رش الحليب فى وجه العريس المنتشرة فى غرب وشمال وشرق السودان يمارسها البلين أيضا وتسمى (سماديت).
هذا المقال كتب بعيون وتجارب سودانية الغرض منه محاولة التعرف علي ما يربط شعوب القرن الإفريقي والتعرف على ثقافة الآخر مساهمة فى تحقيق السلام والتصالح فى هذا الجزء من إفريقيا. بعض ما جاء فى المقال هو ملاحظات او إنطباعات ومقاربات أتمنى ان تفتح الباب لمزيد من الإهتمام والبحث مستقبليا.
هوامش:
ورقة باللغة الإنجليزية بعنوان Trying to find the stepping-Stones: Writing Tigre and Bilen dancing in Eritrea
محاولة لمعرفة الخطوات: كتابة رقص التقرى والبلين فى إريتريا. كريستين ماتزيكى، محمد صالح إسماعيل (مدير مدرسة شيب) و تيسفاسقى أوكوبازقى (طالب قانون من كرن)، جامعة ليدز. مجلة المسرح . جنوب إفريقيا. ٩ أغسطس ٢٠١١.
مراجعة محتوي، عبد الوهاب يس موسى (كندا - تورنتو)
(الشَلِيل) نوع من الرقص حصريا لنساء البلين أما (ود سوميا) فنوع من الرقص حصريا للرجال. فى ود سوميا يقف الرجال صفا واحد مع قفزات أو عرضة أمام صف النساء المغنيات. كذلك للبلين عينة من الدوبيت تسمي (الشيفيرا).