كيف غنى محمد وردي مجانًا لعروس اسمراوية في ليلة زفافها؟
بقلم مولانا: عبدالله خيار - سويسرا
في منتصف التسعينات كانت المعارضة السودانية حاضرة بقوة بنشاطاتها
وفاعلياتها السياسية في العاصمة اسمرا بحضور قياداتها التاريخية الميرغني، الصادق، جون قرنق، عبدالعزيز خالد وغيرهم من السياسيين والعسكريين.
خلال تلك الفترة زار الموسيقار الراحل/ محمد وردي ارتريا وكان يقيم مع الأخ/ فكري في عمارة نقفة هاوس بالقرب من دوّار الفيات وفندق نيالا.
بعد فترة قصيرة من أقامتة تم الاعلان عن حفل جماهيري لوردي باستاد اسمرا، تدافع الجميع لمشاهدة عملاق افريقيا والاستمتاع باغنياته التي سبقت وصوله عبر أشرطة الكاسيت المنتشرة في تلك الايام.
في تلك الليلة غني وردي بكل صدق ومحبة، غنى لارتريا ولشعب ارتريا، غنى للجمال والحب، وللناس القيافة، أطرب الجميع وردد الجمهور من خلفه خلاص كبر وبقى ليك تسعة سنة عمر الزهور عمر الغرام عمر المنى، كان الحضور كبيراً والتفاعل مع فقرات الحفل أكبر، والجمهور في حالة نشوة وطرب فجاءة صعد العملاق الاخر الفنان يماني باريا الي خشبة المسرح وانحنى أمام وردي حباً واحتراماً، فما كان من وردي إلاّ أن يحتضنه ويبادله المحبة بالمحبة وسط تصفيق وصيحات الحضور.
مالفت نظري في ذلك الحفل أداء تلك الفرقة الموسيقية الإريترية المتواضعة التي كانت تقف خلف الموسيقار وردي، حقيقة سرقوا انتباهي وكنت أراقب أدائهم اكثر من استماعي وردي.
انا بحكم ميولي وإهتماماتي الفنية في مجال الموسيقى تابعت مسيرة الفنان الموسيقار محمد وردي بشغف واهتمام كبير منذ وقت مبكر وأعرف تماماًً صرامته مع العازفين، وليس سهلاً ان تعزف مع وردي ما لم تكن عازفا ماهراً ومتمكناً من أدائك لان الاداء الموسيقي يعني الكثير بالنسبة للموسيقار وردي عبر مسيرته الفنية كان واضحاً مساعيه الجادة التي كان يقوم بها لتطوير الموسيقى السودانية ويعود له الفضل في تكوين اكبر فرقة موسيقية في بداية السبعينات وسماها آنذاك بالفرقة الماسية وأضاف إليها آلات موسيقية جديدة لم تكن شائعة في الاوركسترا السودانية كاضافة وحيد جعفر فضل المولي عازف آلة الفلوت من فرقة الاكروبات السودانية.
وردي هو الفنان الذي قدم المقدمات الموسيقية الطويلة لاغانية مثل أغنية قلت أرحل واسفاي والطير المهاجر وغيرها من الاغنيات .يعتبر وردي الفنان الاول الذي إهتم بالتوزيع الموسيقي في الغناء السوداني حينما قام بتوزيع أغنية الود بالتعاون مع الموسيقار الاغريقي الاصل أندريه.
وردي هو الفنان الذي يتيح للعازفين مساحات واسعة بين كوبليهات الاغاني ومن خلال (الصولو) Solo الذي يمنح للعازف أحياناً بصورة مفاجئة ليقدم جل مهاراته للجمهورمن خلال عزفه المنفرد.
فنان بهذ الحجم وهذه التجربة الموسيقية الطويلة ليس سهلا أن تعتلي معه خشبة المسرح كعازف.
ولكن برغم ما ذكرت كانت سعادتي كبيرة بأداء تلك الفرقة الموسيقية التي أعرف أفرادها، ولكن التساؤل الذي كان يدور في ذهني كيف حدث كل هذا التناغم والانسجام بينهم وبين وردي خلال هذه الفترة القصرة؟.
هذا التساؤل قادني في اليوم التالي إلي لقاء الموسيقار الاورغنست عبدالحكيم اندرا، بعد أن أشدت بادائهم في حفل الامس سألته كيف ألتقيتم بوردي؟ وكيف حدث كل هذا التناغم والانسجام بينكم؟
أجابني مستهلاً كلامه كالعادة "والله يا ودالخالة الحكاية كلها حصلت بالصدفة كنا في حفل زواج لاسرة المرحوم/ حسن كيكيا وكنا شغالين مع الفنان ادريس محمد علي والفنان/ الامين عبدالطيف.
وردي جا حضر العرس كضيف بدعوة من كيكيا، أثناء الحفل الفنان الامين بعدما خلص الفاصل بتاعو، مسك المايكرفون وقال "الان الفنان وردي ح يهني العروسين بأغنية من أغانيه". طبعا وردي زعل شديد وقال للامين انت ليه ورطني انا ما جاي أغني وما معاي فرقتي أغني كيف؟
الامين قال ليهو انت حاول بس الشباب ديل ما ح يقصروا معاك، المهم بعدما وردي راق شوية قال لينا "خلاص نقدم اغنية سهلة ومعروفة أغنية القمر بوبا عليك تقيل".
قام غناها، الناس اتفاعلت معاه وشافنا نحن عزفنا معاه بشكل جيد إنبسط وقال لينا خلاص ح اغني أغنية تانية، حافظين أغنية عمر الزهور؟ انا رديت ليهو قلت ايوا حافظنها، السلم بتاعك شنو؟ قال لي سلم Re، قدمناها وإنبسط تاني ما نزل من المسرح الا بعدما غني سبعة أغنية من أغنايته المعروفة.
بعد نهاية الحفل قال للفنان الامين عبداللطيف الاولاد ديل بكره يجوا يفطروا معاي أنا عايزهم، لما مشينا ليهو في اليوم التاني قال لينا في البداية أنا عايز أشيد بالاداء اللي قدمتوه أمس، تانياً انا عندي فكرة أعمل جولة فنية في مدن ارتريا وكنت عايز إستدعي العازفين من فرقتي عشان يجوا اسمرا لكن بعد الاداء اللي قدمتهو أمس وبدون بروفة انا ما محتاج اجيب عازفين من بره، فقط حينضم ليكم عبدالرحمن عازف الكمان لانو هو أصلاً موجود هنا في صفوف المعارضة.
يضيف حكيم قائلاً "بعد داك إتفقنا نبدأ البروفات في مركز (كوا) الفني وأثناء البروفات قال انا عايز أغني حاجة لارتريا أخد قصيدة الشاعر احمد عمر شيخ ولحنها في نفس اليوم بايقاع من الايقاعات الارترية".
شكرت الموسيقار عبدالحكيم علي هذه الافادة التي أجابت علي تساؤلاتي.
وكلنا تابعنا بعد ذلك الجولة الفنية التي طاف من خلالها وردي أغلب المدن الارترية اسمرا ومصوع وكرن واغردات وبارنتو وتسني وإقامة حفل استثنائي بمدينة هيكوتا لقوات الحركة الشعبية (جون قرنق).
صاحب وردي في تلك الرحلة الفنان الكبير يماني باريا وتبادلا الادوار في تطريب الجماهير من خلال أغانيهما التي وجدت طريقها إلي قلوب الجماهير.
لا شك إن مثل هذه التجربة مع فنان كبير بهذا الحجم أضافت الكثير لهؤلاء العازفين الارتريين في تطوير أدائهم الموسيقي المسنود بمهاراتهم الموسيقية العالية التي اكتسبوها عبر التجربة والممارسة، والعازفين بشكل عام هم الجنود المجهولين الذين يقفون وراء كل الاغنيات التي تطربنا دون أن نعرف حتى أسمائهم، إن ما قدمه هؤلاء العازفين مع الفنان وردي حقيقة كانت تجربة فنية مذهلة، أتقنوا عملهم، وكان حضورهم الفني طاغياً في كل المسارح، إخلاصهم وحبهم لعملهم جعلهم يخرجون أفضل ما لديهم من طاقات وإبداعات، لذا لابد من الاشادة بهم وبما قدموه من أداء موسيقى رائع وهؤلاء العازفين هم:-
١) عبدالحكيم ادم (اندرا) – عازف اورغ (كيبورد) منذ وقت مبكر من حياته... مقيم حالياً باستراليا.
٢) ابراهيم محمود – عازف اورغ ( كيبورد) وهو أيضاً عازف ماهر علي آلة الجيتار، ومن العازفين الذين شاركوا بالعزف مع قدامى الفنانين أمثال هيلي قبرو.
٣) مختار صالح – عازف جيتار منذ طفولته مع طلائع جبهة تحرير ارتريا... مقيم حالياً باستراليا.
٤) رزني هبتي – عازف جيتار (ليد) وهو من العازفين القدامى وصاحب تجربة مع كبار الفنانيين تخلي تسفازقي وهيلي قبرو.
٥) عارف حسن – عازف بيز جيتار خريج معهد الموسيقى ببغداد... مقيم حالياً باستراليا.
٦) كحساي علي – عازف ساكسفون... مقيم حالياً بالمملكة المتحدة (لندن).
٧) معتصم آدم ( أربيشة) – عازف ايقاع ودرام Drums توفي بكندا قبل اعوام قليلة، قبل وفاته كان يعمل مدرسا للايقاعات في إحدى المعاهد الكندية.
٨) علي حسن عبدالرحمن – عازف الدنب... مقيم حالياً بولاية فلوريدا بامريكيا.
٩) عبدالرحمن عبدالله – عازف كمان رحمه الله عمل ضمن فرقة وردي لفترة طويلة.
التحية أيضا لصديقي المتصوف العازف الماهر الذي تغيب عن المشاركة في تلك الجولة بسبب تواجده بالمملكة العربية السعودية العازف كمال محمد محمود الشهير (بكمال طرمبة) وهو من العازفين البارعين في التفة علي آلة الترامبيت.
والتحية ايضا لفني Sound system حامد آدم الذي كان يعمل من خلف الكواليس بصمت.
وأخيراً لا ننسى عازف العود/ الماهر العم قرماي سلمون الذي صاحبهم في تلك الرحلة بحكم علاقته القديمة مع الفنان وردي وكان يلون الجلسات المسائية الخاصة بلون الفرح من خلال ترديده لأغنيات العميد أحمد المصطفى.