من هو الشاعر إدريس ود أمير؟

بقلم الأستاذ: عبدالعزيز إبراهيم العامري - فنان تشكيلي

ولد الشاعر الفذ ادريس ود امير في منطقة (عيلت) في إقليم البحر الاحمر.

درس في إحدى الخلاوي (مدارس تعليم حفظ القرآن الكريم).

• ثم التحق بإحدى المدارس الإيطالية في مدينة مصوع ولكنه لم يكمل دراسته. وكان يمتهنُ رعي الأغنام٬

ثم ألتحق بالخدمة العسكرية الإجبارية ضمن البحرية الإيطالية٬ وبعد بضعة اعوام عاد إلى أهله وعمل في ورشة.

في عام 1943 تزوج بفتاة من منطقته ولكنها توفيت بعد أربعة أعوام تقريبا وبعد خمسة اعوام٬ التقی الشاعر ود امير بفتاة أخرى من الساحل الشمالي فهامَ بحبها من أولِ نظرة. ولكنها كانت مخطوبة لرجل آخر فتزوج بها. وقد كان زواجها سبباً لإنفطار قلب ود أمير حيث تفتقَ بالشعر وانطلقَ به لسانه فقال فيها قصائد ما لا يتسع المقام لذكرها كاملة.

ولكن سأذكر لكم منها بعض الأبيات لنعرف أين التقی بها وماذا قال حين رآها٬ قال:-

رأيكوها ديب هِداي قْسيت عَلَت قبلاتشي
سَحَقَت إقِليي كَدَنت كما آمْرت قوماتشي
تمر مسل كنافرا لبيي بردا وعنتاتشي

فِتي بَدير إكونِ لناي أمان أديتا
نَوَكَتا لِويتا وعِنتا لإتشي كَريتا
آمَركوهو مَسكَبا وإيأفقر سميتا

هِقْيا بيلَو وتِبهلَو إت اسرا إتْبدَيْ
انا هليكو إقلكي امعل طَقَم و وغيْ
إسك إقتلَوني من رأشي إتِسكَي
وأمعل لإيي قتولا مَوْعي وِدَيْ وبكَيْ

إتْفرهي من حكوي أبوكي أنا أسئلو
وَرِح عسر وأربع شوا قيمت سترو
قَبَيْ محاد ريامتا و حوان لإمو تمَكِرو

سلل بلي خيزران سلل بلي قيرمان
فِتي من قَيَسيا وكَرَيا إت ميزان
فِتي تَحَفِن من إسات صبر تحدي وإيمان
لَبَرهتا أنيابا خاتم نبي سليمان...

شرح الأبيات:

{رأيكوها إت هداي قِسِّت عَلت قبلاتشي}
قال بأنه رآها في عرس جالسةً علی مقروبةٍ منه فتمكنَ من النظر إليها.

{سحقت إقليي كَدَنَت كما آمْرَت قوماتشي}
يقول في هذا البيت: عندما رأتني أنظر إليها بتمعُن٬ ضحكت لي وخفضت رأسها وكأنها فهمت قصدي و اطلعت علی ما يكنه صدري من إعجابي بها.

{تَمر مَسِل كنافرا لبيي بردا وعنتاتشي}
وصف شفتاها بالتمر لجمالهما ثم اردفَ يقول (لبيي بردا وعنتاتشي) يعني يقول بأن قلبه توقف عن النبض وصار ينظر إليها مندهشاً من جمالها الفاتن.

{فِتي بدير إكوني لَنايْ أمان أديتا}
ذكرت لكم آنفاً أنه كان قد تزوج بفتاة من منطقته وتوفيت بعد أربعة أعوام. يقول في هذا البيت: إني كنت احب زوجتي المتوفاة ولكن الحب الحقيقي هو حبك الذي هز كياني وشاركني في عقلي حتى أنساني ما مضى من زماني.

{نَوَكَتا لِويتا وعِنتا لَإتشي كريتا}
(لويت) هو الخمار (طرحة)٬ قال: إنها لما رأتني أنظر إليها دون غيرها من النساء اللاتي يجلسن حولها٬ ازاحت خمارها عن وجهها ونظرت إلي بتأمل٬ كما أنا كذلك.

{آمركوهو مَسْكبا وإيأفَقِر سميتا}
قال: إني عرفتها لما أزاحت الحجاب عن وجهها وعرفت الديار الذي أتت منه. ولن اذكر اسمها حفاظاً علی سمعتها.

{هِقيا بيلَو وتيلَو إت أسرا إتِبْدَيْ}
هنا ينصحها ألا تقلق من أقاويل الناس٬ فيقول لها: لا تقلقي مِن كلام المسيئ إذا أساء لنا وأراد أن يشين سمعتنا. واعلمي أن فتيل العطر يبقى طيب الرائحة حتى وإن كان فارغاً. (يقصد السمعة الحسنة)

{أنا هليكو إقلكي أمعل طقم و وغي}
في هذا البيت يعدها بأنه سيقاتل من اجلها فيقول لها: إني أعِدُكِ يا إبنةَ الأكارم٬ بأن أضربَ بصارمي عُنقَ من أراد الاقتراب منك. وكلمة {طقم} مرادفة لكلمة {وغَي} فكلمة وغَي هذه صفة تطلق على الحرب والقتال وهي كلمةٌ عربية لا ريبَ فيها. وقد وجدتها في ديوان عنترة بن شداد الذي يقول فيه:-

هلا سألتِ الخيلَ يا إبنةَ مالكٍ
إن كنتِ جاهلةً بما لم تعلمِ
يُخبركِ مَن شهدَ الوقيعةَ انني
أغشى الوغى وأعفُ عند المغنمِ
قال أغشى الوغى يعني٬ اخوض الحرب.

{إسِكْ إقتلوني من رأشي إتسكيْ}
{وأمعل لَإيي قتولا موعي وِدَيْ وبْكَيْ}
هنا أمرَها بألا تبتعد عنه فقال: لا بتتعدِ عني حتی يقتلونني فإن قتلوني فوَلولِ وابكِ كما شئتِ.

{إتفرهي من حوكي أبوكي أنا أسئلو}
في هذا البيت٬ يقول لها: لا تخافي اخاكِ فإني سأطلب يدَكِ من أبيك عسى ولعلى أن يوافق علی زواجنا.

{ورح عسر وأربع إشُوا قيمت سترو}
وفي هذا البيت. نعتَ (وصف) جمال محبوبته بقمر اربعة عشر. لان القمر يكتمل ويزداد جمالاً في هذه الليلة (ليلة 14).

{قبي محاد ريام تا وحوان لأمو تمكرو}.

قال (قَبَيْ محاد ريام تا) يقصد الوصول الی عشيقته والفوز بها. وأما بقوله (حوان لأمو تمكرو) يقصد الرجل الجبان الذي يحب أن تقول له أمهُ٬ لا تذهب الی القتال.لكي يقول للناس٬ منعتني أمي عن الخروج للقتال. ويعتقد بعض الناس أن من يستشير أمه في أموره٬ فهو ضعيف الشخصية ولكن ما قصدهُ الشاعر بهذه العبارة هو عكس ذلك تماماً.

{سلل بلي خيزران سلل بلي قيراما}
قال: (سَلَلْ بَلي خيزان) يعني تفنني في مشيتكِ وتمايلي كتمايل قصبةٍ هزهزها نسيم.. (قصبة الخيزران). وأما (قيراما) فهو لون المنقة. أراد أن يصور حبيبته صورةً في غايةِ الجمال وقد فعلَ ذلك دون أدنى شك.

{فِتي من قَيَسيا وكَرَيا إت ميزان}
هنا يتساءل فيقول: هل من قاس الهِيام ليعرف مدى طول لياليه الطويلة ؟ هل من وضعه في ميزانٍ ليعرف وزنه ؟ إن هذانِ لأمرانِ لا يعرفهما إلا من اكتوى بنارهما.

{فتِي تَحَفِنْ من إسات صبر تَحَدي وإيمان}
وهنا يؤكد كلامه الذي قاله في البيت السابق فيقول: إن الهيامَ (الشوق) أحرُ من النارِ الحاميةِ ولا يصبر علی حرهِ (الهِيام) إلا العاشق الذي لا ترى مُلتيهِ في المعمورة إلا التي سكنت بين جناحيهِ.

{لَبَرهتا أنيابا خاتم نبي سليمان}
لم يرَ ود امير خاتم نبي الله سليمان {عليه السلام}. ولكن كان هناك خاتم يصنع من اجود انواع الفضة فيعكس الضو لشدة لمعانه. لذا عبرَ عن بياض اسنانها بهذا الخاتم البراق.

توفي الشاعر ود أمير في الكويت عام 1964م
رحمه الله وطيب ثراه

أشكركم احبتي القراء على القراءةِ لهذا المقال المتواضع

Top
X

Right Click

No Right Click