الفن الغنائي ودوره في النضال الإرتري - الجزء الثاني

بقلم الأستاذ: محمد شيخ موسى  المصدر: الجبهة نت

تحدثنا عن الفن الغنائي الشعبي وكيف بدأ مع انطلاقه الثورة الإرترية بصورة عفوية وطنية شعبية يؤجج

الحماس الوطني منطلقا لقتال المستعمر. هذه الأغاني دفعت الانسان الارتري للعمل الدؤوب من أجل قضية شعبه مما أوجد أرضية لظهور فنانين كبار في الساحة الارترية فقد تأسست في منتصف الستينات من القرن الماضي الفرقة الفنية الارترية في أسمرا فرقة متكاملة تتكون من فنانين وعازفبن موسيقين بأجهزة متكاملة سجلت في الإذاعة والأغاني كانت تبث من قبل الإذاعة. وعبر الإذاعة وخاصة برنامج (سني ماسيام) أشتهر الفنانون مثل الفنان الأمين عبداللطيف والفنان عثمان عبدالرحيم والفنان الشعبي عبي عبدالله.

هؤلاء الفنانون أدخلوا الأغنية الرمزية الوطنية التي تفاعل معها الشعب الارتري حتى ادت دورها بكل يسر وخاصة الفنان الأمين عبداللطيف توغل في الاغنية الرمزية المعبرة عن وجدان الشعب الارتري بعيدا من الرقيب المستعمر مثل اغنيته (فاطمة زهرة).

فالذي يسمعه يقول هذا الفنان يخاطب ويتغزل في محبوبته اسمها (فاطمة الزهراء) ولكن الفنان يقصد بها الثورة الارترية ويقول سلموا لي علي فاطمة وقولوا لها إن محبوبك أصبح ولهان بك وجن حتى فقد الوعي ودواؤه في يدك وعليه يرجوك أن ترجعي له وهذه رمزية عالية بأن الشعب الارتري فقد أرضه وجن جنونه ولم يبقي له شيء إلا الالتحاق بالثورة والقتال من اجل انتزاع محبوبتهم ارتريا من مخالب العدو الاثيوبي بأن تأخذ استقلالها وتكون دولة ذات سيادة وطنية.

وكذلك أغنيته (الاما تحلفنيتو قبئ وكبد سناتج اتقسي) بمعني هل حتفوتنا هذه الحالة ونقعد مع أقراننا ؟ يبدأ أغنيته بحالة من التساؤل المقصود ليس هو في شخصه فالمقصود هنا الشعب الارتري.

الفنان الأمين عبداللطيف يعتبر فنان الأغنية الرمزية التعبيرية الارترية ويكثر من الترميز والتورية ففي الفن الرمزي الفنان يعبر عن ضمير الشعب وباسمهم يتحدث ويعبر عن احساس الشعب ووجدانه وكينونته فهو البطل القومي الذي أغانية الرمزية الهمت الشباب الارتري أن يسلك طريق الثورة فاصبح معشوق الجماهير. أغانيه يتردد في كل أرجاء الوطن صداها صوت الوطن المحبب في المدن والقري والطرقات أوهم المستعمر برمزيته فإذاعة العدو هى التي كانت تبث أغانية باعتبار هي أغاني عاطفية فالأمين كان عملاق الفن الغنائي الارتري.

في كل مراحله أغانيه تتميز بالخفة والسلاسة وعمق المعني وكان متمكنا من (التقرايت) و(التجرنية) ويتغنى بهن. هذه الفترة شهدت نوعا من الوعي الثقافي الفني وخاصة في العاصمة اسمرا منطقة الانصهار والتمازج الثقافي فدائما سكان المدن يزحفون الي العاصمة وهناك تظهر المواهب والقدرات والكفاءات.

فظهر في تلك الفترة فنانون بمرور الأيام أصبحوا عمالقة مثل عثمان عبدالرحيم ويماني باريا وكان لهم تأثير واضح في خريطة الفن الغاني الارتري بأصواتهم الجميلة العذبة وأغانيهم الرقيقة الهادفة. فأغنيه عثمان عبدالرحيم (قزانا) اي بمعني (بيتنا) كان لها صدي جميلا ورائعا من قلب أسمرا يقول مضمون الأغنية بيتنا أجرها غريب ولم يخرج منها فكيف يكون الحال هذا الغريب يجب أن يخرج من بيتنا ويرحل ويقصد ببيتنا هنا الوطن المستعمر من قبل العدو الاثيوبي الذي أغتصب ارتريا وهذه الأغنية بديعة يغنيها بالتجرنية بلحن جميل تجدها يرددوها الشباب خفيفة سهلة روعة استطاعت أن توعي الشباب بالدور المطلوب منهم.

كان عام خمسة وسبعون وتسعمائة والف من القرن الماضي عاما فاصلا في تاريخ الثورة الارترية وذلك لسببين:-

الأول: شهدت الثورة الارترية تدفقا جماهيريا وشبابيا من كلا الجنسين إلي الميدان والالتحاق بالثورة.

والثاني: توقفت في هذا العام الحروب الاهلية التي كانت تطحن الشباب الارتري.

لهذا ظهر الدور الابداعي الفني الغنائي الارتري المعبر عن مأساة الانسان الارتري فالتحق معظم الفنانين من المدن بالثورة وتغيرت أغانيهم في مضامينها ورسالتها واصبحت الثورة الارترية تهتم بالفن والفنانين وعلمت دور رسالتهم في دفع النضال الارتري. فكونت جبهة التحرير الفرقة الفنية المركزية واصبح لها إدارة خاصة بها تتبع مكتب الاعلام كل من يلتحق بالثورة من الفنانين كان يوجه إلي الفرقة فكان عمالقة الفرقة الفنية الفنان حسين محمد علي فنان الثورة كروان الثورة الثوري الثائر أول من أدخل الأناشيد باللغة العربية مثل نشيد (ثائرون ماركعنا يوما ولن نركع) وأغنيته (أنا قدم فرركو ديب ثورتجي تحابركو) هذا النشيد وهذه الاغنية اصبحا الدينمو المحرك لوجدان الشعب الارتري في نضاله ضد المستعمر.

وهنا التراث الفني العظيم الذي يفتخر به الشعب الارتري ومن ضمن الفرقة الفنان (برخت) فنان الجبهة الذي تغني لجبهة التحرير وافرد لها جزء خاصا من التعبئة والاسناد ترجمة لواقع الثورة مثل اغنيتة (جبهة وي موت زبل نحرنت قدلي) اي نقول جبهة حتى الموت لان النضال في الجبهة من أجل الحرية فكان عاشق الجبهة دافع عنها في اغانية دفاعا شديدا.

وكذلك المناضلة الفنانة (زهيتو براخي) تلك الفنانة الوطنية الجبهجية ذات الصوت النسائي الجميل تغنت بحب ارتريا وجبهة التحرير في اغانيها كأغنيتها (نعناي ملسي ميدا اتو) تعال ايها الشباب ندخل الميدان.

كانت فترة السبعينات الي دخول الجبهة الاراضي السودانية عام ١٩٨٢ شهدت ميلاد فن غنائي ثوري نابع من وجدان النضال الارتري تأليفا وغناء وأناشيد باقلام ارترية وعربية فالجبهة دولة وثورة والفرقة الفنية كانت فيها كل الأعمار ومن كلا الجنسين وخاصة فرقة الاناشيد الثورية مثل نشيد (جبهة التحرير يا غابة القمر) للشاعر العربي السوري احمد العيسي ونشيد (جبهة التحرير نهرنا بيجري) واغنية الفنان رمضان محمد حاج (ثورة ثورة شغالاي) اي ثورتي هي ثورة العمال والفلاحين.

الكل أصبح يسمع بانتصاراتها وهذا كان تقدما في الاغنية الثورية المؤدلجة تحمل اللون الفكري السياسي وخروجا من الأغنية التقليدية الشعبية. ثم أغاني التعبئة السياسية التي كانت تتغني بها فرقة الجبهة مثل أغنية (زهيتو براخي)، (ناي سلفي نظنت قنبار كزقبي) أولاد طلائع الحرية الجواسيس شبعوا فارادو أن يتجاسروا علي الجبهة ولكن الجبهة قادرة هي في حسمهم.

مثل أغنية (أي تدفرين جبهة عباي نحنا كلنا) لا تهزم الجبهة ونحن موجودين لأن الجبهة كانت منى كل إنسان ارتري وهي أمل الانسان الارتري في الحرية والاستقلال والمعبر الحقيقي عن أهدافه وصوته العالي الذي لا يعلا عليه وكانت المنافسة في ساحة القتال بقولهم (جبهة وي موت) الموت من أجل الجبهة شئ مقدس لأنها ألف باء النضال الارتري واليوم عندما تسمع أغاني الجبهة وأناشيدها الثورية تشعر بألم والحزن يسري في كل جسدك وتشعر بأنك فقدت عزيزا.

في المقابل كان لقوات التحرير الشعبية فرقة فنية كبيرة مكتملة الاجهزة الفنية وكانت قيادة قوات التحرير الشعبية تؤمن بان رسالة الفن اسرع من رسالة الجانب السياسي. وكان علي رأس هذه الفرقة الفنان القدير ادريس محمدعلي هذا الفنان المناضل أدخل الأغنية الوطنية المنطلقة من الواقع المعاش حيث عكس المشهد المأساوي الذي يعيشه الانسان الارتري فغني ارتريا كأرض وطبيعة وأظهر جمال طببعتها الجبال والسهول والوديان وجمال مدنها. ادريس محمد علي كفنان أنتمى عبر أغانية للأرض والأنسان الارتري فهو المعبر عن مأساة الانسان الارتري في أفراحه وأتراحه في إنتصاراته واحزانه.

صدم الفنان ادريس محمد علي من واقع التشرزم الذي حصل في الساحة الارترية وخاصة الحروب الأهلية التي حصلت بين الاشقاء وأفنت خيرة الشباب الارتري ورفع صوته عاليا ضد الحرب الاهلية وقال في أغنيته الشهيرة (اقل كلنا إيحيست عمليت قرقر) يقول معركة قرقر كانت وصمة عار في تاريخنا لم تكن معركة خير فقدنا فيها خيرة إخوتنا ودفناهم بأيدينا بعض أن قتلناهم ولمن كان القتال يا أخوتي ولمصلحة من خسرنا كل شئء وضحك علينا العدو وهو المستفيد من اقتتالنا كان لهذه الأغنية صدى رهيبا في أوساط الشعب الارتري وتأثروا بها وأثرت عليهم ولم يكتفي بالبكاء علي الأطلال الفنان ادريس محمد علي شق طريقه لنضال الشعب الارتري فتغنى بحياة المقاتل الارتري في أغنيته (دبر ابن مسكبي واورو بلاي لاكلني) يسكن المقاتل في الجبال والوديان ويفترش الصخور والحجارة ومايملكه فقط ثوب واحد جزء يفترشه وجزء يتغطي به أنها حياة الكفاف هكذا يعيش الثوريون ينسون نعيم الدنيا وحياة الترف والرفاهية من أجل عزة الوطن تلد ابطال ارتريا.

ثم تأثر الفنان ادريس من عدم الوحدة الوطنية في الساحة الارترية ببن الفصائل فكان ينادي بالوحدة الوطنية.

غنى للوحدة الوطنية وكان ايمانه راسخا باننا دون وحدة لا يمكن أن نحقق هدف الشعب الارتري في الحرية والاستقلال فكان يقول (حوي اندي قامينا حتي نيدي لادينا) يا إخوتي علينا أن نتفاهم ونتشاور من أجل جمع الصف الوطني امنيتنا كلنا تحقيق الوحدة أنا أعلم والكل يعلم أن أعداء الوحدة كثر حتى تجاسرة علي قيادة التنظيمات الارترية أنتم السبب في عدم الوحدة قالها دون فرز لأحد فقال (ابسبتكم مسؤولين وحدة شفر اي أتيت) بأسبابكم يا مسؤولين ياقيادات التنظيمات الوحدة لم تتحقق لم تكن فيها مصلحتكم. غنى الفنان ادريس محمد بكل صدق وكل كلمة قالها كانت مؤثرة وتأثيرها كان فعالا.

فقد إنحاز للشعب في فنه لم يتغنى لشخوص ولا لتنظيمات كان وطنيا صرفا تغنى للشعب بصفاته وخصائصة في عاداته وتقاليد غنى للمقاتل الارتري وشجاعته وتضحياته ابدع عندما غنى (بالتقرايت) وتألق عندما غنى (باللغة العربية) غنى للشاعر أحمد سعد وغنى للشاعر محمدعثمان كجراي (يافتاة) كانت قمة الابداع وغني لموسي كليم (ارتريا أرض الجدود حتما تعودي وحتما نعود) وغنى لشاعر التيجاني حسين (ارتريا ياجارة البحر).

وعندما تحررت ارتريا التي كان يتغنى بها دخل ارتريا وغني للحرية والاستقلال وعندما بدأ العدوان الاثيوبي بما عرف (بسالساي ورار) إنحاز ادريس لشعبه وليس لنظام اسياس وقال أغنيته الشهيرة (اساتوم اب إساتنا نقينا) نارهم نرد عليها ونطفيها بنارنا لأن شعبنا شعب مجرب وكل من يحط رجله في وطننا قادرين أن نقطع رجله.

هكذا لم يتغير ولم يتبدل دائما موقفه مع شعبه ولهذا قصده النظام الدكتاتوري في شخصه في وطنيته والفنان ادريس محمد علي وقف ضد النظام في ممارساته الغير وطنية لهذا زج به مثله مثل كل مواطن ارتري غيور قال لا لحكم الفرد.

نواصل... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click