الفنان الهرم حامد عبدالله (عنجه) وأربعون عاماً من العطاء
بقلم الأستاذ: عثمان همد نورالدين ود أبيب
الفنان الكبير حامد عبدالله المشهور ب(عنجة)... من مواليد مدينة طوكر في منتصف القرن الماضي.
من جهة أبيه ينتمي الي قبيلة (ستبو).. إحدى بطون البيت الكبير لأهلنا (الألمدا) ابناء محمود الماضي، تلك القبيلة العتيقة بتاريخها وحضورها وسجلها التاريخي الناصع. وتعيش بمحبة وسلام بين شقيقاتها الاخريات من القبائل، في منظومة رائعة لنسيج اجتماعي متجانس ومتصاهر ومتضامن يعيشون معاً كالجسد الواحد في السراء والضراء...
ومن جهة والدته ينتمي نسبه الي أهلنا البيت (معلا) تلك القبيلة العريقة التي تمثل بوتقة الشجاعة والحكمة والشرف والعلم والصلاح.
وفناننا العملاق حامد عبدالله ينحدر من هذه السلسلة الذهبية النادرة... فهو سليل الشرف والعز والصلاح والعلم والشجاعة... وود القبائل جمع فأوعي كل مكنونات الثراء والتنوع والتعدد الاجتماعي والثقافي والعرقي. حيث جمع بين البادية بكل ألقها وجمالها وقيمها وعاداتها وتقاليدها الموروثة.
ففيها الكرم والشجاعة والشهامة وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، والاخذ علي يد الظالم ،متي ما تجاوز حدود العرف والسالف والقلد والدين.. الذي يحكم نسق النسيج الاجتماعي والعشائري والقبلي المحكم في شرق السودان...
وكذالك اخذ فناننا المخضرم (عنجة) من المدينة سحرها وعبق ضجيجها، وبريق اضواءها، وصخب زحمتها، وتنامي وتعدد سكانها الديمغرافي المتجانس والمتعايش.. مما كون وأكتسب مع ثقافة بيئته الجغرافية الخاصة، ليتعداها الي الثقافات المجاورة.. من باب التأثير والتأثر...
كطبيعة اي فنان في حجمه وتاريخه، حيث جعل موطئ قدم له تحت قرص الشمس.. إسماً وعطاء فنياً ثراً... وجماهيراً ممتدة تهتف باسمه، وتعشق الصوت وصاحب الصوت لحناً وشعراً وأدباً.. كالذي يقرضه هذا الفنان الإنسان الرائع حامد عبدالله (عنجة)...
الفنان حامد عبدالله هذا الاسمر الاشم، والفارس الشهم، تعرفه بسماه في مدينة كسلا، من خلال زيه البجاوي الذي لم يغيره، ولم يبدله، تفاصيل ثقافته العريقة لا تفارقه لحظة واحدة، من خلال الثوب.. والجلابية.. والسروال والسديرية.. والخلال.. والشعر الممشوط الي أعلي.. والسيف المزين بالفضة.. والربابة (المسنقو)...
اذاً الفنان حامد عبدالله هو عنوان الثقافة البجاوية العريقة، التي تمشي علي الارض هوناً... وهو معرض متكامل للإنسان الثري بمخزونه الثقافي والقيمي وارثه الحضاري والاجتماعي الضارب في اعماق التاريخ البشري... وانه متحف قومي يشكل حضوراً قوياً في الزمان والمكان... بيان بالعمل.. انه عنوان ذاكرتنا الثقافية والفنية والنضالية. يحمل بين جنبيه قيم ومضامين ورسالة انسانية فنية سامية.
عبر عنها بكل تجرد واخلاص ونكران ذات... العام 1969م شهد تفجر وتفتح ينابيع تلك الموهبة والظاهرة (العنجاوية) المتفردة في كل شيء... وكان ذالك بداية العطاء الفني الممتد عبر اربعون عاماً من الزمان.. والرجل يبدع، ويزيد من الأبداع والروعة والجمال والتألق والتفوق.. شارك الجميع في افراحهم واتراحهم ومواجعهم.. افرح واسعد الجميع... وبكي وأبكي الجميع... ونصح الجميع.. وعاتب الجميع... ومدح الجميع.. وارخ للأحداث والحوادث المفرحة والمفجعة...
غني للزعماء... للأبطال... للفرسان... للقومية... للجميع... أغني للأرض... للجغرافية.. للبادية... للمدينة... للرعاة... للمزارعون.. للتجار... للحب... للفروسية... للبقر.. لكل انوع المواشي... باعتبارها العمود الاقتصادي والمركز المالي لمجتمعه وبني قومه...
مدح كل واحد بصفاته وبسجاياه... انه الناطق الرسمي للقومية شعراً وادباً وفناً... وفي كل حادثة وفاجعة تحدث لمجتمعنا لم يتأخر الفنان (عنجة).. فبيانه هاجز وصوته عالي وحضوره قوي، وكلماته تقع كالرصاص علي صدور اعداءه... وكرذاذ المطر يشفي صدور جماهيره ومحبيه وعاشقيه... اربعون عاماً وهذا الصوت المجلل يشكل وجداننا، ويحشد هممنا، ويرفع من معنوياتنا، ويعطينا الأمل لتحقيق احلامنا في مستقبل زاهر ومشرق...
الفنان حامد عبدالله (عنجة).. كان وفياً للجميع ولم يذكره احداً احتاج اليه، وتأخر عنه حامد عبدالله... غني للسودان وطن الاباء والجدود.. غني الارض والشعب.. غني للسلام... غني للوحدة... غني لكل النسيج الاجتماعي والثقافي الذي يشكل فسيفساء الأمة السودانية...
الفنان حامد عبدالله غني لإرتريا النضال والثورة... غني للشهداء والجرحى والأرامل والأيتام... غني للقضية والمصير والتاريخ.. خلد كل ملاحم ابطال الثورة الارترية في بكائيات رثائية نادرة، سيحكي عنها التاريخ يوماً عندما ينطق في لحظة الحقيقة...
حامد عبدالله هذا الفنان الإنسان... الذي يحمل هموم وتطلعات مجتمعه... وعبر عن ذالك بصدقة وامانة وحرقة شديدة وغيرة عالية... ففي شعره وغناءه حكم ومواقف وقصص وخطط وبرامج وآليات للوحدة، ومعاناة وعظات وعبر التاريخ لمن يعتبر... اربعون عاماً ينادي بوحدة القومية حتي بح صوته، وترهل وتره، وشاخت كلماته.. ولا حياة لمن يخاطبهم ويناديهم.. وكأنه يتحدث الي احجار صماء، وشعوب بكماء... وامة عمياء... لكن حسبه انه فعل المستطاع، وسيؤثر خطابه وفكره ليحدث دوياً هائلاً، وتغييراً مجتمعياً كبيراً عاجلاً أم آجلاً... ولن يذهب جهده ادراج الرياح.... السؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم.. أن الفنان المخضرم حامد عبدالله عنجة.. أوفي للجميع بدون فرز.. ووقف مع الجميع بدون تحيز.. وضرب أروع الأمثال للوفاء السخي للقومية...
فهل الجميع أوفوا ما عليهم من استحقاق تجاه الفنان العملاق حامد عبدالله ؟
أعتقد جازماً... الإجابة ستكون بلا... وتتبعها... ألف...لا...ولا... وكم سررت وسعدت وطرت فرحاً وطرباً...عندما بشرني أخي وصديقي عبدالله محمد، بأن الاهل والعشيرة في دولة قطر، يبذلون مساعي جبارة هذه الايام، لاستقبال وتكريم الفنان الهرم حامد عبدالله (عنجة).. في دوحة العروبة وقطر الخير... بجهد ذاتي ومبادرة كريمة مخلصة ومشكورة.. قادها نفر كريم من هؤلاء الشباب المغاوير. وعلي راسهم الناشط الاجتماعي المدني الأخ العزيز عبدالله محمد مسمر وصحبه الكرام... فشكراً لأهلنا في دولة قطر... جميل صنيعكم... ومشكور سعيكم... وهي قطرة خير وبركة، تأتي في مقدمة المطر الهطل والسيل العرم.. بصحوة الاهل والمجتمع والقومية... ليسدوا شيئاً من المعروف، لهؤلاء الرموز العظام.
وفي مقدمتهم الفنان القامة حامد عبدالله (عنجة)... فعنجه يستحق التكريم والاحتفاء والاحتفال، والوفاء والعطاء... وان تكريمكم يأهلنا في قطر للهرم الفنان حامد عبدالله، هو تكريم لنا جميعاً، وهو الوفاء لأهل العطاء... ونتمنى ان تتوالي التكريمات والإحتفاءات، لهذا الرجل الفنان العملاق الذي لم يدخر شيئا في حق للقومية والا فعلها واوفاها حق الوفاء... وتكريم القومية له اليوم شيء يسير من الوفاء والعطاء.. ولا يعرف الفضل.. الا أهل الفضل... بيض الله وجهكم يا أهلنا في قطر.