تأبين الفقيد المرحوم الأمين عبداللطيف في واشنطن
بقلم الأستاذ: محمود أحمد لوبينت - شاعر وفنان وكاتب ارترى
يوم دبر هغا.. وعنكلو ترفا: كان المرحوم الاستاذ/ الأمين عبداللطيف قاش نسيج وحده بلا جدال،
فرض نفسه كفنان للتغرى بلا منازع منذ ان آلتحق بفرقة اسمرا الفنية في بداية الستينات من القرن المنصرم.
كانت البداية في الخمسينات مع ولاد ربعت / في عد قدحت / أبا شاول / أسمرا مقلدا لمن سبقوه من مغنيين التراث الذين كانوا يحييون ليالي الأعراس بمصاحبة الطبل (كبرو) فقط لا غير.
وكان اول حفل زواج أحياه خارج "عد قدحت" هو زواج "فرج راكي" فيعام ١٩٦١ وذلك في حى "فيروفيا Ferrovia" حيث يسكن عمال وموظفي خط سكة حديد ارتريا.
وفيه غنى آغنية فتي بيى قياس ألبا... شليل غامل ألباب سالبا "للفنان الراحل محمد عبدالله باعيسى".
ومن أسمرا بدأت انطلاقة الفنان الأمين عبداللطيف نحو الشهرة فشارك في احياء حفلات الزواج في غندع - مسقط رأسه - وكرن ومصوع وأغردات وبعد ذلك إلتحق بفرقة اسمرا الفنية / ما تا آ / Ma Ta Aa
النقلة النوعية:
و هنا جاءت "النقلة النوعية" التي أحدثها الفنان الأمين عبد اللطيف في أغنية التيغرى. مترسما خطى من سبقوه من فنانين التيغرى في الأربعينات والخمسينات. وأولهم الفنان الراحل إدريس ودأمير الذي نقل آغنية التيغرى من "مجتمع البداوة" في اقليم سمهر الى "مجتمع المدينة والحضر" أي مصوع التي قدم اليها من "موطعت" في نهاية ثلاثينات القرن الماضي...
كان الفنان ادريس ود امير "بلويا" تعود أصول آسرته الى "عد نايب في حرقيقو" أى بمقياس العصر كان ينتمي الى أسرة تمثل السلطة السياسية في المنطقة منذ قدوم العثمانيين الأتراك الى مصوع في نهاية القرن السادس عشر. وكان الغناء - لا قرض الشعر - يعتبر من المحرمات Taboo بالنسبة لهذه الأسرة التي إشتهر منها شاعران: محمد نور أباً طبس - في نهاية القرن التاسع عشر- ويحيى طرو في الثلاثينيات من القرن العشرين.
لكن ادريس ود أمير تحدى هذا الوضع وبدأ يغني في عقر دار "السلطة السياسية الحاكمة في مصوع" وكان يفاخر جهارا نهارا بأصله ويقول في مقطع من أغنيته:
منتو مندي تبلكم حثصان بلواى تو بولا
والفنان الأمين عبداللطيف كان من أسرة تنتمي الى عد درقي - من بيت شيخ محمود "التي كانت تمثل السلطة الدينية" في المنطقة.. والغناء - أيضا - كان محرما في قاموس هذه الأسرة...
فكان غناء الأمين في الأعراس في غندع ومصوع وكرن بداية التحدي الأصغر... والتحاقه بفرقة اسمرا الفنية كان التحدي الأكبر...
وكما نقل ود أمير أغنية التيغرى من البداوة الى الحضارة نقلها الأمين عبد اللطيف الى خشبة المسرح ومصاحبة الآلات الموسيقية الوترية والنحاسية والإيقاعية.
وهنا يجب ان أشير الى الدور الذي قام به فنانو التيغرى الكرنيون منذ بداية الخمسينات عندما إستعانوا بالعود والكمان في أغانيهم... اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر المرحوم "ابوبكر محمد اشكح" والمرحوم "محمد عبد الله باعيسى" والفنان "عبد الواحد على صالح" أطال الله عمره.
والمقارنة بين الفنانين الراحلين إدريس ودأمير والأمين عبد اللطيف تنقلنا الى "مجال النقل عن الآخرين".
فقد بدأ كلاهما بغناء مقاطع من التراث لا يعرف قائلها لكنها كانت منتشرة في أوساط "ربعت" ومحبي أغاني التيغرى ورواد الأفراح والليالي الملاح. وجلها يتكون من بيتين إثنين.
ثم جاءت مرحلة "الإستعانة بأشعار الغير" كما هى او بعد ادخال تعديلات فيها.
مثلا: يحكى ان جابر ود أمير "عّم ادريس ود أمير" كان معتقلا في أسمرا في العهد الايطالي. وذهب والد أدريس ود أمير الى أسمرا لزيارة شقيقه ولإطلاق سراحه إن أمكن.
لكنه أخفق في مسعاه وعاد من حيث أتى فقال:
أسمراتات كايدكو... عدي غبرو وألولا
عد أبويى بلوتا... يي لتفتح أسورا
وعد أميى شيكاتا... شيكا غعزت دمنتا
يوأ ود أم ألبو... عثطت لكفكوف حبطا
يي غبرو لكيدا... الا ركب وعرضا
يي طرقني ديب محبر.. ويي لتهاغى كم فتا
مندي مثصئ أب قسم.. ومندي غيس هافتا
فاستعان بها ود أمير واجرى فيها بعض التعديلات وغنى:
يوأ ود أم البو... عثطت لكفكوف قطفا
يي لتغسى ديب محبر... وئي لتهاغى كم حزا
سميى إدريس ود أمير.... وكنايثتى عوادا
حشاشيناى وبادي.... غثصى هلا ديب بدا
مندي مثصئ أب بخت... ومندي غيس شتتا
او المقطع التالي الذي غناه ود أمير بعد ان اجرى فيه بعض التعديلات. وقد وجدت الأصل منشورا في كتاب عن أشعار التيغرى نشر عام ١٩١٩ أى قبل مولد ادريس ود امير.
ألي برد ناى رورا... سراى كفو تقديرو
اغل حتى وكلى... رأسكي أغلمي تبربيرو
هرثطمثما دبابيك... كلال مندي أبا سطيرو
كلال مندي سطريو... أنس أبا غديلو
أنس مندي غدليو... عرقى أباً كهيلو
قباششا غروبيى... حزا كمسل بديرو
مسكين ادريس ود أمير... سودان حزيت قتيلو
وعندما التحق فناننا الراحل الأمين عبد اللطيف بفرقة أسمرا الفنية لم يقتصر على أغانيه الخاصة سواء أكانت من كلماته أو كلمات غيره وإنما قدم أغاني غيره من فناني التيغرى المعاصرين له الذين لم يكونوا معروفين خارج مناطقهم ومجتمعاتهم...
وكان هذا "سبقا يحسب له" وتعريفا وتوثيقا لأعمال من سبقوه...
غنى اولا اغنية:
"فتي بيى قياس البا... شليل غامل ألباب سالبا"
للفنان المرحوم محمد عبدالله باعيسى وهى من كلمات الشاعر مطهر العمودي:
والتي يقول فيها:
فتيها ثصنوع تو آدام قتل
افها جوهر تو بفتا مسل
عنتات فناجيل تو برق حاطر
لبا قاسي تو لأبن سابر
وغنى أغنية "كماجنا حوكي وئي اتركبا" للمرحوم نوراى وهى أغنيته اليتيمة والتي يقول فيها:
حغات وعدردى... حغات وعدردى
أندى عالم غأكا... علم يي تفتى
وأندى جاهل غأكا... نوراى يي تتنسى
نوراى ود ألمدا... ات كل غبى مشى
وقدم أغنية "عجولاى" لعثمان أور. وعجولاى هو إسم مطلقته والتي يقول فيها
عجولاي بر أفا... مستيتو وسيفا
ادام لبل قزون... وانا لبيى غيسا
ومنها مقطع يخاطب فيه ابنته آمنة :
وآمنة دفنيني... وآمنة تقبريني
ابوكي من أنا... آفو ئي تساريني
ديب أمكي اندى غيسكي... اب دغلات مثصيني
لكن الأمين لم يغن الأغنية بالكامل... لان فيها مفردات يصعب فهمها بسهولة والأمين كان بطبيعته يميل إلى استخدام الكلمات السهلة.
وغنى اغنية "غرساى ولى أنغرنى جرادينو اتكلسا" من التراث والتي تغنى بها على عبدالله ايضا... كما استعان بأبيات من التراث واستخدمها كمقدمة او "رمية" لاغنياته مثل:
ادنيا سمانتا وحقو سمان عرجوت
لما سمان لركبا بعل غنبار وبسوت
أو
ألاما تحلفنيتو غبئ وقبت سنات أتغسى
من أبقع أتهاجك ومن يي أمر أتنسى
وما يميز الفنان الراحل الأمين عبد اللطيف عن غيره من فناني التيغرى ليس الغناء بالتغرينية فحسب ولكن إبداعه فيها ومنافسته لكبار الفنانين من الناطقين بها.
غنى "سب نخبدو طراى اي كونن زنبر" وهى من كلمات " الجنرال تدلا عقبيت " قائد البوليس في ارتريا الذي تم قتله في مكتبه باسمرا من قبل القوات الخاصة الاثيوبية.
كما غنى من كلمات "أسرس تسما" ونغوسى هيلى منسعاى وغرماى كيدانى/ ودي فيليبو مؤلف اغنية "عباى اباشاول" وغيرهم لا تحضرني أسماؤهم الآن.
وهنا يجب ان اذكر ان الفنانين الأمين عبد اللطيف وعثمان عبد الرحيم يتحملان وحدهما مسؤولية جذب الناطقين بالتيغرى الى اغنية التيغرينية. ولا ادري اذا كان ذلك مدحا أو قدحا.... لكنها الحقيقة.
ويلاحظ أن فناننا الراحل لم يغن أبدا بالعربية الفصحى او الدارجة رغم انه كان يتقن العربية.
ولم يغن أبدا بإيقاع "الكودا" بالتغرينية لإرضاء الناطقين بها..
ومن هنا استطيع ان أقول ان المرحوم الفنان الأمين عبد اللطيف قاش كان هو الجبل الشاهق الشامخ الذي وقف منافحا ومدافعا وحاميا حمى اغنية التيغرى منذ التحاقه بفرقة أسمرا الفنية أى ما يزيد عن نصف قرن من الزمن.
كانت اغنية التيغرى قبل ظهوره مهمشة تتوارى خجلا وكان الناطقون بالتيغرى - في اسمرا - تتنازعهم أغنية التيغرينية والامهرينيا والسودانية والغربية ممثلة في إذاعة قانيو استيشن الامريكية في أسمرا.
وفي مدن المنخفضات كانت الأسماع تتابع الأغاني السودانية التي تبث من هنا امدرمان وركن السودان من القاهرة.
وبفضل "نضال هذا الفنان الفذ" والفنان جابر محمود ومن بعدهم الفنان حسين محمد علي أطال الله عمرهما بدأت أغنية التيغرى تنتشر رويدا رويدا وبدأ نفوذ اغنية التيغرينية والامهرينيا بالذات في الانحسار.
ولا اريد هنا أن أغمط فناني التيغرى الآخرين الذين جاؤوا من بعده حقهم لكن عند المقارنة تبدو الفروق واضحة ويصبح الحكم أيسر.
لذلك أقول ان الأمين عبداللطيف كان وحده رمزا ومناضلا وكان نسيج وحده بلا جدال.
رحمه الله وتقبله قبولا حسنا واسكنه فسيح جناته.