صراع الموانئ فى البحر الأحمر: منافسة شرسة بين الإمارات وتركيا وأمريكا والصين وإسرائيل والسعودية وإيران

بقلم الأستاذةدينا محسن المصدر: جريدة الأهالي المصرية

قواعد عسكرية وحقوق إدارة لموانئ الصومال وإريتريا وجيبوتى والسودان.. قاعدة ”برنيس“ المصرية

صراع الموانئ فى البحر الأحمر

لتأمين حرية الملاحة والمرور التجارى داخل البحر الأحمر.

باتت منطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر ، ساحة للصراع والنفوذ الإقليمي العسكري والتجاري بين عدة دول وقوى إقليمية ودولية ، وتسعى تلك الدول لمد نفوذها والقوة في منطقة جنوب البحر الأحمر ، ببناء قواعد عسكرية أو الحصول على حق إدارة وانتفاع موانئ في دول إفريقية فقيرة مثل الصومال وإريتريا وجيبوتى وأخيراً السودان.

ويتزايد الاهتمام الجيوسياسى فى منطقة القرن الأفريقى ، يخشى المراقبون أن تنتهى هذه النزاعات الإقليمية لصراع مسلح يهدد استقرار تلك المنطقة ، وفي مركز هذا الصراع مضيق ”باب المندب“ ، الذي يمر من خلاله ما قيمته مئات مليارات الدولارات من النفط والصادرات بين آسيا وأوروبا والخليج.

ويظهر اهتمام تركيا بأمن البحر الأحمر ، في إطار بحثها عن نفوذ إقليمي ودولي ، وتوجيه رسالة سياسية لدول الخليج بأنها موجودة في الساحل الغربي للبحر الأحمر ، وهذا ما جعلها تسعى للسيطرة على جزيرة ”سواكن“ التى تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر.

وكانت إسرائيل حاضرة وبقوة خاصة مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي ”بنيامين نتنياهو“ لدول المنطقة وعلى رأسها إثيوبيا وجنوب السودان وما شهدته جولته من توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ، وتنامى النفوذ الإسرائيلى فى إريتريا.

وفي دراسة تحليلية نشرها مركز ”الروابط للبحوث والدراسات“ العام الماضى تحت عنوان ”موانئ القرن الإفريقي: ساحة جديدة للتنافس الدولي“ أوضحت الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة؛ خاصة لدول الإمارات وتركيا وأمريكا والصين وإسرائيل والسعودية وإيران ، وأرجعت الدراسة أسباب منافسة تلك الدول على هذه المنطقة إلى ”القرصنة التي شكَّلت تهديدًا لحركة الملاحة ، وكذلك رغبة دول القرن الإفريقي الفقيرة باستثمار موانئها المطلَّة على مضيق باب المندب وخليج عدن.

وقد أتاح وجود حكومات هشة ، أو غير مستندة لآليات شرعية ، الفرصةَ لمن يقدِّم عروضًا أفضل وغياب المنافسة الحقيقية بين الراغبين في الاستثمار“ ، ويقول ”كاميل لونس“ منسق البرنامج الأفريقى فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية ، أن العالم يشهد سباقاً بين اللاعبين الإقليميين والعالميين للاستفادة من الفرص الكبيرة الموجودة فى المنطقة ، وأحد أهم أسباب هذا التدافع هو العامل التجارى والعسكرى الأمنى.

وبدأت الإمارات وتركيا في الحصول على حق إدارة وانتفاع مجموعة من الموانئ في الصومال ، التي تعاني فقراً شديداً وصراعات أهلية وعمليات إرهابية ، بالإضافة إلى قطر التي حصلت على أكبر ميناء على البحر الأحمر بتمويل قطري في السودان ، ويمتلك الصومال أطول ساحل في القارة الإفريقية بطول يُقدَّر بأكثر من ثلاثة آلاف كيلومترات ، ويطل أغلبه على المحيط الهندي ، بينما تقع سواحله الشمالية على خليج عدن ، وسواحله الشرقية على مضيق باب المندب.

فتركيا حصلت عبر شركة ”البيرق“ التركية ، على حق إدارة ميناء مقديشو بعد أن منحتها الحكومة الصومالية الفيدرالية حق تشغيل الميناء لعشرين عامًا في سبتمبر 2014 ، على أن تعطي 55% من عائداته السنوية لخزانة الحكومة الصومالية ، ويقوم الضباط الأتراك بتدريب أكثر من 10 آلاف جندي صومالي في القاعدة.

أما الإمارات فحصلت عبر شركة ”موانئ دبي“ على حق إدارة ميناء ”بربرة“ من إدارة حكومة ”أرض الصومال“ 2015 م ولمدة 30 عامًا ، وأيضًا على حق إدارة ميناءى ”مصوع وعصب“ في إريتريا ، مقابل أن تحصل إريتريا على 30 بالمائة من عائدات الميناء ، كما حصلت عام 2000 على حق إدارة ميناء جيبوتي الذي يقع على مدخل البحر الأحمر الجنوبي ، كما أوضح تقرير ”معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى“ 2016م ، وتقرير مركز الدراسات الاستراتيجي والأمني الأمريكي ”ستراتفور“.

في المقابل تسعى إيران لوضع قدمها في منطقة باب المندب بجانب سيطرتها على جزء من منطقة مضيق هرمز ، للسيطرة بشكل أكبر على حركة الملاحة التجارية العالمية من الشرق للغرب ، وتدعم إيران جماعة الحوثيين التي تسيطر على مساحات عديدة في اليمن ، أبرزها العاصمة صنعاء ومنطقة ميناء الحديدة الاستراتيجي عند باب المندب ، وتتهم السعودية والإمارات والولايات المتحدة ، إيران بتهديد الملاحة في باب المندب.

فى هذا السياق ، دشنت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي قبالة سواحل اليمن والصومال 2017 ، والتي قال مراقبون إنها تقع قرب قاعدة ”ليمونير“ الأمريكية في جيبوتي ، تلك القاعدة يمكن أن توفر فرصة كبيرة للصين في توسيع نفوذها خارج أراضيها ، خاصة أن المنطقة تشهد العديد من عمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ، فقاعدة ”ليمونير“ التى تأسّست عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 في أمريكا ، تعتبر القاعدة العسكرية الدائمة والوحيدة في أفريقيا ، وتضم القاعدة قرابة 4 آلاف عنصر ، وتعتبر قاعدة لانطلاق العديد من الطائرات دون طيار التي تستهدف مواقع في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ، وتقدم أمريكا لحكومة جيبوتي 38 مليون دولار سنوياً مقابل تواجدها العسكري في هذا المرفق.

ونتيجة لعمليات القرصنة التي تصاعدت منذ عام 2008 ، وأدت لزيادة الحضور العسكري الدولي في خليج عدن والمحيط الهندي ، تحولت جيبوتي لمركز لأشكال جديدة من التعاون العسكري والبحري بين قوات حلف الأطلنطي وقوات الاتحاد الأوروبي ، فأصبحت المحور اللوجيستي لأول بعثة بحرية مشتركة للاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة ، كما استضافت جيبوتي منذ عام 2010 أول قاعدة عسكرية لليابان خارج حدودها منذ عام 1945 ، وتضم 400 عنصر ، وقد تشكلت هذه القوات لمكافحة ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية.

وبتواتر الحديث عن افتتاح الرئيس المصرى ”عبدالفتاح السيسى“ قاعدة ”برنيس“ المصرية العسكرية على ساحل البحر الأحمر ، لم تسع مصر للتنافسية على موانئ البحر الأحمر ، لكن تهتم بالإطار التأمينى بما يضمن حرية الملاحة والمرور التجارى داخل البحر الأحمر وعلى رأسه ميناء السويس وسفاجا ونويبع والسخنة ، ويظهر ذلك من خلال بروتوكولات التعاون المينائى بين مصر والدول العربية وبين مصر والدول الأجنبية.

فتحركات الدول المتنافسة تعني أن فقر دول القرن الإفريقي وحاجته للمساعدات ، دفعته لفتح الأبواب أمام القوى الإقليمية والدولية ، لتضع قدماً اقتصادياً وعسكرياً في منطقة استراتيجية تسيطر على واحد من أهم الطرق التجارية في العالم ، ويرى محللون اقتصاديون أن عسكرة المنافسة الدولية تهدد الاستثمار فى المنافذ البحرية بالمنطقة ، فالتنافس السياسى يشوه الاهتمام الاقتصادى والاتفاقيات البحرية تغير المسرح العالمى فى القرن الحادى والعشرين ، حيث تنطوى الاستثمارات على مخاطر متزايدة فى واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة ، والتى تعانى من الصراعات المسلحة والفقر والجفاف المتكرر.

وهناك تغيرات تاريخية تجتاح القرن الإفريقي ، فإثيوبيا تمرّ بأوسع وأشمل عملية تحول سياسي منذ بدايات تسعينات القرن الماضي وشهدت نمواً اقتصادياً ، كما رفعت الأمم المتحدة عقوبات دامت عقوداً ضد اريتريا التي لطالما كانت منبوذة بسبب سجل حقوق الإنسان ، وفوجئ المواطنون والمراقبون بسعي عدوين سابقين للمصالحة معها ، وفي الوقت نفسه تمر الحكومة الفيدرالية الصومالية التي انتعشت بالتعاون الاقليمي بمنعطف بعد عقود من عدم الاستقرار ، فهل التدخلات الخارجية ستساعد أم ستعيق التغيّر الإيجابى الوطنى على المدى الطويل في القرن الإفريقي ؟ هذا سيعتمد على براعة تلك الدول في إدارة العلاقات غير المتكافئة مع شركائها من دول الخليج والدول الإقليمية والدولية.

Top
X

Right Click

No Right Click