فورتو... رؤية إمتداد أم مزامنة إرتداد؟

بقلم الأستاذ: أحمد شريف - خبير إعلامي وشاعر - ملبورن ، استراليا  نقلا عن: إذاعة إرينا الدولية

قبل سبع سنوات ، قاد نفرٌ من مناضلين (إرتريين) عملية عسكرية ضد حكم مستبد ،

سعيد على حجاي

عُرفت إعلاميا بـ (عملية فورتو).

فهي إن لم تكن سابقة في التاريخ العسكري لإرتريا حربا ومواجهة ، فإنها متميزة فيما أفرزته من تبعات وتداعيات وتسآؤلات لا ساحل لها ، ولأنها أيضا أثارت حراكا في الساكن الإرتري ، وجيشت الأفكار ، ضد حكم الفرد المستبد. الذين أبسلوا من قبل في مواجة ترسانات العدو الاستعمارية ، لم يكن عصيا عليهم أن يرفعوا سلاحهم أمام طاغية مستبد بشرعية ثورة أوصلته إلى سدة الحكم.

العملية بكل أسراراها أطلق عليها إعلاميا بـ (عملية فورتو) ارتباطا بالمكان الذي وصلته ، والموقع الذي حاولت تجاوزه عسكريا على الأقل في تحريك أدوات التغيير الفاعلة ، لأسباب وعوامل لا تملك إرتريا وشعبها حتى اللحظة ، حقيقة تفاصيلها الكاملة كما حدثتْ في الواقع.

ومع ذلك فإن الشيءالمؤكد ، أنه لو كُتب النجاح لتلك العملية البطولية ، بغض النظر عن احتجاب تفاصيلها وحجم إستحكاماتها الشاملة ، وخبايا أسرارها عسكريا ، وتداعياتها حكومة ودولة ، وعدم وصولها إلى أيدي المدنيين ، بمعنى علاقاتها الفعلية بالمطالب الحقيقية للشعب الإرتري ، لو لو كُتب لها النجاح ، على أقل تقدير ، كانت ستغير المشهد الإرتري برمته تماما أيا كان التغيير. بالتالي كنا سنقف في ذكراها السابعة هذه ، موقفا مختلفا ، قراءة مغايرة ، وتوقعات مراحل وليست مرحلة جديدة ، تحمل في طياتها مؤشرات مستقبلية مختلفة ، عن هذا الذي يبدو في الأفق سياسيا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا جامدا صلدا حتى الآن.

في طي تداعيات العملية ، استسمحكم في التوقف قليلا على الاسم الذي حملته الخطوة أي (العملية). ما الجهة الجهة التي حصرت الحدث العسكري ، في مجرد علمية ليس إلا ؟ هل هو إعلام النظام المستبد؟ بهدف تقزيمها ، ومن ثم تضليل الرأي العام عن أهدافها ، كما رشحتْ في كتابات بعض المحليين ؟ بمعنى أنها كانت تحمل في أهدافها مفاهيم وطنية تعالج المشكل الإرتري برمته ؟ هكذا رآها البعض.

وآخرون جنحوا إلى تحليلات أخرى ، هي أيضا بحد ذاتها ، يمكن حصرها في خانة قراءات تحليلية في غياب المعلومة الصحيحة ، حتى أن بيان العملية الأول على الأقل ، ليس في أيدي أحد منا ، يمكن الاستشهاد به ، ولو على على مستوى النشر السري بعد أن تداعت صدى العملية في كل الاتجاهات السياسية والعسكرية ، هذا فضلا عن أن العملية لم ينشر منها سطر واحدا مكتوبا في أيدي الناس ، سواء من قبل الصف الثاني أو الثالث للمجموعة التي قامت بتنفيذها. كما لم نقرأ حتى تاريخه تحليلا لخبراء عسكرييين محترفين متخصصين. هذا السر المدفون المختفي ، لا يعني إلاَّ تفسير واحدا لا غير ، وهو التقاطع مع الحالة الإرترية المزمنة ، وهي مزامنة إختفاء المعلومات لحظة وقوع الأحداث ، كما لو أنها خاصية مطلقة في الشأن الإرتري.

كثير من الأمور الخطيرة لا يملك الناس معلومات عنها. ثم ماذا عن رؤية الرؤية الأخرى ؟ هل أطلقت الإتجاهات التي تعارض النظام ، على الخطوة بـ (العملية) ؟ بمعنى تخيرت ربطها بما هو راسخ في الذهنية الإرترية من محطات تاريخية هامة ، كان لها ما لها من تأثيرات ومنعطفات في الشأن الإرتري عسكريا وسياسيا ، في مضمار مواجهة المحتل آنذاك ، مثل عملية فنقل ، وتحرير الأسرى ، والعمليات التي صاحبت التصدي للحملات العسكرية التي وقفت في وجه الثورة الإرترية منذ فجر ميلادها وحتى آخر ملحمة خاضها جيش التحرير ، والجيش الشعبي ؟ بالتالي أرتأت ، ضرورة إلقاء الصبغة التاريخية للعملية باستدعاء التاريخ ؟

وأيا كان الأمر من مفهوم ودلالات للتسمية ، فإنه يحسب للعملية عسكريا ، أنها كانت مواجهة مباشرة في وجه النظام الفردي المعروف عنه تصديه بكل ترساناته الاستخباراتية والأمنية ، لأي شكل من أشكال إبداء الرأي من ناحية ، كما أن العملية تمثل امتدادا جماهيريا للمحاولات البينية التي شهدتها إرتريا سواء في مرحلة الثورة في تشكل مجموعات ذات صبغة أو رؤى إصلاحية ، كما روج لبعضها ، أو أنها حركات سياسية حاولت إصلاح العطب الثوري وفقا لرؤى أصحابها من ناحية أخرى ، بين صفوف الجيشين.

(عملية فورتو) ، نسميها بذلك؛ لأنها دُونت وَوُثقت في المراصد الإعلامية ، بالتالي لا فكاك من تعريفها بذات الاسم في هكذا رصد مقالي ، لا كمركز بحث ودراسات استقصائية عسكرية ، فتلك لها مقوماتها البحثية ومراجعها للراغبين في البحث والاستوثاق الميداني العسكري ، بكل ما تعني العملية في المفهوم العكسري والحربي. لكن هذا لا يمنع الإشارة إلى أن (عملية فورتو) ، كانت وستظل امتدادا جماهيريا ، حتى لو برزت في بزتها العكسرية ، لحالة رفض السياسة الأحادية المنشأ والتطلعات ، نعم وإن لو ظهرت في مشاهد وتطلعات عسكرية في أدنى تقديراتها.

فقد سبقتها تاريخيا ظواهر عسكرية مشابهة ، مثل ظاهرة الاحتجاجات العسكرية المحدودة على نطاق العاصمة أسمرا في العام 1993 ، ومشروع الاستفتاء على أشده ، ثم تلك التي أعقبتها ، احتجاجات المعاقين في (محابار) وليس (ماي حبار) كما رسخها إعلام النظام - المغير الغير متغير- في آذان المستمعين والمتلقين ، خطأ متعمدا كأخطائه الكثر.

تلك المواجهة المباشرة بين أبطال معاقي حرب التحرير ، وعناصر النظام الأمنية والاستخباراتية ، وما صاحبها من مسلسل دامي أصاب مكانة معاقي حرب التحرير الأبطال في مقتل.

ليس على نطاق رتل الشهداء الذين سقطوا في مواجهة آلية النظام القمعية (الرصاص الحي) مستغلا وضعهم وعدم جاهزيتهم لمواجهة عدوانياته وحربه عليهم فحسب ، بل في المعنى الذي رسخته آلية النظام القمعية تجاه الأبطال المعاقين أولا ، وعلى نطاق المطالب الجماهيرية برمتها ثانيا ، ومنها أن لا معنى لقيم الإعاقة واسحقاقاتها في فترة يتم إدارتها وتسويقها باسم الدولة الوطنية كمنجز للاستشهاد والإعاقة واللجوء.

بمعنى أن شرف الإعاقة ومكانة الاستشهاد ، لم تكن لقيم واستحقاقات ما طالب بها المعاقون جهارا ، وما ينتظره المواطن حتى وإن لم يجرأ الإفصاح عنه ، خوفا ليس إلاَّ. ما تعمد النظام على تأكيده طوال سنوات حكمه العجاف ، أن استحقاقات ما بعد التحرير والاستقلال ، لا يتم الحديث عنه ، إلاَّ فيما يراه هو فقط لا غير ، بالتالي فإن كل من يطالب بأدنى متطلبات حياتية واستحقاقات وطنية ، سيكون نهما لآلة الحاكم المستبد ، الذي لا يعرف غير لغة السلاح والسجن والقتل ، وهي التي أكدها قرابة ثلاثة عقود من حكمه ، متماد في صلفه واستبداده وتنكيله ، أقل توصيف لها ، أنها من الخيانة العظمى بمكانة ، لكل قيم النضال والثورة والاستشهاد.

(عملية فورتو) جاءت امتدادا ، للحركة السياسية التي وئدت في مهدها ، حيث لم تكمل رسالتها التأثيرية في ألسنة الشعب مقاتلين ومدنيين. والتي جاءت كتداع واضح للحرب العبثية بين إرتريا وأثيوبيا ، عندما أقحم النظامُ إرتريا شعبا ومواردا ومستقبلا؛ ليأتي ذات النظام كافرا بكل ما كان يردده من شعارات وبيانات وتصريحات حربه ليس على نطاق إثيوبيا ، بل على نطاق دول المنطقة التي تعمد هو لا غير ، في خوض إرتريا غمار عنترياته وعربدته السياسية في المنطقة؛ لحاجة في نفسه سياساته التآمرية.

هل يمكن القول إن (عملية فورتو) جاءت امتدادا ، لمبادرة عُرفت بـ (مجموعة الـ 15) ، التي كانت تحركاتها سياسية بحتة وليس لها أي ألوان عسكرية وإن كان أصحابها من العسكر أنفسهم! ولم تكن لها أيضا إرتدادات شعبية بمعنى جمايرية. وتشير الوقائع التاريخية ، بأن بعضا من مجموعة الـ 15 ، شارك في زمن من الأزمنة في وئد تحركات مماثلة ، تحت مبررات رُوج لها آنذاك ، أنها تتعارض مع مبادئ الثورة وأمانة الشهداء وغيرها من الشعارات الجماهيرية ، وهكذا دواليك تعود النظامُ ، التخلص من آلته القديمة ، بعد أن يقضي منها هدفه وتنفيذ مآربه العدوانية.

هكذا شاء القدر أن تحمل (عملية فورتو) في أحشائها أسرار تفاصيلها سرا مدفونا ، كحالة إرترية مزمنة ، لا يملك المواطن الإرتري ، وحتى البحَّاثة تفاصيل ومعلومات كافية عنها ، ما ينبئ أن إرتريا ومع تغير المشهد إن عاجلا أو آجلا ، ربما ستكون أكثر بعقة في العالم ، ستجري فيها أنهار من معلومات لا يعرف الناس محيطا لها ولا ساحلا.

هذا التوقع لا يعني بأي حال من الأحوال ، أن هناك ما هو مخبأ وسري خطير في إرتريا اليوم والأمس يجهله المعنيون بالأمر؛ لأن فسق النظام سياسيا ، وفجوره وعربتده وظلمه واستبداده وكيده والقضاء على كل ما هو إرتري ، شاخص للعيان. ما نعنيه من نهر المعلومات الغائبة ، تلك التي من قبيل العلميات والتصفيات والسجون والمشانق والإبادات الفردية والجماعية والأحلاف والصفقات والبيع وما إلى ذلك من مصادرة ، واستحلاب البلاد والعباد منذ استفراد الحكم المستبد بالشأن العام ، وحتى تاريخ انقشاع الظلام والستر المحجوبة في عالم الغيب.

تأتي الذكرى السابعة للعملية البطولية (فورتو) ، والبلاد لا يزال نزيفها يجري أنهارا وأنهارا !!! تخبط في السياسة والإدارة وهدر للموارد البشرية والمادية وهجرة كل شيء ، يدخر لبناء دولة الغد والمستقبل !!! واستهتار بقيم النضال والثورة وتحقير الاستحقاقات الوطنية جهارا نهارا. حتى طفح كيل التمادي في الخطايا السياسية والكفر الوطني ، المتمثل في سابقة تاريخية خطيرة ، يعلن فيها رأس النظام أن لا وجود لشعب مستقل حر ناضل وكافح وثار ودفع الأغلى والأثمن من رصيده في الحياة ، يَفرض عليه النظام سياسيا ودبلوماسيا ، العودة إلى حضن المستعمِرَة التي ثار ضدها عقودا ، أرحم ما فيها كان الموت والحرق والتهجير والتشريد واللجوء وهذا الشتات المستبين.

تأتي الذكرى السابعة لعملية فورتو ، وقد شهدت إرتريا حراكا جماهيريا ضد نظام الدكتاتور ، بعضها لم يتمكن من الظهور مثل تحركات على مستوى الأفراد أو الجماعات. فسرعان ما يتم قمعها أو إسكات صوتها ، بقوة السلاح واستخدام الأساليب البوليسية للنظام ، وبعضها تمكن من البروز إلى السطح ، بعد وقبل أن استخدم النظام الغاشم أسلحته المختلفة ، دون مراعاة لحرمة الأوطان والمواطنين ، وراح ضحية تلك الأساليب الجائرة ، عدد كبير من المواطنين الشرفاء.

كل يوم يؤكد فيه النظام ، عبر ممارساته غير الوطنية ، أن علاقة لأجندته ومشاريعه العدوانية أبدا بالشعب والوطن. كل ما يهمه هو استمراره في سدة الحكم ، حتى لو هلك الشعب الإرتري بأكمله ، فداء لحكمه ، وهي حالة تتقاطع مع أهداف الأنطمة الاستمعارية بغض النظر عن لون وجنسية المستعمِر.

استذكارا للتاريخ وإحياء للذاكرة الثورية ، بسفر بطولاته النضالية قبل وبعد العام 91 ، نتوقف اليوم في ملحمة (عملية فورتو) في ذكراها السابعة ، ولا تزال ذات التسآؤلات مشرعة ولا من إجابة.

بالطبع نشرت في الأسفير الإلكتروني ، كتابات أخرى ، ركن بعضها إلى الترجمة من لغات أخرى ، وآخرون حاولوا إشباع الموضوع نقاشا سواء في دوائر مغلقة لا تعرف إلا أصحابها دون ملل ، وأخرى مفتوحة. لكن تظل التسآؤلات مبسوطة ولا من مجيب ، رغم أن العملية قد أفرزت حراكا داخليا وإن كان محدود الأثر مقارنة بمستوى العربدة السياسية التي يمارسها النظام المستبد في إرتريا. ولكن هناك موج يُشاهد كل يوم ، يضيف إلتفافا جماهيريا نحوه ، وقد لا يطول قدوم اليوم الذي نقول فيه (نظام الحكم البائد في إرتريا) ، نقول ذلك تقديرا لعظمة الراحلين الشهداء ، رغم أن الكرات لا ترتد إلى أصاحبها إلاَّ عندما تصطدم بجدار صلب ، والعكس صحيح.

وكثيرة هي الكراة السياسية التي أرتدت إلى مطلقيها في الحالة الإرترية. بالتالي (فورتو) العملية ، هل هي رؤية إمتداد أم مزامنة إرتداد ؟

Top
X

Right Click

No Right Click