ذكرى الدمع والدم
بقلم الأستاذ: أحمد شيكاي - كاتب وقاص وصحفي وباحث ارتري المصدر: أبواب
تمر الذكرى السادسة والعشرون على تحرير إرتريا من المستعمر الإثيوبي بقوةِ السلاح،
ولم تشهد البلاد أي تطور خلال هذه المدة الطويلة، سوى أنها في هذا العام ٢٠١٧- غادرت المركز الأخير في مقياس حريّة الصحافة وأمن العمل الإعلامي، الذي حافظت عليه لما يقارب العشر سنوات، لتحتل المركز قبل الأخير، حسب التقرير الذي تصدره سنويًا منظمة ”مراسلون بلا حدود“.
ربما هذا الإنجاز الوحيد التي يميّز هذه الذكرى عن سابقاتها، وهو بالتأكيد لا يعود إلى أن وضع الصحافة والصحفيين في إرتريا قد تحسن، بقدر ما أنه يشير إلى أن الوضع في دولة كوريا الشمالية أسوأ، لذلك أحتلت المركز الأخير، إذا لا تزال خريطة دولة إرتريا تتوشح باللون الأسود والذي يعني ”وضعًا خطيرًا جدًا“ حسب تصنيف المنظمة لحرية الصحافة في العالم.
إرتريا التي تحررت بفضل نضال سلمي مدني منذ الأربعينيات، ثم مسلح استمر ما بين عامي (١٩٦١-١٩٩١)، ثلاثون عامًا من الحرق والقتل والدم، نالت منه كل فئات المجتمع الإرتري نصيبها من التنكيل والفقد، كما شارك المجتمع الإرتري نساءً ورجالاً في معركة الحرية بمستويات مختلفة في الداخل الإرتري أو في ميادين الثورة في الوديان والأحراش والجبال، وها هو الشعب الإرتري يشهد اليوم نزيفًا حادًا في مكتسبات الاستقلال: الحياة في إرتريا أصبحت جحيمًا لا يُطاق مع شبه انعدام لاحتياجات الحياة اليومية من غذاء ودواء وكهرباء وماء، مع استمرار حملات الاعتقالات التعسفية ذات الطابع السياسي والكيّدي، والتي تكون دون محاكمات وتستمر إلى ما لا نهاية، مضافًا إليها التجنيد الإجباري الذي لم يستثنِ حتى كبار السن والنساء ومن هم دون الثامنة عشر!
هذا غير اعتبار الوطن وخاصةً البحر الأحمر الذي تطل عليه إرتريا بمساحة أكثر من ١٢٠٠ كم منطقة مستباحة للعمليات العسكرية التي أستهدفت حتى الآن عددًا غير يسير مِن المواطنين الإرتريين الذين يعملون في صيد الأسماك كنشاط حياتي واقتصادي مهم، والتي تُنفذ من خلال طائرات تتبع للتحالف العربي أو ما يسمى بـ ”عاصفة الحزم“ الذي يسعى لاعادة الشرعية في اليمن من خلال تحالفه مع حكومات غير شرعية كالتي تدير إرتريا منذ ستة وعشرين عامًا تحت اسم ”حكومة مؤقتة“!!!
آخر هذه الاستهدافات كانت في شهر مايو/ أيار وهو ما يصادف في الرابع والعشرين منه الذكرى السادسة والعشرين لاستقلال إرتريا عن الاحتلال الإثيوبي في العام ١٩٩١م وإعلانها كدولة مستقلة ذات سيادة بعد عامين من هذا التاريخ، بعد استفتاء شعبي كادت أن تصل نتيجته إلى مئة بالمئة. استمرار النظام الأحادي الديكتاتوري لما يقارب عمر الثورة المسلحة (٣٠) عامًا أورد الشعب الإرتري المهالك ووضع مشروع الدولة نفسه محل تساؤل، وهل هذا ما ناضل الشعب من أجله: اعتقالات ورئيس أوحد وحزب واحد وصحيفة واحدة وإذاعة واحدة وقناة تلفزيونية واحدة هي صوت النظام بالإضافة إلى القمع والإرهاب!
هل إرتريا استقلت بالفعل أم اُستغلت من قبل النظام الحالي الذي حلّ محل المحتل ومارس ما هو أبشع ويقتلع تأييد الشعب له تحت التهديد المباشر للمواطنين الذين تمنعهم ظروفهم المادية أو العائلية من الهروب؟ وحتى في حالة الهروب من إرتريا فإمكان النظام أن يبقي المواطن في الخارج رهن الارتباط به لضرورة الحفاظ على حياة أقرباءه في الداخل وإلا طالهم السجن والاعتقال.
الشعب الإرتري دفع الغالي والنفيس في سبيل حريته وكان ينتظر من الحكومة الوطنية التي تلي الاحتلال أن تنسيه آلامه وتضمد جراحاته وتجبر كسره ولكن، كانت نتيجة هذا الانتظار أن يغرق شبابه في البحر الأبيض المتوسط وهم في طريقهم إلى أوروبا هاربين من القمع والتجنيد الإجباري المفتوح المدة، أو تقتلع أعضاؤهم البشرية في الصحاري الأفريقية من قبل تجار البشر والذين بدورهم يستغلون حياة الهاربين الذين هم خارج حماية أي سلطة سواء كانت وطنية أم أممية.
ما يضاعف من معاناة الإرتريين هو التعتيم الإعلامي الذي فرضه النظام الإرتري على إرتريا والذي منع وسائل الإعلام العالمية من الدخول ونقل المعلومات ورصد انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع على المدنيين وعلى العسكريين.
نأمل من خلال هذه الكتابات القاصرة في وصف المعاناة في إرتريا لفت نظر العالم والرأي العام لما يحدث في بلدٍ محكوم بالحديد والنار وشعب تسلط عليه ديكتاتور نصَّب من نفسه الهة العذاب والتنكيل والقمع.
ليس هذا هو الحلم الذي دفع شهداء ثورة التحرير الأماجد أرواحهم في سبيله. الشعب الإرتري بقدر تضحياته يستحق حياة أفضل، ويستحق دولة تصون كرامته وتحفظ حقوقه الإنسانية.