قراءة متأخرة في وثيقة أبناء المنخفضات
بقلم الأستاذ: عبدالرازق كرار عثمان - كاتب وباحث ومحلل سياسي وإعلامي ارترى
مدخل: في شهر نوفمبر من العام الماضي تلقيت رسالة الكترونية من الزملاء في سكرتارية شبكة أدعم مرفق بها وثيقة بعنوان
(ورقة ميثاق العمل والمبادئي المشتركة - مبادرة لجمع شمل مجتمع المنخفضات الارترية وقواه السياسية والمدنية) وقد وقفت على الوثيقة ووعدت أن أرسل ملاحظاتي في وقت لاحق، ولكن للأسف أياً كان المبرر كسلاً أو انشغالاً لم اتمكن من ارسال ملاحظاتي، ثم أنني بعد ذلك حضرت نقاش في الغرفة العربية في البالتوك عن الوثيقة، وتابعت حواراً على صفحات الفيس بوك، حول ذات الموضوع، كما تواصلت معي إذاعة محلية تابعة للجالية الإرترية في إحدى مدن استراليا للتعليق على الوثيقة، ولكن عدم مشاركتي في كل ذلك واعتذاري للزملاء في الاذاعة المذكورة كان مبرراً بأنني قرأت الوثيقة لأنها وصلتني في بريدي الالكتروني الخاص، وطلب مني ارسال التعليق والملاحظات على البريد الالكتروني وبالتالي لا يصح اخلاقياً أن اتحدث عنها في الفضاء العام لأنها وفق ما وصلني كانت في طور المسودة التي لم تخرج للعلن، أما وقد اصبحت تلك المسودة هي الوثيقة الاساسية لما عرف بسمنار المنخفضات الذي عقد في بريطانيا في التاسع والعشرين من مارس المنصرم تحت شعار - ويستمر نضال المنخفضات - فلنواصل إرث المنخفضات النضالي ضد الهيمنة والإقصاء بالتضامن مع المكونات الإرترية المهمشة - فإنني التمس العذر من الإخوة في شبكة أدعم واللجنة التأسيسية لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية على هذه القراءة المتأخرة في الوثيقة، كما أن خروج الوثيقة الى الفضاء العام يجعل قراءتها والتعليق في غير الفضاء العام لا معنى له، وستركز القراءة على المحاور التالية:-
تطور الوثيقة:
اولاً لابد من الاعتراف أن الوثيقة من ناحية الصياغة والترتيب الموضوعي أعدت بعناية، من خلال تسلل الفرضيات التي تقوم عليها والنتائج التي ترتبت على تلك الفرضيات وصولاً الى المعالجات، وعليه فإن الملاحظات الشكلية وإن وجدت هنا او هنالك لكنها لا تقدح في أنها ورقة بذل فيها جهد واضح في صياغتها الأولية - المسودة الأولي - وفي الوثيقة بشكلها النهائي الذي خرجت به، حيث يلاحظ أن الوثيقة بشكلها النهائي استطاعت ان تستوعب الملاحظات المهمة التي ربما انتبه لها معدو الورقة في مسودتها الأولي، او تم تنبيههم اليها بواسطة من أحسنوا الظن فيهم وطلبوا ملاحظاتهم، أو ربما من خلال استيعاب توصيات وملاحظات من كانوا في السمنار.
المقدمة هي أهم ما في الورقة في تقديري، لأنها تحمل الفلسفة التي بنيت عليها المبادرة، والفرضيات التي قامت عليها الورقة، وصولاً الى النتائج والمعالجات، ولأهمية المقدمة ربما نجدها الجزء الأكبر الذي شهد تعديلات وإضافات على المسودة الأولي للورقة، بيد أن هذه التعديلات التي أدخلت على المسودة الأساسية لتخرج بشكلها النهائي، على أهميتها لكنها لا تعدو ان تكون مكملات لا تمس جوهر الورقة القائم على فرضيات محددة، وصولاً الى النتائج التي انتهت اليها والمعالجات التي طرحتها، ذلك أن المسودة الاساسية انطلقت من فرضية أن وجود "مجتمع" المنخفضات أمر مسلّم به باعتباره يتميز رغم تعدد أصول مكوناته بروابط عميقة مبنية على أواصر الدم والمصاهرة وعلاقات اجتماعية وثقافية وثيقة وأنماط اقتصادية ومعاشية متقاربة ووحدة تاريخ ومصير مشترك، كما تضمهم أرض متصلة، ولكن الوثيقة في شكلها النهائي انتبهت إن هذه المحددات الجغرافية والحضارية ليست خالصة فقط لهذا الـ "مجتمع" وأن هنالك من يشاركهم فيها وعليه حاولت الورقة في إيجاد مبررات لعدم استيعاب المكونات الأخري، ولعل ابرز تلك الإضافات هي التطرق لوضع (الكناما) كقومية تشارك المنخفضات الحيز الجغرافي لكنها ليس بالضرورة تشاركه الدم والمصاهرة والعلاقات الاجتماعية والثقافية الوثيقة وأنماطه الاقتصادية والمعاشية المتقاربة ووحدة التاريخ والمصير المشترك وهي المحددات التي بنت عليها الورقة لتوصيف مجتمع المنخفضات كمجتمع "متميز"، الإضافة الأخرى تتعلق بعلاقة العفر الذين يشاركون مجتمع المنخفضات في كل المحددات التي بنىّ عليها "مجتمع" المنخفضات جغرافية كانت او حضارية لكن الورقة استثنت العفر بعد وصفها لهم بالمكون الثالث للمجتمع الإرتري لكونه يتميز بالخصوصية من حيث القومية ونمط الإنتاج والاقليم الجغرافي، ولكونه له خياراته وقواه السياسية القائمة في إطار العمل الوطني، ولديه إمتداداته عبر الحدود الإثيوبية والجيبوتية، وبقى طرف أخير وهو الذي يشارك "مجتمع" المنخفضات خياراته الحضارية والسياسية وهو ما يطلق عليه مسلمى المرتفعات (الساهو والاساورتا والجبرته) وآثرت الورقة في محاولاتها المستميتة لتأكيد خصوصية "مجتمع" المنخفضات ومشروعية بحثه عن خياراته منفردا أو بالتنسيق مع الأخرين من جهة، وللخروج من نمط الصراع المعروف والمألوف في إطار الثنائية من جهة أخرى، فقط بالإكتفاء بالاشادة بمساهمات الرواد الوطنيين من (الساهو والاساورتا والجبرته) على الأداورالنضالية المشهودة لوقوفهم منذ البداية مع خيار استقلال إرتريا وانخراطهم في صفوف الثورة مع بقية المكونات الأخري كالعفر ومسيحي التجرنية، دون أن تلزم هذه الاشادة المبنية على الشراكة الحضارية والسياسية "مجتمع" المنخفضات بأى التزام حقيقي تجاه هذا المكونات.
الفرضيات الاساسية للوثيقة:
قامت الوثيقة المبادرة على فرضيات اساسية يمكن تلخيصها في الآتي:-
1. إرتريا بلد متعدد الثقافات والديانات والأعراق، وأن واقع الحال يستدعي أن يسعى كل مكون إلى تحقيق ذاته وأن يعبر عن تطلعاته في إطار التعدد الذي يحتويه الكيان الوطني.
2. ضمن هذا التعدد الذي هو حاصل جمع وحدات متجانسة فإن "مجتمع" المنخفضات الإرترية، يعتبر وحدة متجانسة رغم تعدد أصوله وذلك لما يتميز به من روابط عميقة مبنية على أواصر الدم والمصاهرة وعلاقات اجتماعية وثقافية وثيقة وأنماط اقتصادية ومعاشية متقاربة ووحدة تاريخ ومصير مشترك، كما تضمهم أرض متصلة وممتدة جغرافيـًا.
3. هذا التجانس لا يلغي وجود تنوعات ذات أبعاد إثنية ولغوية ودينية، احتفظت ولا تزال بخصوصياتها.
4. إن هذا التنوع داخل التجانس المذكور في "مجتمع" المنخفضات لم تكن له آثار سلبية على تماسك النسيج الاجتماعي للمنخفضات الإرترية، بل بالعكس أصبح هذا التنوع أحد عوامل الغنى الحضاري ومثالا للتعايش السلمي على مر العصور.
5. على الرغم مما ذكر فإن هذا الـ "مجتمع" لايخلو من نقاط ضعف قد يكون مردها إلى نمط الانتاج الرعوي الغالب وما يستتبعه من حالة التنقل الدائمة والبعد عن المركزية الإدارية الأمر الذي يؤدي الى النزوع نحو الاستقلالية وعدم الالتزام ببنية تراتبية صارمة تتسم قنوات اتخاذ القرار فيها بالتحديد.
6. إن اسباب الضعف السابقة الواردة في فقرة الخامسة اعلاها تجاوزها الـ "مجتمع" نسبياً مستفيداً من التطورات خاصة التصدي لمرحلة الكفاح المسلح الذي استوجب الانخراط في هياكل تنظيمية، إضافة الى الاستقرار النسبي والتعليم، والانفتاح على الشعوب وتجارب الآخرين كإحدى فوائد اللجوء.
7. على الرغم من تجاوز الـ "مجتمع" لأسباب الضعف السابقة ولكن لا يزال يعاني من الوهن والتمزق ولكن هذه المرة لعدم ترابط ووحدة قواه السياسية والإجتماعية.
8. الوهن والتمزق المذكور اعلاه عرَض أرض ومصالح الـ "مجتمع" للخطر، وعرض تاريخه للتشويه.
9. التاريخ اثبت إن هذا الـ "مجتمع" يملك من عوامل القوة المناهضة دوما للظلم بل والقادرة على الإنتصار في نهاية الأمر، حيث غرس وتصدى لمفهوم وحدة الوطن الحالي - إرتريا - بحدودها الجغرافية، واطلق شرارة الثورة الأولي مبتدراً الكفاح المسلح وواصله مع بقية مكونات الشعب الارتري وهو ما أدى الى الاستقلال في نهاية المطاف.
10. إن تصدى هذا الـ "مجتمع" للقضية المذكورة اعلاه ترتب عليه دفع ثمن باهظ ابتداءاً بعصابات الشفته، ومن ثم سياسة الأرض المحروقة والكوماندوس مما انتهى به الى اللجوء، وانتهاء بالاستهداف من قبل النظام العنصري الطائفي الديكتاتوري الحاكم حاليا، لتصبح أرضه هدفا للإستيطان بفرية أن هذه الأرض ملك مشاع للجميع.
11. إن استهداف هذا الـ "مجتمع" لم يكن حصراً فقط على النظام بل اصبح يأتي حتى من بعض عناصر وقوى المعارضة وبأساليب وذرائع متعددة تتماهى مع نفس الأدوار والمطامع والسياسات الجائرة للنظام الطائفي الديكتاتوري، والتي تؤسس وتقنن لإنكار حقه في الشراكة المتساوية في الوطن من خلال عملية الإقصاء والهيمنة الهادفة لإخراجه من دائرة العمل السياسي المعارض.
12. إن هذه المحاولات لإخراج هذا الـ "مجتمع" من دائرة الفعل سوف تؤدي الى فقدانه ثمار نضاله البطولي واستحقاقاته الوطنية، وهو ما يؤثر سلباً على الشأن الوطني بصفة عامة وعلى المكونات الارترية المهمشة بصفة خاصة.
13. السبب في احتمال نجاح هذه المحاولات، والوصول الى النتائج المذكورة في الفقرة السابقة يعود الى عدم قيام هذا الـ "مجتمع" بلعب دوره الطبيعي المعهود في الدفاع عن حقوقه ومكتسباته وتاريخه النضالي المشرف، وهذا قد مهد ويمهد لهيمنة قوى عنصرية متعصبة من قومية التيجرينيا ومن يدور فى فلكها على مقاليد الأمور وانفرادها بالسلطة والثروة وبكل مقدرات الوطن.
14. إرتريا على مفترق طرق، وأن هنالك مخاطر حقيقية تحدق بهذا الـ "مجتمع" وتهدد حقه في الوجود وفي الوطن كشريك أصيل وفاعل.
15. أنه آن الاوان ليفطن هذا الـ "مجتمع" لهذه التحديات والمخاطر ويعيد النظر في وضع الإستراتيجيات الكفيلة بالحفاظ على مصالحه بما يوازي حجم التضحيات الجسام التي قدمها وما يتناسب مع ثقله البشري والجغرافي وموارده الطبيعية ودوره التأريخي، وفي سياق إعادة النظر في وضع الاستراتيجيات الجديدة يجب مراعاة أن لا يكون مشروع بقاء الوطن موحدا خصماً على مصالح هذا الـ "مجتمع" بمفرده باعتبار أن ذلك مسئولية مشتركة لجميع مكونات الوطن.
كانت هذه محاولة لتفكيك الورقة، من خلال تتبع الفرضيات التي اعتمدت عليها والتي تحمل في داخلها اسئلة فرعية كثيرة، ومعلوم إن إثبات أو نفى فرضيات بهذا الحجم فقط من باب البحث العلمي التجريدي تحتاج الى جهد اكبر بكثير من هذه الورقة، ولكن متى كانت المشروعات السياسية تقوم على بحث علمي بالدرجة الأولى، عليه من الصعب محاسبة الورقة على اساس قواعد البحث العلمي المجرد، ولكن هذا لا يمنع من مناقشة الوثيقة وستكون المناقشة وفق المداخل التالية:-
دقة الفرضيات:
في أى بحث علمي يعتمد الباحث فرضيات محددة، ومن ثم يحاول مستخدماً مناهج البحث العلمي لاثبات هذه الفرضيات، ويتوصل في نهاية البحث الى اثبات او نفى الفرضيات أو تظل الفرضية معلقة على شكل سؤال لتكون مشروع بحث آخر، ومن هذا الباب فإنه من الصعب اثبات الفرضيات التي أعتمدت عليها الورقة، وهذا لا يعني نفيها، فصدقية الفرضيات هي مهمة الباحث الذي يطرح الورقة، بينما مهمة المحكّم او المتابع هو التشكيك في الفرضية الى ان يصل لقناعة من خلال اطروحات الباحث، ومن هذا المنطلق فإن فرضيات الورقة هي قابلة للمناقشة، ولعل اول سؤال يطرح هو ما هو تعريف المجتمع، وهل ينطبق ذلك على الفئة التي عنتها الورقة، وهل هو فعلاً مجتمع متجانس، وهل التجانس بهذا المعنى يمكن أن يؤسس عليه في المشروعات السياسية، وهل الدولة المدنية الحديثة التي يطالب بها الجميع تبنى على حقوق المجتمعات ( الدولة العصائبية)، ام حقوق الافراد الذين تتكون منهم المجتمعات ( الدولة الوظيفية)، هل فعلاً النمط المعيشي الرعوي في غالبه هو سبب ضعف التأطير في المجتمع، إذا كان هذا النمط مؤثرا لهذه الدرجة كيف استطاع هذا الـ "مجتمع" أن يحتل دور الريادة في تبنى المشروع الوطني، وهل فعلاً تجاوز هذا الـ "مجتمع" هذه العلة نتيجة للعمل الثوري ابان الكفاح المسلح واللجوء، وإن كان ذلك صحيحاً فلماذا لم تنجح مشاريع تبناها هذا الـ "مجتمع" في وقت لاحق (حركة الجهاد - التضامن) على سبيل المثال، وهل دفع ولا يزال هذا الـ "مجتمع" ثمن مواقفه المشرفة، بمعنى هل لو تمسك الأباء (الشهداء ابراهيم سلطان، إدريس محمد أدم، محمد سعيد ناود وعواتي وآخرون...) فقط بمشروع مفصل على مجتمعهم هل كانت التكلفة ستكون اقلّ، الم تكن اثيوبيا في حربها على مشروع الاباء الوطني عينها على البحر الاحمر وهو ما يقع ضمناً في الحيز الجغرافي لهذا الـ "مجتمع"، أيهما اكثر جدوى استراتيجياً وتكتيكياً استنهاض كافة مكونات إرتريا ضد المستعمر الاثيوبي أم مواجهته فقط بمشروع ينحصر في الحيز الجغرافي المعني في الورقة وهو ما ينطبق على توصيف الاستراتيجية المثلى لمواجهة النظام الحالي، إذا كان إستهداف النظام للـ "مجتمع" المعني مفهوم، ولكن ما هو شكل الاستهداف الذي تعرض له المجتمع المعني من بعض قوى المعارضة، إذا كانت المعارضة كلها دع عنك بعضها خارج دائرة التأثير على أرض الواقع في إرتريا فكيف تنبهت الورقة لهذا الاستهداف، هل الاستهداف المعني وارد في البرامج السياسية هذه القوى، ام في نواياهم وضمائرهم، هل يمكن تسوية المظالم التي تعرض ولا تزال يتعرض لها هذا المجتمع في إطار مشروع متكامل للعدالة الانتقالية الشاملة ام لابد ان تسوى بمشروع منفصل، أيهما أجدى في معالجة الوضع، الحلول التجزيئية ام الحلول الشاملة، وهكذا قد تتواصل الاسئلة التي لا تكفي فيها الاجابات التقريرية التي تحتاج فعلا الى دراسات معمقة حتى تقف على ساقين او ساق واحدة على الاقل، إن الاجابة على هذه الاسئلة من الأهمية بمكان ليس فقط بغرض تمليك المعلومات للباحثين أو اقناع المشككين وإن كان ذلك مطلوب، ولكن لتبنى المشروعات الصحيحة التي تستند الى حقائق والقابلة لإيجاد تسويات واقعية وليس دغدغة عواطف تنتهى الى حسرة وخيبة أمل كبيرتين تؤثران في طريقة تفكير الاجيال اللاحقة وتحديد خياراتهم المستقبلية.
ترتيب الأولويات:
تقوم الورقة على مبدأ ترتيب الاولويات، بمعنى أن على ابناء المنخفضات ترتيب بيتهم الداخلي قبل الدخول في مشروعات على مستوى الوطن، لأن عدم ترتيبهم لبيتهم الداخلي وتقديمهم الهّم العام على الخاص هو ما ترتب عليه هذه المظالم، نظريا قد يبدو ذلك صحيحاً للوهلة الأولى، ولكن على أرض الواقع ربما لا تجد له ترجمة حقيقية، فالواقع يقول إن الفاعل الرئيسي في الساحة الإرترية هو النظام، لأسباب كثيرة قد لا يكون هذا مجال تفصيلها، ولكن إجمالاً فإن قوة النظام او صموده في مقابل ضعف المعارضة يرجع لمبررات تتعلق بالظروف التي نالت فيه إرتريا استقلالها، مضافاً اليها الظروف الاقليمية والدولية، وفي مثل هذه الظروف فإن ترتيب البيت الداخلي إن أمكن، واقول إن امكن لأنه بسؤال بسيط منذ ظهور الوثيقة عقب سمنار لندن، هل زاد هذا الـ"مجتمع" تماسكاً ام إختلافاً، والاجابة متروكة لفطنة القارئي، من جهة أخرى طالما أن هنالك اقرار أن النظام هو الفاعل الرئيسي في الساحة والمتسبب مباشرة في المظالم التي طالت هذا الـ "مجتمع" وغيره عقب التحرير كمسئولية مباشرة، فإن الأولوية التلقائية تبدو هي التخلص من النظام، وإذا كانت الوثيقة لم تساعد حتى الآن على الأقل في إعطاء مؤشر يوحي بأنها ستلعب دوراً حاسماً في لملمة الـ "مجتمع" التي عنته الورقة، فإنه بالمقابل زادت حجم الشكوك مع الشركاء "الآخرين" لهذا الـ "مجتمع"، وهذا بالتأكيد لن يساعد في المهمة الرئيسية وهي التداعي لإزالة النظام، ولا يهم في هذا المقام إذا كانت مخاوف بعض قطاعات المجتمع، او الأخرين حول دوافع الورقة حقيقية أو متوهمة لأن الورقة لا تطرح عقيدة او حقيقة علمية يتمسك بها صاحبها حتى لو شكك فيها الآخرون، لأن صاحب العقيدة او الحقيقة العلمية متيقن من صحة ما يعتقد، ولكن الورقة تطرح مشروع سياسي، والسياسي يهمه في النهاية كم من الأصوات اقتنع بمشروعه لأنه يسوق لمشروع وعليه أن يتعامل مع الشكوك بجدية كافية. قضية أخرى وهي إن ترتيب البيت الداخلي لا ولن ويتوقف عند هذا الحد، وقد اثبتت شواهد التاريخ إن داخل كل مجتمع مدعى يسعى لترتيب بيته الداخلي، مجتمع آخر أصغر يلتقى على خصائص أدق سوف يسعى الى ترتيب نفسه جغرافياً، عرقياً، مذهبياً، او سياسياً، وهكذا فإن ترتيب البيت الداخلي او ترتيب قطاع / فئة ما دون وجود الاطار الدستوري / القانوني الذي يسندها قد تكون وبالاً اكثر من كونها ذات مصلحة مباشرة لأنه لا توجد حدود لسقف مطالبها، بمعنى أنه في الدول الديمقراطية التي يحفظ دستورها حق التنظيم فإن القطاعات (الاتحادات - النقابات - منظمات الضغط) المنظمات المدنية بشكل عام يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تثبيت ما تعتقد انه مصلحة او تفادي ضرر على القطاع الذي تمثله لأن الإطار الدستوري / القانوني يحدد سقف المطالبات، ولكن في ظلّ عجز كافة المعارضة على اشعار النظام بوجودها، هل يمكن ان يسهم مشروع جزئي في إنجاز ما عجز عنه الكل؟، وهنا يتبادر الى الذهن سؤال افتراضي، ماذا لو طرح الرئيس الارتري اسياس افورقي صفقة على اصحاب المشروع قائلاً كل مطالبكم في إطار الحيز الجغرافي الذي حددتموه بإعادة الحقوق مقبولة، تعاد ارضكم، ويعاد شعبكم من اللجوء، لغتكم وثقافتكم محفوظة، احكموا ارضكم بنفسكم، ولكن لا تسألوني عن باقي ارتريا، ماذا ستكون الإجابة؟!
جدوى المشروع:
إن اى مشروع لا تسبقه دراسة جدوى محكمة لا يعدو أن يكون مشروع يعتمد على الصدفة في نجاحه خاصة في الوقت الحاضر في ظل تطور علوم الحسابات وعلوم التنبؤ، ودراسة الجدوى بالتأكيد تستصحب التجارب السابقة، والمبادرة المعنية في هذا المقال بالتأكيد استفادت من تجربة (وثيقة المختار) على الأقل في وجود اشخاص معروفين يتبنون المبادرة ويدافعون عنها، على عكس وثيقة المختار التي عدمت من يتبناها على موضوعيتها حيث ركزت في توصيفها للوضع إنطلاقاً من الثنائية المعروفة والمألوفة في الصراع الإرتري كأبرز أوجه التناقضات في الصراع السياسي الإرتري، وكاتب المقال كان واحد ضمن آخرين في أستراليا الذين قبلوا ان يضعوا اسمائهم علناً في مبادرة لدفع اصحابها للخروج الى العلن، ليس للاتفاق الكلي مع كل ما ورد فيها، فالتوقيع جاء بعد قراءة متأنية في ندوة خصصت لهذا الغرض، أستعرضت ما للوثيقة وما عليها ولكن الموقعين في النهاية اعتبروها صالحة لإدارة حوار مع الآخر في ظل الثنائية المذكورة، بيد أن مبادرة وثيقة المختار اليتيمة ليست المشروع الوحيد الذي تحتاج مبادرة المنخفضات دراسته، بل يوجد مشروع التضامن الذي ضم اربع تنظيمات جلّ عضويتها وقياداتها من ذات الحيز الجغرافي الذي تخاطبه وتعنيه مبادرة المنخفضات، وهو مشروع لا يوجد ابلغ مما وصف به أحد قيادات أحد التنظيمات المؤسسة للتضامن بأنه مشروع قد شبع موتاً وينتظر تحرير شهادة الوفاة، وتمتد المشروعات التي تحتاج الى دراسة تجربة حركة الجهاد وما آلت اليه في نهاية المطاف وهو بالتأكيد مشروع يقوم على تجانس المعتقد، وغني عن القول أن تجربة الجبهة الشعبية التي قامت على وثيقة - نحن وأهدافنا - تحتاج الى دراسة متأنية فهى الأخرى مشروع يقوم على اساس نحن والآخر، ومن يعتقد أن مشروع الجبهة الشعبية قد نجح فهو محتاج الى إعادة تعريف مفهوم النجاح، فها هو الوطن ككل، و الـ "مجتمع" الذي قامت الوثيقة للحديث عنه يدفع ثمن المشروع، وبالتأكيد هنالك تجارب خارج إطار تجاربنا السياسية لمن إراد أن يجود في دراسة المشروعات المماثلة.
بيد أن دراسة الجدوى لا تتوقف على دراسة النماذج المماثلة فحسب بل تحتاج الى تقييم تكلفة المشروع، وأكبر تكلفة يمكن أن يترتب عليها المشروع هو بقاء الوطن موحداً، وهذا لا يعني إتهام لمتبنى المشروع بأنهم إنفصاليين، أو بوصف الوثيقة بأنها مشروع تقسيم وإن كانت تحمل كثير من العبارات التي تحمل ما مدلوله بالعربية الدراجة (إذا لم أجد حقوقي فليذهب الوطن في ستين داهية) وهي عبارة جدلية تحتاج الى ضبط، لجهة ما هي الحقوق التي تكون شرط لبقاء الوطن، وهل هذه الحقوق محددة ام ستزيد وتنقص بقدر طموحات المتصدرين لها، إضافة الى من يطالب من بالحقوق، فالمشروع لا يبدو موجه بدرجة أساسية ضد النظام لسبب سبق ذكره، وهو أن المعارضة مجتمعة مرتفعاتها ومنخفضاتها، منظماتها السياسية والمدنية لم تستطع أن تلفت نظر النظام دع عنك أن تهز عرشه، وبالتالي لا يتوقع أن يتأثر نتيجة تجمع على اساس جغرافي او عرقي ايدلوجي، وليس الاستنتاج وحده ما يدعو الى توصيف المشروع بأنه في إطار الصراع داخل المعارضة، ولكن العبارات الصريحة الواردة في الوثيقة والتي تتحدث عن وجود هجمة منظمة من بعض قوى المعارضة والذي يتماهى دورها مع سياسات النظام وتهدف الى اقصاء هذا الـ "مجتمع" واخراجه من دائرة العمل السياسي المعارض، وهنا يتبادر السؤال عن حجم هذه القوى التي تتخوف منها الورقة وتسعى لحشد قطاع عريض على اساس جغرافي للتصدي لها، الم يكن هذا الـ "مجتمع" هو المبتدر والمحرك الاساسي للمعارضة بإعتراف الورقة، الم يشكل هذا الـ "مجتمع" الاغلبية في معظم المظلات السياسية التي تمخض عنها حراك المعارضة في السنوات الأخيرة، وهل كل المواثيق التي تبنتها هذه المظلات منذ عهد تجمع القوى الوطنية الارترية وإنتهاءاً بالمجلس الوطني لم توفر إطار سياسي وقانوني يرد مظالم هذا الـ "مجتمع"، إذا كانت الإجابة بنعم فكيف قبل بها هذا الـ "مجتمع" وهو المبادر في تأسيس هذا المظلات، وإذا كانت هذا المواثيق توفر الإطار السياسي والقانوني لرد المظالم فما هي الحاجة إذاَ لحشد جديد، وهنا تظهر عدم جدوى المشروع من حيث الكلفة لأنه يسوق بضاعة موجودة في برامج معظم القوى والمظلات الوطنية التي تعمل، ومع أن الورقة تتحدث عن أنها ستعمل من خلال هذه المظلات وتسعى الى تفعيلها، لكن تنزيل ذلك على ارض الواقع صعب جداً، لأن اى تجمع على هذا الاساس الذي يرهن وحدة الوطن مقابل "حقوقه" فمن باب اولى أن يرهن مشاركته في أى مظلة او العمل الفعال ضمن إطارها لذات المطالب، ولأن القوى التي يفترض أن تعمل معها لا تنكر هذه المطالب، وهي في ذاتها قوى باحثة عن مطالب هي الأخرى، فمن باب أولى ان تعمل على الاتفاق على إطار شامل يوفر إطاراً للعدالة الانتقالية تتحقق من خلاله مطالب كل الوطن، وبالتأكيد مطالب هذا الـ "مجتمع".
بيد أن الثمن الباهظ لهذا المشروع هو المعضلة الأخلاقية لمتبنى المشروع في مواجهة أى قوى ترغب سراً او علناً في تقسيم الوطن، ذلك أنه في السابق فإن التاريخ الباذخ الذي يستند عليه هذا الـ "مجتمع" في النضال والتضحية من أجل استقلال ووحدة الوطن كان يعطي مشروعية إخلاقية لهذا الـ "مجتمع" للدفاع عن هذه (الوحدة والاستقلال) وفي اللحظة التي يتخلى فيها هذا المجتمع طوعاً عن هذا الإرث مقابل حقوقه الذاتية فإنه يصعب اخلاقياً لجم اى قوى أخري إذا طالبت بحقوقها متضمنة تلك الحقوق الانفصال أو الانضمام الى دولة أخرى، فهذا الـ "مجتمع" بهذه المبادرة يستطيع فقط تحديد سقف حقوقه وليس مخول بتحديد سقف حقوق الاخرين من اين تبدأ وأين تنتهى.
توظيف التاريخ:
إذا كان من ركائز قوية للورقة فهما ركيزتين اساسيتن وهما توظيفها للتاريخ، وإنطلاقها من المظالم التي لحقت بهذا الـ "مجتمع"، وهاتان الركيزتان يخدمان دون شك البعدين العاطفي والموضوعي، وهي عوامل اساسية لأي مشروع ناحج خاصة إذا كان المشروع ذو ابعاد سياسية، فدور هذا الـ "مجتمع" الماضي وموقفه الراهن من وطن مستقل وموحد هو ما لا تنتطح فيه عنزتان كما تقول العرب، كما أن المظالم التي لحقت بهذا المجتمع عبر الحقب الاستعمارية وتضاعفها في ظل الحكم الحالي اكبر من تغطيته، تبريره، أو تجاوزه تحت أي ذريعة من الذرائع، لكن الورقة في توظيفها لهذا التاريخ تجاهلت عن قصد او دون قصد إن هذا التاريخ ما كان ليكون مصدر فخر لو لم يكن بهذا الصيرورة، والمعني لو أن الابطال الذين صنعوا هذا التاريخ امثال الشيخ ابراهيم سلطان، وإدريس محمد أدم، ومحمد سعيد ناود والقائد حامد إدريس عواتي وغيرهم من القائمة المشرفة، تبنوا نفس إطروحة الوثيقة، ورتبوا اولوياتهم بنفس ترتيب الورقة، على اساس حقوق مجتمعنا أولاً، لما كان هذا التاريخ على الشاكلة التي يباهي بها هذا الـ "مجتمع"، ذلك عندما اختار الطرف الأخر الانضمام الى اثيوبيا كان يبحث عن مصالحه في إطار ما يعتقده مدعوماً بالدوافع العاطفية، كما أ ن هؤلاء الرموز في مسعى صناعتهم لهذا الإرث التاريخي الباذخ كانوا يدركون الثمن الذي سيدفعونه بالمقابل ولكنهم رضوا ذلك عن وعىّ وقناعة، ولكن المؤسف إن الورقة تسلب هذا الوجه المشرق لهذا الـ "مجتمع" وكأني بها تلوم هؤلاء الرموز على مواقفهم عاتبة عليهم تمسكهم بالمواقف الوطنية على حساب مصالح الـ "مجتمع"، وهو ما تحاول ان تتجنبه من خلال إعادة ترتيب الأولويات، وعوداً الى المظالم السابقة الحالية فإن الإباء سعوا لوطن موحد رغم إدراكهم للثمن في محاولة منهم لإيجاد وطن يوفر العدالة بقدر المظلمة، وفي هذا الاطار الشامل تسوى كل المظالم، لكن الورقة نحت تجاه معالجة المظالم في إطار تجزيبئ، لم يفلح في معظم التجارب الانسانية المعاصرة، ولن يفلح في الوضع الإرتري، لإعتبارات تتعلق بمدى دقة الفرضيات الاساسية للورقة.
دور النخب المهاجرة في السياسة المحلية:
يدور جدل كبير في مدى مشروعية مساهمة النخب المهاجرة في سياسات الدول التي هاجروا منها، وإذ يرى فريق من علماء العلوم السياسية وعلوم الاجتماع إنه لا يجوز اخلاقياً لأحد أن يساهم في تشكيل وضع سياسي لن يتأثر به في حياته اليومية، يرى آخرون أن أسباب هجرة معظم هذه النخب سياسية في المقام الأول، كما انهم يتأثرون بالوضع السياسي في بلدانهم حتى وإن كانوا قد حازوا على جنسيات الدول التي يعيشون فيها، سواء كان ذلك التأثير عاطفياً لما يمثله الوطن من قيمة عاطفية لا يمكن تجاوزها، او مادياً من خلال إمتدادات أسرهم في الوطن، وأياً كان هذا او ذلك فإن الواقع إن النخب المهاجرة تلعب إدوراً يتفاوت من دولة لأخرى، ففي حين تلعب دوراً حاسماً في بعض الدول يكون دورها هامشياً في دول أخرى، بالنسبة للوضع الإرتري حيث يستحيل إيجاد أى طريقة للتأثير على الأوضاع في الداخل من داخل إرتريا نتيجة لطبيعة النظام وقبضته الأمنية وغياب نظام التقاضي دع عنك العدالة في التقاضي فإن دور النخب المهاجرة هو المنظور والمأمول نظرياً حتى الآن في إحداث التغيير، ويأتي سمنار لندن الذى شكلت بالطبع هذه النخب المهاجرة - الحاملين لجنسيات الدول التي يعيشون فيها حالياً- اكثر من 90% من الحضور، وبالنظر الى هذه النخب التي تعيش في دول ديمقراطية مستقرة، واستطاعت هذه الدول استيعابهم على اختلافهم عن مكوناتها عرقياً وثقافياً، نتيجة للانفتاح المتزايد في نظمها وأدبياتها نحو مفاهيم الانسانية بعيداً عن حواجز الجغرافيا والتاريخ، فإن المأمول من نخب تعيش في مثل هذا المناخ إن يتجاوز تفكيرها الإطار الجغرافي المحدود في بلد محدود المساحة والسكان، وإن لا تجنح الى نظرية التجانس في انتزاع الحقوق او تكوين المجتمعات او الدول، فالتجانس هو من سمات القبيلة وليس الدولة القومية، وما أوجدت الدولة إلا للتعاطي مع التعدد اياً كان شكل ونوع التعدد، وكان المأمول أن تتعالي هذا النخب على جراحاتها الذاتية لتنظر الى جراح الوطن ككل، وجراحات الوطن أتت وقد تأتي من نخب متعصبة في طرف آخر أو من النظام وسدنته او من المستعمر سابقاً، لكن التعالي على الجراح واعلاء المصلحة الوطنية العليا هي ما يتناسب وتاريخ وطبيعة سكان هذا الـ "مجتمع" كما هي مما يتناسب والمجتمعات التي تعيش فيها هذه النخب، ولكن يبدو أن بعضنا ناء كلكله بأمانه وإرث الأباء الذين نفتخر بتاريخهم، كما لم يستفد كثيراً من المجتمعات التي يعيش فيها وهو يعيش إزدواجية اخلاقية من خلال ايمانه وتمتعه بالقيم الانسانية في مجتمعه الجديد، والسعى الى مجتمع يقوم على اسس التجانس العرقي والجغرافي في وطنه الأصل.
خاتمة:
إن كاتب المقال لا يساوره أدني شك في أن مؤسسي المشروع هم ممن يعملون ليل نهار ضد النظام وفي صف المعارضة، ومواقفهم الوطنية غير قابلة للتشكيك، كما أن ربط المشروع بأى قوى خارجية لا يعدوا أن يكون محض تخمين أو تخوين لا تسنده أى أدلة، وفوق هذا وذاك هم أخوة وزملاء نعرفهم ونعرف اسرهم ودوافعهم، كما ان الكاتب يتفق مع الورقة في أهمية معالجة المنطلقات التي دفعت الى ظهور هذه المبادرة، خاصة في ظل عدم مبالاة حجم معتبر من نخب الشركاء للتعاطي من منطلقات الورقة بجدية كافية، وانتقالهم البطئ والمتردد جدا لصف مواجهة النظام بشكل جدي، كما يفهم بعض دوافع الورقة في إطار الصراع الذي تجلى في مؤتمر أواسا، ولكن الكاتب يختلف مع الورقة في المعالجات التي طرحتها، وطريقة ترتيبها للأولويات على هذا النحو الذي يضر بهذا الـ "مجتمع" اكثر مما يفيده من جهة، وسيكون وبالاً على وطن ضحى الأباء باغلى مايملكون لإيجاده من جهة أخرى، ليس هذا وحسب بل إن الوثيقة بمعالجاتها تسلب هذا المجتمع أعزّ ما يتباهي به وهو التاريخ المشرف طوال مرحلة الكفاح السياسي والكفاح المسلح لإيجاد وطن متحد ومستقل، تأمل المقالة أن تكون نخب هذا الـ "مجتمع" اكثر صدقاً وموضوعية في تقييمها للأوضاع ومالاتها، بعيداً عن نظريات المؤامرة أو سمات اليأس والإحباط، وإن رغببتها المشروعة قيادة المعارضة أو تشكيل إطروحاتها السياسية لن يتأتي من خلال المحاصصات الجغرافية او الطائفية، كما أن خوفها من بديل للنظام يتشكل من داخل النظام نفسه او من القوى التي كانت مناصرة للنظام وتؤمن بتغيير ديكوري للنظام مع الحفاظ على بقية المؤسسات والمكتسبات، لا علاقة له بنظرية المؤامرة او الاستهداف من أطراف أخرى ولكن يعود الى عوامل ذاتية تتعلق بالـ "مجتمع" نفسه وتحتاج الى مناقشتها والتعاطي معها بصدق وتجرد، ذلك إن هذا الـ "مجتمع" سنحت له فرص كبيرة لتشكيل مستقبل الوطن إبان مرحلة جبهة التحرير الإرترية، وطوال العقد الأول في الألفية الثانية حيث كان يشكل عماد المعارضة ومظلاتها، وتراجع المعارضة التقليدية وظهور معارضة اكثر حراكاً شيئ طبيعي لأن ديناميكة السياسة لا تؤمن بالفراغ، وأن تدرك هذه النخب إن الانغلاق على الذات لن يحل المشكلة، كما أن على هذه النخب الاستفادة من تجارب دول المحيط الاقليمي، وكذلك من قيم المجتمعات التي يعيشون في بينها في دولهم الحالية، وعليهم أن يختاروا إما العمل لصالح دولة ديمقراطية مدنية حديثة تقوم على مبدأ المواطنة، وتتبنى العدالة الانتقالية وبرامج التمييز الإيجابي للمجتمعات أو الثقافات أو الفئات أو الأقاليم الأكثر تضرراً، وبين دولة تقوم على نظام المحاصصة الاقليمية او الطائفية تحت مظلة الحقوق الغير قابلة للتنازل، قبل هذا وذاك أن يحافظوا على تاريخ باذخ مهره الإباء والاجداد بدمائهم وآلامهم.
خارج النص ومن عمق الجراح:
أبو بردى، إرتريا لم تعد كما كانت، والمعارضة لن تكون كما تركتها، ابو بردى لا تزال الدمعة متحجرة تأبى التدحرج، مسلسل الأحزان لم ينتهى، وموسم الحداد لم يرفع بعد، وبالتالي لم يحن موعد الكتابة، فلا الكلمات الآن على قدر المقام، ولا العبارات تتسع، لقد خدعتنا تلك الابتسامة التي تعطى الأمل، وذلك اليقين الذين لا يقبل الشك بالمستقبل، فظننا وبعض الظّن إثم انك مقيم بيننا فلم نتزود منك بما يكفى لمواجهة الواقع والمستقبل، أبو بردى أن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فإنا لله وإنا اليه راجعون وإنا والله لفراقك لمحزنون، ووعداً سيأتي يوم الكتابة إن عاجلاً او آجلا فذلك حقك علينا وندعو الله أن يجعلنا من الذين يؤدون للناس حقوقهم ويوفون بوعودهم.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.