زيف الشيوعية - الحلقة الثانية
بقلم الأستاذ: محمد علي حركة
مازلنا في سياحة مع ميلوفان دجيلاس في عوالم الشيوعية الغريب الذي لخصه في كتيبه (الطبقة الجديدة)، وكنا قد توقفنا في نهاية الحلقة الأولي.. كيف أنّ النظرية الشيوعية لا يمكن أن تستغني عن جميع أدوات البطش والطغيان لتُحكِم قبضتها علي مقدّرات بلد ما، ومن ثم جعل أَعِزَّة اَهلها أذلة بالتحكم علي أقواتهم.
خلاصة الفلسفة الشيوعية وما ترمي إليه وما تسعي له - حسب زعم منظريها - هو إنهاء النظام الطبقي بحيث يكون البشر متاساويين كاسنان المشط، وجعل الرقعة التي يحكمها النظام الشيوعي.. جنة علي الارض! ولكن ما تمخضت عنه النظرية في واقع الامر وفي التطبيق العملي هو مجرد فأر أجرب لا غير!
يقول المؤلف أن الثورات الشيوعية كان يُنتظر منها أن تنجح في البلدان المتطورة اقتصاديا وسياسيا تصديقا لتنبؤات (ماركس)، لكن ما حدث عكس ذلك تماماً، حيث أخفقت هناك، كأنّ وعي الشعوب في تلك البلدان كان عالياً لدرجة استشعرت خطورة هذا الضيف الجديد، ثقيل الدم، ووقفت له بالمرصاد، فماكان من دهاقنة هذا الفكر إلاّ أن وجدوا ضالتهم في البلدان المتخلفة فزادها خَبَالا علي خبال وزادتها بؤساً علي بؤس مثلما رأيناه فيما أطلق عليه المعسكر الشرقي الذي كان رمز التخلف والطغيان واللا إنسانية. فلم تبن الشيوعية في تلك البلدان البائسة (ملكوت السماء علي الارض) كما كانت تقول في دعايتها للشيوعية إنما بنت بلداناً أشبه ما تكون بسجون ومعتقلات واسعة لا مثيل لها في التاريخ.
أما عن أخلاقيات الثورة الشيوعية فحدٌث ولا حرج، فهي كالهرة التي تأكل أبنائها حيث أزهقت أرواح العديد من روادها في الصراع علي السلطة، وجعلت من حياة الناس جحيماً.
الفرق بين الشيوعية والثورات التي سبقتها : القسوة واحتكار السلطة تدوم دوام الثورات، بمعني بإيجاد الحلول لأسباب الثورة تعود المياه إلي مجاريها وتكون الحياة طبيعية، إلاّ في الأنظمة الشيوعية، فإن استمرارية التسلط الاستبدادي المطلق للحزب لا ينتهي بانتهاء الأزمة التي أشعلت الثورة انما يستمر الي مالا نهاية، ومن العسير تقدير ديمومة التسلط والاستبداد في الأنظمة الشيوعية، وهذا ما يناقض مزاعم الفلسفة الشيوعية التي تدّعي أن رسالتها هو إنهاء النظام الطبقي وبناء مجتمع خال من الطبقات!
فالنتيجة المنطقية لهذا السناريو هو بروز طبقة طفيلية جديدة التي تحتكر أوهام ملكوت السماء الذي كانت توهم به الأفراد العاديين في المجتمع.
كيف تنشأ هذه الطبقة - السرطان؟
تتشأ في قلب الأحزاب الشيوعية، ثم تتبلور خلال النشاط الثوري، وتوجد نفسها في قلب المجتمع خلال مسيرة الثورة، ثم تحول الدولة إلي نظام شيوعي بعد انتصار الثورة، وما يدعم نشوء هذه الطبقة الطفيلية هو النزوع الملح لدي القادة للتفرد بالمشهد البطولي، وتأليه أنفسهم، وإيهام مجتمعاتهم بأن كلّ الحقائق التاريخية والإيجابيات بمجملها مربوطة بشخصياتهم، (يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا).
فما هي حقيقة هذه الطبقة اذن؟ فهل ينطبق عليها صفة الطبقة حسب التعريف العلمي لها؟
الإجابة تقول أن الطبقة الجديدة ظاهرة حتمية النشوء طالما حُصِرت السلطة في الزعماء الشيوعيين وحدهم، (سلطة تشريعية، تنفيذية وقضائية)، ومن ثم تحويل الحزب الي جهاز حكومي ثم جعل من الطبقة المميزة من الشيوعيين الأجهزة الإدارية البيروقراطية الحاكمة. وهي أيضا نتيجة حتمية طالما كان سعي القادة والزعماء الشيوعيين لخلق هذه الطبقة ودفعها الي مسرح الحياة للانفراد بالسلطة وبمقدرات الامة بطرق دكتاتورية استبدادية و غير تشاورية التي يطلق عليها الدمقراطية.
وعلي الرغم من أن (الطبقة الجديدة) تتكون من خلاصة اصحاب الفكر الشيوعي الذين يطلق عليهم (استقراطية المجتمعالشيوعي) إلا أنه يستهويها عدم تحسين أحوال الطبقة البروليتارية بحيث تبقي هناك هوية واسعة دون ردم بين تقدم مستويات التطور الصناعيوبين الواقع المعيشي المزري للطبقة العاملة، بل تعمل علي إبقائها علي ما هو عليه الحال... حال الطبقة البئيسة في أغلال العبودية والقهر والحرمان وحثها علي تقديم المزيد من الجهود عن طريق تضليلها بخدعة الإسراع في بناء المجتمع الشيوعي وتحقيق العدالة! وهم في وهم...