المنخفضات ظلم الداخل وغياب الخارج
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار
عندما يسود المرض والضعف في جسم المجتمعات تنهار الكثير من عوامل النبض والحيوية في حياتها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، وتسود قناعة الإحباط والاستسلام والشعور بالغلبة والبحث عن الماضي والافتخار بالأمجاد القديمة تعويضا لما هو ناقص لتملأ به فراغ الاستسلام.
وبعد تحرير ارتريا وإنفراد الدولة بالشرعية القانونية وخضوع الجميع لشرعيتها، حدث الانقلاب من داخل النظام المؤتمن علي تلك الشرعية التي تم حصرها في مكون طائفي احتكر السلطة والاقتصاد والسلاح، وأخرج المنخفضات كشريك في الوطن من معادلة الوطنية، ووضعها تحت السيطرة بقوته الأمنية والعسكرية للهيمنة علي الموارد والإدارة والثقافة، ووضع كل أبنائها المعارضين السياسيين ومن قدر أنهم من الرافضين لهذا السلوك في السجون وصفي من رأي تصفيتهم جسديا في تجاوزات خطيرة باعدت بين أبناء المجتمع بين المؤيد للهيمنة من أبناء المرتفعات الكبساوية، والمعارض لها من أبناء المنخفضات المستهدفين.
وبما أن معارضة الخارج المحسوبة علي المنخفضات أصبحت غير جاذبة للحادبين للعمل المعارض، كانت فكرة رابطة المنخفضات وظهور ميثاقها الذي أحدث الصدمة الحقيقية التي قادت إلي التغيير في فكر وعاطفة جوهر إنسان المنخفضات في التعامل مع الجانب الأخر المهيمن بعد تحمل الكثير من المرارات والمعانات، فجعلت بميثاقها مما كان يعتبر مرفوضا ومحظورا، مرغوبا ومقبولا، فتسابق نحوها مجتمعها الذي رأي فيها أنها قد تملأ هذا الفراغ لوضوح فكرها، وشفافية أدائها، وتماسك عضويتها وثباتها، وتضحياتها في إثبات هذا المفهوم الذي جسدته في وثيقتها ومؤتمرها التأسيسي، ثم وثقته في كتاب المنطلقات النظرية، من أجل تغيير رؤية وتفكير إنسان المنخفضات لإعادة التوازن، بفضح التجاوزات التي أحدثتها طائفية نظام الحكم وتسمية الأسماء بمسمياتها دون نفاق السياسة، وقد حققت هذه الرؤيا الواضحة الكثير من الجوانب حتى الفصائل المعارضة بكل اتجاهاتها السياسية والتي كانت تسير علي نمطها القديم الذي تم هدمه، قد تأثرت وشعرت بنوع من الجدية في سباقات المنافسة السياسية فنشطت بالرغم من مدنية الرابطة، بعد أن التف حولها الكثيرون وتشكلت قاعدتها العريضة عبر القارات في الفروع المنتشرة في العالم، وعضويتها العاملة المتفاعلة، نتيجة الشعور بهذا الخطر الواقع الذي يحولهم عبر الزمن إلي عبيد وخدم لفئة غاشمة متسلطة زكت نفسها بأنها المختارة للحكم، فكان هذا الانتصار للرابطة بالرغم من العداء الشديد والمقاومة التي قوبلت بها والتي أظهرها أصحاب الفكر الجامد الذي لا يقبل التغيير وأصحاب القراءات الخاطئة للواقع المعاش.
والخلل الذي حدث في انهيار هذا المجتمع من الداخل نتيجة الخدعة الكبرى الذي تعرض لها عند غفلته عن نظام الكبسة، ونتيجة لخصوماته السياسية التي سقته كأس الموت، ونتيجة للعوامل الخارجية التي استهدفته، هذه العوامل المخلة قد أفرزت كذلك خللا آخر هوعامل الغياب الخارجي التام وحدوث الانفصال حتى مع أصدقاء الثورة الداعمين لها في مراحل النضال، وخاصة منظمات المجتمعات المدنية العربية والأفريقية والعالمية.
وقد بدأت الرابطة لتغطية هذا الجانب كبداية متواضعة تفتح بها آفاق المستقبل في المشاركات الكبرى، فقد شاركت في عام 2016م كأول مشاركة لها في مؤتمر اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب والتي عقدت في عاصمة غامبيا بانجول وكانت مفتاح لتوضيح صورة حقوق الإنسان الارتري المصادرة، وتوضيح للانتهاكات التي يرتكبها هذا النظام ضد الشعب الارتري وضد المنخفضات الارترية والتركيز عليها في التهجير القهري بمصادرة الأراضي والتوطين ورفض إعادة لاجئين الكفاح المسلح، ليرجح كفته السكانية، كممارسات الرجل الأبيض في أفريقيا، ثم جاءت المشاركة الثانية للرابطة في مؤتمر نيامي عاصمة النيجر الذي عقد يوم 2017/5/3م حيث كانت أكثر تحضيرا واستعدادا لهذا المؤتمر فقد كانت مسلحة بوثائقها الرسمية فتمت دعوة مسئول العلاقات الخارجية للرابطة للمشاركة في المؤتمر، والذي كان قد حضر في المؤتمر السابق الذي عقد في غامبيا، وكون علاقات مع كثير من الوفود التي حضرت، و قد يكون الحضور طبيعيا حتى من الممكن أن يحضره أي تنظيم أو فرد أخر، وقد كان يحضره آخرون قبل هذا لا يحملون هموم ومآسي مجتمع المنخفضات، وكما ورد في موقع الرابطة حيث كان تفسير نخب الكبسا التي كانت تحضر مؤتمر اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب كانت تختصر الهموم في مسألة الحرب، وتجنيد الشباب، وديمومة الخدمة المدنية، بينما كانت تفسيرات وفد النظام الذي كان يحضر المؤتمر الرد علي نخب المعارضة الكبساوية بأن هروب الشباب سببه الأساسي وهدفه تحسين أوضاعهم الاقتصادية، وبهذه التفسيرات وغياب من يمثل مصالح المنخفضات، كانت كل المظالم والتجاوزات التي يحدثها النظام بحقوق المنخفضات من مصادرة الأراضي والسلب الثقافي والنهب الاقتصادي، والهيمنة السياسية والأمنية، بالنسبة لهؤلاء كانت شيئا عاديا وحقا من حقوقهم يمارسونه سواء كانوا معارضين أو حاكمين، فلم يكونوا يختلفون بشأنه، فحضور وفد المنخفضات في هذا المؤتمر قد أحدث تغييرا وملأ فراغا كان يجب أن لا يحدث.
ويمكن حصر إنجازات ومكاسب هذا النشاط الذي تحقق من مكتب العلاقات الخارجية والدراسات بهذه المشاركة في النقاط التالية:-
• تكوين علاقات جديدة مع قيادات اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وبقية الوفود العربية والأفريقية المشاركة، وإيضاح المظالم الحقيقة التي يتكتم عليها المهيمنون بشقيهم الحاكم والمعارض وهو مكسب في أهم منظمة يعتمد عليها في اتخاذ قرارات العالم في حقوق الإنسان.
• الطرح بأسلوب علمي لإظهار معانات إنسان المنخفضات من بين تلك الحقوق المهضومة.
• مقابلة النظام بحجج أقوي من الحجج التي كانت تقدمها نخب التجرنية المعارضة والتي كانت لا ترقي إلي مستوي مطالب حقوق المنخفضات المهضومة.
• إن الرابطة كأعضاء وقيادة تسير بسرعة كبيرة لقوة الحجة التي تملكها، لأن عبثية النظام وطائفيته كانت معلنة وواضحة للعيان، وما هو مطلوب من قيادة الرابطة وخاصة مركزها في لندن وتأثيرها علي أحزاب الدول الغربية متاح، وأن بعض أعضائها له العضوية في أحزاب تلك الدول التي يعيشون فيها، فعليهم أن يطرقوا أبواب الأحزاب والمنظمات الإنسانية والسياسية والمنظمات التي لها علاقة تأثير في اتخاذ القرارات في أروقة الدول، ليحققوا انجازات مؤثرة لتوضيح ما يمارس من تضليل وقلب الحقائق من قبل النظام وأعوانه في دول الغرب المهيمنة، ويجب أن لا تتوقف التعبئة علي الداخل بل يجب كذلك أن تشمل الخارج وبقوة، وما تحقق من مشاركة في اجتماعات ومؤتمر اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب يعتبر عملا جليلا يضع الرابطة في الخطوة الصحيحة لتملأ الفراغ.
ورمضان كريم