إريتريا.. حجر الزاوية فى القرن الإفريقى
بقلم الأستاذ: صلاح خليل - الصحفي والكاتب بمركز الأهرام المصدر: الاهرام العربى
تتمتع دولة إريتريا بموقع إستراتيجى مهم، حيث تقع فى منطقة القرن الإفريقى الذى يعد ركيزة التفاعلات فى الجزء الشرقى للقارة
الإفريقية، مما جعلها محط اهتمام من القوى الإقليمية والدولية، ويبلغ طول الحدود البرية الإريترية نحو 1626 كم، ويبلغ طول حدودها البحرية 2234 كم، وتعد إريتريا الدولة ذات الساحل الأطول بالنسبة للدول المتشاطئة على الجانب الإفريقى على البحر الأحمر، حيث يبلغ طول السواحل الإريترية نحو 1200 كم. فضلا عن أنها تمتلك ارخبيل من الجزر يقدربــ 126 جزيرة، وتبلغ مساحة دولة إريتريا نحو121.320 ألف كم2، تعدادها السكانى يقارب 6.5 مليون نسمة منهم 4.5 مليون نسمة فى الداخل، و 2 مليون فى المهجر.
تعد إريتريا دولة إقليمية مهمة، فهى تطل من الناحية الجنوبية على مضيق باب المندب، وهى أيضا إحدى دول حوض النيل الشرقى، الذى يمثل عمق جغرافى وإستراتيجى مصرى. كما أن موقع إريتريا على البحر الأحمر، وقربها مناطق النفط فى الخليج وشرق إفريقيا، ويمثلان أحد المسارات المهمة لعبور الطاقة والتجارة فى مضيق باب المندب، وهذا يضاعف من الأهمية الإستراتيجية لدولة إريتريا.
تنقسم دولة إريتريا إداريا إلى ست مناطق، منطقة جنوب البحر الأحمر، شمال البحر الأحمر، وعنسبا، والقاش بركة، المنطقة الجنوبية والمنطقة الوسطى.
وقد مرت إريتريا بالعديد من مراحل الكفاح الوطنى لمواجهة الاحتلال والأطماع من الدولة الإثيوبية، ظهرت حركات المقاومة الإريترية، فتأسست حركة تحرير إريتريا فى عام 1958، بزعامة محمد سعيد ناود (1926- 2010)، واعتمدت هذه الحركة فى بداية تكوينها نهج التنظيم السرى، ثم جبهة التحرير الإريترية فى سبتمبر عام 1961، تحت قيادة حامد إدريس عواتى (1910-1962) ورفقاه.
وتعود جذور العلاقات المصرية الإريترية، منذ أربعينيات القرن الماضي، ولكن بدأت بصورة أكثر ووضوحا، عندما انطلقت الثورة الإريترية فى سبتمبر عام 1961، وقد قدمت مصر دعما مختلفا للثورة الإريترية منها الدعم السياسي، والمادي، والتعليمى، فضلا عن أن مصر احتضنت اتحاد الطلاب الإريترى منذ عام 1952، ويظل مقره الكائن بوسط القاهرة شارع شريف شاهدا على هذا الدور. فضلا عن أن القاهرة شهدت تأسيس جبهة التحرير الإريترية، والتى كانت بمثابة انطلاقة حقيقية لثورة الإريترية.
ثمة اعتبارات عديدة دفعت مصر لتقدم دعمها السياسى للثورة الإريترية منها دورها فى مساندة حركات الكفاح ضد الاستعمار، ومصالحها فى تحقيق وحدة بين الشعوب التى تعانى التهميش وتواجه التبعية، ولم يتوقف دور مصر تجاه إريتريا على دعم الكفاح المسلح والحفاظ على علاقات قوية مع فصائل الثورة الإريترية، بل بعد التحرير أسهمت فى دعم إريتريا ومنها المساهمة فى تكاليف الاستفتاء على حتى نالت استقلالها فى مايو عام 1993 من المحتل الإثيوبى.
العلاقات المصرية الإريترية هى علاقات حميمية وتاريخية، حيث بدأت تلك العلاقات منذ آلاف السنين، وترتبط الدولتان بروابط ثقافية عديدة، منها على سبيل المثال: كان جزء من إريتريا جزءا من حكم الخديو إسماعيل باشا، ولا تزال توجد مبان فى مصوع تعرف بأنها بنيت فى عصر الحكم الخديوى.
ولكن تراجع الدور المصرى فى إفريقيا، نتيجة لعوامل داخلية، أضعف الدور المصرى إفريقيا، وأدى إلى تصاعد نفوذ لدول أخرى كجنوب إفريقيا، وإثيوبيا، ونيجيريا والسنغال. لكن بعد 30 من يونيو 2013، عادت مصر للإمساك بزمام المبادرة والاهتمام بالقارة الإفريقية، فقام الرئيس السيسى بعدد من الزيارات للدول الإفريقية، على الرغم من الظروف والتحديات الداخلية والخارجية التى تتربص بالدولة المصرية، وبدا أن هناك رغبة صادقة فى التوجه نحو إفريقيا من أجل استعادة الدور المصرى مرة أخرى، على الرغم من أن هذه الجهد سوف يحتاج بعضا من الوقت فإنه يمثل بداية العودة الإيجابية لسياسية مصر الخارجية تجاه إفريقيا.
أصبح هناك ضرورة لمراجعة موضوعية لعلاقات مصر الخارجية وفى مقدمة هذه العلاقات علاقة مصر بإفريقيا لما تمثله هذه الدائرة من أهمية خاصة مرتبطة بأمن مصر القومى من جهة، ومرتبطة بوجود فرص حقيقية لفتح أفق التعاون فى شتى المجالات بما يسمح لمصر بتحقيق عوائد مهمة تضيف إلى وضعها المادى والمعنوى فى الإقليم ككل، هذا بالإضافة إلى أن إفريقيا تشهد سباقا محموما بين القوى الإقليمية والدولية فى صورة صراع غير مباشر بين هذه القوى من أجل الحصول على الامتيازات المختلفة ومن أجل الصراع على النفوذ والتنافس غير المباشر بين هذه القوى.
وإريتريا بموقعها الجغرافى على شاطئ البحر الأحمر وصلتها بأهم القضايا التى تحكم توجه مصر نحو إفريقيا وهى قضية مياه النيل، لا بد أن تكون فى أولوية اهتمامات السياسة الخارجية المصرية، خصوصا إذا أخذنا فى الاعتبار علاقات إريتريا المتميزة مع إسرائيل ودور إسرائيل فى محاولة تطويق مصر فى محيطها الإفريقى ومنافستها فى علاقاتها مع دول حوض النيل.
ولا بد أن يشمل التوجه مجالات مختلفة من التعاون سواء كان سياسيا أم اقتصاديا أم ثقافيا أو دينيا، حتى يتسنى لمصر حماية مصالحها فى المنطقة وعلى الجانب الآخر، فإن إريتريا سوف تستفيد فى العديد من المجالات خصوصا على الجانب الاقتصادى والثقافى والسياسى.
ولا ننسى أن الصراعات فى منطقة القرن الإفريقى التى تلعب فيها إريتريا أدوارا مختلفة وفقا لكل صراع سواء فى الصومال أو السودان، أو العلاقة مع إثيوبيا تمثل أهمية من نوع خاص، حيث إن استقرار هذه المنطقة هو هدف أساسى للسياسة الخارجية المصرية من أجل تلافى التدخل الخارجى والإقليمى فى هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة، كما تشكل مكافحة القرصنة فى المحيط الهندى هدفا رئيسيا لمصر، حيث إنه يهدد حركة الملاحة عبر قناة السويس التى تمثل مصدرا مهما من مصادر القوة المادية والجغرافية لمصر.
تتميز شكل وقوة هذه العلاقة على مجموعة من الملاحظات:
أولاً: تتمحور العلاقات المصرية - الإريترية حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وهو الوضع فى الصومال، وكذلك سبل مكافحة القرصنة الدولية فى البحر الأحمر، والجانب الأكثر أهمية هو اشتراك الدولتين فى حوض نهر النيل الذى برز على الساحة أخيرا بعد التطورات التى صاحبت الاتفاق الإطارى لمبادرة دول حوض النيل، هذا على جانب أما على جانب آخر فلا يمكن تجاهل سبل تعميق وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
ثانيا: تشترك مصر وإريتريا مع مجموعة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وقد كان هناك هدف إستراتيجى عربى يسعى إلى تكوين حزام عربى يمتد على طول سواحل البحر الأحمر.
ثالثا: بعد 30 يونيو قام الرئيس الإريترى "أسياسى أفورقى" بالعديد من الزيارات إلى القاهرة بهدف الدفع بهذه العلاقة إلى محور ثنائية العلاقات والتعاون فى شتى المجالات.
وبناء على ما سبق يمكن رؤية العلاقات السياسية المصرية - الإريترية فى ضوء هذه المحددات، حيث كان لمصر اهتمام قوى بالقضية الإريترية منذ البدايات حتى نالت إريتريا استقلالها من المحتل الإثيوبى.
إريتريا.. ضوء على ذاكرة الثورة وكفاح الأحرار:
سليم حسن كردى، نشأ وترعرع فى بيئة أسرية سياسية، تعرض للاعتقال هو فى الخامسة عشرة من عمره، فهو ابن المناضل حسن إدريس كردى، واحد من مؤسسى حزب الرابطة الاسلامية من أجل الاستقلال الإريترى عام 1946. فضلا عن أنه طوال فترة نضاله تقلد العديد من المناصب فى الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، وكان آخرها ممثل مكتب القاهرة لقوات التحرير الشعبية.
للمناضل سليم حسن كردى تاريخ حافل من العطاء والوطنية ونكران الذات، كان عضوا فى مجلس أوقاف مصوع قبل الثورة، فضلا عن أنه ابن أغنى أغنياء مصوع، فقد كان والده ثريا وعاش حياة مرفهة جدا، لذلك حينما يتم اعتقاله من قبل السلطات المحتل الإثيوبى وتعذيبه حتى تم كسر يده وإصابته بالربو، فى إحدى المرات قابله واحد من المسئولين الإثيوبيين عن إريتريا، وقال له.. إنت ابن أغنى أسرة لماذا تعرض نفسك للسجن والتعذيب وتترك حياة الرفاهية، هذا هو المناضل سليم حسن إدريس كردى.
وقدم سليم كردى نموذجا لأكثر المرات اعتقالا، وهو فى ريعان شبابه حتى بلغت مرات اعتقاله 6 مرات. وبما أنه شاهد على الثورة الإريترية منذ انطلاقها للأول مرة، فهو اليوم يكتب شهادته للتاريخ، التى تعتبر نبراسا للأجيال الحالية والمقبلة فى توثيق حقبة زمنية مهمة فى تاريخ الثورة الإريترية منذ بدايتها حتى تحقق الاستقلال، فهو شاهد على حرب الاستقلال الإريترية فى الفترة من سبتمبر (1961 حتى مايو 1991). المناضل سليم حسن كردى، كان رئيسا للخلايا السرية فى مدينة مصوع وضواحيها، وعندما أعلنت الثورة طلب من الخلايا التى كان يترأسها إلى الانضمام إلى الكفاح المسلح، وتحديد مواقفهم تجاه القضية الإريترية والشعب الإريترى.