النظام وطن لا النظام ليس الوطن ركائز الاختلاف بين الأتباع والمعارضين
بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي
إن المسائل الخلافية بين مؤيدي السلطة في اسمرا ومعارضيها مهما قيل في تبسيطها بحسن نية
او بغيرها هي خلافات مفاهيمية وجوهرية في الموقف حيال السلطة الفاسدة في اسمرا.
اقول مؤيدي لان السلطة برموزها ومؤسساتها ماعادت طرفا مباشرا في هذا الجدال بعد ان اعدت وكلفت طوابير وحماة من عدة حلقات ينوبون عنها كلّ في محيطه الاجتماعي والثقافي والديني على قاعدة - الحجرة تفلقها اختها - على قول الراحل محمد احمد عبدو رحمه الله.
نعم هي خلافات على جملة من المسائل المركزية في منهج السلطة في شئون الادارة وعلاقة الدولة مع المواطن وحقوقه الاساسية في الحياة والكرامة والحرية والدين والثقافة والتعليم، وفي الموقف من الديمقراطية ومقتضياتها في التعددية السياسية والانتخابات وتداول السلطة، وفي التجارة والاقتصاد والثروات والأرض، وفي العلاقة مع دول الجوار والمنطقة والعالم والمنظمات الاقليمية والدولية، وفي دور الدولة في ارساء دعائم الامن والسلام والاستقرار والقائمة تطول.
كل هذه قضايا هامة تحتاج الى افراد مساحات واسعة من النقاش ولكني هنا اتناول جزئية تُستدعَى الى واجهة النقاش كلما اقحم رأس السلطة المتعصبة في اسمرا الارتريين في متاهات واخطار جدية، تلك هي المناداة بالتفريق بين (النظام) - مجازاً هنا وكلما ورد - و(الوطن).
فمن حيث المبدأ لم يعد القول بالتفريق بين (الحكومات والاوطان) ميدانا للاختلاف والمجادلة لكن يظل هذا مرهونا باسقاطه على كل حالة وفق خصائصها. فمثلا اصرار مؤيدي المهيمنين على الحياة في البلاد (النظام) ونقاشاتهم مع المعسكر المقاوم بضرورة ان يفرقوا بين (النظام) و(الوطن) ومؤدى هذا - انه لا جريمة في معارضة النظام ولكن الجريمة كل الجريمة في معارضة الوطن.
إن قول المؤيدين هذا بحاجة الى اسانيد تدعمه من ناحية وبحاجة الى التخلص من مظاهر وممارسات تدحضه من ناحية اخرى. فلكي يُحتَج بالقول بالتفريق بين الحكومات والأوطان يجب ان تكون تلك هي قناعة (الأنظمة) اولا، وتتصرف في شئون الوطن على أساس انها (وكيل) في الادارة نيابة عن المواطن -هذه قاعدة مهمة أيا كانت طريقة وصولها الى السلطة - وهذا اهم اركان هذه المسألة في تقديري ذلك ان (السلطة) التي لا تؤمن بوجود فرق بينها وبين (الوطن) لايحق لها ان تطالب الآخرين بذلك.
• فهل العصابة في اسمرا تؤمن بوجود فرق بينها وبين الوطن؟
• اين تظهر قناعتها بهذا؟
بدون تفاصيل اقول ان معضلة مؤيديها تكمن في ان سلطة اسمرا لا تؤمن ان (ارتريا شيء) وانها (شيء آخر) واستدل على ذلك من بعض ممارساتها:-
1. الانتماء الى ارتريا صار (هبة) تنشأ من رضى النظام يعطيها لمن يرضى عنه ويمنعها عمن يسخط عليه ليس على مستوى الافراد بل حتى على مستوى المكونات الاجتماعية. وهذا اعتداء على حق اختيار الانسان وحريته في الانتماء من ناحية واعتداء على مسيرة التاريخ ودوره في نشوء العلاقة بين الانسان ووطنه من ناحية اخرى.
2. أهدرت الفقرة اعلاه مجمل حقوق الارتريين التي تُستَمد اساسا من (المواطنة) إذ لم تعد المواطنة -وفق تصرف السلطة- علاقة قدرية وارتباط وجداني بين الانسان ووطنه، وانما صارت (بطاقة إقامة وتصريح مرور) تُمنَح وتُمنَع بارادة الفئة المتسلطة ووفقا لحالة التبعية والولاء (للنظام) وان من ليس تابعا فليس له ان يطأ ارض ارتريا ناهيك ان يعيش فيها.
3. ربط (الوطنية) بالولاء للزمرة المهيمنة وتكريس ثقافة ان الخيانة والعمالة هي (الاختلاف) مع سياسات ومواقف هذه الزمرة.
4. لقد اجتهدت السلطة بانتظام من اجل طمس الحدود بين عناصر منفصلة ومتمايزة الخصائص والمهام اساسا (الارض / الشعب / الحكومة) لكنها تتكامل لتكوّن الدولة (الوطن) ويتم تنظيم وضبط العلاقة بينها بدستور وقوانين أخرى بموجبها يعرف كل حدوده لتكون منتجة وحيوية لكن العصابة المتسلطة عملت على تذويبها في هيئة واحدة هي (السلطة) بل واختزالها في (شخص واحد) وبما ان عناصر ومكونات الدولة صارت شيئا واحدا فلا حاجة ولاقيمة للقوانين.
5. الخلاصة بعد اكثر من ثلاثة عقود ان الزمرة المتعصبة في اسمرا لا تقيم وزنا للشعب الذي تحكمه لا بالقول ولا بالفعل ولا تريد ان تعرف رأيه ولا تحترم رغبته في نوع وكيفيات الحكم الذي يريد واعتبرت (السلطة ومنهجها) كافيان للحلول تماما محل الشعب الارتري. إن اكثر من ثلاثة عقود من التسلط بدون دستور ولا قوانين ولا انتخابات هو اكبر دليل على هذا (الحلول). وعليه فإن الذي يظهر من هذا ان الوطن قد (ذاب) تماما في (النظام) بحيث يستحيل مجرد التمييز بينهما.
إذن ما ذا تبقى من هذا الوطن لغير النظام والاتباع والموالين؟. حقيقة لاشيء تبقى.
للاسف الوطن صار تفصيلة مطابقة لهندام النظام بل تفصيلة مطابقة تماما لرأس النظام ليس فيه طول ولا قصر كما قالت النخلة الحمقاء في أجلى تصوير للانانية. لذلك فإن القول بالفصل بين النظام والوطن يتجاهل هذا الواقع ويتعامى عن رؤية الملامح الاساسية البينة المشار اليها في الفقرات الخمسة اعلاه، وبداهة فهو لا ينطلي على الارتريين الذين صاروا ذوي خبرة وحدس في (قراءة) النظام بمجرد نظرة على ظاهره نتيجة التجربة الطويلة في الصراع مع المستعمرين والمستبدين بحيث لم يعد أي مجال بل يضيق جدا احتمال ان يُستَغفلوا بدعوات مخالفة لواقع يعيشونه.
ومما يؤسف له ان تجد من بين اكثر المتشددين والمجادلين في مسألة التفريق هذه اشخاص تدحض افعالُهم اقوالَهم فهم قد تركوا (الوطن) بكل مافيه من خصوصياتهم المادية والمعنوية (دار ومال ووظيفة وطموح وأقارب الخ..) تركوه - للنظام ان وسعنا الامر وللعصابة ورئيسها ان ضيقناه - وفروا بارواحهم فيما يمكن وصفه بانه افصح اقرار بان (الوطن ذاب في النظام) وأن نصيبهم الوحيد الذي يجب الا يشاركهم فيه النظام هو (حياتهم ودماؤهم وحريتهم) ففروا بها الى حيث يجدوا لها الامان بعيدا عن (الوطن النظام) وهو اقرار آخر بان قيمة الوطن هي بقدر ما فيه من المحافظة على الحياة وبالتالي بقدر مافيه من الأمان للانفس واتاحة فرص للحرية.
• فلماذا يلح اتباع ومؤيدو العصابة على ترداد مسألة اجتهدت السلطة في اسمرا على افشالها ومحوها من الذاكرة؟.
بعض الملاحظات على هذا الالحاح: اقرب التقديرات ان هؤلاء يفعلون ذلك باجتهاد من عندهم وبدون مراجعة فيما اذا كان (النظام) يعتبر هذه الدعوة لصالحه أم ضده!.
اننا لانجد الاصرار على هذه الدعوة ممن هم تحت يده في السجن الكبير (الوطن) وتحت الحراسة وهم الأكثر تأثرا بانحرافاته وقسوته - الذين تُعَد عليهم حركاتهم وسكناتهم عدا - بل تصدر هذه الدعوات في الغالب ممن افلت بنفسه ويمارس حياته بمنأى عن الخطر(طبعا ليس كل من فارق النظام هو على هذه الشاكلة فهناك فئة فارقت دفاعا عن الحق في حياة طبيعية وما تزال وفية لقناعاتها وتناضل من اجلها). ان (النظام) الرسمي - اجهزته ومسئوليه - واتساقا مع قناعاته التي اشرنا اليها لا يهتم كثيرا بهذه المسألة التي يرهق فيها الاتباع انفسهم.
ان اوضح من يعبر عن هذا الفهم المهزوز هم فئات هربت وخاطرت بارواحها وقدمت الاسباب الامنية والسياسية بما في ذلك - برنامج الحروب الدائمة والتجنيد والاستنفار الدائم - سببا لهروبهم ثم نجدهم في تناقض تام مع ملفاتهم هذه يخوضون حروبا من اجل النظام في ساحات دول اللجوء.
ماذا يظن هؤلاء لو أُعتمِدت هذه الدعوة كسابقة في مواجهتهم من قبل اي خلف يقوم على انقاض نظامهم هذا - انها مواقف محيرة فعلا ناس على شفا الضياع التام.
من ممارسات النظام الثابتة في تكسير مجاديف اتباعه في هذ المسألة استخدام الاموال التي تجمع باسم الوطن (ال 2٪ والتبرعات ومداخيل مهرجانات اللهو التي يرعاها) في خدمة أغراض النظام وهو ما يدحض عمليا هذه (الكذبة) اذ وظف كل تلك الاموال في نشاطاته السلطوية وتمكين نهجه السياسي ولم ينفق منها ولا (نقفاية واحدة) خلال الثلاثة عقود في أي مشروع خالص للوطن يتجاوز يومياته وصراعاته - ولو من باب ذر الرماد في العيون.