سعادة المفتي ببث صلاة العيد في استجداء الحقوق تتجلى المذلة في ابشع صورها
بقلم الأستاذ: ياسين حامد (أبو يزن) - كاتب ارترى
ما أقسى أن يتلاشى الحق المكفول شرعا أو عرفا للإنسان فيصبح حصول صاحبه عليه حلمًا
يمني نفسه به، عندما يصبح الحق الذي يفترض أن يكون بداهة في متناول يد صاحبه دون جهد منه أو عناء في طلبه قد يضحي حلما بعيد المنال، وتصبح المطالبة به جرمًا كبيرًا وإثمًا مبينًا، والويل والثبور لكل من تسول له نفسه برفع صوته لتذكير مغتصب حقه أو جاحده به.
في ثاني أيام عيد الفطر المبارك - بينما كنا نتجاذب أطراف الحديث ونتشاطر أفراح العيد - لفت أحد أصدقائي انتباهي إلى بث الفضائية الإرترية صلاة العيد من العاصمة اسمرا لأول مرة والسعادة التي غمرت مفتي الديار الارترية بهذه المكرمة وشكره وامتنانه لهذه اللفتة الكريمة والعطاء الجزيل من أهل الفضل؟!!، لأكون صادقا معكم - بالرغم من أني لم اكن من متابعي التلفزيون الارتري كونه لا يبث شيئا يستحق المتابعة عدى ما يبعث اليأس في النفوس المحبطة أصلا -كنت أظن حتى تلك اللحظة بأنه كان يتم بثها دائما، وربما خدعني بعثات التسول الغنائية التي كانت تجوب العالم في مثل هذه المناسبات تكسبا، وبالرغم من انه لم يبق في مخيلتي المستند إلى الواقع شيء لم يغتصبه النظام الطائفي من حقوق المسلمين الإريتريين التليدة ولم استغرب ذلك عند سماعي به لكنه أحزنني كثيرًا امتنان المفتي بهذه البادرة وعرفانه بالجميل لاولياء النعمة.
عندها تذكرت بيت شعر للمتنبي يصف الحالة التي نعيشها:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
فما أظلم من الإنسان لنفسه حينما يتصور بأن حقوقه الأصيلة مكرمة ينالها تفضلًا لا استحقاقًا فلا حق له إلا ما يمنحه إياه أو يقرره طرف آخر، وان هذه المكرمة أو المنحة مرهونة بإذعانه له والإقرار بالسلطة المطلقة له في مصيره وحقوقه، مع إقراره أيضا - في نفس وقت تجرعه الذل والهوان على يده - بعدله وبحكمته بل وربما برحمته ومحبته الخالصة له وحرصه التام على رعاية مصالحه.
ويصبح الظلم مركبًا، حين يُظلم الإنسان ويُمنع عنه حقه ويجبر على استجداء حقه والمطالبة به تسولًا مصحوبًا التسبيح بحمد ظالمه والتغني بعدله ورحمته.
فهو لا يمنحهم من النزر القليل - ماديا أو معنويا - إلا بذل السؤال ومرارة الحاجة، لا يجرؤ أحد منهم على المطالبة بحقه بوصفه حق، ولكن يطالبون بما يتفضل عليهم به من فتات العطاء.
ولا ينجز لهم إلا وفق ما يريد في الوقت الذي يريد، ولابد عليهم أن يشكروا صنيعه بهم مهما كان.
أليس هذا ما حدث عندما اغلقوا معاهدنا وغيبوا في السجون شيوخنا وعلمائنا وصادروا ممتلكاتنا واستوطنوا بيوتنا وهجرونا من ديارنا وعندما عجزنا في استعادة أي منها، قدموا لنا هذه المكرمة تفضلا ووجب علينا شكرهم وإبداء امتناننا لهم، وهذا كان مطلب لسان حالهم!!!
السبب:
والسبب في كل مآلات حالنا هو تفرقنا في كيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، وسبب الخلاف هو توهم البعض لنفسه الاعتبار والوزن وإدراك بواطن الأمور وخفايا الأسرار، وهو لا اعتبار ولا وزن ولا إدراك حتى پظواهر الامور وسطحياتها.
وبالرغم من ذلك يزين له الشيطان هواه ويسلك دروب الغواية ويتبعه آخرون لحاجة في نفسوهم أو جهلا. ويؤدي سلوكم ذلك إلى تشرذم المجتمع وتفرق شمله وتبدد موارده ما يؤدي إلى ضعفه وإغراء الضعاف للاغارة عليه ونهبه وسلب حقوقه واستعباده. وفي التفرق والاختلاف إعراض عن امر الله ورسوله بالتماسك والتعاضد ومخالفة لرجاحة العقل وسلامة المنطق.
يقول الله تعالى: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ ...) الآية.
وقال نبينا عليه السلام: "يد الله مع الجماعة". وفي حديث اخر: "أيُّها النّاسُ، علَيكُم بالجَماعةِ، وإيّاكُم والفُرْقةَ".
ويقول الشاعر: تأبى الرِّماحُ إذا اجتمعنَّ تكسُّراً وإذا افتــــرقَنّ تكــسّرتْ آحادا.
الحل:
ينسب إلى الكاتب الحقوقي والثائر الأمريكي فريدريك دوغلاس قوله:
"السلطة لا تسلم الحقوق دون أن يكون هنالك مطالبين فيها، فهي لم ولن تفعل هذا أبداً". وقوله: "إن الأسوأ من التمرد هو ما يدفعنا إلى التمرد".
او ليس ما نحن عليه أسوأ من التمرد؟! ألسنا بحاجة إلى ثورة حقيقية تعيد لنا شيئًا من كرامتنا وحقنا في أن نعيش فقط في وطننا امنين في ارواحنا وأعراضنا وديننا؟!!
أم أننا آثرنا السلامة - التي لم نسلم بسببه - على ما يمكن ان يصبنا من الأذى بسبب الإقدام على المخاطرة؟
ولكنه كما قال صفي الدين الحلي في مطلع قصيدة طويلة:
لا يَمتَطي المَجدَ مَن لَم يَركَبِ الخَطَرا وَلا يَنالُ العُلى مَن قَدَّمَ الحَذَرا
وَمَن أراد العُلى عَفواً بِلا تَعَبٍ قَضى وَلَم يَقضِ مِن إِدراكِها وَطَرا
لا بُدَّ لِلشَهدِ مِن نَحلٍ يُمَنِّعُهُ لا يَجتَني النَفعَ مَن لَم يَعمَلِ الضَرَرا
لا يُبلَغُ السُؤلُ إِلّا بَعدَ مُؤلَمَةٍ وَلا يَتِمُّ المُنى إِلّا لِمَن صَبَرا
يقول الشاعر في قصيدته أنّ الإنسان لا بدّ أن يخوض غمار المخاطر من أجل الوصول إلا مبتغاه، ولا يمكن لأيّ كان أن يحصد النجاح من دون أن يقدم أجره وهو عرق التعب، وحتى العسل تحرسه النحل ولا يُجنى إلا بشق الأنفس لا يُمكن للإنسان أن يصل إلى مطلبه فقط لأنّه يرغب بذلك، بل لا بدّ له من الجهاد والتعب وتحمل المشاق.
لذى ينبغي على كل مخلص منا لامته حريص على مصالها أن يسعى إلى لملمة شمل مجتمعه وجمع كلمته بكل السبل المتاحة ويجتنب كل الطرق المؤدية إلى الشقاق والفرقة والاختلاف، والعمل مع أفراد مجتمعه لتقريب ما تباعد من القلوب وازالة اسباب الاختلاف والشقاق الذي يوجب العداوة والبغضاء بين مجتمعنا المسلم لنتمكن سويا لتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان.
إضاءة:
يصف غسان كنفاني الحال بيننا والنظام بقوله: "يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم.. يا لوقاحتهم".!!!