وحدة تنظيمات المعارضة الإرترية المستحيلة والحل غير المباشر

بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري

أن وحدة تنظيمات المعارضة الإرترية ومن قبل وحدة تنظيمات الثورة في فترة الكفاح المسلح

ظلت هاجس يؤرق قطاعات واسعة من أبناء الشعب الارتري و رغم ذلك لم تتحقق هذه الوحدة لا في السابق ولا في الحاضر، فتلك الوحدة إن لم تكن مستحيلة، فهي على الأقل صعبة التحقق في مقبل الأيام وهذا الأمر لا يقتصر على الشعب الإرتري إنما على حد علمي وقراءاتي الكثيرة في هذا الجانب يتعدانا لبقية شعوب العالم لأسباب تتعلق بطبيعة العمل السياسي و بصراع السلطة والقناعات الفكرية المتبناة وبالتالي طبيعة التنظيمات السياسية تجعلها أقرب لتصفية بعضها البعض من توحدها، وبالتأكيد هناك استثناءات لوحدات حدثت بين تنظيمات سياسية إلا أن هذه الاستثناءات لم تحدث في تنظيمات متشابهة ومتكافئة في القوة والمقدرة (متكافئة في قوتها أو في ضعفها) إنما حدثت بين تنظيمات قوية وتنظيمات ضعيفة تريد الإحتماء والمثال على ذلك من الواقع الإرتري الوحدة بين الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وأحد فصائل جبهة التحرير الإرترية بقيادة إبراهيم توتيل عام 1987م و التي كانت نتيجتها إنصهار الأضعف في بوتقة الأقوى وبالتالي تطوى صفحة الأضعف، وهذا النموذج الأخير متكرر في تجارب كثير من الشعوب.

أما بالنسبة لاسباب عدم توحد أو نجاح وحدات التنظيمات الإرترية فهي كثيرة جدا لكني هنا حتى لا يطول البوست سأكتفي بذكر أهم ثلاثة منها:-

السبب الأول: أن العمل السياسي أساسه التنافس و الغلبة و الإنتصار والتصارع على السلطة ومن يمارس السياسة وكانت هذه طبيعته يكون حذر من فقدان سيطرته على تنظيمه ومشاركة الآخرين فيه إلا في حالة اعتقاده أن غلبته و سيطرته ستستمر في ظل الوحدة، وغالبا ما يكون هذا الاعتقاد في حالة حدوث الوحدة هو أحد أهم أسباب انفضاضها، عندما يفشل الطرفان في السيطرة على الطرف الآخر.

السبب الثاني: عدم وضوح المنتج النهائي الذي سينتجه كل تنظيم وعدم وضوح المنتج ناتج عن الفقر الفكري الذي تعاني منه تنظيمات المعارضة فهي لا تملك أي عمق فكري تستند عليه (الفكر الذي أقصده ليس له علاقة بالإيدلوجيات الفكرية إنما له علاقة بوضوح الأهداف المراد تحقيقها والأدوات للازمة لتحقيقها)، وتنظيماتنا تفتقد إلى ذلك بشدة فحتى تلك التي تستند على إرث تنظيمات فكرية إقليمية و دولية هى مجرد تنظيمات مقلدة بطريقة غير واعية لمّا تقلده، ولزيادة التوضيح عندما اقول فكري أقصد وجود فكرة محددة بكل أبعادها من أهداف واضحة و وسائل محددة لتنفيذها و قيادات وكوادر مؤمنة بها و واعية بالفكرة لتنفيذها على أرض الواقع، فوجود الفكرة بابعادها الحقيقة من شأنه أن يجعل الصورة واضحة للقيادة، فتعمل وتنسق مع من لديه مشتركات مع تنظيمها و تحارب من يشكلون خطر على تنظيمها وعلى فكره و برنامجه السياسي.

السبب الثالث: انعكاس التركيبة الاجتماعية (الطائفية والمناطقية والقبيلة) على بنية التنظيمات السياسية الأمر الذي أفرغ التنظيمات من أي مضمون حقيقي للكيان السياسي، وهذا الأمر جعل التنظيمات السياسية كيانات إجتماعية بثوب سياسي، وذلك عمق التباعد بينها وبين نظيراتها من التنظيمات الأخرى، فالكيانات الإجتماعية (فقط عند الخطر الداهم تتحالف لكنها لا يمكن أن تتوحد) وهذا ناجم عن طبيعتها كمنظومات إجتماعية، وتنظيماتنا السياسية في أحسن الأحوال هي كيانات إجتماعية بثوب سياسي وفي أسوء الأحوال تنظيمات إجتماعية مكتملة الأركان لا تتوانى عن إعلان ذلك، والمؤشر الأهم لمعرفة إن كان التنظيم سياسيا أم تنظيما إجتماعيا في ثوب سياسي يعرف في لحظة حصول خلافات فإذا انقسم على أسس سياسية لا أثر للخريطة الإجتماعية فيها فالتنظيم سياسي أم إذا أنقسم على أسس إجتماعية فسترى الخريطة الإجتماعية واضحة وتسقط لحظتها كل الشعارات السياسية وبالتالي التنظيم كان تنظيما إجتماعيا بثوب سياسي.

أما عن الحل غير المباشر، فضمن المعطيات المتوفرة في الساحة هناك طريق واحد لا ثاني له من خلاله يمكن أن يحدث تجمع كبير يحقق نوع من الوحدة التي تجعل التنظيم مؤثراً وفعالاً، تجمع يجمع أكبر قدر من الشعب الارتري بكل تنوعه (جبهة التحرير الإرترية والجبهة الشعبية في فترة الكفاح المسلح نموذجاً).

أن تتولى قيادة أحد التنظيمات قيادة جديدة ولا يهم إن كان التنظيم قديماً أم جديداً لكن يفضل أن يكون جديدا، قيادة واعية مخلصة مقتدرة تعمل في مسارين مهمين هما:-

المسار الأول: أن تجتهد في تحقيق ولو القليل من الإنجازات على أرض الواقع بشرط أن تكون تلك الإنجازات مرئية للجميع وتقنع الآخرين أن هذا التنظيم في الطريق الصحيح أما لو أنجزت إنجازات مبهرة ستصل للقمة بسهولة أكثر والطريق سيصبح سالكا أمامها بسرعة لا يمكن أن تتوقعها.

المسار الثاني: أن يفتح التنظيم باب الالتحاق به للجميع من غير مكوناته الإجتماعية، وسيقول قائل أساسا كل التنظيمات ما عندها مانع في التحاق الجميع بها، نعم هذا نظريا لكن ما يمارس على أرض الواقع أمر آخر تماما، وهو أن من سيلتحق بالتنظيم سيجد نفسه مصنف عضو درجة ثانية أو حتى درجة عاشرة، ومن تواجهه مثل هذه الظروف إبتداءً سوف لن ينضم لمثل هذا التنظيم، أو أن تلجأ القيادة في إختيار عناصر من خارج المكون الأجتماعي الاساسي للتنظيم بهدف تزيين واجهته، فهذا غش وتدليس لا يأتي بالنتيجة المرجوة.

ملخص ما سبق ذكره تكوين تنظيم سياسي حقيقي قابل للحياة ولا تسيطر عليه فئة إجتماعية معينة، ينجز على الأرض ويفتح أبوابه للجميع، فالانجاز يجذب له عضوية حقيقية ومعاملة جميع العضوية على قدم المساواة تدفع كل المكونات للإلتحاق به، والتنظيم المرتقب بذلك يسقط الشرعية عن كل تنظيمات المكونات الإجتماعية الاحادية ويظهر تنظيم وطني بما تعنيه الكلمة بكل أبعادها، تنظيم قابل للحياة وقابل للانجاز.

خارج النص: كان لي حلم منذ أكثر من ثلاثة سنوات أن أساهم في بناء مثل هذا التنظيم وبالفعل شرعنا في تأسيس ذلك البناء والجميع كان مجتهدا ومتفانيا وفرحا، لكن عدم وعي القيادة وجهلها و في لحظة قاتلة أعادونا للمربع الأول عندما أخذوا يبحثون عن الدخول في وحدات وهمية فوجدوا واحدة نتائجها كانت واضحة لكل ذو بصيرة، فتبعثر ذلك الحلم وأصبح ذاك التنظيم أثر بعد عين وأنتهى كل شيء وتحول التنظيم لراكوبة مهترئة لا تقينا حر صيف ولا أمطار خريف ثم أكتشفنا استحالة ترميم تلك الراكوبة فأنصرف معظمنا عنها وهو يتألم للأحلام التي تبعثرت.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتى لقاء آخر مع موضوع المظلات الجامعة وفشلها في تحقيق الأهداف المرجوة من تكوينها.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click