مطبلين النظام الإريتري
بقلم الأستاذ: سمير محمد - كاتب وناشط سياسي إرتري
التطبيل للأنظمة الديكتاتورية ليس فنا حديثا لكنه تطور تاريخيا من حيث الأساليب للمطبلين
وأنواعهم وأصبح اليوم غير مقتصر على فئة معينة من المجتمع بما وفرتها لهم الثورة التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي فأصبح لدى حاشية الأنظمة القمعية والمستبدة في شتى بقاع الأرض منابر نفاق وتطبيل. نلاحظ في الفترة الأخيرة بأن بعض مواطنين إريتريا في المنفى إنحاز لصالح النظام الديكتاتوري الحاكم والدعوة لعودة المواطنين للبلاد والأدهى والأمر توجه بعض المعارضين لنفس المنزلق والمطالبة لمبادرة السلام مع النظام الحاكم.
في الآونة الأخيرة وتحديدا بعد مصالحة الأطراف المتنازعة في أثيوبيا بين جبهة تحرير تقراي والحكومة المركزية الأثيوبية بمساندة القوات الإريترية قال بعض حاشية النظام الإريتري أو المطبلين له في الخارج لمطالبة المواطنين الإريتريين في المنفى بالعودة إلى إريتريا وتحقيق السلام مع النظام الإريتري!.
قبل أن أتعمق في الموضوع أولا أود ذكر أحد الأقوال بخصوص المطبلين فعلا صدق من قال أن المطبلين موجودون في تاريخ كل الشعوب وبالذات في ظل الحكومات الفاسدة. مطالبات المطبلين تصاعدت دعما لعودة المواطنين الإريتريين في المنفى إلى البلاد كما أعربوا عن دعمهم لمبادرة سلام بين معارضي النظام الإريتري القمعي والنظام نفسه وتشمل المبادرة عرض الثقة بالنظام الذي تسبب في كوارث وأهان كرامة الوطن والمواطنين وترك خيار الفرار كحل للمواطن المغلوب على أمره على مدى أكثر من عقدين من الزمن.
ولكن ليست هذه المرة الأولى التي نرى فيها هكذا مواقف وأيضا حدث ذلك بالفعل قبل اتفاقية السلام في الحرب الأثيوبية والجدير بالذكر أن بين الداعين إلى العودة إلى إريتريا والسلام مع النظام هم معارضون ضد النظام وطبلوا للنظام وبرروا له أفعاله الوحشية التي دامت لأكثر من عقدين من الزمن تجاه الشعب بأنها كانت تصب في مصلحة البلاد وأنها إنجازات.
عجبا لما يحدث في الفترات الأخيرة بين بعض الإريتريين أهوا تذمر واستسلام لبطش النظام القمعي الذي أجبرهم للفرار من بطشه للمنفى والعيش دون كرامة لمن هم في الداخل من المواطنين؟ أم هي دعوات لمن يرتدون أقنعة زائفة تحت راية المعارضة والدعوة لزج إريتريين المنفى في السجن الكبير الذي ينتظرهم ويلاته منذ عقود؟.
في الحرب الأخيرة في أثيوبيا ألم تزج الحكومة الإريترية قواتها تحت التجنيد الإجباري والتسبب في العديد من الخسائر في الأرواح من المواطنين في حرب ليس لدى الشعب الإريتري أدنى مصلحة فيها؟ وبعد السلام في أثيوبيا لم يهدأ بال النظام المعتاد على القمع والبطش حتى رأينا استمرار تجنيد المواطنين وحملات الاعتقالات التعسفية والاخفائات القسرية.
كيف بعد كل ما تقوم به الحكومة الإريترية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بأن يظن المطبلين أن عودة الإريتريين لديارهم سوف تكون آمنة وليست محفوفة بالمخاطر من نظام لطالما اعتاد لأكثر من عقدين من الزمن في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
بلا شك بخصوص هذا الموضوع هنالك شيء غريب إذا كان فعلا عودت الإريتريين لموطنهم آمنة لما لا يذهب جميع المطبلين أولا؟ وماهي الضمانات التي قدمها النظام القمعي لحقوق المواطنين عند العودة؟ وكل ما نراه حتى هذه اللحظة منذ حكمه ماهي إلا القمع والسجن وإخفاء قسري وفرض قيود على التنقل وعلى حرية التعبير عن الآراء السياسية أو غيرها واستعباد الشعب وسلب حريته وإلى مالا نهاية من انتهاكات بحق المواطن الإريتري الذي لم يعش حياة كريمة منذ تولي النظام الحالي للحكم.
دولة إريتريا تحكمها الديكتاتورية القمعية التي لا يهمها حقوق شعبها سوى استغلالهم لما يلبي مصالح النظام الحاكم فقط دون النظر لمستقبل وحقوق الشعب وهل يعقل أن يعود المواطن الفار من كيد النظام وهو يرى بأم عينه أن المئات أو الآلاف يفرون من البلاد بسبب الانتهاكات والظلم بحقهم وأن العديد من أحرار الرأي قابعون تحت سجونه منذ زمن طويل ولا يعرف مصيرهم حتى الآن؟ أجزم بكل تأكيد أن كل تلك التساؤلات لا يستطيع المطبلين للحكومة الإريترية بأن يجيبوا عليها.
مازال الوضع في إريتريا كما عهدناه منذ زمن في ظل حكم نظام العصابات ولم ولن يتغير في ظل حكم النظام الحالي ولاحظنا استمرار التجنيد بشكل تعسفي لأبناء الوطن بعد انتهاء الحرب الأثيوبية والتدخل الإريتري الغير مبرر في الحرب فإن ذلك يبرهن أن أجندات النظام الإريتري لم تنتهي بعد في إغراق الشعب الإريتري في المشاكل فهل يعني عودة المواطنين للبلاد هي للخضوع وملء الفراغ في الجيش الذي تهالك ولا الغرق في وحول سجون النظام المظلمة.
لدى الشعب الإريتري للعيش في الحياة ثلاث خيارات لا رابع لهم إما في المنفى والفرار من البلد أو داخل إحدى سجون النظام الموحشة ومواجهة التعذيب أو الموت والخيار الثالث والأخير وهو مايرضي حكومة إريتريا بكل تأكيد ألا وهو الخضوع للنظام وتحقيق ما يلبي مصالحه.
دولة إريتريا لم ولن تصبح موطن لشعبها مادام النظام الحالي هو من يحكمها ويجب على جميع الإريتريين إدراك ما آلت إليه الدولة في ظل حكم النظام وبالذات جميع من يحمل روح الوطنية الصادقة وفي مقدمتهم الجنود والمعارضين. ويجب على جميع الإريتريين الوعي والوقوف متحدين نحو هدف واحد لا ثاني له وهو اقتلاع النظام الفاسد من جذوره فلا حياة ولا أمان ولا حقوق ولا مستقبل في قيادة وحكومة تفننت في سلبها من الشعب.
التعليقات
شكرا جزيلا الأستاذ سمير،
كما أسلفت في مدخل مقالك فإن المطبلين موجودون في كل زمان ومكان والوضع في الوطن ليس بمعزل عن ذلك، المؤسف حقا أن نشاهد الدولة التي طالما حلمنا بها في حالة بائسة والجميع ينتظر الحل من دون أن يحرك ساكنا، إرتريا عبارة عن سفينة متهالكة في محيط هائج إن لم تتضافر الجهود لبحث السبل الكفيلة للخروج من الراهن فالقادم أسوأ، نعم للعودة إن كان الوطن يحفظ كرامة المواطن المهدرة في المنافي والملاجئ، الوطن ينزف طاقاته لمصلحة الآخرين، الوطن بحاجة لحكومة فاهمة ومعارضة متفهمة دون إقصاء لأحد، خاصة لكل من يؤمن بوحدة التراب الإرتري وشعبه، الوضع في القرن الأفريقي ماثل أمامنا وحينما ينفرط العقد في إرتريا فإن عودته سيكون مستحيلا، فالأوضاع الدولية ليست كما السابق، لذا على الحكومة أن تعي ذلك وتبحث عن الحلول والكرة في ملعبها قبل فوات الأوان، وكذا المعارضة عليها أن توحد رؤيتها بعيدا عن سياسة اقتلاع النظام، اقتلاع النظام ليس الحل الأمثل لبناء دولة يتعايش فيها الجميع من أجل الأجيال القادمة.