تحديات في مواجهة الحكومة الملكية في اسمرا - الحلقة الأولى
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر فريتاي - كاتب ومفكر سياسي
ما تتسارع به مجريات الأحداث في المنطقة، وما حولها يفضي الى مخاوف ليست بسيطة
إن لم نقل انها تفضي الى توجسات عالية القياس على مستقبل دولة ارتريا، بعد ان حكمتها سلطة بلا طعم ولا لون، نضحت خلال ثلاثة عقود أبشع الممارسات بحق البلاد والعباد وظلت تتربع على تلة دولة خربة تتقاذفها مدلهمات (الصراع) السياسي الدولي والإقليمي، ورغم ان بلاداً مثل ارتريا واثيوبيا والسودان والصومال وجيبوتي تشكل النسيج والهيكل المحوري لمنطقة القرن الإفريقي وتطل على بحرين طويلين ومهمين لتجارة الدول (البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي) إلا ان اصبع التدخل الدولي ذي المصالح الواضحة في المنطقة ما زال يمارس لعبة القط من وراء ستار لم يَحجب عنا (على اية حال) معرفة اللاعبين المؤثرين في المنطقة، والمؤكد في وعينا ان اللعبة الدولية والتسابق في مساحات دول القرن الإفريقي لا يتمظهر (مثلاً) بمستويات الصراع في الخليج العربي أو فلسطين أو الصراع المحتدم في اوكرانيا، لأنه وببساطة المطلوب حدوثه في الدول المشار اليها في منطقتنا هو (التهشم والتمزق والفساد والإنفلات الأمني وانفراط النسيج الاجتماعي والتفسخ ..الخ) مثلما يحدث الآن في اقرب دولة الينا تحت اشراف رقيب دولي!!!!
السلطة القائمة في عدي هالو هي في الواقع سلطة فرد فاسد ومتسلط ومتردي في القيم الإنسانية والاخلاقية لم يركن الى حكم مؤسسة او حزب ولم يستند الى أي نوع من التفويض حتى لو كان تفويضاً من برلمان صورى من داخل حزبه الكرتوني الذي اختفى في ظروف قاهرة، والحال ان توصيف (الحكومة الملكية) أو سلطة الرئاسة الملكية تنطبق على سطلة اسياس افورقي تماماً لأنه لا يخضع لأي انتخاب ولا تعززه مؤسسة تشريعية للشعب ولا يضبطه قانون او تشريع، هو في الحقيقة نمط سلطة الفرد المستبد لحدود لا منتهية.
هذه الحكومة او السلطة في الواقع ارتكبت اخطاء فادحة وغير محسوبة النتائج منذ العام الأول لحكمها العضوض، وابرز تلك الاخطاء تمثلت في سياسته الخرقاء بمعاداة شعب ارتريا بالسجن والاعتقال والملاحقات وكتم النفس، ما ادى الى هجرة واسعة خاصة للشباب، ثم منع اي ممارسة لحرية الرأي والمعتقد واصدار فرمان اخرق بمنع اي نشاط سياسي، اعقب ذلك ممارسة سياسة سرقة تاريخية لنضال الشعب وتغيييب سيرة ثورتنا ...الخ ونجم عن ذلك جيل مشوش في قراءة تاريخنا السياسي والنضالي وبالتالي جيل يعاني اذ جاز التعبير (خلل في بنائه الوطني)، على ان البناء الوطني النفسي والثقافي لا يقتصر فقط على فرض صورة مجتزأة لا يظهر فيها الا الحاكم المستبد، وانما يستند الى مصادر معرفة مهمة ابرزها التطور السياسي والتاريخي وكذلك البناء الاجتماعي والثقافي.. للشعب عبر التاريخ.
إن اسرع نتيجة مباشرة لسياسة الإستبداد والطغيان تمثلت في مستوى التهديد الشامل الذي يواجه حياة المواطن الإرتري في الداخل بصورة أكبر وعلى مستوى الخارج بقياس آخر، وطبيعي فإن التهديدات الناجمة عن الإستبداد ستولد نوع من التحديات في نفوس ومواقف الجماهير وهذه التحديات هي التي تولد طاقة المواجهة ضد اخطبوط النظام، وسيكون النظام بهذا المعطى الواضح هو التهديد (رقم واحد) والأساسي لمستقبل المواطن ولمستقبل الدولة عموماً، لهذا فإن مواجهته والنضال من اجل اسقاطه يمثل خيار وأولوية للجماهير الواعية حتى تستقيم معادلة الدولة الإرترية ومن ثم تكون مواقف هذه الدولة تمثل حالة دفاع عن الشعب وعن المستقبل الوطني.
وهنا تبرز امامي تساؤلات هي في الحقيقة اقرب الى المعادلات:-
• هل ان اسقاط نظام (الحكم الملكي) في اسمرا يمثل وضع نهاية لسياسة الإضطراب بين ارتريا وجيرانها؟؟
• أم، ان استمرار سياسة مملكة عدي هالو وقبضتها ستعرض المنطقة الى تهديدات أوسع من التي نتابعها الآن؟؟
المعطيات التي واكبناها منذ العام 1991، والتي لا ينتطح فيها عنزان، هي ان سلطة اسياس حاربت كل ما يمت الى الحرية والعدالة والأمن والإستقرار بيدِ من حديد، والغت كل المؤسسات وطورت آلة الحرب والأمن والمخابرات ومؤسسات الخنق والقتل العمد، وكل ذلك تحت مسمى (الحبهة الشعبية للديمقراطية و العدالة) وأول ذبيخ قُدم قرباناً للديمقراطية كانت حرية الرأي والمعتقد وفرض سياسة الفرد المطلقة ليس فيما يختص بالدولة بل جاء الحاكم المستبد الى القاعات ويمنع كثير من الأستحقاقات وعلى رأسها منع اللغة العربية والتعليم بها (في حديث ما زال موجود في النت)، ولو انه كان يؤمن بالديمقراطية لأخضع رأيه هذا للشعب ليرى النتيجة الضاحضه لإفتراءاته، وأما عن تحجيم حقوق المسلمين في التعليم والتنوير ...الخ فحسبنا ما جرى في مدرسة الضياء الإسلامية!!!، وأما مظاهر تقبيل الصليب التي استعرض بها فإنه ايضاً لم يكن صادقاً فيها والشواهد كثيرة.
على أية حال، ما أثار عندي حفيظة الكتابة هو ما يتم تداوله حول عدوان مرتقب للوياني على ارتريا؟؟ وان الوياني ستبتلع ارتريا!!! وأنها ...الخ؟ ومثل هذه الإطروحات في ظني إن لم توضع في نصوص منضبطة ومنطقية ستكون (معادل نشط) في احداث انقسام في الرأي وبلبلة في التوجه العام، والحال انها صياغات مرسلة ليس لها سند واضح من تصريح او تحرك على الأرض، وقد تفهم في بعض حالتها كونها بالونات اعلامية وتعبوية موجهة تستثمرها (السلطة المستبدة) لتوطيد حكمها العضوض وغير الشرعي، وأجد ان الأمر يحتاج الى دقة تعبير ومصداقية موقف وطني من منابر الإعلام الجماعية والفردية، فليس من الموضوعية في شيئ أن تتحول بكل الشعب الذي وقف ضد نظام (الحكم الملكي) خلال ثلاثين عاماً وتختار له ان يقف الآن مع إسياس افورقي، لماذا؟ لأننا الآن ندافع عن السيادة الوطنية!!! وعندما تندحر الوياني نعود الى مواقعنا سالمين!!؟؟.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة