طائفية النظام الأرتري
بقلم الأستاذ: علي محمد محمود - كاتب وناشط سياسي ارتري
زار اسياس افورقي والوفد المرافق له - المكون من خمسة اشخاص من القيادات المسيحية في الجبهة الشعبية
البابا شنودة في مقره في القاهرة في 1 يوليو عام 1993م كما جاء في مجلة "كرازة العدد 30 يوليو 1993م" يعني بعد اعلان استقلال ارتريا بشهرين وسبعة ايام فقط تقريبا، وطلب فخامته اسقلالية الكنيسة الارترية عن الإثيوبية. لاحظ أن أهمية الكنيسة تفوق عند اسياس تثبيت اركان الدولة الوليدة وحل اشكاليات اللاجئين، وتوفير متطلبات التنمية وغيرها، أكيد بعد هذا أيضا من يجادل بالباطل ويقول أنه علماني ليس له دخل بالدين.
في 25 مايو 1994م زار وفد من الكنيسة القبطية يتكون من الأنبا بيشوي سكرتيرالمجمع المقدس للكنيسة القبطية والأنبا موسى اسقف الشباب والأنبا سرابيون اسقف امريكا وكان في استقبالهم اسياس افورقي وعدد من المسؤولين الحكوميين طبعا من المسيحيين فقط، ناقش معهم اسياس قضايا كثيرة وأهمها زيارة البابا شنوده لارتريا وكما جاء في مجلة "الكرازة" وهي مجلة ناطقة باسم الكنيسة القبطية أن اسياس الغى اي موعد له يتعارض مع موعد وصول البابا شنوده.
وبالرغم من مزاعم فصل الدين عن الدولة فان الاستقبال الحافل رسميا ودينيا الذي حظي به البابا شنودة عندما زار ارتريا لم ير مثله باعتراف الكنيسة المصرية، كما جاء في كتاب "دور الكنيسة القبطية في افريقيا" واستلامه لهدية الصليب من البابا.
جاء اسياس افورقي بنفسه الى الكدرائية لتهنئة البطريرك الإرتري المنتخب الذي قام البابا شنوده بتتويجه وسيامته وتجليسه في عام 1998م. طبعا هذا يتم في الوقت الذي زج بجميع الدعاة والمشايخ المسلمين في السجون بصورة متلاحقة وكأنه يسابق شيئا ما، فماذا نسمي هذا إن لم نسميه طائفية.
قام اسياس افورقي بوضع حجر الأساس لكلية مارقوس اللاهوتية باسمرا وتستوعب هذه الكلية أكثر من 1250 دارس توفر لهم السكن والاعاشة وللعلم فانها تعتبر أكبر كلية في منطقة شرق افريقيا.كما بنيت في ارتريا عدد من الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية الكبيرة والمتوسطة على مداخل المدن الكبيرة وفي اكثر القرى تقريبا حتى لو لم يكن بها مسيحي واحد.
وبالمقابل فقد تم انتزاع ارض مسجد كرن ومساجد أخرى، واغلقت عدة معاهد مثل معهد مصوع وقندع وغيرها، وفرض على المعاهد التي لم تغلق أن تدرس منهج الحكومة دون أن يكون للحكومة أي اسهام مالي أو اعتراف بشهادة هذه المعاهد، فهل يتكرم المدافعون عن طائفية اسياس افورقي أن يقدموا لنا تفسيرا منطقيا لهذا السلوك. كلية ضخمة للاهوت جديدة تفتح وتدعم ادبيا وماليا، وتغلق معاهد اسلامية صغيرة ظلت تعمل حتى في فترة الاستعمار. يضاف الى ذلك وضع اثنين من الكنائس التاريخية في قائمة الآثار لتحظي بدعم حكومي او دولي في الوقت الذي رفض ادراج المساجد التاريخية في قائمة الآثار.وقد فصلت وثيقة ابراهيم مختار ذلك بصورة استقصائية رائعة.
يذكر احد الأخوة وكان يعمل في وزارة الداخلية في الفترة التي كان علي سيد يرحمه الله على راسها، لأن قسم شؤون الاديان في ارتريا يتبع وزارة الداخلية، وبالتالي تشرف الداخلية على ميزانية الأديان، وكانت الكنائس الثلاثة المعترف بها في ارتريا (الأرثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية" إضافة الى الإسلام تتسلم ميزانيتها من الوزارة، وكانت ميزانية الكنائس ضخمة تتضمن ميزانيات الانشاءات والتسيير، أما الميزانية التي يتسلمها المفتي حينها فتقتصر فقط على مرتبات الأفراد الذين يعملون في مكتب المفتي ولا يتجاوز عددهم اصابع اليد، ولم يكن للمفتي حينها سيارة، فاقترح علي سيد على المفتي أن يقدم طلبا مكتوبا الى الوزارة بتخصيص سيارة للافتاء، الا أن وزارة المالية رفضت الطلب في البدء، فغضب علي سيد وجرت ملاسنات بينه وبين وزير المالية قائلا أن اتباع الاسلام يشكلون 50% حسب احصائيات الحكومة، وبالتالي كان يفترض أن تتساوي ميزانيتهم بميزانية الكنائس المسيحية مجتمعة، ولكنها اليوم لا تساوي ميزانية الكنيسة البروتستانتية التي لا يتجاوز عدد اتباعها 2% من السكان، وأنت تضن على هذا الرجل الكبير في السن والمقام بسيارة تقله الى موقع عمله، ولم تمض الا بضعة أيام حتى أقيل علي سيد من وزارة الداخلية باعتبارها المشرفة على الاديان لأنه اكتشف الدور الطائفي للوزارة، ولأن اسياس افورقي مصر على استمرار هذا الدور.
تمت إعادة اوقاف الكنائس التي صودرت ايام منقستو هيلي ماريام اليها، ولكن اوقاف المسلمين لم تسترد بالرغم من المطالبات الكثيرة، ولا يجد اليوم أغلب المؤذنين وأئمة المساجد ما يسد حوجتهم لعدم وجود مرتبات، كما نهم غير معفيين من الخدمة الوطنية "والعقور" في الوقت الذي ظلت فيه الحكومة تغض النظر عن العاملين في الكنيسة بدوام كامل والذين يتجاوز عددهم (4000 شخص) حسب احصائيات الكنيسة نفسها، هذا من غير الرهبان الذين يصل عددهم (15000) راهب.
قد يقول قائلهم إن البطريرك أنطونيوس نفسه كان تحت الإقامة الجبرية لأنه رفض استخدام الكنيسة لأغراض طائفية، ورفض أن تكون الكنيسة العوبة في يد طاغية، وهنا لا يسعنا الا أن نشيد بهذا الموقف المتوازن، وللعلم فإننا لم نتهم البطريرك أنطونيوس بالطائفية وإنما اتهامنا اسياس افورقي وزمرته والمدافعين عنه، وهنا نتحدى اسياس افورقي والمدافعين عنه إذا لم يكن نظامهم هذا طائفيا فاليعدل في الظلم، وذلك بوضع الشيوخ الذي يقبعون في السجون منذ 1992م، تحت الإقامة الجبرية، ويسمح لبعض الضيوف زيارتهم احيانا كما يفعل مع البطريرك. انظر الفارق!!!
ماذكرناه يدخل ضمن الدائرة الدينية البحتة ومثله كثير، إنما فقط سقنا ذلك لضرب نماذج، أما ما يتعلق بالسياسات الطائفية في القضايا العامة فحدث ولاحرج.
أول شكل لطائفية نظام اسياس افورقي بدأت بمحو تاريخ المسلمين من خلال الكتب والمجلات والقصص وبرامج التلفزيون والإذاعة التي يتم انتاجها بتوجيه من النظام، والتي تحصر تاريخ المنطقة وبطولاتها في المسيحيين فقط، فلا تجد ذكر للرابطة الإسلامية ومواقفها، ورجالاتها ولا حركة التحرير، بل هناك تشويه متعمد لنضال جبهة التحرير، وتجد حتى اليوم في برامج التثقيف السياسي التي تقدم للطلبة في ساوا إغفال تام لتاريخ الجبهة، لأنه في رأي الطائفيين يمثل جزءا من تاريخ المسلمين. فانظر الى هذا الحقد الدفين والطائفية المقيتة.
يعلم الجميع كما جاء في وثيقة ابراهيم مختار أن نظام الشعبية وضع العراقيل أمام عودة اللاجئين الى أوطانهم الأصلية ولم تتجاوز النسبة العائدة 14% من جملة الأعداد المسجلة في كشوفات اللجوء، ويعلم المتابعون لحركة العودة الطوعية حتى هذه النسبة البسيطة لم يوافق عليها النظام الا بقدر حاجته للحصول على المبالغ المالية المرصودة لبرنامج العودة من الموفوضية السامية للاجئين والدول المتعاونة معها. وإمعانا في الطائفية وحتى يحد من تاثيرهؤلاء العائدين لأن المسلمين يمثلون فيهم الأغلبية المطلقة، فقد اصر نظام الشعبية وضعهم في مخيمات مغلقة في المنطقة الغربية، هذه المخيمات تنعدم فيها الخدمات الأساسية، حيث اضطر هؤلاء للجوء مرة اخرى الى السودان، تم ذلك في الوقت الذي كانت تمنح فيه الجنسية الإرترية للقادمين من تجراي باحقية قانونية نيل الجنسية بأي من الوالدين سواء من زواج شرعي او محرم، فهل رأيتم طائفية اسوأ من هذا.
اللغة العربية تم إقرارها كلغة رسمية جنبا الى جنب مع التقرينية في الدستور الفيدرالي، وظل نصف السكان حسب احصائيات الحكومة يطالب بأن تأخذ اللغة العربية وضعها القانوني، ولكن منتهى ما ظفرت به من رسمية ووطنية في ظل النظام الطائفي أن تقدم بها نشرة الأخبار لمرة واحدة يوميا في زمن لا يتجاوز العشر دقائق. فقد همشت في التعليم، وفي التوظيف حتى في المناطق التي لايجيد أهلها غير العربية، وتم رفض تشغيل خريجي الشرق الأوسط. ما ذنب اللغة ياترى في هذا العزل إذا كانت اللغة في الأساس أداة محايدة، التفسير الوحيد هو طائفية اسياس افورقي وحرصه الشديد على إغلاق المنافذ الثقافة العربية والاسلامية عن الاجيال الصاعدة.
نسبة المسلمين في الوظائف العامة 9% فقط كما جاء في وثيقة ابراهيم مختار، كما أن نسبة الطلاب والموظفين من ابناء المسلمين الذي يظفرون بالمنح الدراسية وفرص التاهيل بشق الأنفس في الخارج لا يتجاوز عددهم 5%، فهل يتناسب ذلك طردا مع تعداد المسلمين أم أنها الطائفية السافرة، وللعلم ولسنوات متتالية من بعد الاستقلال لم يكن لأبناء المسلمين حظ في دخول الكليات العلمية مهما كانت نسبة تحصيلهم وتفوقهم، وإنما فقط معاهد وكليات التربية بحجة أن مناطقهم تحتاج الى مدرسين أكثر من الوظائف الأخرى وارجعوا الى نسب القبول في الكليات في تلك الفترة.
القليل الذي تحقق من التنمية في ارتريا تركز على مناطق المرتفعات فقط وهو ماثل للعيان، وقد ذكر لي احد الوزراء السودانيين زار ارتريا قبل سنوات، فقال اخذونا في جولة استعراضية للانجازات التنموية التي تحققت في منطقة المرتفعات وكان هناك طريق جديد شق وسط الجبال كانه أفعى تتلوى، اكيد إن تكلفته باهظة فسألت مرافقي هل هذا الطريق يربط مناطق انتاج زراعي او صناعي بمناطق التوزيع أو التصدير؟ فقال ليس بعد، فقلت هل يربط طريق قاري مع اثيوبيا مثلا؟ فقال لا، فقلت هل يربط بين مدينتين كبيرتين؟ قال لا، فقلت إذن ما جدواه الإقتصادية؟ فصمت مرافقي وعلمت فيما بعد انه يربط القرى المسيحية المتناثرة في المنطقة. لا يزال النظام يغض الطرف عندما يستخرج الأفراد من اهل المرتفعات الذهب والنحاس، أما إذا استخرجها أهل المناطق الأخرى فهم بين مصادرة المستخرج، واعدام الشخص حتى يستمر الفقر والعوز في هذه المناطق ومن ثم يتركونها ويغادروا ارتريا كلها. لا تزال امتيازات السكن والاستثمار تعطى للمسيحيين ففي مدينة كرن مثلا البيوت والدكاكين المصادرة من الاطاليين واليمنيين تم بيعها، فمن جملة ثلاثمائة منزل ودكان، كان نصيب المسلمين ثلاثة مواقع فقط مع أنهم كانوا احق بها من غيرهم. هذا فضلا عن الاستيطان في مناطق القاش وبركة.
أما بعد 21 يناير 2013م فقد اصبحت ممارسة الطائفية بمثل فلق الصبح، فعدد الذين تم اعتقالهم حتى الآن من الجيش، ومن الخدمة المدنية من المسلمين بحجة اشتراكهم او تعاطفهم مع "حركة فورتو" حوالي 650 شحصا، مقابل 22 من المسيحيين اطلق سراح 7 منهم فيما بعد، وقد اجتمع اسياس افورقي بعدد كبير من القسيسين بعد الحركة وقدم لهم تفسيرا طائفيا لما حدث في 21 يناير 2013م، ويذكر الأخوة المتابعون الوثيقة التي كشف عنها اقتحام السفارة الارترية في برطانيا، وتصريحات سفير ارتريا في كينيا بان الذين قاموا بالعملية هم من الأصوليين الإسلاميين، وبهذا بدأ يخوف القسيسين والرهبان ومثقفي المسيحيين بأنهم ستعلق لهم المشانق في الطرقات اذا نجح المسلمون في اسقاط نظام الشعبية الطائفي. وكانت هناك حركة نشطة للكنيستين الإرترية والإثيوبية لاعادة العلاقة بين الحكومتين منذ الحرب الإثيوبية الارترية ولا تزال تواصل مسعاها تحت سمع وبصر اسياس افورقي والمبرر لايحتاج الى توضيح.
وأخيرا وأرجو ان يكون آخر مطاف الطائفية، فقد تم تعيين سبعة اشخاص يفسدون في الرض ولا يصلحون، من القادة المتعصبين لإدارة البلد تحسبا لهلاك اسياس افورقي، فهو يسعى الى حكمنا بنفس السياسة حيا وميتا وهؤلاء هم:-
(1) فلبوس ،
(2) يماني فبر آب ،
(3) ابرها كاسا ،
(4) يماني قبر مسقل ،
(5) سبحت افريم ،
(6) محاري تسفاي ،
(7) تخلي منجوس .
فلماذا لم يطعهما الطائفي ولو "بخداج" من المسلمين لذر الرماد في العيون وحتى يجد المدافعون عنه متكئا، أنه لطائفي محرج لبطانته وانصاره، والغباء من جنود الله الكاشفة الفاضحة.
ونحن من جانبنا نعترف أن عددا من المسيحيين لحقت بهم مظالم من هذا النظام، ولكنها تظل دون ما تعرض له المسلمون. إن ما نستغربه ويقلقنا ليس طائفية اسياس وزمرته، وإنما دفاع المثقفين والسياسيين المسيحيين الارتريين عن هذه الممارسات أو عطاء تفسيرات بعيدة لها، وهي حالة اكتشفها الغرباء وتحفظوا عليها في الوقت الذي ينكرها المتابعون عن كثب من اخواننا المسيحيين الإرتريين فقد جاء في كتاب "دور الكنيسة القبطية في افريقيا" لمؤلفه د.جوزيف رامز أمين في معرض استعراضه لوضع الكنيسة في أرتريا تحت فقرة تشكيل السياسات في ارتريا: "حيث ان الاتجاهات السياسية بها - اي ارتريا - ما زالت في مرحلة لإعادة تشكيلها ولم يعرف بعد هويتها فقد رفضت الإنضمام لجامعة الدول العربية، ووثقت علاقتها مع اسرائيل التي ساعدتها في تصعيد أزمة جزر حنيش وفي نفس الوقت فإن المعارضة الإرترية تتهم الحكومة بانتهاج سياسة طائفية ضد المسلمين وانها تنفذ مخططا هدفه تغيير الهوية الثقافية لإرتريا رغم أنها بلد يقوم تاريخيا على ثقافتين عريقتين اسلامية ومسيحية ومن ثم فان كل هذه الأوضاع قد تضع علامات استفهام امام مستقبل العلاقات، وخاصة ان الكنيسة القبطية معروف عنها ادوارها الوطنية وموقفها من القضايا العربية ومن اسرائيل ومن قضية القدس ومن حرصها على الوحدة الوطنية".
فهل يعتقد شركاءنا أننا من الغفلة بحيث تنطلي عليه المواقف ونرى الظلمة نورا والظلم عدلا، أم أنهم لا يأبهون، ولا يعتقدون أن الدنيا "دبنقا" والحكم دول بين "يهب وينزع"، "وعندَ صفو الليالي يحدثُ الكدرُ" ربما قد تكون الجولة القادمة للمسلمين، فكيف لو قام المسلمون بنفس الفعل كرد على هذه الجراحات الغائرة. أقول أن الموقف الأمثل والأعقل لاخواننا المسيحيين المثقفين منهم والسياسيين أن يعترفوا بالممارسات الطائفية لاسياس افورقي وزمرته ويتبرأوا منها، باعتبارهم لم ينتخبوه ولم يشيروا عليه بهذا السياسات الرعناء، ومن جانب المسلمين سيتقيدون حتما بقول الله (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، مدركين مواقف إخوانهم معهم في اللحظات الحرجة، أما من نرضي منهم ومالأ فهو شريك بالتأكيد، فهل القوم على استعداد لتحمل تبعات جرم لم يقترفوه بدفاعهم عنه، ويكون عليهم غرمه ولسياس وزمرته غنمه؟... ولتعلمن نبأه بعد حين.